حققت روايتا «وولف هول – قصر الذئاب» و«برينغ أب ذا بوديز – أخرجوا الجثث»، وهما الروايتان الأوليان من ثلاثية توماس كرومويل، ملايين النسخ مبيعاً. والآن، تُنهي الكاتبة الحائزة على جائزة بوكر الأدبية مرتين المهمة التي بدأتها بالرواية الثالثة التي تحمل عنوان «ذا ميرور آند ذا لايت – المرآة والضياء». تقول الروائية هيلاري مانتل، التي كانت مهووسة بحياة السياسي الإنجليزي السير توماس كرومويل منذ نعومة أظفارها: «بمجرد الاستماع إلى هذه الأصوات، يبدو الأمر مثل تشغيل جهاز الراديو في الخلفية لمدة 15 عاماً كاملة. إنها لا تتلاشى على الإطلاق».
تعاني هيلاري مانتل من حلم قديم يعاودها باستمرار وتدور أحداثه داخل مكتبة، حيث تعثر على كتاب فيه حفنة من معلومات تاريخية كانت تبحث عنها، ولكن عندما تحاول قراءتها، تتلاشى الكلمات أمام عينيها. وتقول عن ذلك الحلم: «وعندما أستيقظ، أشعر بإيقاع العبارات يرنّ في ذهني، ولكنني أجهل تماماً ما تعنيه تلك العبارة».
إلا أنه على الرغم من تلاشي الشعور بمجرد الاستيقاظ، فإن تلك الأحلام أفادتها كثيراً: «لسوف يكون هناك دائماً أمر يفوق قدرتك على الفهم، ولكن يتعين عليك السعي لبلوغه رغم ذلك. إن كنت تظن أن الرواية هي الأمر بأكمله، فسوف يخبرك الحلم بمدى هشاشة الرواية».
تشعر السيدة مانتل بأنها مقيّدة أو ملزَمة بالحقائق إلى درجة غير اعتيادية بالنسبة إلى امرأة روائية مثلها. ولقد ساهمت تلك المقاربة في مشروعها الأدبي الأخير –الثلاثية التي خرجت في 1800 صفحة حول شخصية السير توماس كرومويل المحامي ورجل الدولة الإنجليزي من القرن السادس عشر. وهي الثلاثية الأكثر تعقيداً من أي عمل آخر قامت به خلال العقود الأربعة الماضية من عمرها في الكتابة والرواية.
تتتبّع الثلاثية، التي بدأتها مانتل في عام 2009 برواية «وولف هول»، صعود توماس كرومويل غير المحتمل، من أصوله الأولى كنجل لحدّاد متواضع وصولاً إلى بلاط الملك هنري الثامن. وتُختتم الثلاثية برواية السيدة مانتل الأخيرة تحت عنوان «ذا ميرور آند ذا لايت – المرآة والضياء»، وهي عبارة عن سرد شيق للسنوات الأربع الأخيرة من حياة توماس كرومويل، حيث يواصل جمع المزيد من الثروات، والنفوذ، والسلطة مع خسارته الأكيدة لأفضلية الملك، ثم فقدانه لرأسه أخيراً.
تحولت هيلاري مانتل إلى شخصية أدبية شهيرة على المستوى الوطني بفضل ثلاثية توماس كرومويل. ولقد حققت الروايتان الأوليان مبيعات بلغت 5 ملايين نسخة مع ترجمتهما إلى أكثر من 30 لغة. وحازت روايتي «وولف هول» لعام 2009 و«برينغ أب ذا بوديز» لعام 2012 على جائزة بوكر الأدبية، مما جعل من السيدة مانتل أول امرأة تحصل مرتين على الجائزة، وأول روائية تفوز بجائزة على رواية التَّتِمّة. ولقد تحولت الروايات إلى مسرحيتين نالتا العديد من الجوائز من إنتاج شركة «شكسبير الملكية» وهيئة الإذاعة البريطانية. وفي عام 2015، منح الأمير تشارلز السيدة مانتل لقب «السيدة الفارسة الحائزة على وسام الإمبراطورية البريطانية»، مما دفع بعض وسائل الإعلام إلى عقد مقارنات صارمة بين أفراد العائلة الملكية في العصر الحديث وبين سلوكيات الغدر والخيانة التي وصمت سمعة أسرة تيودور التي حكمت إنجلترا في القرن السادس عشر، وضمت الملك هنري الثامن الذي قطع رأس السير توماس كرومويل صاحب الثلاثية.
