السعودية وروسيا تخوضان حرب أسعار النفط في لعبة عض الأصابع
كدَّس العملاقان النفطيان روسيا والسعودية احتياطيات مالية هائلة ستساعدهما على خوض حرب أسعار طويلة. لكن في لعبة عض الأصابع هذه، من سيصرخ أولاً؟
انهارت أسعار النفط العالمية بمقدار الثلث بعد أن خفضت الرياض أسعار خاماتها وأشارت إلى أنها ستزيد الإنتاج، لتهوي أسهم شركتي النفط الوطنيتين أرامكو السعودية وروسنفت.
البلدان هما أكبر مُصدِّرين للنفط في العالم ولدى كل منهما نحو 500 مليار دولار في خزائنه، ستقيه الصدمات الاقتصادية، في حين يباهي كلا الخصمين بقدرته على الصمود.
فقد قالت موسكو، الإثنين 9 مارس/آذار 2020، إنه بوسعها تحمُّل أسعار نفط بين 25 و30 دولاراً للبرميل فترةً تصل من ست سنوات إلى عشر. في غضون ذلك، تستطيع الرياض تحمُّل النفط عند 30 دولاراً للبرميل، لكن سيكون عليها بيع مزيد من الخام لتخفيف الأثر على إيراداتها، بحسب مصادر مطلعة.
غير أن حرب استنزاف ستكون مدمرة على أي حال، وستجبر كلا البلدين على تغييرات اقتصادية صعبة كلما طالت.
يقول حسنين مالك، مدير استراتيجية الأسهم في تليمر: “كما في أي حرب، يتلخص الأمر في حجم الألم الذي يستطيع كل جانبٍ امتصاصه”.
ولي العهد يفتح الصمامات
في السعودية، أعطى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الضوء الأخضر للمملكة، أكبر مُصدّر للنفط في العالم، للضخ بأقصى سعة بعد أن رفضت روسيا مقترح أوبك تعميق التخفيضات؛ من أجل التأقلم مع تفشي فيروس كورونا، وفقاً لمَصدرين مطلعين.
تقع نقطة التعادل المالي السعودية -أي سعر النفط الذي يحقق ميزانية بلا عجز- عند نحو 80 دولاراً للبرميل، بما يعادل مثلي نقطة التعادل لروسيا، حسبما ذكر مالك من تليمر.
تتمتع السعودية باحتياطيات أجنبية تبلغ 500 مليار دولار ونسبة منخفضة للدين إلى الناتج المحلي الإجمالي تبلغ 25 بالمئة، وهو ما يتيح مجالاً واسعاً للاقتراض.
وجمعت المملكة أكثر من 100 مليار دولار ديوناً بالعملة الصعبة منذ 2016؛ لتعويض أثر انخفاض أسعار النفط.
وهوت السندات الدولية الصادرة عن الحكومة وعملاقها النفطي “أرامكو” في المعاملات المبكرة اليوم، وانخفض الريال السعودي انخفاضاً حاداً أمام الدولار الأمريكي في السوق الآجلة.
رغم هذا، فإنَّ تدني أسعار الفائدة العالمية والخفض الحديث لفائدة مجلس الاحتياطي الاتحادي الأمريكي يعنيان أن بوسع المقترضين طَرق أبواب مستثمري أدوات الدين بأسعار رخيصة نسبياً بصرف النظر عن تقلبات السوق.
لكن المشكلة بالنسبة للرياض تتمثل في أن بقاء أسعار النفط منخفضة على نحو مستدام قد يكبح الإنفاق الحكومي على مشاريع ضمن مساعي ولي العهد لتنويع موارد الاقتصاد.
وقالت مونيكا مالك، كبيرة الاقتصاديين ببنك أبوظبي التجاري، إنه في ظل تراجع أسعار النفط إلى أوائل نطاق 30 دولاراً للبرميل، فإن السعودية ستسجل عجزاً في خانة العشرات كنسبة من الناتج الإجمالي هذا العام، ارتفاعاً من 6.4 بالمئة متوقعة في الميزانية.
