في أمسيته الأخيرة التي أقامها لمناقشة واحدة من الأعمال الروائية السعودية، يستعيد «بيت السرد» في «جمعية الثقافة والفنون» بالدمام، حضوره في المشهد الأدبي، حيث شهدت الأمسية التي أقيمت مساء الاثنين، لمناقشة رواية «النعاثل» للأديب والقاص السعودي خليل إبراهيم الفزيع، حضوراً متميزاً من الأدباء والمثقفين وكتاب القصة القصيرة.
وبالرغم من أن الرواية لم تحظَ بقراءات نقدية متخصصة، فإنها شهدت خلال الأمسية عدداً من القراءات النقدية والانطباعية، ووفرت مساحة لتدريب كتاب السرد من الشباب خصوصاً لتتبع عثرات الكتابة السردية أو تقنياتها ونقاط القوة فيها.
رواية «النعاثل»، هي الثانية لخليل الفزيع، بالإضافة لرواية «مواجع الأيام»، وهما صادرتان عن دار «ريادة» للنشر والتوزيع.
وتعد رواية «النعاثل» باكورة الإنتاج الروائي لخليل الفزيع المعروف عنه كتابة القصة والمقالة وله عدد من المؤلفات القصصية والشعرية والنقدية والثقافية، وصدر كتابه الأول «أحاديث في الأدب» عام 1966، وسبق وترأس جريدة «اليوم» والنادي الأدبي في المنطقة الشرقية، وهو من رواد العملين الصحافي والأدبي في المملكة.
يجمع بين الروايتين أن كل واحدة منهما تدور أحداثها في مدينة سعودية، إذ تقع أحداث رواية «النعاثل»، في حيّ النعاثل في الأحساء في أربعينات القرن الميلادي الماضي، وتتخذ من طفلين (عقيل وعليان) بطلي الرواية، حيث يجمع بينهما مسجد الحي، ثم تفرق بينهما الأيام بانتقال أحدهما (عليان) مع والده إلى الدمام في ظروف قاهرة، بينما بقي عقيل في النعاثل. ثم تتطور الأحداث بوفاة والد عليان ليضطر للعمل في سفينة بالبحر، ثم تقوده الأحداث للانتقال إلى العمل في دبي… وهكذا تتطور أحداث الرواية لتكشف التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي مرّت بمنطقة الخليج في الحقبة التي سبقت استخراج النفط، ثم مع بواكير الطفرة النفطية والتحولات الاقتصادية التي ألقت بتأثيراتها البالغة على الحياة الاجتماعية.
* الصهيبي: «النعاثل» وتعدد الأصوات
الروائي والشاعر حمود الصهيبي، قال في كلمته إن الفزيع اتخذ في روايته «النعاثل» أسلوب «الأصوات المتعددة»، حسب المنظر الروسي ميخائيل باختين.
وقال إن الرواية نهجت هذا التعدد في الأصوات بين أبطال الرواية (عقيل وعليان) عبر 14 فصلاً بتناوب تبادلي.
وقال إننا أمام رواية تتعدد فيها الشخصيات المتحاورة، وتتعدد فيها وجهات النظر، وتختلف فيها الرؤى الآيديولوجية. بمعنى أنها رواية حوارية تعددية، حيث يعرف ميخائيل باختين الرواية البوليفونية بقوله: «إن الرواية المتعددة الأصوات ذات طابع حواري على نطاق واسع».
*السيهاتي: أسلوب تقريري
القاصة والكاتبة جُمَانة السيهاتي، قالت إن الرواية انطلقت من حي النعاثل في الأحساء، إلى دبي مروراً بالدمام، ثمّ إلى القاهرة وتونس… لتعرض «وبأسلوب تقريري أحوال الأحساء المجتمعية في فترة الأربعينات، وتتحدث عن صداقة وطيدة بين شخوص الرواية (عليان وعقيل)».
ورأت السيهاتي، أن الرواية لم تنصف أبطالها، فقد ركزت على أحدهما (عليان)، مستعرضة «أحواله الاجتماعية والمهنية والعاطفية»، ولكنها «جاءت سريعاً على ذكر البطل الآخر عقيل»، وقالت: أرى أن الحديث حول عليان وميوله وعاطفته ولقاءه الأول بامرأة كان بحاجة للإسهاب، حيث لم يتح الكاتب لقارئه التمعن أو حتى التنبؤ بمصير تلك العلاقة ومداها، «لأن الكاتب وبشكلٍ مفاجئ تحول من لسان الشخصيات إلى الراوي العليم، ثم؛ بشكلٍ مفاجئٍ كذلك انتهى دور الراوي وخُتمت القصة على لسان زوجة البطل عليان».
* الحسن: صورة بانورامية
الروائية مريم الحسن، قالت إن «النعاثل» هي رواية واقعية قدمت صورة بانورامية عن أحد أحياء الأحساء، وهذا التصوير البانورامي هو عبارة عن نوع من التصوير الذي يأخذ زاوية أكثر اتساعاً للمكان تاركاً الدخول في التفاصيل.
وقالت، إن فكرة الرواية تقليدية، لكن العمل مشحون بالتراث المحلي الأحسائي متضمناً عادات وتقاليد محلية سعودية ما بين الدمام والأحساء، ثم مناطق أخرى. وتمكنت الرواية من تحقيق «الإسقاط الواقعي على المجتمع والبيئة في زمن ما والتركيز على قضايا متنوعة من قصص العلاقات والرغبات الإنسانية وقصص المرأة والرجل».
ورأت أن الكاتب حرص على «تصوير الزمان والمكان بشكل موسع، حيث صوّر حيّ النعاثل والدمام، مدققاً في تفاصيل النشأة حتى التطورات الحديثة».
ولاحظت أن الرواية لا تخلو من مفارقات جريئة، تختلط فيها عناصر الالتزام الأخلاقي المحافظ، بالانحرافات والخيانة. فقد تناولت الرواية الفضيلة والرذيلة وتأثيرهما على النفس. وفنياً رأت أن السرد كان سلساً وواضحاً ولا غموض فيه.
* فالح الصغير: مخزون ثقافي
القاص فالح الصغير، قال إن الأديب خليل الفزيع يتكئ على مخزون كبير من الثقافة والعمل الأدبي، وأنه استطاع توظيف رصيده وتجاربه الطويلة في هذه الرواية كما في كتاباته السابقة، وأن الفزيع ترك أثراً عميقاً في كتابة السرد المحلي.
* الجلواح: سيرة ذاتية
الشاعر محمد الجلواح قال إن رواية «النعاثل» لخليل الفزيع «فيها وضوح مريح، ومباشَرة جذابة، واستدعاء رائع للتراث والأحداث والذكريات، ورصد معرفي وتوثيقي جميل لهذا الحي العريق بالهفوف، يجعلك تنتقل بكل حواسك إلى ما تقرؤه عينك».
وأضاف: «أعتبر (النعاثل) ورقةً من السيرة الذاتية لكاتبها… فهناك توافق في السياق المعنوي يصل إلى حد التطابق بينها»، وبين أن الفزيع في ديوانه «شفيف الوجد»، يحضر النعاثل مجدداً، كما في قصيدته: «جدتي والنعاثل»