بدأت ثلاثية هيلاري مانتل برواية «وولف هول – قصر الذئاب» في عام 2009، وتلتها رواية «برينغ أب ذا بوديز – أخرجوا الجثث» في عام 2012، لتنتهي برواية «ذا ميرور آند ذا لايت – المرآة والضياء» في العام الجاري.
وطوال مشوار صعودها إلى الصدارة الأدبية، ظلت الروائية هيلاري مانتل بمعزل عن الآخرين. فلم تكن أبداً جزءاً من المحيط الأدبي اللندني، ويبدو أنها تفضّل الحياة مع شخصيات رواياتها التي فارقت الحياة عن كونها شخصية عامة ومعروفة للجميع. وعلى مدى السنوات العشر الماضية، عاشت رفقة زوجها الجيولوجي المتقاعد غيرالد ماكوين في قرية «بودليه سالترتون» الصغيرة المطلة على ساحل ديفون الشرقي.
ورغم ذلك فهي أبعد ما تكون عن الخجل الشديد. فلقد أثارت السيدة مانتل الجدال أحياناً بسبب مواقفها المبتدعة بشأن العائلة الملكية البريطانية وسياسات البلاد. ففي عام 2013، نشرت الصحف الشعبية جملة من تصريحات قد أدلت بها في محاضرة وصفت فيها دوقة كامبريدج بأنها عارضة أزياء متواضعة بلا شخصية جادة. وبعد ذلك بعام، أثارت غضب الساسة البريطانيين المحافظين وفجرت اضطرابات كبيرة لدى وسائل الإعلام عندما نشرت قصة قصيرة تصوّر حادثة اغتيال مدبّرة لرئيسة الوزراء مارغريت ثاتشر، على أيدي قناص من الجيش الجمهوري الآيرلندي المعارض.
وقال مديرها الأدبي بيل هاميلتون، الذي وصف القصة القصيرة بأنها مضحكة للغاية وغير ملائمة بالنسبة إليها: «لقد قبعت في منزلها لمدة أسبوع كامل لم تغادره حتى هدأت ثورة الصحافة ضدها تماماً».
وفي الآونة الأخيرة، طوردت السيدة مانتل من الصحافة البريطانية بسبب تأخر نشر الجزء الأخير من الثلاثية، والذي كان من المقرر إصداره الشهر المقبل بعد الإعلان الأول عن نشره في عام 2018، وأثار التأخير عدة تكهنات بأن مانتل تعاني من عقدة الكتابة، أو تشتت انتباهها بسبب الاقتباسات المسرحية والتلفزيونية لمؤلفاتها، أو ربما أنها تماطل في إصدار الجزء الأخير لتعلقه الشديد بواقعة إعدام السير توماس كرومويل الذي تعشقه. بلغت التوقعات الخاصة بالرواية آفاقاً غير مسبوقة، واستشعرت السيدة مانتل الضغوط المتزايدة بشأن الخروج بنهاية للثلاثية تستحق الانتظار.
وقالت الروائية مانتل عن ذلك في حالة من الحيرة وربما التوتر: «السبب وراء الوقت الطويل الذي استغرقه الجزء الأخير يكمن في صعوبته، وهذا تفسير كافٍ تماماً. ولكنّ هذا تفسير لا يحمل أي قيمة إخبارية معتبرة، لذلك يواصل الناس البحث عن قصة مفعمة بالإثارة لتفسير الأمر برمته».
