العالم يلعب، والعالم يتفرج. عالم يربح وعالم يخسر. حارس يسبق الكرة وحارس تسبقه. عرض للجري وعرض لرقص الباليه، وعرض لكل العروض. مسابقة للمدربين، ومسابقة للدول، ومسابقة للقوى البشرية لا مثيل لها في الأرض.
أعلام ترفع على شرفات البيوت في أنحاء العالم، ثم تنتكس حزناً. ثم يؤوب الخاسرون إلى بيوتهم فريقاً بعد الآخر: واحداً وسط ذهوله وذهول الكرة الأم، وواحداً كما توقعوا وتوقعنا. الدهر يومان، (يوم ليك ويوم عليك – مش كل يوم معاك). والكرة يوم مارادونا يوم ميسي، وغداً قد تهزم السعودية الأرجنتين من بين جميع الفرق، وقد يَهزم المغرب جميع المنافسين إلا في المباراة الأخيرة.
مهرجان هذه الكأس، والله مهرجان. متبارون بلا عداءات، وفائزون بلا شماتة. وأعراس وفرح وأطفال وشيوخ وصبايا. وطبيبة العائلة تحفظ غيباً جميع المواعيد وجميع اللاعبين وجميع الفرق وجميع نقاط القوة. وأقول لها أمام الجميع وبكل خوف وصدق: هل حضرتك متأكدة من أنك درست علوم الطب أم علوم الكورة؟ ولا تبتسم السيدة الطبيبة ولا تضحك، وتمضي في شرح الفرص أمام المنتخبات.
الأرجنتينيون شعب غنائي ويحب الرقص. وقد اخترع رقصة ثنائية يؤديها رجل وامرأة عرفت باسم «التانغو». ومنها نشأ المثل الشعبي حول العالم «لا بد لرقصة التانغو من اثنين». لعبة الكرة كسرت القاعدة. لا بد من 11 لاعباً وساحر واحد. مساكين بقية الفريق. مجرد كومبارس مجهولين حتى النهاية، يغنون خلف نجم واحد يدعى عبد الوهاب أو عبد الحليم أو عبد المطلب.
أبهجتنا دورة كأس الكرة. أنباء معارك كل يوم من دون نقطة دماء واحدة. براميل من عرق الرجال، وصياح وهرج ومرج وجماهير بعشرات الآلاف، ولكن حتى من دون كلمة نابية، حتى من دون أن يطأ متفرج أرض الملعب. 80 ألف مشاهد يضبطون حماسهم، أو بؤسهم، مثل بيغ بن.
جاء إيمانويل ماكرون إلى الدوحة ليحتفل، فوجد نفسه أمام ميسي حاملاً تمثال الذهب. وفي مدن فرنسا كانت المقاهي المصعوقة تبكي. لا أحد يعنيه أمر الخاسرين. كانت فرنسا قد نجت من فوز قطر وإشعال المدن وإحراق الشانزليزيه، لكنها كانت تتمنى فوز الشوط الأخير بعدما قطعت كل تلك المسافة نحو قوس النصر. خطفتها الأرجنتين. صاحب «الأحذية الذهبية الستة» خطف حذاءً آخر وهدفاً آخر إلى جانب 500 هدف في حياة التحدي والتنقل ما بين الأرجنتين وبرشلونة وباريس – السان جيرمان. الأرجنتين دولة مفلسة. تغني وتركل الأهداف مثل رقص التانغو