“صندوق الكنز”
تحت رئاسة فلاديمير بوتين، كدست روسيا احتياطيات بنحو 570 مليار دولار وحررت سعر صرف الروبل، وهو ما يسمح له بالتجاوب السريع مع أوضاع السوق والانخفاض.
يقول المحللون إن روسيا في وضع أفضل بكثير لتحمُّل صدمة اقتصادية عنها في 2014، عندما فرض الغرب عقوبات بسبب ضمها منطقة القرم من أوكرانيا، أو منها في العام 2008 عندما عصفت بها الأزمة المالية العالمية.
الأسبوع الماضي، قال وزير المالية أنطون سيلوانوف متحدثاً عن الاحتياطيات: “كثيرون انتقدونا، قالوا هذا مثل صندوق كنز، إن وزارة المالية تكنز الذهب”.
واستدرك: “لكن الوضع قد يتغير الآن، وسنمول جميع النفقات التي تحملناها، ونحن ملتزمون باستخدام صندوق الكنز هذا”.
تشمل الاحتياطيات البالغة 570 مليار دولار، صندوق الثروة الوطني، البالغ حجمه 150.1 مليار دولار بما يعادل 9.2 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي لروسيا. وقالت وزارة المالية اليوم، إنه يمكن استخدام الصندوق لتخفيف أثر تراجع إيرادات النفط، عند الضرورة.
في غضون ذلك، قال البنك المركزي إنه سيعلق مشتريات النقد الأجنبي ثلاثين يوماً؛ في محاولة لتخفيف الضغوط عن الروبل، وإنه سيأخذ أوضاع السوق بالحسبان عند البت في المضي قدماً في عطاءات السندات الحكومية المقوَّمة بالروبل الروسي في المستقبل.
لكن الروبل تهاوى إلى أضعف مستوياته منذ أوائل 2016، في سوق بين البنوك، وتراجعت أسهم الشركات الروسية بشدة في لندن مع انخفاض عملاقي النفط “روسنفت” و”لوك أويل” 20.4 بالمئة و18.5 بالمئة على الترتيب.
وقال أوليج فيوجين، مدير مجلس بورصة موسكو، إن روسيا ستواجه تضخماً وأسعار فائدة أعلى، بسبب حرب الأسعار.
وقال كريس ويفر، مدير ماكرو-أدفيزوري الاستشارية، إنه ما زال من الممكن أن تقرر موسكو استئناف التعاون مع أوبك بحلول الخريف إذا ظلت الأسعار بالغة التدني.
وأضاف: “سيتردد بوتين في استنزاف الاحتياطيات المالية أكثر من اللازم لتمويل عجز آخذ بالاتساع”.
تراجع أسهم أمريكا بشكل حاد في ظل أزمتَي أسعار النفط وكورونا
تراجعت الأسهم الأمريكية تراجعاً حاداً، الإنين 9 مارس/آذار 2020، إذ أطلَّ شبح الركود الاقتصادي برأسه، في ظل تهاوي أسعار النفط والمخاوف حيال فيروس كورونا، وهو ما أثار فزع المستثمرين.
حيث هبط المؤشر داو جونز الصناعي 2013.45 نقطة بما يعادل 7.78 بالمئة إلى 23851.33 نقطة، ونزل المؤشر ستاندرد آند بورز 500 بمقدار 225.81 نقطة أو 7.60 بالمئة، ليسجل 2746.56 نقطة، وانخفض المؤشر ناسداك المجمّع 624.94 نقطة أو 7.29 بالمئة إلى 7950.68 نقطة.
اتهامات أمريكية: في المقابل اتهم الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، “المعركة” الدائرة بين السعودية وروسيا بشأن حصص خفض إنتاج النفط، إضافة إلى “أخبار كاذبة”، بالتسبب في هبوط أسواق الأمريكية والعالمية.
حيث غرَّد ترامب قائلاً إن هبوط أسعار النفط الخام “سيصبُّ في مصلحة المستهلِك الأمريكي.. أسعار البنزين ستنزل الآن”.
أضاف: “السعودية وروسيا تتجادلان حول أسعار وإمدادات النفط، إضافة إلى الأخبار الكاذبة (لم يحددها)، هما سبب هبوط الأسهم”.