كانت كتابة الجزء الأخير المعنون «ذا ميرور آند ذا لايت – المرآة والضياء»، والذي جاء في 800 صفحة كاملة، هي أطول وأعقد رواية من روايات الثلاثية، وكانت في بعض الأحيان من المهام شديدة القسوة على الروائية مانتل. وفي شهور الكتابة الأخيرة، حافظت السيدة مانتل –البالغة من العمر 67 عاماً وكانت تعاني من آلام وأمراض مزمنة منذ شبابها– على جدول زمني بالغ الصرامة. ولم تكن تعلم بالزخم الذي حازه المشروع الأدبي في الخارج حتى انتهت فعلياً من التأليف. والآن، وبعد انتهائها من الفصل الأخير من قصة السير كرومويل، قالت السيدة مانتل إنها انتهت لتوّها من كتابة قصة تاريخية كبيرة وتعتزم بعد ذلك التركيز على تأليف المسرحيات، وهو المجال الجديد بالكلّية بالنسبة إليها. وهي تغادر الروايات الأدبية بصفة جزئية لأنها تستشعر فقدانها القدرة على تحمل أعباء المشاريع البحثية الكبيرة، وبسبب عدم استطاعتها تصور العثور على شخصية تاريخية أخرى ذات جاذبية وأهمية مثل السير كرومويل تستحق الكتابة عنها.
تقول: «لن أقابل شخصية أخرى تضاهي توماس كرومويل أبداً، إن كنتم تدركون المجال الذي احتله ولا يزال من ضميري وإدراكي. كنت مثل الراهبة في منظومة دينية نذرت نذراً مطلقاً بالصمت الطويل. إنه لأمر عجيب، لأنني كنت أستمع طيلة الفترة الماضية للماضي البعيد، وإنني الآن أتحدث عن مشروع ذي قيمة مادية، وهو شعور بالغ التفاهة والخواء عند المقارنة مع السكون الذي كنت أحياه في كل يوم من السنوات السابقة».
تعد السيدة مانتل مناسبة تماماً لمهمة سبر غور الماضي البعيد وإعادة إحيائه. ومنذ كانت طفلة صغيرة، كانت تنتابها رؤى لمختلف الأشباح والأرواح الهائمة، وقالت عن ذلك: «اعتدت رؤية الأشياء غير الموجودة حولنا»، وذكرت ذلك في مذكراتها بعنوان «التخلي عن الأشباح».
نشأت هيلاري مانتل في أسرة آيرلندية كاثوليكية في هادفيلد، وهي قرية صغيرة من أعمال ديربيشاير، وكانت مهووسة منذ صغرها بالخرافات والأساطير والفولكلور والأمور الخارقة للطبيعة. وقبل بلوغها سن القراءة، أصرت أن يقرأ لها أقاربها حكايات من قصة الملك آرثر وفرسان المائدة المستديرة، وقالت: «كان رأسي محشواً بقصص الحكمة والفروسية، والثقة بالذات التي تتأتى من المعرفة الشاملة بفنون ركوب الخيل والمبارزة بالسيف».
ومع بلوغها 18 عاماً من عمرها، التحقت بكلية لندن للاقتصاد ودرست فيها القانون، على أمل أن تصبح محامية في يوم من الأيام. ولكنها لم تتحمل الاستمرار فترات طويلة في التدريب المهني القانوني المضني. وفي تلك الأثناء، كانت قد تقابلت مع السيد غيرالد ماكوين عندما كانا في العشرينات من عمرهما، وتزوجا، وانتقلا للعيش في مدينة مانشستر، حيث عثر زوجها على وظيفة في التدريس كما عملت هي في عدة وظائف قبل أن تبدأ في احتراف الكتابة والتأليف.
