دخل اتفاق ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل ساعاته الحاسمة وسط أجواء إيجابية توحي بأن التوقيع النهائي بات على مسافة أيام قليلة، خصوصاً بعد اتصال الرئيس الأمريكي جو بايدن برئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون ورئيس الوزراء الاسرائيلي يائير لابيد مهنئاً بالاتفاق كما لو أنه تم توقيعه فعلياً.
وفيما سيعلن عون موقف لبنان النهائي منه اليوم، فإنّ مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغّر سيعلن في الوقت نفسه موقف إسرائيل النهائي أيضاً، والذي استبقه لابيد بوصفه بأنه اتفاق تاريخي.
الساعات الأخيرة قبيل الاتفاق
يشير مصدر في رئاسة الجمهورية اللبنانية إلى أن الوسيط الأمريكي آموس هوكشتاين وقبيل الإعلان عن الاتفاق، كان قد أجرى اتصالاً بالرئيس ميشال عون ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي.
هوكشتاين أبلغ الطرفين أن الأزمة تتعلق بالحاجة لتعديل بعض العبارات التي سينسقها مع كبير المفاوضين اللبنانيين إلياس بوصعب.
وأكد هوكشتاين لعون وميقاتي -حسب المصدر- أن رفض لبنان المطلق الربط بين حصّة إسرائيل من حقل قانا والتعويض الذي ستدفعه شركة توتال الفرنسية، تعني أن لبنان لن يكون له دخل بهذا التفصيل، وأن واشنطن تضمن بدء العمل في قانا بالاتفاق بين توتال وإسرائيل.
وأوضح المصدر أن الخلاف الأساسي كان يتمحور حول ما يسمى خط العوامات، وقد أكّد عون وميقاتي للوسيط أنّ الترسيم يبدأ من المنطقة الاقتصادية باتجاه الخط 23. أمّا منطقة العوّامات فيبقى الوضع الحالي مع الأخذ في الاعتبار موقف الطرفين من قانونية هذا الخط، وكما ورد في النص.
وهو ما يؤكّد ألا تنازل ولا تراجع للبنان عن حدوده، وأنّ هذا الجزء من الحدود سيتمّ ترسيمه مع البرّ لتوفير الحماية لنقطة رأس الناقورة التي لا التباس حولها.
حراك داخلي لبناني
انكبت كل الاتصالات والاهتمامات يوم أمس الثلاثاء 11 أكتوبر/تشرين الأول على ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية في ضوء تسلّم لبنان الصيغة النهائية لمشروع الاتفاق بينه وبين إسرائيل من الوسيط الأمريكي آموس هوكشتاين.
وتلاحقت اللقاءات والاتصالات بين الرؤساء الثلاثة ميشال عون ونجيب ميقاتي ونبيه بري، وأفضَت إلى موافقة على الصيغة الإنجليزية للمشروع، فيما عكفت رئاسة الجمهورية على مراجعة الصيغة العربية، وأعلنت أن الصيغة مرضية للبنان لا سيما أنها تلبّي المطالب اللبنانية.
وتشير مصادر رئاسة الجمهورية لـ”عربي بوست” أن الاتصالات التي جرت أمس، وشارك فيها رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبد الله بوحبيب، دخلت في كثير من التفاصيل حول ما يمكن القيام به في هذه المرحلة بعدما تبين أن هناك أكثر من سيناريو للمرحلة المقبلة حول التنقيب والاستخراج.
مراسم توقيع اتفاق ترسيم الحدود
بالمقابل، تشير مصادر رئاسة الحكومة لـ”عربي بوست” إلى أن الاتفاق سيجري توقيعه في 20 أكتوبر/تشرين الأول الحالي في مقر قوات الطوارئ الدولية “اليونيفيل” عند نقطة الناقورة الحدودية، تحت علم الأمم المتحدة.
وبحسب المصادر، فإن الحضور سيكون رفيع المستوى من الجانب الأمريكي؛ إذ ستحضر مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط باربرا ليف والمبعوث الأمريكي لشؤون أمن الطاقة آموس هوكشتاين والذي سيتسلم مع ممثلي الأمم المتحدة، الرسائل من لبنان وإسرائيل كلّ على حدة بعد التوقيع عليها لتصبح نافذة.
وستُراعى الشكليّات بحيث لا يكون بين الوفدين اللبناني والإسرائيلي كلام مباشر.