تعليق التداول: علقت البورصة الأمريكية تداولاتها في بداية التعاملات، الإثنين، على وقع الهبوط الحاد بأسعار النفط الخام عالمياً، في ثاني أكبر انهيار تاريخي لسعر برميل برنت.
يأتي ذلك، في حين فقدت أسعار النفط 25 بالمئة من قيمتها، الإثنين، إلى متوسط 36 دولاراً لبرميل برنت، مقارنة مع 32 دولاراً في بداية التعاملات، و45.5 دولار في ختام جلسة الجمعة.
في حين تراجع مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” بنسبة 7 بالمئة؛ وأدى ذلك إلى تعليق فوري لتداولات البورصة 15 دقيقة، إذ بلغت قراءة المؤشر بعد استئناف التداول 2794.2 نقطة، عند أدنى مستوى منذ يونيو/حزيران 2019.
بينما فتح مؤشر “داو جونز” فاقداً 2000 نقطة، مقارنة مع إغلاق جلسة الجمعة إلى 23.897 نقطة بنسبة تراجع تجاوزت 7.8 بالمئة.
إلى ذلك ظهرت بوادر حرب أسعار بين السعودية وروسيا، بعد إعلان موسكو، الجمعة، رفضها تمديد وتعميق اتفاق خفض إنتاج النفط حتى نهاية 2020؛ وهو ما دفع السعودية، السبت، إلى خفض أسعار النفط وزيادة الإنتاج اعتباراً من الشهر المقبل.
أدَّت حرب الأسعار التي شنَّتها المملكة العربية السعودية إلى الإطاحة بمليارات الدولارات من القيمة السوقية لكبرى شركات صناعة النفط، بعدما سجّلت أسواق النفط انخفاضاً يُعد أحد أكبر وقائع انخفاض الأسعار في التاريخ.
وقد أدَّى قرار أكبر دولة منتٍجة للنفط في العالم زيادة إنتاجها -حتى حينما عرقل تفشي فيروس كورونا مسيرة الطلب العالمي على النفط- إلى انخفاض بنسبة 30% في أسعار النفط صباح الإثنين 9 مارس/آذار 2020، وفق تقرير نشرته صحيفة The Guardian البريطانية.
تفاصيل أكثر عن أسعار النفط: تسببت الهزَّة الهائلة التي لحِقت بأسعار النفط في خسارة عملاقَي النفط بالمملكة المتحدة Royal Dutch Shell وBP أكثر من 32 مليار جنيه إسترليني من القيمة السوقية المجمعة، خلال دقائق من افتتاح التداول في بورصة لندن.
في حين دفعت الشركتان مؤشر فوتسي 100 البريطاني للأوراق المالية إلى أشد انخفاض شهده منذ الأزمة العالمية في عام 2008، إذ انخفض المؤشر بنسبة 8.3% في خضمّ المخاوف المتنامية بشأن الآثار الاقتصادية الناجمة عن فيروس كورونا، وبحلول الظهيرة، بلغت نسبة الانخفاض 6.8%.
أما في التعاملات المبكرة، فخسرت شركة Shell خُمس قيمتها السوقية، كما تراجعت أسهم شركة BP البريطانية بنسبة 27%، بعد أن سجَّل سعر النفط القياسي العالمي أشدّ انخفاض له منذ حرب الخليج في عام 1991.
مخاوف من إفلاس شركات: يخشى خبراء صناعة النفط من أن حرب الأسعار المديدة قد تؤدي إلى إرغام الشركات على إعادة النظر في أرباحها، وإعلان إفلاس شركات تجارة النفط الأصغر.
إلى ذلك وبحلول منتصف الصباح، بلغت قيمة شركة BP، التي قُدِّرت قيمتها بنحو 104.33 مليار دولار أمريكي يوم الجمعة، 83.47 مليار دولار أمريكي، بعدما انخفض سعر سهمها بنحو 20%، ليبلغ 322 بنساً إسترلينياً للسهم، وهبطت قيمة أسهم شركة Shell المُدرجة في بورصة لندن بما يزيد على 13%، لتبلغ قيمة السهم 13 جنيهاً إسترلينياً (17.8 دولاراً أمريكياً). وهو ما أطاح فعلياً بـ16.8 مليار جنيه إسترليني (22.05 مليار دولار أمريكي) من قيمة الشركة، التي تقدَّر الآن بـ108 مليارات جنيه إسترليني (141.7 مليار دولار أمريكي).
أما على مؤشر فوتسي 250، فتراجعت أسهم شركة Premier Oil بنسبة 51%، في حين تراجعت أسهم شركة Tullow Oil بنسبة 26%.
مستقبل غامض: وتواجه شركات النفط عاماً يعتريه الغموض، بعد تفشي فيروس كورونا في الصين، والذي أطاح بتوقعات نمو صناعة النفط لهذا العام، كما قد يتسبب في تقلص الطلب على النفط.
حيث حذَّر المحللون لدى شركة Redburn من أن حرب الأسعار الممتدة ستة أشهر، قد تؤثر سلباً في أرباح شركات النفط، وهو ما قد يُنهي زمن توزيعات الأرباح لمصلحة المستثمرين في أسهم الشركة.
وتعدّ شركة Shell وشركة النفط العملاقة الأمريكية ExxonMobil أكثر الشركات المُعرضة للانهيار في السوق؛ نظراً إلى ارتفاع سعر التعادل لديهما. وقال المحللون إن إكسون تحتاج سعر نفط يبلغ نحو 74 دولاراً للبرميل؛ لتغطية تكاليفها دون أرباح، في حين تحتاج شل 65 دولاراً للبرميل لبلوغ التعادل. وتعتبر شركة BP أقوى نسبياً بفضل سعر تعادل برميل النفط البالغ 53 دولاراً.
آثار كورونا الاقتصادية: وقد أسفرت الآثار الاقتصادية لفيروس كورونا عن انخفاض أسعار النفط إلى أدنى مستوى خلال عام واحد، بتدنّيه إلى ما يقل عن 50 دولاراً للبرميل خلال الأسبوع الماضي، بعدما بدأ العام بسعر 69 دولاراً تقريباً. ورغم ذلك، فإن قرار المملكة العربية السعودية شن حرب أسعار ضد منافسيها على الساحة النفطية من خلال زيادة إنتاج النفط، قد أسفر عن انهيار الأسعار إلى 33 دولاراً للبرميل هذا الصباح.
وقد تؤدي حرب الأسعار السعودية إلى انخفاض أسعار النفط إلى ما يقل عن 30 دولاراً للبرميل، للمرة الأولى منذ انهيار أسعار النفط عام 2016، وفقاً لخبراء متخصصين بسوق النفط لدى شركة S&P Global Platts.
انهيار سوق النفط: كانت منظمة أوبك النفطية، بقيادة المملكة العربية السعودية، تأمل تجنُّب انهيار سوق النفط من خلال خفض إنتاج النفط تماشياً مع انخفاض الطلب. لكن المحادثات في هذا الصدد قد أخفقت يوم الجمعة، بعدما رفضت روسيا خفض إنتاجها. وخلال عطلة نهاية الأسبوع، حددت الرياض خططاً لزيادة إنتاج النفط وبيعه للعملاء الرئيسيين بسعر مخفض، في خطوة يعتقد المحللون أنها مُعدَّة خصوصاً لتأكيد هيمنتها على سوق النفط.
حيث قال شين كيم من شركة S&P Global Platts: “تشير جميع الدلائل إلى رغبة المملكة العربية السعودية وروسيا في إلحاق أكبر قدر من الأذى، لا سيما للدفع باستجابة سريعة قدر الإمكان من جانب منتجي الصخر الزيتي في الولايات المتحدة وكذلك بعضهما البعض”.
من جانبه قال بيورنار تونهاوجن، مدير أبحاث سوق النفط لدى شركة Rystad Energy، إن تقلُّب السوق الناجم عن “استراتيجية الصدمة والرعب” في المملكة العربية السعودية قد يدفع إلى “إفلاس الشركات التجارية”، في حين ستنتعش الشركات الأخرى.
تونهاوجن أضاف في تعليقه: “إن الجشع والخوف يحركان السوق، ولكن بين تلك المشاعر، الخوف هو الأقوى مرة أخرى”.