تواجه البشرية عدواً مخيفاً يهدد الجميع وهو فيروس كورونا أو كوفيد-19 الذي لا يرى بالعين المجردة، والآن يعلن القادة والزعماء حول العالم حالة التأهب القصوى لمواجهته، في ظل أسئلة كثيرة تتعلق بدور هؤلاء القادة والزعماء أنفسهم فيما وصلنا إليه جميعاً.
استهانة أم طبيعة الوظيفة؟
رئيسة المفوضية الأوروبية، أورزولا فون دير لاين، اعترفت باستخفاف الأوساط السياسية في البداية بوباء كورونا المستجد، وقالت في تصريحات لصحيفة “بيلد”الألمانية،ة أمس الأربعاء 18 مارس/آذار 2020: “أعتقد أننا جميعاً، أقصد غير الخبراء، استهنا في البداية بفيروس كورونا”.
تصريحات السياسية الأوروبية في الواقع تمثل فقط قمة جبل الجليد في القصة، فالقضية هنا ليست فقط استهانة أو استخفاف بل انعكاس دقيق للدور الذي يلعبه السياسيون والقادة والزعماء حول العالم، بغض النظر عن طبيعة نظام الحكم؛ فالأنظمة الشمولية في الصين وروسيا ودول العالم الثالث اتفقت – دون تنسيق – مع نظيرتها في الدول الديمقراطية في التعامل مع هذا “العدو” على أنه “فرصة” لإيقاع ضرر بطرف ما أو تحقيق مكسب سياسي ما.
هذا التعامل السياسي مع قضية صحية بدأ منذ ظهور أول حالة إصابة بالفيروس الغامض في مدينة ووهان بمقاطعة هوبي الصينية، ولا نعرف حتى الآن متى كان ذلك بالتحديد. كل ما نعرفه أن ذلك كان في أواخر ديسمبر/كانون الأول الماضي، وأول “اعتراف” رسمي من الصين جاء في بدايات العام الجاري، بعد أن ساهمت منصات التواصل الاجتماعي في ظهور خبر هنا وفيديو هناك، ثم كان أول بيان لمنظمة الصحة العالمية (المنوط بها قيادة الجهود في مجال الصحة) في منتصف يناير/كانون الثاني وكان بياناً سياسياً بامتياز يفيد بظهور “مرض غامض” اكتشفته الصين وتتعامل معه بصورة تستحق الإشادة.
الصين تسعى لقمع الفيروس وحقيقته
في ذلك الوقت المبكر من ظهور فيروس كورونا، اتضح الآن أن اكتشاف الفيروس نفسه في الصين ربما لم يتأخر، حيث شارك أحد الأطباء واسمه لي وين ليانغ شكوكه بشأن وجود فيروس غامض وفتاك يصيب الجهاز التنفسي وقد يكون من عائلة “سارس” (وباء مشابه ظهر أيضاً في الصين عام 2002) مع زملائه، لكن بدلاً من اتخاذ السلطات الصحية إجراءات سريعة للتعامل بجدية مع الأمر، تعرض الطبيب للاحتجاز من جانب الشرطة، وبعد أن خرج الفيروس عن السيطرة وأصبح مستحيلاً إخفاء الأمر، أعلن عن وفاة الطبيب نفسه يوم 7 فبراير/شباط كأحد ضحايا الفيروس الذي اكتشفه.
قادة الحزب الشيوعي الحاكم في الصين، وعلى رأسهم الرئيس شي جينغ بينغ، تعاملوا باستهانة مع الفيروس إذن، وربما لم يتم إبلاغهم بوجوده من جانب مرؤوسيهم إلا بعد أن تفشى في ووهان بصورة يستحيل إخفاؤها، وهذا ما يحدث في الأنظمة الشمولية الصارمة مثل النظام الصيني، حيث يخشى المسؤول الصغير أو المتوسط إبلاغ من هم أعلى منه بمصيبة كهذه دون أن يكون متأكداً تماماً، لكن في هذه الحالة لم يكن “عدو البشرية” يحتاج أكثر من ذلك الوقت كي ينتشر ويتفشى.
في هذا الوقت (منتصف يناير/كانون الثاني تقريباً) وصلت أخبار الفيروس إلى كل أركان الكرة الأرضية من خلال تغطية أخباره عبر رافدين أساسيين؛ الأول البيانات الرسمية الصادرة عن الحكومة الصينية، والثاني مقاطع الفيديو والمنشورات التي يتشاركها بعض المؤثرين ومشاهير منصات التواصل الاجتماعي داخل وخارج الصين، وتعرض بعضهم للاعتقال، خصوصاً في ووهان.
ترامب يطمئن الجميع
في الفترة من أواخر يناير/كانون الثاني وحتى الأسبوع الأخير من فبراير/شباط، كانت حقيقة خطورة الفيروس وشراسته وسرعة تفشيه قد أصبحت ماثلة أمام الجميع، بعد أن ارتفعت الأرقام الرسمية للإصابات والوفيات في الصين لعشرات الآلاف بسرعة قياسية، وفي المقابل كان السياسيون والزعماء في الغرب كأنهم يعيشون في كوكب آخر، واستغل بعضهم الموقف للهجوم على الصين – في ظل الحرب التجارية والقضايا السياسية – مع انتشار نظريات المؤامرة كالنار في الهشيم.