وعن الوفد اللبناني، يشير المصدر إلى أنه سيتكون من ممثلي قيادة الجيش والوفد التقني العسكري وممثلين عن وزارة الطاقة، وسيقوم بالتوقيع في غرفة منفصلة عن مكان وجود الوفد الإسرائيلي.
وسينتظر لبنان طبيعة الوفد الإسرائيلي قبل تشكيل الوفد اللبناني، لكن لن يكون الوفد سياسياً بل تقنياً عسكرياً بالدرجة الأولى. لكن يبقى مثل هذا الأمر مرهوناً باتفاق الرؤساء بعد اجتماعهم المرتقب يوم الجمعة القادم.
بالتوازي، قال مصدر رئاسة الجمهورية لـ”عربي بوست” إن المشاورات التي جرت بين مسؤولين أمريكيين على رأسهم وزير الخارجية أنطوني بلينكن ومسؤولين إسرائيليين، تقضي بأن تعلن حكومة يائير لابيد اليوم موافقتها على المسودة النهائية.
هذا يسمح للبنان بالإعلان عن الموافقة من خلال بيان أو رسالة يوجهها رئيس الجمهورية ميشال عون إلى اللبنانيين اليوم أو غداً على أبعد تقدير. بعدها يتم الذهاب للإجراءات الخاصة بمرحلة الإعلان الرسمي.
وتشير التفاهمات الأولية إلى أن لبنان وإسرائيل سيوقعان على نسختين منفصلتين عن الاتفاق، ويقومان بإرسالهما إلى الولايات المتحدة. ومن ثم يتم إيداع نسخة من هاتين الرسالتين لدى الأمم المتحدة.
هل يجري خرق الاتفاق؟
في إطار متصل وحول ضمانة استمرار الاتفاق، يشير مصدر دبلوماسي أوروبي مطلع على المفاوضات، إلى أن الولايات المتحدة التزمت بتقديم ضمان لأي احتمال لخرق الاتفاق من قبل الجانب اللبناني، وأن تل أبيب ستحظى من الإدارة الأمريكية على رسالة ضمانات تؤكد أن واشنطن ملتزمة بحقوق إسرائيل الأمنية والاقتصادية في سيناريو يقرر فيه حزب الله أو جهة أخرى تحدي الاتفاقية التي تم توقيعها.
وأضاف المصدر أنه وفي أساس الرسالة ضمانات لخط “العوامات” على أنه دفاع إسرائيلي وحماية الحقوق الاقتصادية لإسرائيل في حقل قانا، وكذلك منع عائدات الحقل من الوصول إلى حزب الله وفقاً للعقوبات الأمريكية.
ويشير المصدر إلى أن بايدن شدد لعون على أن واشنطن ملتزمة بضمان التزام الجانب الاسرائيلي بالاتفاق بشكل كامل، وأن الولايات المتحدة ستمنع أحداً في إسرائيل من خرق الاتفاق، وستكون الضامن الأكيد له.
بين باريس والدوحة
من ناحية أخرى، باشر وفد من شركة “توتال” الفرنسية، لقاءاته مع المسؤولين اللبنانيين فور وصوله إلى بيروت صباح الثلاثاء.
ويضم الوفد رئيس مجلس الإدارة المدير العام رومان لامارتينيار، مدير الشركة ومدير التنقيب عن النفط والإنتاج لوران فيفيه، ومدير شمال إفريقيا جان جايلي.
وبدأ الوفد جولته من السراي الحكومي؛ إذ التقى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، بحضور وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال وليد فياض.
في هذا الإطار يشير المصدر الدبلوماسي أن الجانب الفرنسي يعمل من جانبه على تقديم ضمانات إضافية للبنان ولإسرائيل. ويفترض أن تحمل وزيرة الخارجية الفرنسية معها إلى بيروت رسالة تؤكد على التزام شركة توتال النفطية العمل مباشرة بعد إعلان الاتفاق.
كما سيجري تضمين اتفاق الشركة مع إسرائيل حول تسوية حقل قانا ضمن الاتفاق نفسه. ووفقاً للمصدر، فإن الجانب الفرنسي يريد أن يحجز لنفسه موقعاً في الاتفاق بما يسمح له بلعب دور سياسي أكبر في الملف اللبناني وتحديداً ملف رئاسة الجمهورية التي تسعى للعب دور أساسي فيه بالتعاون مع السعوديين.
