هذه بلاد تصنع من أحزانها جدائل قوة تتزين فيها للزمن… هي عادة السوريين يعلمون الصبر كيف يكون جميلاً.
تعرف قوة الشعوب في أثناء أزماتها الكبرى، وخلال السنوات الماضية تم اختبار قوة السوريين أكثر من مرة، ومن الواضح أن نتائج هذه الاختبارات أعطت أن الشعب السوري يمتاز بخصائص الشعوب الحية التي تستطيع أن تخرج من أزماتها وكوارثها، وأن تعالجها مع ما فيها من آلام وأحزان.
الزلزال الذي راح ضحيته مئات السوريين سيقدم من خلال تعاملنا معه دليلاً آخر على أننا شعب يستطيع أن يتعاون ويتعاضد للخروج من آلامه.
لسنا استثناء خاصاً في حدوث الزلازل، ففي العالم سنوياً تهتز الأرض عشرات الآلاف من المرات، وربما مئات معظمها لا يشعر بها الإنسان، وقلة قليلة منها التي تحدث أضراراً متفاوتة الحجم.
ومن الأشياء اللافتة أن البشر لم يتمكنوا حتى الآن من توقع الزلازل، وهم يعتمدون على أن دورة الزلازل تتكرر في مناطق معينة كل مئة عام، وأخرى في كل مئتي عام، وربما أكثر. في حين تشعر الحيوانات بقرب حدوث الزلازل، ولم يتم الاستفادة منها عملياً إلا مرات قليلة منها الصين عندما نجحت من خلال الحيوانات بتوقع أحد الزلالزل وأخلت مدينة يسكنها مليون نسمة.
ورغم أننا في سورية غير معتادين على الزلازل الطبيعية، لكن خلال كل السنوات السابقة كنا دوماً في خضم زلازل غير طبيعية، سواء كانت سياسية أم اقتصادية، لكن من الواضح أن أصعب الزلازل هي الاجتماعية، حيث لا تتغير المجتمعات فكرياً بصورة «الهزات»، بل تحتاج إلى تراكم طويل حتى تتمكن من إحداث تغيير على المستوى الاجتماعي، سواء فيما يتعلق بالمعتقدات الفكرية أم بالعادات والتقاليد المتوارثة.
لا أريد أن أستخدم تعابير استعراضية، لكن من الواضح أن الأرض تهتز أكثر من اهتزاز عقول كثير من البشر.
في ملاحظات أولية على تعامل السوريين مع الزلزال أن مشاعر التعاطف والتعاون والحزن ظهرت من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وكثير من السوريين بدأ يتحدث بتفسيرات دينية وآيات قرآنية، وهذا ما يثبت الحقيقة المعتادة من السوريين بأن الحس الديني موجود بشكل كبير يظهر في الحالات خاصة.
قسم آخر اعتبر أن ذلك عقاب إلهي لكن لم يجد الكثير من التجاوب الاجتماعي، بل أحياناً من عرض هذه الفكرة تلقى اعتراضاً واضحاً عليه وعليها.
الملاحظة الأقسى أن إمكاناتنا محدودة، فالحرب والعقوبات والحصار كلها أضعفت قدرات السوريين، وأظن أنها مناسبة يمكن استغلالها للدفع باتجاه رفع العقوبات عن سورية، وهذا يحتاج إلى جهد دبلوماسي وإعلامي وضغط مجتمعي… إن كان ثمة ما يمكن استغلاله في هذه المحنة فسيكون رفع العقوبات عن هذا الشعب المتعب والحزين.
بقيت آخر ملاحظة لسلوك البشر في أثناء الزلزال..
قسم جلس في مكانه خائفاً على نفسه جمدته مفاجأة اللحظة.
وقسم أخذه الهلع والصراخ، وقسم بدأ يتفقد أهله ومن حوله.
سلوك الناس عند الزلزال أصدق تعبير عنهم.
ليتذكر كل واحد ماذا فعل لحظة الزلزال عندها يرى نفسه عارياً وواضحاً.
أقوال:
– هناك نوعان من القوة العظمى التي يمكن أن تهز الأرض: الزلازل الضخمة والأفكار الكبيرة!
– فقط الحمقى والكذابون والمشعوذون يتوقعون الزلازل.