لكن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يعتبر نموذجاً للسياسيين الذين ساهموا في وصول الفيروس إلى ما وصل إليه الآن كالعدو الأخطر على البشرية – بتوصيف هؤلاء السياسيين أنفسهم – حيث أدلى بتصريحات لا تنم فقط عن جهل تام بشأن خطورة الفيروس، لكنها دليل واضح على أنه بالنسبة لساكن البيت الأبيض “لا صوت يعلو فوق صوت فوزه بفترة ثانية”.
ترامب ركب موجة فيروس كورونا منذ يناير/كانون الثاني من خلال تغريدات تقلل من خطورته وتشيد بمتانة الاقتصاد الأمريكي في عهده وقدرته على تعويض الاقتصاد العالمي عن التراجع الذي تشهده الأسواق بسبب الفيروس (أخطأ حتى في كتابة اسم الفيروس بشكل صحيح) وتأثيره على الصين.
والآن بعد أن أصبح واضحاَ للجميع أن الفيروس أصبح العدو الأول للبشرية والجميع يحشدون الإمكانيات لإنقاذ الأرواح، لا يمكن إغفال أن من تسببوا في وصول البشرية إلى حافة الهاوية هم من يفترض بهم حمايتها ويتمتعون بسلطات وإمكانيات هائلة من أجل ذلك الهدف، وهم الزعماء أمثال شي وترامب.
ترامب توقع في فبراير/شباط أن الشهر المقبل أبريل/نيسان سيشهد نهاية فيروس كورونا (بسبب ارتفاع درجات الحرارة)، على الرغم من أن العلماء والمتخصصين أنفسهم لم يجدوا بعد دليلاً على هذه النتيجة – التي نتمنى جميعاً أن تكون صحيحة.
“لقد قامت الولايات المتحدة بعمل جيد جداً في مجال الفحص المختبري للحالات المصابة، وعندما يرغب الناس بإجراء هذه الفحوص يحصلون عليه بسهولة”، هذا واحد من تصريحات ترامب التي اتضح أنها غير صحيحة، فقد أشار البيت الأبيض في مطلع مارس/آذار الجاري إلى أن الولايات المتحدة لا تمتلك كمية كافية من عُدد إجراء الفحوص المختبرية لتشخيص الفيروس، وأفاد بعض المراكز الصحية الأمريكية أيضاً بمواجهة صعوبات في استخدامها.
اللافت أنه حتى اليوم الخميس 19 مارس/آذار، لا يزال ترامب يواصل المكابرة ويزعم أنه تعامل مع “الفيروس الصيني بمنتهى الجدية” وأنه “قام بعمل جيد جداً منذ البداية بما في ذلك قراري المبكر جداً بإغلاق الحدود أمام القادمين من الصين عكس رغبات الجميع. لقد أنقذت الكثير من الأرواح. الأخبار الزائفة تردد قصة جديدة وهي شائنة وكاذبة”.
ترامب – قبل 9 أيام فقط – قال: “العام الماضي مات 37 ألف أمريكي بسبب نزلات البرد العادية. ومتوسط الوفيات سنوياً بين 27000 و70000 ، ومع ذلك لا نغلق شيئاً والحياة والاقتصاد تستمر بشكل عادي. في هذه اللحظة يوجد 546 إصابة مؤكدة بفيروس كورونا و22 حالة وفاة. فكروا في هذا!”.
هذا التناقض الصارخ بين تصريحات رئيس القوة الأكبر عالمياً، والإصرار على أنه لم يخطئ، وأنه كان يدرك خطورة الفيروس منذ البداية يمثل خطورة بالغة في الحرب ضد الفيروس الذي تحول لعدو البشرية الأول، لأنه لا يوجد ضمان ألا يتخذ ترامب وغيره من القادة والرؤساء قرارات أخرى تتسبب في زيادة حجم الكارثة.
وفي هذا السياق، ركزت وسائل الإعلام داخل وخارج أمريكا على تغريدات ترامب بشأن فيروس كورونا منذ بداية ظهور حقيقة الوباء وخطورته وحتى اليوم، لكن هذه النقطة ليست حكراً على ترامب بالطبع، وإذا كانت رئيسة المفوضية الأوروبية قد اعترفت باستهانة واستخفاف السياسيين بالفيروس، فهل حان الوقت لكي يتصدر الخبراء المشهد؟
منظمة الصحة العالمية ومديرها
والمقصود بالخبراء هنا هم الأطباء وعلماء الفيروسات والأوبئة وأهل الاختصاص، وليس بالضرورة منظمة الصحة العالمية ومديرها العام، فهؤلاء في قفص الاتهام بنفس القدر وربما أكثر مع السياسيين.
فالمنظمة الأممية المنوط بها التعامل مع القضايا الصحية بشكل لا يأخذ في الاعتبار السياسة وتشابكاتها، خصوصاً في حالات الأوبئة التي قد تتفشى خارج السيطرة مثل فيروس كورونا، متهم رئيسي الآن في انتشار الفيروس خارج حدود الصين وتحوله لعدو يهدد البشرية جميعاً.
