صحتك بعد الصوم
بعد رحيل شهر رمضان المبارك وحلول أول أيام عيد الفطر المبارك، لنا أن نتساءل: كيف لنا أن نحافظ على المكاسب والمنجزات المفيدة صحياً ونفسياً التي خرجنا بها من شهر الصيام، على المستويين الفردي والجماعي، وما النظام الصحي الأفضل بعد رمضان؟
– مكاسب ما بعد الصيام
استضفنا في ملحق «صحتك» الأستاذ الدكتور محمد جميل الحبال، استشاري الطب الباطني والباحث في التفسير الطبي للقرآن الكريم والحديث النبوي الشريف بمدينة الموصل العراقية، للحديث حول الصحة بعد شهر الصوم وكيف نحافظ على المكتسبات الصحية والنفسية والاجتماعية التي جنيناها من الصيام.
يقول الدكتور الحبال: «لقد حققنا في شهر رمضان مكاسب صحية؛ عضوية ونفسية، كثيرة، إلى جانب المكسب الديني… وإلى جانب ذلك يجب علينا أن نذكر المكاسب والفوائد الصحية والنفسية والتي نتمنى أن نستمر في جني ثمارها طوال السنة»…
– من أهم تلك الفوائد والمكاسب الصحية:
> راحة الجهاز الهضمي وتوابعه: في أول أيام العيد قد ننسى أنفسنا ونكثر من تناول الطعام والشراب فنصاب بالتخمة؛ لأن الجهاز الهضمي قد تعود على وجبتين مقننتين خلال شهر رمضان، فإذا عدنا إلى ما كنا عليه قبل رمضان من الإسراف في الطعام، وإلقاء الطعام على الطعام في الجهاز الهضمي، فإننا حتماً سوف نفقد هذه الميزة ونلحق الضرر بالجهاز الهضمي وملحقاته من الكبد والعصارات المرارية والبنكرياس. علينا ألا نسرف في الطعام والشراب، وأن نجعل وجبة العشاء خفيفة تحتوي سلطات وفواكه.»
> السمنة وزيادة الوزن: تشير الدراسات إلى زيادة نسبة الإصابة بالسمنة وزيادة الوزن على مستوى العالم، خصوصاً في المملكة العربية السعودية؛ حيث ارتفعت النسبة إلى نحو 50 في المائة من السكان، وأن النساء يعانين من السمنة أكثر من الرجال. وقد ثبت أيضاً أن الصوم يقلل من هذه الظاهرة؛ خصوصاً إذا التزم الصائم بالحمية الغذائية والرياضية، فتكون مكسباً لتنزيل الوزن وكسر الدهون المتراكمة في الكبد، فيقي نفسه الإصابة بـ«مرض الشحوم الكبدية (fatty liver disease)» وهو من الأمراض الخطيرة في هذا العصر.
والسمنة من أهم الأسباب التي تؤدي إلى تشمع الكبد وتليّفه والإضرار به، أكثر من «مرض الكبد الكحولي (alcoholic liver disease)» فقد كان يعتقد سابقاً أن أمراض الكبد ومضاعفاتها تنتج من تعاطي الكحول بشكل أساسي، ولكن في الوقت الحاضر أضحت مشكلة الشحوم الكبدية هي المسبب الأكثر شيوعاً لتليف الكبد.
لقد صُنفت زيادة الوزن في هذا العصر من الأمراض المزمنة ولها مضاعفات خطيرة مثلها مثل أمراض القلب والكلى وارتفاع ضغط الدم والسكري والشحوم الكبدية وخشونة المفاصل وداء النقرس… وغيرها.
من الملاحظ أن النسبة الكبيرة من صائمي شهر رمضان يتمكنون سنوياً من تخفيف أوزانهم خلال شهر رمضان، أو في الأقل لا تحدث لديهم زيادة في أوزانهم، خصوصاً الذين يمارسون أعمالهم بصورة طبيعية بعيداً من النوم المفرط نهاراً، فالصيام يقوم بكسر الشحوم والسموم المتراكمة في أثناء العام السابق نتيجة تناول الوجبات الدسمة والإكثار من السكريات والدهون.
كما يُنصح بممارسة الصوم المتقطع طوال السنة، كالصيام تطوعاً يومين في الأسبوع، و3 أيام في الشهر، مع التقليل في الأكل، والاستمرار في الجهد البدني المعتاد، حتى تستفيد الأعضاء جميعها، خصوصاً القلب و(جهاز الدوران) فضلاً عن الجهاز الهضمي.
– صحة جسدية ونفسية
> جهاز القلب والدورة الدموية: كلما كانت هناك وجبات طعام متكررة ومتتابعة، حدثت المتاعب في جهاز القلب والدورة الدموية. الصيام، كما نقول، محطة استراحة للجهاز الهضمي، وبالتالي يستفيد القلب والدورة الدموية من تلك الاستراحة، فيستعيد نشاطه، وعلينا أن نحافظ على هذا المكسب وهذا الإنجاز الصحي.