– خدمة «نيوريوك تايمز»
هيلاري مانتل تغتال ثاتشر
في منتصف الثمانينات، كان من المقرر أن تزور مارغريت ثاتشر، رئيسة الوزراء البريطانية آنذاك، إحدى مناطق لندن. علم أحد أفراد «الجيش الجمهوري الآيرلندي» السري بالأمر. فاقتحم شقة بطلة القصة، التي ظنته أحد عمال السباكة. كانت شقتها تطل مباشرة على الساحة التي سيمر بها الموكب الرسمي. ثبت المسدس في فتحة في النافذة، بانتظار أن تأتي السيدة الحديدية. ثم، نكتشف أن صاحبة الشقة لا تقل كرهاً لثاتشر من الرجل الذي اقتحمها، واتخذها رهينة له. كره ثاتشر يوحدهما الآن، بل إنها مستعدة للقيام بعملية الاغتيال بدلاً عنه. «اذهب وأعدد الشاي، وأنا سأجلس هنا عند النافذة، وأهيئ المسدس». يخبرها الآيرلندي أنه يريد أن يقتل ثاتشر من أجل القضية الآيرلندية فقط، ومن أجل السجناء الآيرلنديين المضربين عن الطعام، وليس من أجل أي شيء آخر. لكن المرأة الرهينة لها أسبابها الأخرى. ثاتشر بالنسبة لها امرأة لا تحب سوى الأغنياء. إنها تعبدهم، وهي كائن جاهل، غير مستنير، يفتقر إلى الرحمة.
«لقد غيرت هذه المرأة وجه بريطانيا نحو الأسوأ، وزرعت البؤس في كل مكان، وتآمرت حتى على حليب الأطفال، وفرضت ضريبة على رأس كل بريطاني. ألا تستحق القتل؟ تستحقه بالتأكيد». ظلت بطلة قصة «اغتيال مارغريت ثاتشر» تردد ذلك على نفسها، مستعيدة كل الفظائع التي تسببت بها السيدة ثاتشر.
نشرت هذه القصة أول مرة في صحيفة «الغارديان» البريطانية عام 1983، ثم في مجموعة قصصية سميت باسمها عام 2014. لكن بعض المحافظين تذكر الآن فقط هذه القصة، بعد أن نشرت هيلاري مانتل قبل أيام الجزء الثالث من ثلاثية «توماس كرويل»، وهو بعنوان «المرآة والضياء»، الذي انتظره القراء واصطفوا في طوابير لشرائه، بعد انقطاع حوالي ثماني سنوات.
دعا بعض هؤلاء المحافظين، ولو بشكل خجول، إلى محاكمة المؤلفة، التي كانت تفكر باغتيال رئيسة وزراء. وهذا يعاقب عليه القانون، «فالأعمال بالنيات». ومن المعروف أن هيلاري مانتل تكره السيدة ثاتشر «كره العمى»، كما نقول، غير أن العمل الأدبي شيء آخر. ويبدو أن الفصل بين الكاتب وعمله الأدبي لا يزال عصياً على بعض العقول. وكما هو معروف، أُعدمت أعمال كثيرة نتيجة التماهي الفج بين الاثنين، وأدبنا العربي مليء بعشرات الأمثلة على ذلك، من «أولاد حارتنا» لنجيب محفوظ إلى «وليمة لأعشاب البحر» لحيدر حيدر. ولحسن الحظ، تفلت الأعمال الأدبية دائماً من أسر الأحكام القاصرة والقاصرين، أفراداً كانوا أم سلطات. وعكس ذلك، لمَا وصلتنا أعمال دوستويفسكي وبودلير وفلوبير ودي. إتش. لورنس وغيرهم بالعشرات.
نعم، مانتل تكره ثاتشر، وتتمنى اختفاءها، ولكن بالقتل المعنوي، في عمل أدبي خيالي، وليس فعلياً بالطبع.
ثم، من منا لا يفكر باختفاء طاغيته من على وجه الأرض، مع الفرق الكبير بين الفكرة والفعل. كان الحلم الجماعي للمضطهدين والمنفيين عبر التاريخ، ومنهم نحن، هو اغتيال جلاديهم، ولكن ما إن نصحو من النوم، أو نخرج من الخيال، حتى يستعيد الواقع صلادته… ومعقوليته أيضاً.
هتلر والسينما
عُرف عن هتلر اهتمامه الكبير بالفنون والثقافة بشكل عام، فظهرت الكثير من الدراسات حول الكتب التي قرأها، واهتمامه بالهندسة المعمارية، وولعه المعروف بالمؤلفات الموسيقية، خصوصاً مؤلفات فاغنر الأوبرالية.. ومن المعروف اهتمامه بالرسم وزيارة المعارض، عدا العديد من اللوحات التي رسمها. لكن ليس معروفاً جيداً اهتمامه بالأفلام السينمائية.