كذلك فإن المصدر يؤكد أن دوراً كبيراً لعبته دولة قطر في هذا الملف عبر دفع عملية الاتفاق من خلال موفدين واتصالات أجراها مسؤولون قطريون بهدف الوصول لاتفاق وعدم الانجرار لأي تصعيد عسكري بين لبنان وإسرائيل.
ويؤكد المصدر أن قطر مرشحة بشكل كبير لأن تكون إحدى الدول المشاركة في التنقيب في المساحات البحرية اللبنانية، وذلك عقب خروج الشركة الروسية “نوفوتيك” من سباق التنقيب.
ويشير أن قطر كانت محطة رئيسية لهوكشتاين في ملف الترسيم لكونها وسيط جيد بين كل الأطراف بالمنطقة.
الرئيس اللبناني يكشف موعد البدء بترحيل اللاجئين السوريين.. وتحذيرات من “الإعادة القسرية”
أعلن الرئيس اللبناني ميشال عون، الأربعاء 12 أكتوبر/تشرين الأول 2022، أن “عملية إعادة اللاجئين السوريين على دفعات إلى بلدهم، ستبدأ الأسبوع المقبل”، في قرار يتجاهل تحذيرات المنظمات الحقوقية التي حذرت في وقت سابق من الإعادة القسرية للسوريين إلى بلادهم.
يأتي قرار عون بعد أن وضعت الحكومة خطة إعادة اللاجئين السوريين؛ إذ كشف وزير المهجّرين في الحكومة اللبنانية عصام شرف الدين أنه ضمن خطة لبنانية لإعادة 15 ألف لاجئ شهرياً إلى سوريا.
ولطالما دعا مسؤولون بالحكومة اللبنانية إلى “ضرورة عودة النازحين السوريين (كما تسميهم) إلى بلدهم؛ لأن الدولة اللبنانية لم تعد قادرة على تحمل أعباء هذا الملف؛ الاقتصادية والاجتماعية والأمنية”.
وتشكو الحكومة اللبنانية من ضعف المساعدات المالية التي تقدمها الأمم المتحدة مقارنة بكلفة الاحتياجات، فمثلاً في عام 2021 تلقى لبنان مساعدات بقيمة 1.69 مليار دولار من أصل 2 مليار دولار، وفق بيانات رسمية.
وكان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي هدد في يونيو/حزيران 2022 بأن لبنان سيعمل على إخراج السوريين من لبنان بالطرق “القانونية اللبنانية”، في حال عدم تعاون المجتمع الدولي لإعادة اللاجئين إلى بلدهم.
وبعد يومين، ردت المنسّقة المقيمة للأمم المتحدة في لبنان نجاة رشدي، في بيان، ذكّرت فيه بالتزام الحكومة اللبنانية بمبدأ عدم الإعادة القسرية بموجب القانون الدولي، وبمبدأ ضمان العودة الآمنة والطوعية والكريمة للاجئين واللاجئات.
وعلى مدى السنوات الماضية قام لبنان بعدة محاولات لإعادة قسم من النازحين إلى بلادهم لكنها لم تكلل بالنجاح، أما اليوم وفي ظل الضغوط الاقتصادية والمالية على البلاد، ترى السلطات أن إعادة اللاجئين ضرورة لا تحتمل التأجيل.
تحذيرات حقوقية من الإعادة القسرية للسوريين
واصطدمت الخطة اللبنانية بخصوص إرجاع اللاجئين السوريين برفض المجتمع الدولي حتى الساعة، وبحسب شرف الدين فإن الأمم المتحدة “ترى أن الأمن في سوريا لم يستتب بعد، ولذلك تطلب من لبنان التريث في تنفيذ إجراءات إعادة النازحين”.
وبخصوص ملف اللاجئين “السياسيين” السوريين الذين يقدر عددهم بعشرات الآلاف، قال شرف الدين، إن “على المفوضية بحسب الأعراف والقوانين الدولية أن تؤمن وصولهم إلى بلد آمن”.
ولفت إلى أنه في العام الماضي “جرى تأمين 9 آلاف لاجئ سياسي، من خلال انتقالهم من لبنان إلى بلد ثالث (لم يوضحه) عبر الأمم المتحدة”، مشيراً إلى أن “المنظمات الدولية وعدت بتأمين عدد أكبر في السنوات المقبلة”.