> الصحة النفسية: الصوم يخفف من الضغوط النفسية ويخلق السعادة الداخلية والطمأنينة، والكيِّس من يستمر على ذلك بعد رمضان، إضافة إلى الترابط الاجتماعي، بما له من مردود معنوي وديني كبير، يساهم في زيادة روابط المحبة والوئام بين أفراد الأسرة والأصدقاء، ومن المفترض أن نستمر عليه بعد رمضان أيضاً.
> ترك العادات السيئة: لقد دخلنا (دورة تدريبية في تحسين السلوكيات) خلال شهر رمضان، ونجحنا فيها، وعلينا الآن أن نطبقها في باقي شهور السنة، ونترك جميع العادات السيئة التي كنا نمارسها، ومن ذلك، على سبيل المثال، وقف (التدخين) لأكثر من نحو 14 ساعة. والأفضل ألا نعود إلى التدخين مرة ثانية؛ لأن التدخين ثبت أنه مسرطن وقاتل بما يسبب من أمراض كثيرة.
> التغذية الصحية السليمة: لقد عشنا 30 يوماً نتناول خلالها وجبات بيتية صحية، كمّاً ونوعاً؛ كثيرة الخضراوات والفواكه والسلطات والمسلوقات، عكس الوجبات السريعة التي اعتدنا تناولها في الأيام العادية، وهي في معظمها ليست مفيدة؛ بل قد تكون متلوثة وضارة بالجسم. فالطبخ المنزلي آمن أولاً، ثم سليم ومفيد ثانياً. يجب أن نستمر على هذا النمط الغذائي الصحي بعد رمضان، ونعوّد أنفسنا وأفراد أسرتنا تناول الوجبات المنزلية المنتظمة التي تجمع الأسرة بكاملها. ونستمر في اتباع النظام الغذائي الصحي الذي كان متبعاً خلال شهر رمضان، والعودة تدريجيّاً إلى النظام الغذائي العادي؛ أي عدم المبالغة في الطعام من حيث الكمية والنوعية.
أما بالنسبة إلى السوائل؛ فننصح بشرب كثير من الماء، فالجسم يحتاج للمياه من أجل تأدية معظم وظائفه، والتخلص من السموم، والمحافظة على صحة البشرة، والمساعدة في منح الطاقة للعضلات، والتقليل من أعراض أمرض الحر، والتحكم في السعرات الحرارية، وتقليل الرغبة الشديدة في تناول الأطعمة غير الصحية.
> الوقاية من الأمراض المزمنة: الصوم يقي من كثير من الأمراض، فهو يرفع مناعة الجسم، كما يعالج أو يخفف من أعراض ومضاعفات الأمراض المزمنة، مثل أمراض القلب، والكلى، وارتفاع ضغط الدم، وداء السكري من النمط الثاني الذي يصيب البالغين، والسمنة، والشحوم الكبدية… وغيرها. المرضى المصابون بهذه الأمراض يستفيدون من الصوم، سواء أكان في شهر رمضان أم بعده، بممارسة عبادة الصيام المتقطع طوال السنة من بعد رمضان وقاية من الأمراض العضوية والنفسية. وقد ثبتت فوائد الصيام المتقطع في كثير من الدراسات في دول العالم الإسلامية والغربية».
– التأثير الإيجابي للصيام المتقطع
> يشير الأستاذ الدكتور محمد جميل الحبال إلى أن «الصيام المتقطع قد أصبح، خلال العقود الأخيرة، أحد اهتمامات العلماء والباحثين من مختلف دول العالم لمردوده الصحي الكبير». وقد حصل العالم الياباني يوشينوري أوسومي (Yoshinori Ohsumi) على جائزة نوبل في الطب لعام 2016 تقديراً لإسهامه في مجال التعرف على كيفية قيام الجسم البشري بتكسير وإعادة إنتاج مكوِّنات الخلايا، وهي النظرية التي تعرف بـ«التدمير الذاتي للخلايا». وملخصها، بلغة علمية مبسطة، أن فترات الصيام القصيرة للإنسان لها تأثير إيجابي على تجديد الخلايا والمساعدة على إبطاء عملية الشيخوخة، وأن ممارسة الجوع والعطش من 8 إلى 16 ساعة في يومين (الاثنين والخميس) من كل أسبوع أو في 3 أيام (الأيام البيض) من كل شهر، مع ممارسة الهدوء النفسي والروحاني، وليس الجوع والعطش فقط، مفيدة للجسم والعقل والخلايا والأنسجة. وتفسيرها طبياً أن الجسم في أثناء الصيام يشهد انخفاض مستويات الغلوكوز في الدم، وبالتالي يتباطأ إنتاج الإنسولين الذي يسلم الغلوكوز إلى أنسجة الجسم، وهذا يعني أن إمدادات المغذيات تتوقف، ويجب أن تدخل في وضع البقاء «حية»، وهذا يعني أن إنتاج الغلوكاجون يبدأ، وكذلك تحفيز الالتهام الذاتي الذي يقوم بالتهام الخلايا المريضة أو الخلايا الالتهابية أو الخلايا السرطانية أو حتى تلك التي تسبب الشيخوخة والخرف «ألزهايمر»، ويحولها إلى طاقة.