كتاب «هتلر والسينما» لبيل نيفن، الصادر عن «دار المدى» بترجمة هيثم لمع، يكشف لنا الكثير عن هذا الجانب، ونعرف منه أن ﻫﺘﻠﺮ كان ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﺴﺘﻬﻠﻚ ﻣﺤﺎﻳﺪ ﻟﻸﻓﻼﻡ ﺍﻟﺴﻴﻨﻤﺎﺋﻴﺔ، ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻥ ﻳﺸﺎﻫﺪﻫﺎ ﻟﻴﻠﺔ ﺑﻌﺪ ﻟﻴﻠﺔ ﻓﻲ ﻣﻘﺮ ﺇﻗﺎﻣﺘﻪ ﺍﻟﺠﺒﻠﻲ، ﺍﻟﺒﺮﺟﻬﻮﻑ. ﻭﻗﺎﻡ ﻫﺘﻠﺮ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﺮﺓ ﺧﻼﻝ ﺳﻨﻮﺍﺕ ﺍﻟﺮﺍﻳﺦ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ، ﺑﺼﻮﺭﺓ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓ، ﺃﻭ ﻏﻴﺮ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓ، ﺑﺘﺸﺠﻴﻊ ﺇﻧﺘﺎﺝ ﺍﻷﻓﻼﻡ ﺍﻟﻨﺎﺯﻳﺔ، ﺍﻟﺘﻲ ﺭﻭﺟﺖ ﻟﺮﺅﺍﻩ ﻭﺑﺮﺍﻣﺠﻪ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ.
ﻟﻘﺪ ﺃﺩﺭﻙ ﻫﺘﻠﺮ ﻗﺪﺭﺓ ﺍﻷﻓﻼﻡ ﻋﻠﻰ ﺇﻗﻨﺎﻉ ﺍﻟﻤﺸﺎﻫﺪﻳﻦ، ﻭﺫﻛﺮ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ «ﻛﻔﺎﺣﻲ»: «ﻓﻲ ﻭﻗﺖ ﺃﻗﻞ ﺑﻜﺜﻴﺮ، ﻭﺩﻓﻌﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﺑﺮﺃﻳﻲ، ﻳﻔﻬﻢ ﺍﻟﻤﺸﺎﻫﺪ ﺗﺼﻮﻳﺮاً ﻟﻔﻜﺮﺓ ﻣﺎ ﻗﺪ ﻳﺘﻄﻠﺐ ﺍﺳﺘﻴﻌﺎﺑﻬﺎ ﻣﺠﻬﻮﺩاً ﻣﺘﻌﺒﺎً ﻭﻃﻮﻳﻼً ﻣﻦ ﺍﻟﻘراءة».
ﻭﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺟﻮﺑﻠﺰ، ﺍﻋﺘﺒﺮ ﻫﺘﻠﺮ ﺃﻧﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﻱ ﺃﻥ يعطى ﻣﺨﺮﺟﻮ ﺍﻷﻓﻼﻡ ﺍﻟﺮﻭﺍﺋﻴﺔ ﺍﻟﻔﺮﺻﺔ ﻹﺧﺮﺍﺝ ﺃﻓﻼﻡ ﻭﺛﺎﺋﻘﻴﺔ، ﺇﺫ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻄﻠﻮﺏ ﺗﺼﻮﻳﺮ ﺍﻷﺣﺪﺍﺙ ﺍﻟﻮﺍﻗﻌﻴﺔ، ﻟﻴﺲ ﺑﺎﻟﻘﺪﺭ ﺍﻟﺼﺤﻴﺢ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻋﺎﻳﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻭﺣﺴﺐ، ﺑﻞ ﺃﻳﻀﺎً ﺑﺎﻟﺘﻘﻨﻴﺎﺕ ﺍﻟﺠﻤﺎﻟﻴﺔ ﻭﺍﻟﺪﺭﺍﻣﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻟﺪى ﺍﻷﻓﻼﻡ ﺍﻟﺮﻭﺍﺋﻴﺔ، ﻛﻲ ﺗﺼﻞ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺑﺄﻛﺒﺮ ﻭﻗﻊ ﻣﻤﻜﻦ.
