اهتمت الصحف العربية بنسختيها الورقية والإلكترونية بالمكالمة التليفونية بين ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد والرئيس السوري بشار الأسد.
وقال بن زايد في تغريدة سابقة له إنه ناقش مع الأسد “تداعيات انتشار فيروس كورونا”، وأكد له “دعم دولة الإمارات ومساعدتها للشعب السوري الشقيق في هذه الظروف الاستثنائية”.
واختتم بن زايد التغريدة بقوله: “التضامن الإنساني في أوقات المحن يسمو فوق كل اعتبار، وسوريا العربية الشقيقة لن تبقى وحدها في هذه الظروف الحرجة”.
ورأى عدد من الكتاب أن مكالمة بن زايد هي خطوة متقدمة للمصالحة العربية السورية، فيما رأى بعض آخر أن الأسد “لن يتوانى عن قطف ثمار الوباء”.
تحريك “المياه الراكدة”
يقول عدلي صادق في جريدة “العرب” اللندنية إنه “لعل اللياقة، وبعض الاعتبارات الجانبية التي يمكن افتراضها؛ هي التي جعلت تعليل الإمارات لاتصال الشيخ محمد بن زايد بالرئيس بشار الأسد، يقتصر على المسألة الإنسانية في ظل هجمة كورونا”.
ويتابع: “هناك الكثير من المؤشرات والأسباب التي تجعل السياسة والرؤية الاستراتيجية حاضرتين بقوة -وبالمنطق- دونما حاجة للاستغراب… واقع الأمر، أن القوات السورية النظامية، تسيطر على معظم الأراضي السورية، والسوريون الذين يعيشون في بلادهم، وإخوتهم الذين خرجوا منها ويأملون في العودة إليها، ينتظرون تسوية تؤمن لهم حياة سياسية دستورية، دونما شرط إطاحة الأسد”.
ويضيف: “ما هو السبب المتبقي لمقاطعة النظام في سوريا؟ وهل يظن عاقل، أن الاستمرار في المقاطعة، من شأنه إطاحة هذا النظام؟ يقتضي المنطق، القول: من الخطأ أن يكون الموقف حيال سوريا، معطوفاً على الموقف من إيران. فالنظام السوري مختلف، وهو في المحصلة علماني، والمأمول أن يكون علمانياً راشداً ومنضبطًا لدستور عصري. وعلى هذا المستوى، لن تفيد المقاطعة، مثلما يُفيد التواصل”.
وفي السياق ذاته، يقول عبدالله الأيوبي في جريدة “أخبار الخليج” البحرينية إن “الاتصال الهاتفي الذي أجراه ولي عهد أبوظبي مع الرئيس السوري يمثل خطوة متقدمة جداً من شأنها أن تمهد الطريق لمعالجة موضوعية وحقيقية للتداعيات السياسية التي خلفتها الأزمة السورية، والتي انعكست بكل تأكيد على العلاقات العربية العربية، بل أغرت القوى الإقليمية لزيادة تدخلاتها في شؤون العديد من الدول العربية”.
ويضيف الأيوبي: “هذه المبادرة الصائبة التي جاءت من سمو ولي عهد أبوظبي ستسهم بلا شك في تصحيح الاعوجاج الذي يعتري علاقات بعض الدول العربية مع سوريا، ومن شأنها أيضاً أن تحرك المياه الراكدة في بحيرة هذه العلاقات وتفتح أبواب الجامعة العربية أمام الشقيقة سوريا لتكون في مكانها الصحيح إلى جانب باقي أشقائها العرب”.
ويتابع: “الأوضاع القائمة تفرض على الجميع إعادة النظر في مواقفهم وقراءتهم لهذه الأوضاع بتأن وبمسؤولية وطنية وقومية، ومهما حدث من شقاق بين هذه الدولة العربية أو تلك فليس هناك من خيار سوى العمل على ترميم العلاقات العربية العربية وإعادتها إلى حالتها الطبيعية، فالعرب، مهما ابتعد هذا أو ذاك عن الآخر، يبقون الأقرب إلى بعضهم بعضاً”.
“هدية” الفيروس القاتل
يقول عمر قدور في جريدة “المدن” اللبنانية: “حظي بشار الأسد باتصال من محمد بن زايد؛ هذه أول هدية مصدرها الفيروس القاتل. نوايا التطبيع الإماراتي مع الأسد ظهرت طلائعها قبل سنتين، ثم لُجمت مرتين على الأقل من قبل الإدارة الأمريكية التي لجمت أيضاً نوايا عربية أخرى”.
ويتابع قدور: “الغطاء إنساني والمضمون سياسي، هذا هو حال الرسالة الإماراتية ومن يتلطى خلفها، أو من سينضم إليها… الأهوال المعيشية التي ظهرت مع الإجراءات الخاصة بمواجهة الوباء توضح حاجة السوريين إلى نوعين من المساعدات العاجلة، الغذائية والطبية. التدخل لإنقاذ السوريين لا يمكن مروره إلا عن طريق الأسد، والأخير لن يتوانى عن ابتزاز أية جهة أممية جادة من أجل التطبيع معه”.
ويختتم الكاتب مقاله بقوله: “قد لا يحتمل اتصال محمد بن زايد ببشار الأسد أكثر من كونه مبادرة منفردة واتتها الفرصة مع كورونا، لكن الأسد لن يتوانى عن قطف ثمار الوباء إذا وجد استعداداً على نطاق أوسع من المبادرة الإماراتية”.
وعلى المنهاج نفسه، يرى أرنست خوري في جريدة “العربي الجديد” اللندنية أن “محمد بن زايد، وباقي أركان السلطة الإماراتية عموماً، لم يكونوا راغبين يوماً لا بإزاحة النظام السوري، ولا بإصلاحه، حتى منذ اندلاع الثورة”.
ويتابع: “رحلة الكذب الإماراتية في ادعاء العداء للنظام السوري كانت قصيرة جداً، حتى إنها، على قصر مدتها، طالت أكثر مما يفترضه المنطق. فالمنطق يضع كلاً من حُكام أبوظبي ودمشق في خانة أعز الأصدقاء؛ هم واحد في نظرتهم إلى الحرية كتخريب، والمواطنين كعبيد أو موتى، والديمقراطية كحكم الغوغاء و’االإسلام الجيد’ ذاك الذي يحصر وظيفته بخدمة السلطان “.
ويضيف: “كان النظام السوري ولا يزال مصدر اطمئنان لبلد مثل الإمارات، وإن اضطر مرغماً أن يساير الرغبة الأمريكية مؤقتاً أما وقد اختفى الضغط الأمريكي، فلم يعد يبقى إلا انتظار نهاية الموجة الحالية من كورونا، لكي يزور بشار الأسد أبوظبي، ويرد له محمد بن زايد وسام الاستحقاق من الدرجة الممتازة الذي سبق أن سلمه حافظ الأسد لزايد آل نهيان في دمشق ذات يوم من عام 1973”.