إن رد الفعل الدفاعي للجسم (المناعة) يعتمد على استخدام الخلايا منتهية العمر للحصول على إمدادات المغذيات من الداخل. وقد يؤدي الصيام لفترات طويلة إلى إبطاء معدل الأيض (التمثيل الغذائي)، رغم أنه يزداد فعلياً في حالة الصيام من 12 إلى 72 ساعة. وهذا مرتبط بإفراز هرمون «نورادرينالين» المسؤول عن الشعور بالجوع.
والقاعدة نفسها تنطبق على كتلة العضلات، حيث تجزم الأبحاث بأن الصيام قصير الأمد يؤدي إلى ارتفاع مستويات «هرمون النمو» الذي يستخلص الطاقة من الأنسجة الدهنية. والصيام المتقطع علاج لكثير من أمراض العصر المزمنة والوقاية منها، مثل الأمراض السرطانية والأمراض المعدية والالتهابية وكذلك من مرض ألزهايمر.
وأخيراً يؤكد الأستاذ الدكتور محمد الحبال على «ضرورة أن نلتزم جميعنا بالتعاليم والأساليب الصحية في جميع نواحي حياتنا، لكي نحافظ على الفوائد والمكاسب والمنجزات التي حققناها من صيام شهر رمضان المبارك الماضي»
مرضى السكري بإمكانهم تقليل خطر الوفاة بالشاي والقهوة
خلصت دراسة طويلة الأمد إلى أن الأشخاص المصابين بداء السكري من النوع الثاني الذين تناولوا مشروبات عالية السكر أكثر عرضة للوفاة المبكرة بصرف النظر عن أسباب الوفاة، حسب صحيفة «الغارديان».
وتشير الأبحاث إلى أن مرضى السكري من النوع الثاني يجب أن يستبدلوا المشروبات السكرية بالشاي والقهوة لتقليل خطر الوفاة المبكرة.
وأظهرت الدراسة التي نشرت في مجلة «بريتش ميديكال جورنال» الطبية البريطانية، أن الأشخاص الذين غيروا عاداتهم في الشرب بعد تشخيص مرض السكري بات لديهم معدلات أقل للوفاة المبكرة بسبب أمراض القلب والأوعية الدموية أو أي أسباب أخرى.
وقام خبراء، منهم أساتذة بكلية الطب بجامعة هارفرد الأميركية، بتحليل بيانات شملت 15486 شخصاً – 74 في المائة منهم من النساء ومتوسط أعمارهم 61 عاماً – الذين تم تشخيص إصابتهم بمرض السكري من النوع الثاني. وجرى تقييم ما شربوه في استبيان وتحديثه كل سنتين إلى أربع سنوات.
وخلال 18.5 عام من المتابعة، عانى 3447 (22 في المائة) أمراض القلب والأوعية الدموية وتم تسجيل 7638 (49.3 في المائة) حالة وفاة. وتشير البيانات إلى أن الأشخاص الذين يتناولون مشروبات سكرية أكثر من غيرهم كانوا أكثر عرضة للوفاة مبكراً لأي سبب من الأسباب.
ومع ذلك، فإن الأشخاص الذين يتناولون القهوة بدرجة أعلى (ما يصل إلى ستة أكواب في اليوم) عرضة لخطر أقل بنسبة 26 في المائة للوفاة المبكرة، بينما كان الخطر أقل بنسبة 21 في المائة لتناول كميات أكبر من الشاي، و23 في المائة للمياه و12 في المائة للحليب قليل الدسم.
بالمقارنة مع أولئك الذين لم يغيروا عاداتهم في الشرب بعد تشخيص مرض السكري، فإن أولئك الذين تناولوا المزيد من القهوة أو الشاي أو الماء كانوا أقل عرضة للوفاة مبكراً بنسبة 18 في المائة.
فيما يخص أمراض القلب والأوعية الدموية على وجه التحديد، ارتبطت المشروبات السكرية بزيادة خطر الإصابة بنسبة 25 في المائة وزيادة خطر الوفاة بسببها بنسبة 29 في المائة. وارتبطت القهوة والحليب قليل الدسم بمخاطر أقل.
وأشار الباحثون في الدراسة إلى أن النتائج التي توصلوا إليها تستند إلى الملاحظة بدلاً من إثبات السبب والنتيجة. لكنهم خلصوا إلى أن استبدال المشروبات السكرية أو المشروبات المحلاة صناعياً أو عصير الفاكهة أو الحليب كامل الدسم بالقهوة أو الشاي أو الماء العادي «كان مرتبطاً باستمرار بانخفاض معدل الوفيات لجميع الأسباب».