ﻳﺒﺪﺃ ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻻﻓﺘﺘﺎﺣﻲ من الكتاب، ﺑﺘﻨﺎﻭﻝ ﻋﺎﺩﺍﺕ ﻫﺘﻠﺮ ﻓﻲ ﺟﻠﺴﺎﺗﻪ ﺍﻟﺨﺎصة ﻟﻤﺸﺎﻫﺪﺓ ﺍﻷﻓﻼﻡ، ﻭﺍﻟﺘﺴﺎﺅﻝ ﺇﻟﻰ ﺃﻱ ﻣﺪى ﻭﺻﻞ ﺗﺄﺛﻴﺮ ﺍﻷﻓﻼﻡ ﻓﻴﻪ، ﺛﻢ ﻳﺪﺭﺱ الآراء ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﺣﻮﻝ «ﻓﻴﻠﻤﻪ ﺍﻟﻤﻔﻀَل». ﻭﻫﻨﺎ ﻳﻔﺮﺽ ﺍﻟﺤﺬﺭ ﻧﻔﺴﻪ، ﺇﺫ ﻣﻦ ﺍﻟﺼﻌﺐ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺃﻛﻴﺪﺓ. ﻭﺑﻴﻨﻤﺎ ﺗﺒﺪﻭ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻌﻨﺎﻭﻳﻦ ﺍﻟﻤﺮﺷﺤﺔ ﺃﻗﺮﺏ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﺼﺪﻳﻖ ﻣﻦ ﻏﻴﺮﻫﺎ.
وﺑﻴﻨﻤﺎ ﻳﺘﻨﺎﻭﻝ ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻷﻭﻝ ﻫﺘﻠﺮ ﻛﻤﺴﺘﻬﻠﻚ ﻟﻸﻓﻼﻡ، ﻳﺮﻛﺰ ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻋﻠﻰ ﺳﻴﺎﺳﺘﻪ ﻓﻲ ﺍﺧﺘﻴﺎﺭ ﺍﻷﻓﻼﻡ، ﻭﻳﺪﺭﺱ ﺍﻷﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺪﻓﻌﻪ ﺇﻟﻰ ﺣﻈﺮ ﺃﻓﻼﻡ ﻣﻌينة، ﺃﻭ ﻣﻌﺎﺭﺿﺔ ﻣﻨﻊ ﺃﺧﺮى. ويحلل في جانب من الفصل ﺣﺎﻟﺘﻴﻦ ﺗﺪخل ﺧﻼﻟﻬﻤﺎ ﻫﺘﻠﺮ ﺗﺪﺧﻼً ﺑﺎﺭﺯﺍً: ﻃﻠﺒﻪ ﺇﻧﺘﺎﺝ ﻓﻴﻠﻤﻴﻦ ﻭﺛﺎﺋﻘﻴﻴﻦ ﺣﻮﻝ ﻗﻄﻊ ﺗﻨﺎﺳﻞ ﺫﻭﻱ ﺍﻻﺣﺘﻴﺎﺟﺎﺕ ﺍﻟﺨﺎصة ﺑﻌﻨﻮﺍﻥ «ﺿﺤﺎﻳﺎ الماضي»، ﻭﺣﻮﻝ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﺍﻷﻫﻠﻴﺔ ﺍﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺔ ﺑﻌﻨﻮﺍﻥ «ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻌﺮﻛﺔ ﺿﺪ ﻋﺪﻭ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ»، ﻟﻘﺪ ﺍﻋﺘﻨﻰ ﻫﺘﻠﺮ ﺑﻤﺸﺮﻭﻉ ﺇﻋﺪﺍﺩ ﻫﺬﻳﻦ ﺍﻟﻔﻴﻠﻤﻴﻦ ﻛﻲ ﻳﺮﻭﺝ ﻷﻓﻜﺎﺭﻩ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ، ﻭﻧﻈﺮﺗﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ: ﺍﻟﺤﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ ﻣﻨﺎﻫﻀﺔ ﺃﻃﻤﺎﻉ ﺍﻟﺒﻮﻟﺸﻔﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ، وﺣﻤﺎﻳﺔ «ﺍﻷﻟﻤﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﻮﻗﻴﻦ ﻋﻘﻠﻴﺎً ﻭﺟﺴﺪﻳﺎً».
