يعتبر عيد الفصح أو كما يسميه آخرون عيد القيامة واحداً من أهم الأعياد الدينيّة لدى المسيحيين، وهو احتفال بذكرى “قيامة المسيح”، حسب العهد الجديد لكتاب المسيحيين المقدس، والتي يُعتقد أنها حصلت بعد 3 أيام من صلبه من قبل الرومان.
ويحتفل المسيحيون بعيد الفصح أو عيد القيامة في اليوم الذي ينتهي فيه الصوم الكبير الذي يمتد 40 يوماً، كما ينتهي فيه أسبوع الآلام.
متى يُحتفل بعيد الفصح؟
وفق مجلة History Magazine يقام عيد الفصح يوم الأحد، بعد أول اكتمالٍ للقمر الكنسي (الذي يوافق القمر الفلكي إلى حد ما) بعد الاعتدال الربيعي (الذي يوافق يوم 21 مارس/آذار غالباً) في نصف الكرة الشمالي، عندما تكون الشمس متعامدة كلياً على خط الاستواء، ويتساوى حينها الليل والنهار تقريباً.
بينما في الوقت الحالي يتحدد عيد الفصح لدى الكنائس الغربية، بين يومي 22 مارس/آذار و25 أبريل/نيسان، ولدى الكنائس الشرقية بين يومي 4 أبريل/نيسان، و8 مايو/أيار.
ويصادف عيد الفصح في هذا العام (2020)، حسب التقويم الغربي، 12 من أبريل/نيسان، في حين أنه يوم 19 أبريل/نيسان حسب التقويم الشرقي.
ما هو عيد الفصح؟
تطور عيد الفصح على مدى قرون، شأنه شأن عيد الكريسماس (عيد الميلاد) وعيد الهالوين، ودمج خلال تلك القرون جوانب مسيحية وغير مسيحية معاً.
لهذا فإن أصول هذا الاحتفال، الذي يتزامن مع فصل الربيع، أعقد بكثير مما قد تتوقع، ويعزى ذلك جزئياً إلى المفاهيم الخاطئة التي تستمر في الانتشار.
فيما يلي، سنوضح لكم باختصار كيفية نشأة وتطور احتفال عيد الفصح:
من أين أتت كلمة “Easter” الإنجليزية التي تعني “عيد الفصح”؟
يبدو المصطلح مشتقاً من إلهة الربيع لدى الأنجلوسكسونيين، أوستر أو أوستارا (Eostre)، والتي كانوا يحتفلون بها لأنها نجت من فصل الشتاء القاسي.
توضيح: الأنجلوسكسونيين Anglo-Saxons هم مجموعة قبائل موطنها الأصلي ألمانيا وهولندا والدنمارك، تركوا بلادهم في القرن الخامس بعد الميلاد، وغزوا بريطانيا واستوطنوا فيها.
بينما أشار القديس بيدا المُكرَّم، الذي كان يعيش في القرن الثامن، إلى أن الإنجليز يُطلقون على الشهر الرابع اسم Eosturmonath أو Eostre-Month (بمناسبة الاعتدال الربيعي)، وذلك في إشارة إلى الإلهة أوستر، وإلى أنهم احتفلوا بالأعياد تكريماً لها.
ومن الواضح أن الراهب الذي ينتمي إلى مملكة نورثمبريا كان له تأثير ما، إذ بقي الاسم حتى الآن، على الأقل في العالم الناطق بالإنجليزية.
ومع ذلك، تشير العديد من الثقافات إلى فصل الربيع بمصطلحات مترجمة عن كلمتي (Passover) أو (Pesach) وتعنيان “عيد الفصح اليهودي” باللغة العبرية؛ هذا الاحتفال اليهودي بذكرى خروج موسى -عليه السلام- وبني إسرائيل من مصر مثلما ورد في سِفر الخروج.
كما احتُفل بعيد الفصح اليهودي عند اكتمال القمر الأول بعد الاعتدال الربيعي، أي في اليوم الرابع عشر من شهر أبريل/نيسان، وهو الشهر السابع في التقويم العبري.
كيف يرتبط عيد الفصح بالمسيح؟ ومتى كان العشاء الأخير؟
كان العشاء الأخير هو الوجبة الأخيرة التي تقاسمها يسوع مع تلاميذه قبل صَلبه، عندما قدَّم الخبز على أنه جسده، وكأس النبيذ على أنها دمه، وذلك في اليوم الذي يُعرف حالياً باسم خميس العهد (Maundy Thursday) المشتقة من كلمة (commandment) اللاتينية التي تعني الوصية، إشارةً إلى الوصية التي ألقاها يسوع المسيح على تلاميذه أثناء هذا العشاء.