ولا يتوقف المدير العام للمنظمة الإثيوبي تيدروس عن الإشادة بالصين وقدرتها على احتواء الفيروس، داعياً العالم كله لأن يحذو حذوها، وكأنه متحدث رسمي باسم الحكومة الصينية (تفاصيل الاتهامات الموجهة لتيدروس من هذا الرابط).
ومن المنطقي الآن التساؤل عن سلسلة الأخطاء التي ارتكبتها منظمة الصحة العالمية مما ساعد الفيروس على أن يصل إلى ما وصل إليه الآن؛ بداية من البيان الأول الذي تأخر لمنتصف يناير/كانون الثاني، وصولاً إلى التأخر في إعلان الفيروس وباء عالمياً (يوم 11 مارس/آذار الجاري)، وبينهما التشكيك في جدوى وقف حركة الطيران في مكافحة الفيروس، وكلها قرارات اتخذت في ظل حسابات سياسية مجاملة للصين، على حساب الآلاف من الضحايا.
هل نتعلم الدرس؟
الولايات المتحدة الأمريكية والصين تتبادلان الاتهامات بشأن المسؤولية عما تواجهه البشرية، والصين غاضبة من ترامب، لأنه استخدم مصطلح “الفيروس الصيني”، وروسيا تقول إنها تسيطر على الوضع تماماً، وأن حالات الإصابة بها متدنية وبالعشرات وكوريا الشمالية تقول إنها تسيطر تماماً على الموقف، وأوروبا الآن تواجه عدواً فتاكاً لا يرى بالعين المجردة، والبشرية جميعاً في حالة ذعر وترقب، والبعض يبالغ ويبشر بنهاية العالم، بينما يسابق الخبراء الزمن للتوصل للقاح للفيروس.
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وصف مكافحة الوباء بالحرب، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وصفته بأنه العدو الأخطر الذي تواجهه ألمانيا منذ الحرب العالمية الثانية، ورئيس الوزراء الإيطالي رفع الراية البيضاء معلناً عدم قدرة بلاده على مواجهة الكارثة ومستغيثاً بكل من يمكنه تقديم يد المساعدة، والصورة لا تختلف في إسبانيا وباقي دول أوروبا.
رئيسة المفوضية الأوروبية السياسية الألمانية فون دير لاين تقول إنه من الواضح الآن أن هذا الفيروس سيشغل الجميع لفترة طويلة، موضحة أن كافة الإجراءات المتخذة حالياً كان لا بد من اتخاذها قبل أسبوعين أو ثلاثة أسابيع، مذكرة بأن أوروبا “تعتبر في الوقت الراهن بؤرة الأزمة”، والسؤال هو: هل يتعلم السياسيون حول العالم الدرس ويعيدون ترتيب الأولويات بصورة تحفظ حياة البشر أم أن عالم ما بعد كورونا لن يختلف كثيراً عن عالم ما قبله
ربما يذهب معظمنا إلى أن أزمة فيروس كورونا المستجد ستنتهي قريباً: خلال ستة أشهر.. عام؟ وسيبدأ الأمر في التبدد في أذهاننا حتى يبدو كما لو أنه كان لحظة هلوسة ما. ربما سيكون مثل إعصار أجبر الجميع على الاندفاع إلى الداخل، ثم اختلاس نظرة إلى الساحل من بعيد.
أو ربما سيكون مثل إعصار ضرب واكتسح بالفعل، غير أنه حتى حينها، وبحكم الطبيعة البشرية، فإن معظم الناس سيزيلون الأنقاض ويمضون قدماً. لكن مع ذلك، وبغض النظر عن مدى تفشي تلك الجائحة، أو سرعة انتشارها، فإن أغلب الظن أن تلك الأسابيع الغريبة غير المسبوقة من ملازمة الناس لمنازلهم ستشهد ميلاد حقبة سياسية جديدة، كما يقول جون هاريس، الصحفي والسياسي الأمريكي، ومؤسس موقع Politico الأمريكي.
ما الآثار السياسية المتوقعة؟
يقول هاريس: ثمة سببان بارزان للاعتقاد بأن الآثار السياسية لتلك الأزمة ستستمر لفترة أطول بكثير من الأزمة ذاتها.
الأول هو أن عدداً كبيراً من الناس الأكثر تأثراً في توقعاتهم وتعرضاً للانقلاب في أنماط حياتهم بهذه الجائحة هم من الطلاب، إذ الأرجح أن يُفضي الانقطاع، وفي بعض الأحيان الفقدان الذي لا يمكن تعويضه، لتجارب مهمة في تعليمهم، بعد إغلاق الجامعات وحرمانهم من خبرات لا يمكن وصفها بسبيل آخر، إلى تشكيل وعيهم بطرق أكثر ديمومة مما هو عليه الأمر بالنسبة إلينا.