ﻭﻳﻠﻔﺖ ﺍﻟﻔﺼﻼﻥ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﻭﺍﻟﺮﺍﺑﻊ ﺍﻻﻧﺘﺒﺎﻩ ﺇﻟﻰ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﺃﻓﻼﻡ ﺃﻛﺜﺮ ﺷﻬﺮﺓ ﻃﻠﺐ ﻫﺘﻠﺮ ﺇﻧﺘﺎﺟﻬﺎ، ﻣﻨﻬﺎ ﺍﻟﻔﻴﻠﻤﺎﻥ ﺍﻟﻠﺬﺍﻥ ﺃﺧﺮﺟﺘﻬﻤﺎ ﻟﻴﻨﻲ ﺭﻳﻔﻨﺸﺘﺎﻝ ﻋﻦ تجمعاﺕ ﺍﻟﺤﺰﺏ ﺍﻟﻨﺎﺯﻱ، «ﻓﻮﺯ ﺍﻟﻌﻘﻴﺪﺓ» 1933، ﻭ«ﺍﻧﺘﺼﺎﺭ ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ» (1935)، ﻭﻓﻴﻠﻤﻬﺎ ﻋﻦ ﺩﻭﺭﺓ ﺑﺮﻟﻴﻦ ﻟﻸﻟﻌﺎﺏ ﺍﻷﻭﻟﻤﺒﻴﺔ، «ﺃﻭﻟﻤﺒﻴﺎ» (1938)، ﺑﻌﺪ ﺍﺳﺘﻼﻡ ﺍﻟﻨﺎﺯﻳﻴﻦ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﻓﻲ ﻳﻨﺎﻳﺮ 1933. وﻭﺻﻠﺖ ﺇﻟﻰ ﺷﺎﺷﺎﺕ ﺍﻟﺴﻴﻨﻤﺎ ﺍﻷﻟﻤﺎﻧﻴﺔ ﺃﻓﻼﻡ ﻋﺪﻳﺪﺓ ﺗﺘﻨﺎﻭﻝ ﺍﻧﻬﺰﺍﻡ ﺍﻟﺸﻴﻮﻋﻴﺔ، وﺩﻋﺖ ﺗﺠﻤﻌﺎﺕ ﻧﻮﺭﻣﺒﺮﺝ ﺍﻷﻟﻤﺎﻥ ﺣﺮﻓﻴﺎً ﺇﻟﻰ ﺍﻻﺣﺘﺸﺎﺩ ﺣﻮﻝ ﺍﻟﻘﺎﺋﺪ ﺍﻟﻨﺎﺯﻱ في عامي 1933 و1934 ﻓﻲ ﺗﺸﻜﻴﻼﺕ ﻣﻨﺘﻈﻤﺔ، ﻭﺃﺭﺍﺩ ﻫﺘﻠﺮ ﺃﻥ ﺗﻨﻘﻞ ﺭﺳﺎﻟﺔ هذه ﺍﻟﺘﺠﻤﻌﺎﺕ ﻋﺒﺮ ﺷﺎﺷﺎﺕ ﺍﻟﺴﻴﻨﻤﺎ ﺇﻟﻰ ﺃﻧﺤﺎﺀ ﺍﻟﺒﻼﺩ.