وتنص أناجيل العهد الجديد على أن المسيح أقام العشاء الأخير، وصُلب في جُلجُثة بمدينة القدس (في الجمعة العظيمة أو جمعة الآلام “Good Friday” المشتقة من كلمة “guode” الإنجليزية القديمة التي تعني “مُقدَّس”).
وبُعث بعد ثلاثة أيام من القبر الذي دُفن فيه (يوم أحد القيامة)، وذلك أثناء التحضير للاحتفال بعيد الفصح اليهودي.
فيما تُظهر الأناجيل الإزائية (أناجيل متّى ومرقص ولوقا) العشاء الأخير بوصفه عشاءً فصحياً (عشاءً شعائرياً يهودياً)، رغم أن بعض النصوص مفقودة على ما يبدو.
لذلك، كان يُنظر إلى المسيح على أنه الفصح الجديد، وأصبح الاحتفال بقيامته أول عيد مسيحي.
وفي مقابل ذلك، كان عيد الفصح يُشار إليه باسم شهر الفصح نسبة للمسيح، باعتباره حمل الفصح أو حمل الله الذي ذُبح فداءً للبشرية.
من قرر أن يكون احتفال عيد الفصح في ذلك اليوم؟
مع صَلب المسيح في أيام عيد الفصح اليهودي ثم بعثه بعدها، كان من المنطقي إحياء ذكرى تلك الأحداث، ولكن متى بالتحديد؟
كان يُحسب توقيت الاحتفال بعيد الفصح اليهودي وفقاً للتقويم القمري اليهودي الذي لا يتوافق مع تقويم يوليان الشمسي المسيحي، وهو ما تسبب في ارتباك.
لذا، في العام 325 ميلادياً، قرّر الإمبراطور قسطنطين العظيم، أول إمبراطور روماني يعتنق الديانة المسيحية، حل تلك الأزمة.
ودعا لعقد مجمع “نيقية الأول” الذي أعلن من خلاله أن قيامة المسيح مناسبة مسيحية أهم بكثير من أن ترتبط باحتفال ديني لديانة أخرى.
ولأن الأيام التي تلي فصل الشتاء تصبح أطول تدريجياً وأكثر سطوعاً، اعتبروها وقتئذ بمثابة “الرمزية المثالية” التي توحي ببعث المسيح، باعتباره “نور العالم”، مثلما ذكر إنجيل يوحنا.
وهكذا قرر قسطنطين أن يكون عيد الفصح في وقت قريب من الاحتفال اليهودي، ويحمل تلك الدلالة والرمزية من التقويم الشمسي؛ أول يوم أحد بعد أول بدر كامل بعد الاعتدال الربيعي.
خلافات حساب تاريخ عيد الفصح؟
لم تنتهِ المشكلات المتعلقة بحساب تاريخ عيد الفصح كونَ مجمع نيقية الأول حدد الإطار الزمني للمناسبة، وليس طريقة الحساب.
لذا، اندلعت الخلافات بشأن أي أيام الآحاد التي ينبغي الاحتفال فيها نظراً للوسائل المختلفة للحساب المرتبطة بتقويمات المبشرين المسيحيين الرومان والأيرلنديين السائدة في ممالك نورثمبريا في إنجلترا في ذلك الوقت، وهو ما تسبب في الاحتفال بعيد الفصح مرتين (بعدما أنشأ كل تقويم جداول حسابية -عرفت باسم Computus- على أمل تحديد تاريخ عيد الفصح بطريقة صحيحة ودقيقة).
وسعى أوزوي، ملك نورثمبريا (654-670م)، إلى حل مشكلة هذا الاختلاف ضمن جهوده للقضاء على أي انقسامات أخرى في مملكته.
ودعا كل قادة الكنيسة والنبلاء عام 664م إلى الدير في سترين شالش بمدينة ويتبي، تحت رعاية القديسة هيلدا مسؤولة الدير في ذلك الوقت.
وفضّلت أغلبية حاضري اجتماع ويتبي، مثلما أصبح معروفاً بعد ذلك، الحسابات الرومانية لعيد الفصح.
لكن التعقيدات لم تنته عند ذلك الحد بكل تأكيد، إلا أن هذا الاجتماع توصل إلى نوع من الإجماع، وأصبح الاحتفال بعيد الفصح يُعقد أول يوم أحد، عقب اكتمال القمر (البدر التام) أثناء أو بعد الاعتدال الربيعي.
طقوس صلاة عيد الفصح
خلال الأيام الثلاثة من الأسبوع المقدس التي تسبق عيد الفصح، كان مسيحيو العصور الوسطى يقضون معظم أوقاتهم في الكنيسة، وكانت تلك من أكثر الفترات المقدسة في التقويم المسيحي.