ومثل معظم الكوارث، ستقع العواقب الخبيثة لتلك الجائحة أشد ما ستقع على المحرومين. وإن كانت هذه المرة على خلاف معظم الكوارث، يدفع حسابها الثقيل بعض القطاعات الأكثر تمتعاً بالامتيازات. وطلاب السنة الأخيرة من الجامعة هؤلاء، الذين فقدوا فجأة فصلهم الدراسي الأخير واحتفالات تخرجهم والتجارب الأخيرة التي ينطوي عليها ذلك، يضمون بينهم عديداً من الأشخاص الذين هم قادة المستقبل في القطاعين العام والخاص.
يضيف هاريس: ولا، أنا لا أقول إنها نهاية العالم بالنسبة إليهم. لكنها خسارة كبيرة مع ذلك، أن يدفع الإنسان ثمن انتفاع جيل آخر أكبر سناً وأقل صحة منه، على حساب الحماية الذاتية المجردة لنفسه.
والأشد خطورةً أنه من المرجح أن تماثل الديناميكيات السائدة في تلك اللحظة التي يعصف بها فيروس كورونا بالعالم ديناميكيات قضايا السياسة العامة الكبرى التي ستهيمن على الجيل القادم. خاصةً أن الوباء العالمي والخيارات الصعبة التي يفرضها –على نحو من المرجح أن يكون أكثف تركيزاً في الأشهر القادمة- يماثل إلى حد كبير الخيارات ذاتها التي تفرضها الاستجابة للتغير المناخي العالمي (الذي لا يتعامل معه ترامب باستخاف أيضاً) خلال العقود القادمة.
والتغير المناخي، مثله مثل حالة الطوارئ التي يفرضها تفشي فيروس الكورونا، مشكلةٌ ذات أبعاد تمتد إلى حدٍّ كبير باتساع الحقول العلمية وخبرائها، وتوظيف نماذج البيانات المعقدة فيها يهدف إلى إلقاء الضوء على الاتجاهات التي ستتخذها المشكلة في المستقبل على نحوٍ يمكن للمواطن العادي فهمه بمفهومه الواسع، لكن ليس بالتفصيل. والسؤال الأساسي الذي عليه مدار الأمر هنا: هل تثق بهؤلاء الخبراء أم لا؟
الخسائر الاقتصادية تفرض أثماناً سياسية
في حالة فيروس كورونا، على سبيل المثال، يفرض الإغلاق الاقتصادي الذي تقتضيه حالة التباعد الاجتماعي أثماناً فورية، ومن المحتمل أن تراها بالفعل الآن في محيطك: تسريح عامل تعرفه، حالة انعدام اليقين بشأن الدخل مستقبلاً، المخاوف بشأن حالة الكساد التي بدأت تصيب الأعمال التجارية بالقرب منك.
وفي الوقت نفسه، فيما يتعلق بالمنافع، فلا أحد يعرف، فهي بالتأكيد ليس الآن، ولعلها لن تكون أبداً. وربما لن تكون الاستجابة الهائلة فعالة حقاً، ويتكشف الأمر عن كارثة صحية عامة تضرب الجميع على أي حال. أو ربما يمضي الوقت وتبدو الاستجابة الحالية مبالغاً فيها في المستقبل.
ومع ذلك فإن موضوع التغير المناخي يشهد حالةَ توترٍ أكثر حدة بكثير بين عواقب مؤكدة مباشرة -سواء أكانت دفع ضريبة الكربون في الوقود أو كانت تغيير العادات الاستهلاكية فعلياً- لسلوكيات ستتحقق فوائدها على الفور أو في المستقبل البعيد. أمَّا المنافع التي ستأتي عن التغييرات العميقة والشاملة اللازمة لاستبدال الاقتصاد المعتمد على الكربون ووقف ارتفاع درجة حرارة الكوكب، فيأمل المرء أن يتمتع بها في المقام الأول الأشخاصُ الذين لم يُولدوا بعد.
وأخيراً، بطبيعة الحال، يماثل فيروس كورونا مسألة التغير المناخي في أنه لا يكترث بالحدود الوطنية ولا تمنعه.
تأثير كورونا على الظاهرة الترامبية
تتمثل إحدى الطرق التي يمكننا بها قياس قوة هذه التيارات -المتعلقة بأزمةٍ تقوم على توقعات علمية مخيفة- في متابعة تغيرات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
إذ على الرغم من أنه ليس ثمة طريقة للتأكد من تأثير انتشار فيروس كورونا في حملة إعادة انتخابه، فإن الأمر الواضح بالفعل هو تأثير ذلك الفيروس في الظاهرة “الترامبية” [والترامبية لها عدة تعاريف، فهي بحسب قاموس كولينز الإنجليزي: السياسات التي ينادي بها دونالد ترامب، وخاصة تلك المنطوية على رفض المؤسسات السياسية القائمة، والهوس بالمصالح القومية للولايات المتحدة، ويعرّفها القاموس الأوروبي بأنها حركة اجتماعية سياسية تقوم على مزيجٍ من عناصر عديدة أبرزها العنصرية والتعصب الديني وإهانة المرأة وترهيب الصحافة والتذبذب الاقتصادي وإنكار النتائج العلمية وصناعة الكراهية]. فقد دفعت الأزمة الناجمة عن انتشار الفيروس بهذه الظاهرة إلى التراجع.
والترامبية كفكرة تدور بالأساس حول الترويج لمفاهيم السيادة والتفرد الأمريكي وتعزيزها. وفي بعض السياقات، حتى خصوم ترامب قد يتفقون معه على أنها فكرة جذابة: حسناً، دعنا نغلق حدودنا في مواجهة الفيروس. ومع ذلك، فإن الطريقة الوحيدة التي سيكون بها خيار كهذا فعالاً هي لو كانت الولايات المتحدة قد اختارت قبل سنوات أن تقطع صلاتها بالعالم الاقتصادي الحديث القائم على التداخل والتكامل بين أطرافه. نعم، ظهر فيروس كورونا لأول مرة في الصين. لكن، في الوقت نفسه، كم عدد الأشخاص الذين علموا فقط في الأسابيع القليلة الماضية أن جميع المضادات الحيوية الأمريكية تقريباً تأتي هي أيضاً من الصين.
أما الترامبية نمطاً فهي لا تقوم فقط على التباهي والتبجح، وإنما تعتمد النزعة الترامبية الانتصارية أيضاً على إبراز اليقين الكامل. فقد تصرف الرئيس الأمريكي في البداية كما لو كان يستطيع بالفعل خلقَ الواقع بمجرد الإعلان عنه، وذلك عندما أكد للجمهور أن عدد الإصابات بالفيروس بين الأمريكيين ستنخفض قريباً إلى الصفر.
مع ذلك، وفي الأيام الأخيرة فقط، بعد تزايد احتمالية انتشار المرض محلياً، عاد ترامب ليعترف بعدم الدقة، وذلك بحكم الافتقار إلى فهم كامل لطبيعة الفيروس، أو مدى فاعلية الجهود المبذولة للتخفيف من حدة انتشاره، أو متى يمكن القول بأن هذه الجهود كانت كافية.
وإحدى الطرق التي يمكن من خلالها تقدير مدى ضبابية أوضاعنا، والآثار الأخلاقية لهذه الضبابية، تتمثل في النظر إليها من خلال عيون الشباب ومنظوراتهم.
“إننا جميعاً في هذا الأمر معاً”
يقول هاريس إن جائحة فيروس كورونا لا تبدو عند النظر من بعيد بكارثية وعنف صدمةٍ كصدمة هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول. ومع ذلك، فلعديد من الأشخاص، سيشتد التأثير الفعلي للفيروس وطأة يوماً بعد يوم، وسيصعب عليهم تقبله أكثر فأكثر.
وقد جاء في أعقاب هجمات 11 سبتمبر/أيلول فترةٌ، اتضح بعد ذلك أنها كانت قصيرة العمر، من التلاحم الوطني وحسن النوايا بين الناس وبعضهم. ومن المؤكد أن ترامب، الذي لطالما سخر من خصومه وتبادل الإهانات معهم، لم يستجلب التعاطف معه من كثير من الجهات خلال الدعوة التي وجهها من البيت الأبيض: “لكننا جميعاً في هذا الأمر معا!”.
في النهاية، حملة التقليل من المخاطر المحتملة الناجمة عن تفشي فيروس كورونا التي قادها ترامب خلال الفترة الماضية، ستستمر آثارها لوقت طويل، أطول مما يعتقده ترامب نفسه، وقد يكون بدايتها خسارته لرئاسته، وانحسار الظاهرة الترامبية.خطفت لقب “فخر العرب” بسبب كورونا .. من هي المصرية هبة مصطفى؟
وسط المعركة الشرسة التي تخوضها البشرية ضد فيروس كورونا الذي أصبح العدو الأول للجميع، تعتبر خطوة الكشف عن العدوى مبكراً حجر الزاوية في تحديد الطرف المنتصر، لهذا يصبح خبر التوصل لاختبار سريع لكشف الفيروس رائعاً والأكثر روعة أن تكون طبيبة مصرية في أمريكا مساهمة في الاكتشاف، فما القصة؟ ومن هي الطبيبة؟
ما أهمية الاختبار؟
تكمن أهمية الكشف المبكر عن العدوى الفيروسية في الحد من تفشي الفيروس ومحاصرته، وتزداد أهمية هذه الخطوة في حالة فيروس كورونا (كوفيد-19) الذي ينتشر بسرعة مخيفة وتحول إلى العدو الأكثر شراسة للبشر جميعاً في العصر الحديث، وفي هذا السياق تأتي أهمية خبر تطوير جامعة «جونز هوبكنز» الأمريكية اختبار لفحص الفيروس من شأنه أن يتيح اختبار 1000 شخص يومياً، مما قد يخفف الضغط على المعامل، ويتيح كشف أكبر لعدد المصابين في العالم.
تطوير الاختبار تم بواسطة إخصائيتين في علم الأحياء الدقيقة، واحدة منهما هي الطبيبة المصرية هبة مصطفى، ووفقاً لموقع «جونز هوبكنز»، فالطبيبتان كارن كارول وهبة مصطفى نجحتا في تطوير اختبارات الفحص، في ظل توقعات بتزايد أعداد الإصابات في الولايات المتحدة وحول العالم في الأسابيع المقبلة.
وقالت هبة مصطفى، مديرة مختبر الفيروسات الجزيئية في مستشفى جامعة «جونز هوبكنز»، إن «هذا سيسمح بالتحكم في التعرض لحالات أكثر، كما سيمكننا من تشخيص عدد أكبر»، واستخدمت الجامعة الاختبار الذي يعتمد على أخذ مسح من الأنف أو الفم، لأول مرة، يوم 11 مارس/آذار الجاري، وتم إجراء حوالي 85 اختباراً في الأيام الثلاثة الأولى.
وأضافت أنه “من المتوقع أن ترتفع الطاقة الاستيعابية للاختبار بسرعة، لتصل إلى 180 شخصاً يومياً خلال الأسبوع المقبل، و500 شخص في الأسبوع التالى، ويمكن أن نصل إلى إجراء 1000 اختبار يومياً بحلول شهر أبريل/نيسان المقبل»، مشيرة إلى أن إجراء اختبار داخلى يقلل العبء على المختبرات الحكومية، وتخرج نتيجة الاختبار في غضون 24 ساعة تقريباً، ويقول الأطباء إنهم يأملون في اختصار ذلك الوقت إلى 3 ساعات.
من هي هبة مصطفى؟
الدكتورة هبة مصطفى تخرجت في كلية الطب جامعة الإسكندرية عام 2004 ثم أجرت دراسات كمتدربة مقيمة في الجامعة في علم الأمراض السريرية، ثم سافرت إلى الولايات المتحدة الأمريكية حيث حصلت على الدكتوراه في علم الأحياء والميكروبات من جامعة كانساس عام 2014.
وأثناء تحضيرها للدكتوراه، درست الدكتورة هبة التداخل بين الفيروس والخلية التي يصيبها، وكشف بحثها في هذا المجال عن جوانب إبداعية مختلفة بشأن الوظائف والأدوار المختلفة للبروتينات الفيروسية والتكاثر وإعادة تنشيط الفيروسات، وتم نشر بحثها في دوريات علمية متخصصة.
وبعد حصولها على الدكتوراه، عملت في مستشفى سانت جود لأبحاث الأطفال في ممفيس كزميلة وركزت أبحاثها على علم تشخيص الفيروسات وانتشارها وعلاقتها مع جهاز المناعة، وبعد ذلك قضت عامين في جامعة روتشيستر بنيويورك في قسم الأحياء البيولوجية والميكروبات، وهي الآن مديرة مختبر الفيروسات الجزيئية في مستشفى جامعة «جونز هوبكنز».
اقتران اسم الدكتورة هبة مصطفى بشكل إيجابي في المعركة الشرسة التي يخوضها العالم في مواجهة فيروس كورونا يأتي كخبر إيجابي تلقفه كثير من المصريين من خلال منصات التواصل الاجتماعي، وسط أجواء القلق من الفيروس المخيف، وسماها البعض “فخر العرب”.
لقب “فخر العرب” أطلقه كثير من المصريين على لاعب كرة القدم محمد صلاح المحترف ضمن صفوف نادي ليفربول الإنجليزي والحاصل على لقب أفضل لاعب في إفريقيا عامين متتاليين 2017 و2018، لكن مع توقف أنشطة كرة القدم – شأنها شأن كل شيء آخر – بسبب فيروس كورونا، أصبح الأطباء والعلماء هم حديث الساعة ومحط الأنظار، بينما ينتظر العالم التوصل للقاح أو علاج للوباء المخيف.
منذ تفشّي جائحة كوفيد-19 في ووهان الصينية خلال شهر ديسمبر/كانون الأول عام 2019، شهدنا انتشار الفيروس في أكثر من 160 دولة. وشهدت العديد من الدول تفشّي المرض على نطاقٍ واسع، مثل الصين وكوريا الجنوبية وإيطاليا وإيران وإسبانيا وفرنسا، مع تزايدٍ سريع في أعداد الحالات بالمملكة المتحدة والولايات المتحدة. لكن غالبية دول العالم كروسيا أبلغت عن عدد قليل للغاية من حالات كوفيد-19، أو أبلغت عن عدم وجود حالات من الأساس، مما أثار الكثير من الشكوك والتكهنات في الغرب حولها.
تقول مجلة Newsweek الأمريكية: رغم أنّه من المحتمل أنّ الفيروس لم يصل إلى كل البلدان ويبدأ تنقُّله داخلياً، لكن الكثير من تلك الدول لها علاقات سفر وهجرة وتجارة قوية مع الصين مثل روسيا. مما يُثير التساؤلات التالية: هل يأتي انخفاض أعداد الحالات نتيجة عدم وصول الفيروس أو إصابة أحدٍ بالعدوى؟ أم نتيجة الرقابة الفعّالة على الحدود؟ أم أنّه يعكس قلة عمليات الفحص والإبلاغ؟
عمليّة معقدة
تقول المجلة الأمريكية، إن انتشار المرض المُعدي من بلده الأصلي يُعَدُّ عمليةً مُعقّدة تتضمّن العديد من العوامل، ولكنّها ترتبط في جوهرها بحركة الناس.