ﻭﻛﻤﺎ ﺗﺪﻝ ﻓﺼﻮﻝ ﺍﻟﻜتاب، ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﻜﻲ ﻋﻦ ﺭﻳﻔﻨﺸﺘﺎﻝ، ﺗﺪﺑﺮ ﻫﺘﻠﺮ ﺃﻣﺮ ﺗﻤﻮﻳﻞ ﺃﻓﻼﻣﻬﺎ، ﺿﺎﻣﻨﺎً ﺑﺬﻟﻚ ﺃﻥ ﺗﻨﻔﺬ ﻣﺎ ﻳﺮﻳﺪ. وﺗﻮﺟﺪ ﺇﺟﺎﺑﺎﺕ ﻋﺪﻳﺪﺓ ﻣﺤﺘﻤﻠﺔ ﻟﻠﺴﺆﺍﻝ ﻋﻦ ﺳﺒﺐ ﺗﻜﻠﻴﻒ ﻫﺘﻠﺮ، ﻟﻴﻨﻲ ﺭﻳﻔﻨﺸﺘﺎﻝ، ﺑﻤﻬمة ﺗﺼﻮﻳﺮ التجمع. ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻹﺟﺎﺑﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻗﺪﻣﻬﺎ ﻣﻨﺘﻘﺪﻭ ﺭﻳﻔﻨﺸﺘﺎﻝ ﻫﻲ ﺃنها ﻛﺎﻧﺖ ﻋﺸﻴﻘﺔ ﻫﺘﻠﺮ. ﻟﻘﺪ ﺫﻛﺮ ﺍﻟﻜﺎﺗﺐ ﺍﻟﻤﻨﺎﻫﺾ ﻟﻠﻨﺎﺯﻳﺔ ﻛﺎﺭﻝ ﺯﻭﻛﻤﺎﻳﺮ، ﻣﻦ ﻣﻨﻔﺎﻩ ﺍﻷﻣﺮﻳﻜﻲ، ﻓﻲ عام 1942، ﺃﻥﹼ ﺭﻳﻔﻨﺸﺘﺎﻝ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻌﺮﻭﻓﺔ ﻓﻲ ﺃﻟﻤﺎﻧﻴﺎ ﺑﺎﺳﻢ «ﺻﺪﻉ ﺍﻟﺮﺍﻳﺦ ﺍﻟﺠﻠﻴﺪﻱ».
وﻳﺘﻌﺮﺽ ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻟﺨﺎﻣﺲ ﻟﺰﻳﺎﺭﺍﺗﻪ ﺻﺎﻻﺕ ﺍﻟﺴﻴﻨﻤﺎ ﺍﻷﻟﻤﺎﻧﻴﺔ. ﻓﻲ ﺃﻛﺜﺮ ﺍﻷﺣﻴﺎﻥ، ﻛﺎﻥ ﻳﻈﻬﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﺎﻻﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﺮﺽ ﺃﻓﻼﻣﺎً ﻳﻬﻤﻪ ﺃﻥ ﻳﺮﺗﺒﻂ ﺍﺳﻤﻪ ﺑﺴﻴﺎﺳﺘﻬﺎ، ﺃﻭ ﺑﺮﺳﺎﺋﻠﻬﺎ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺍﻟﺨﺒﻴﺌﺔ. كما ﻳﻈﻬﺮ هذا ﺍﻟﻔﺼﻞ ﻛﻴﻒ وُﻇﻔﺖ ﺍﻟﺴﻴﻨﻤﺎ ﻛﻲ ﺗﻐﻤﺮ ﺍﻟﺠﻤﺎﻫﻴﺮ ﺑﺼﻮﺭﺓ ﻫﺘﻠﺮ ﻭﺻﻮﺗﻪ، وﻳﻌﺮﺽ ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻟﺴﺎﺩﺱ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﺳﺘﺜﻤﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﻫﺘﻠﺮ ﺍﻟﻤﻤﺜﻠﻴﻦ، الذين، ﺧﺼﻮﺻﺎً ﺍﻟﻤمثلات، ﻏﺎﻟﺒﺎً ﻣﺎ ﺣﻠﻮﺍ ﺿﻴﻮﻓﺎً ﻋﻠﻰ ﺳﻬﺮﺍﺕ ﻫﺘﻠﺮ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ.