تزدان ساحاته بشجيرات طبيعية وأعشاب عطرية وأزهار، وتم تمهيد الأرضية بحصى وبلاط صخري رمادي اللون يضفي برودة وانتعاشاً على المكان.
وتبدو في وسط الساحة المفتوحة المقامة في الهواء الطلق ربوة صغيرة مغطاة بالحشائش ذات اللون الأخضر الفاتح، تدعو الزوار للجلوس فوقها والتربيت عليها برقة، بينما تتدفق المياه بلطف من جلمود صخري ويسمع خريرها من بعد.
وهذه الحديقة الحسية الهادئة مصممة لتحفيز الحواس عن طريق الورد والشجيرات والأعشاب، وغيرها من خصائص المناظر الطبيعية الرائعة، وهي ليست موجودة في مركز صحي لطالبي الاستجمام والعافية، لكنها كائنة داخل سجن به نزلاء يعدون من أكثر المجرمين خطورة في نيوزيلندا، وأكثرهم عرضة للعودة مرة أخرى إلى عالم الجريمة بعد انتهاء فترة العقوبة، وتعد هذه المساحة جزءاً من جناح جديد تم افتتاحه في سجن أوكلاند، وهو السجن الذي يقتصر على استضافة عتاة المجرمين وتفرض فيه أشد إجراءات الحراسة.
وأشارت وكالة الأنباء الألمانية، إلى أن المنشآت الجديدة تضم أيضاً ملعباً مغطى لكرة السلة وقاعة لأجهزة الكومبيوتر، وقاعات للتدريب المهني، وكشكاً مزوداً بتقنية بصمات الأصابع يسمح للسجناء بشراء أشياء شخصية من بينها مشروبات وبطاقات التهنئة.
ويوضح مدير إدارة الإصلاحيات في نيوزيلندا راي سميث، قائلاً إنه «تم بناء هذا السجن القديم شديد الحراسة منذ 50 عاماً، وتم تصميمه لزمان وغرض مختلفين عن زماننا».
وتم تزويد كل زنزانة بالمبنى الجديد بالسجن الذي يأوي 260 من أخطر المجرمين بنيوزيلندا بنافذة وحمام مزود بدش، كما يوجد بكل زنزانة جهاز تلفاز يمكن عن طريقه مشاهدة القنوات مجانا، إلى جانب برامج مفصلة حسب الطلب عن وضع السجناء في محبسهم وعن تربية الأطفال، وكذلك جلسات الاستماع حول الإفراج عن المسجونين قبل انتهاء فترة العقوبة، وأيضا حصص دراسية حول ممارسة اليوجا التي تعد غريبة بالنسبة لهم.
ويقول سميث إن «التكنولوجيا تغيرت، كما تغيرت الطريقة التي نقدم بها إعادة التأهيل والدعم للمسجونين الذين يعانون من متاعب مرتبطة بالصحة العقلية».
ويضيف أن عدداً مذهلاً من المسجونين تصل نسبته إلى 91 في المائة في نيوزيلندا، يشخّص على أنه يعاني من متاعب مرتبطة بالصحة العقلية أو الإدمان، ومن هنا فإن مجرد سجنهم لا يفيد المجتمع بأي شيء.
ويشير سميث إلى أنه «لأمر على درجة كبيرة من الأهمية أن يكون لدينا الأشخاص المناسبون الذين يقدمون العلاج المناسب في بيئة آمنة علاجية وإنسانية».
والمبنى الجديد المتطور من السجن الذي تكلف 300 مليون دولار نيوزيلندي (199 مليون دولار أميركي)، مزود بوحدة مخصصة للصحة العقلية بها 50 سريراً، لأولئك الذين يعانون من احتياجات مهمة في الصحة العقلية.
وتتحمل نيوزيلندا حالياً عبئاً هائلاً بسبب تزايد أعداد نزلاء السجون، وبينما نجد أن معدلات الجريمة المسجلة فيها وصلت إلى أدنى أرقامها منذ أواخر السبعينات من القرن الماضي، فإن هذه الدولة المطلة على المحيط الهادي تتخذ موقفاً متشدداً بشكل متزايد إزاء الجريمة.
وأدى هذا الموقف إلى أن تسجل البلاد أحد أعلى معدلات عدد السجناء داخل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي يبلغ عدد أعضائها 36 دولة. وفي حال استمرار تزايد عدد السجناء بهذا المعدل المرتفع الحالي، ستضطر الحكومة إلى بناء سجن جديد كل عامين أو ثلاثة أعوام، لاستيعاب جميع المحكوم عليهم بالسجن.
ويلاحظ أن أفراد قومية الماوري وهم السكان الأصليون في نيوزيلندا من أكبر الشرائح التي تتعرض للمحاكمة، وعلى الرغم من أن هذه الطائفة تمثل ما نسبته 14.6 في المائة من مجموع السكان، فإنها تمثل ما نسبته 51 في المائة من عدد المسجونين بالبلاد.
وتقول تانيا ساويكي ميد، من منظمة «جاست سبيك» أي «تحدث فقط»، المعنية بإصلاح نظام العدالة بنيوزيلندا، إن «الجهود الرامية إلى تحسين الظروف غير الإنسانية في سجون نيوزيلندا مرحب بها؛ لأن مقار سجوننا ليست جيدة بما فيه الكفاية».
وتضيف إن «التسهيلات التي تدعم الصحة العقلية والتعلم ستحسن من فرص الأشخاص في إعادة التأهل، وتساعدهم على إعادة الاندماج في تجمعاتهم السكنية، والحد من عودة السجناء إلى عالم الجريمة بعد الإفراج عنهم، وتحسين النتائج النهائية بالنسبة لنا جميعاً».