وهناك العديد من المعايير التي يُمكن استخدامها لتقدير الحركة بدقة: السفر (للداخل وللخارج)، والهجرة، والتجارة، والتقارب. وبالنظر إلى أعداد حالات كوفيد-19 في سياق ترتيب تدفّق الأشخاص والبضائع بين الصين والدول الأخرى، توصّلنا إلى النتائج التالية حتى الـ15 من مارس/آذار: وفي حين يُعتبر هذا الجدول تحليلاً مُبسّطاً للغاية لحركة السكان، لكنّه من الصادم أنّ نجد 63 حالة مُبلغ عنها فقط في كافة أنحاء روسيا.
لاحقاً، أعلنت السلطات الروسية، الخميس 19 مارس/آذار عن أول حالة وفاة بفيروس كورونا المستجد لأمرأة مُسنة، فيما أكد رئيس الوزراء تاتيانا غوليكوفا أنه لا داعي “للهلع”، مضيفاً أن مجموع حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد، 114 حالة في عموم روسيا.
ونظراً لأنّ روسيا تتمتّع بعلاقات سفر ونزوح وهجرة قوية للغاية مع الصين، فإنّ أعداد الحالات المُنخفضة بشدة تُثير التساؤلات، وخاصةً في ظل أنّ الدول الأخرى التي تتمتّع بعلاقات وثيقة مع الصين -مثل اليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة- تشهد مستويات مرتفعة من انتقال العدوى محلياً.
كما أنّه من المثير للاهتمام أنّ الـ15 دولة التي تتشارك حدوداً برية أو بحرية مع الصين أبلغت عن وجود 310 حالات فقط. والهند هي الدولة الوحيدة من بين تلك الدول التي أبلغت عن وجود أكثر من 100 حالة، في حين أبلغت 10 دول عن أعداد حالات تتراوح بين الصفر والخمس حالات. وانخفاض أعداد الحالات هو أمرٌ صادم؛ نظراً لأنّ العديد من تلك البلدان تتمتّع بعلاقات تجارة وسفر قوية مع الصين.
ما زلنا في المراحل المُبكّرة لجائحة كورونا
وغير روسيا، هناك مناطق في العالم لم تُبلِغ عن أيّ حالات إصابة بكوفيد-19، أو أبلغت عن عدد قليل. ومن الجدير بالذكر أنّ الدولة الوحيدة التي أبلغت عن وجود أكثر من 100 حالة في إفريقيا هي مصر، في حين أبلغت غالبية دول القارة عن أعداد حالات تتراوح بين الصفر والخمس حالات.
وبالنسبة لدول إفريقيا الـ54، لم نشهد سوى 253 حالة فقط من أصل 167,519 حالة مُسجّلة حول العالم. وهناك العديد من الأسباب المُحتملة لانخفاض أعداد الحالات في العديد من تلك الدول.
نحن ما نزال في المراحل المُبكّرة لجائحة كوفيد-19، لذا فمن الطبيعي ألا تشهد بعض الدول أيّ حالات أو انتقال للفيروس محلياً. ولكن فهم سبب عدم الإبلاغ عن الكثير من الحالات، لدى الدول التي يُعتبر بعضها مُتصلاً عن قرب ببلدانٍ تفشّى فيها الفيروس، هو أمرٌ بالغ الأهمية في الجهود العالمية لاحتواء انتشار الجائحة.
ما السر بانخفاض عدد الحالات؟
هناك العديد من التفسيرات لانخفاض أعداد الحالات، منها: ضعف روابط السفر، والفحص الفعّال على الحدود، وفرض قيود السفر، وتأثيرات المناخ محلياً، وقلة الفحص أو الإبلاغ.
وحين ننظر إلى السفر، نجد أنّ الكثير من الدول المعنية لا تتبادل الكثير من خطوط السفر مع الصين. وتضاعفت تلك النقطة نتيجة قيود السفر التي فرضتها الصين خلال المراحل المُبكّرة لتفشّي المرض على أراضيها، مما أخّر على الأرجح وصول كوفيد-19 إلى العديد من البلدان الإفريقية. وفي هذا السيناريو، من المحتمل أن تتزايد أعداد الحالات كثيراً على مدار الأسبوعين المقبلين نتيجة انتقال العدوى المستمر على نطاقٍ واسع في العديد من البلدان الأوروبية التي تتمتّع بخطوط سفرٍ نشطة مع إفريقيا.
ولكن بعض الدول التي تتمتّع بعلاقات سفر وهجرة وتجارة قوية مع الصين ما تزال تمتلك أعداد حالات مُنخفضة نسبياً -إذ أبلغت اليابان وسنغافورة عن وجود أقل من ألف حالة. وبالنسبة لتلك البلدان، كانت هناك تدابير فحص ورقابة مُشدّدة ومُبكّرة، مما حافظ على انخفاض مُعدّلات انتقال العدوى محلياً. وفي حال استمرار تلك الإجراءات، فلن تشهد تلك البلدان على الأرجح سوى زيادات بطيئة في أعداد الحالات على مدار الأسابيع المُقبلة.