جمعت المراسم بين صلوات منتصف الليل والصباح الباكر، وجعلوها في موعد أكثر ملاءمة في الأمسيات السابقة، حتى يتسنى حضور المصلين تلك المراسم الرائعة، التي عُرفت بـ”صلاة الغروب”.
كانت مراسم “صلاة الغروب” مهيبة، تركز على الإطفاء التدريجي لمجموعة من الشموع على شمعدان كبير يُعرف بـ”النعش”، في دعوة للتأمل وإحياءً لذكرى معاناة المسيح. وتُطفأ كل الشموع عدا الشمعة الوسطى التي تظل مضاءة، لترمز إلى المسيح “نور العالم”.
ثم يبدأ بعد ذلك قُدّاس أحد الفصح عند الفجر، بتجمّع المصلين خارج الكنيسة لإنشاء الترانيم قبل دخولهم إلى قُدّاس بهيج. وبعدما يُمنح المصلون البركة والغفران يبدأون المراسم الاحتفالية.
من أين أتت فكرة بيض الفصح؟
يعتبر البيض من المجازات الرئيسية المرتبطة بهذا الموسم المتعلق بالإحياء والتجدد، فمن البيض تنبثق الحياة.
لم يكن ذلك ابتكاراً مسيحياً، فقد استخدم الوثنيون الأنجلوسكسونيون هذا الرمز من قبل للاحتفال بالربيع، واستخدم آخرون هذا الرمز من قبلهم أيضاً. من الصعب تحديد متى بدأ هذا الربط بين عيد الفصح والقشرة الخارجية للبيضة باعتبارها قبر المسيح، برغم وجود الكثير من الروابط في إنجلترا خلال العصور الوسطى.
ومن الممارسات القديمة للغاية تلوين بعض البيض. في البداية، استخدم المسيحيون الأوائل اللون الأحمر رمزاً لدم المسيح، ثم استخدمته الكنيسة الأرثوذكسية؛ وفي المناطق الجرمانية، استخدم المسيحيون اللون الأخضر وعلقوا البيض على الأشجار يوم خميس العهد (الخميس الأخضر).
وفي إنجلترا، كانوا يسلقون البيض مع البصل للحصول على لون ذهبي للقشرة الخارجية، إلا أنه في عيد الفصح عام 1290، اشترى الملك إدوارد الأول 450 بيضة ضخمة لتزيينها بالألوان أو أوراق الأشجار الذهبية لتوزيعها على أفراد عائلته.
وبعد ذلك وجد البيض طريقه إلى ألعاب الحفلات. هناك دراسات تشير إلى أن الراهب البروتستانتي الإصلاحي الألماني مارتن لوثر هو أول من نظّم مسابقات “العثور على البيض” لرعاياه في القرن السادس عشر، بغرض تعليمهم درس بعث المسيح من خلال محاكاة أدوار تلاميذ المسيح الذين اكتشفوا قيام المسيح من قبره صباح عيد الفصح، حسب الروايات المسيحية.
وبطريقة ما، ظهرت الفكرة التي تجمع بين الأرانب ووضع ذلك البيض. إذا كان كلاهما رمزاً قديماً للولادة المتجددة في الربيع، وارتبطت الأرانب بشكل خاص بالطقوس الموسمية وبالسيدة مريم العذراء أيضاً، بسبب ما يُعرف عن خصوبة الأرانب الفائقة.
من أين نشأت فكرة أرنب عيد الفصح؟
مثلما أشرنا في الفقرة السابقة، ارتبطت الأرانب بعيد الفصح بسبب خصوبتها المعروفة، ولكن مفهوم “أرنب عيد الفصح” يعتبر حديثاً نسبياً.
ومن المحتمل أنه أصبح الأرنب الملون الكبير المعروف والمحبوب اليوم بسبب النفوذ الثقافي الأمريكي، لكن خلال القرن السابع عشر، وصف الطبيبان جورج فرانك فون فرانكينو ويوهانس ريشييه في كتاب “De ovis paschalibus” (عن بيض عيد الفصح) أن الأرانب تخفي سلال البيض الملون حتى يعثر عليها الأطفال.
واستمرت تلك التقاليد مع وصول المهاجرين الألمان إلى القارة الأمريكية، وانتشرت معهم إلى جميع أنحاء القارة.
ويرجع إليهم أيضاً فكرة “أرانب الشوكولاتة”، بعدما جعلوا كعك عيد الفصح على شكل أرنب “يضع” بيضاً من الشوكولاتة.