ومن المثير للاهتمام رؤية أنّ غالبية الحالات العالمية تقع شمالي مدار السرطان. ولا تُوجد حتى الآن سوى 2,025 حالة جنوب مدار السرطان. وتُشكّل أعداد الحالات في البلدان الواقعة داخل المناطق الاستوائية أو شتاء نصف الكرة الجنوبي حالياً نسبة 1.29% فقط من إجمالي الحالات العالمية. ويعكس هذا علاقات السفر والتجارة العالمية مع الصين، أو ربما يعكس تأثير المناخ على انتقال كوفيد-19.
ومن المحتمل كذلك أنّ النطاق الواسع للأمراض المعدية المدارية زاد صعوبة تحديد حالات كوفيد-19 الذي يظهر عادةً بأعراض خفيفة وغير مُحدّدة.
نقص الاختبارات أو نقص الإبلاغ عن الحالات
وإذا كانت روابط السفر مع الصين هي العامل الذي حدّ من تزايد الحالات، فمن المُرجّح أن تزداد الحالات على مدار الأسبوعين المُقبلين، كما ذكرنا عن إفريقيا أعلاه. وفي حال كان المناخ هو العامل المُؤثّر على انتقال الفيروس، فإنّ الحالات ربما تظل منخفضة حتى تزداد برودة الجو في نصف الكرة الجنوبي. أما إذا كانت الأمراض الأخرى تُخفي حالات كوفيد-19، فإنّ الحالات المُبلغ عنها ستظل منخفضةً على الأرجح في تلك البلدان، رغم أنّ عدد الحالات سيزداد فعلياً.
وفي النهاية، فإنّ انخفاض أعداد الحالات المُبلغ عنها في العديد من الدول ربما يرجع إلى نقص الاختبارات أو نقص الإبلاغ عن الحالات. وتسعى العديد من الدول بنشاط إلى وضع سياسات تنص على اختبار من يُعانون من مرضٍ خطير أو سافروا إلى بلدان تحوي مُعدّل انتقال كبيراً للعدوى فقط -مثل المملكة المتحدة. وهذا سيُؤدي إلى نقصٍ كبير في الإبلاغ عن أعداد الحالات، مما قد يُعيق القدرة على احتواء الجائحة بحسب تصريح منظمة الصحة العالمية: “لا تستطيع مكافحة فيروس إذا كنت لا تعرف مكانه. اعثر عليه، واعزله، واختبره، وعالج كل حالة لتكسر سلاسل انتقال المرض”.
وهناك بعض الدول التي لا تمتلك ببساطة البنية التحتية والموارد اللازمة لتحمّل تكلفة إجراء الاختبارات على نطاقٍ واسع، مما يحدّ من قدرتها على التحكّم في المرض داخل أراضيها، ويخلق نقاطاً ساخنة يُمكن للفيروس أن يُواصل الانتشار منها. ومن المحتمل كذلك أنّ بعض الدول لا تُبلِغ عن الكثير من حالاتها للحفاظ على سمعتها، أو تجنُّب الصعوبات الاقتصادية التي قد تنجم عن تدابير الاحتواء – مثل قيود السفر.
في روسيا.. اللعبة خطيرة، والأيام المقبلة ستكشف الحقيقة
مما يُثير القلق على نحوٍ خاص أنّ روسيا، التي تمتلك علاقات وثيقة مع الصين وموارد وطنية واسعة النطاق، لم تُبلغ سوى عن 63 حالة فقط حتى منتصف مارس/آذار، أي بعد نحو 3 أشهر ونصف على انتشار الوباء من الصين إلى محيطها ومن ثم العالم.
ومن المُمكن أن يكون هذا العدد المنخفض ناجماً عن سيطرتهم النشطة على الحدود والفحص المُكثّف، ولكن هناك مخاوف حول أنّ ذلك الرقم يعكس قلة الفحص أو الإبلاغ. فضلاً عن الأدلة الأخيرة حول أنّ روسيا كانت المسؤولة عن العديد من حملات التضليل المُتعلّقة بكوفيد-19 مؤخراً، فإنّ ذلك يُثير العديد من المخاوف حول أنّ روسيا ربما تلعب بالصحة العالمية لعبةً خطيرة.
ومما يثير الشكوك والريبة بالنسبة لروسيا، هو ما أفادته وثيقة للاتحاد الأوروبي اطلعت عليها رويترز، بأن وسائل الإعلام الروسية لجأت إلى “حملة تضليل كبرى” ضد الغرب للتهويل من أثر فيروس كورونا وخلق حالة من الذعر ونشر أجواء عدم الثقة.
وجاء في الوثيقة التي حملت تاريخ 16 مارس/آذار: “هناك حملة تضليل كبرى من وسائل الإعلام الروسية والجهات المؤيدة للكرملين فيما يتعلق بفيروس كوفيد-19”. وبعد يومين، نفى الكرملين هذه المزاعم، قائلا إنها لا أساس لها ومنافية للمنطق.
عموماً، هذا جائحة تتكشّف جوانبها باستمرار، وستتطلّب تضافر جهود دول العالم من أجل السيطرة عليها. وعلى حد تعبير المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس: “نحن نخوض هذا الأمر معاً”. تقول نيوزويك: لذا نأمل أن يكون الأمر في روسيا، حالة بسيطة من السيطرة الجيدة على الحدود أو قلة إجراء الاختبارات، وستكشف لنا الأيام المُقبلة الحقيقة