تجتاح الموجة في طريقها كل شيء. تسمى في البداية «الموجة الجديدة» كما في السينما، والشعر، والرسم، والغناء، ثم تصبح هي القديم والماضي الجميل. كان كلود لولوش، رائد «الموجة الجديدة» في السينما الفرنسية، والآن يقول نبأ إنه رُزق طفلة من الزوجة الرابعة وهو في الخامسة والثمانين من العمر، أي لا جديد في الأمر سوى عشر سنين.
تغيّرت فلسفة الشُّهرة في العالم الحديث عن جميع مفاهيم الماضي. كان عليك أن تكون يوليوس قيصر، أو كليوباترا، أو يوسف بيك وهبي. والآن هناك 170 مليون متابع خلف السيدة كيم كارداشيان. ويسمون نجوماً أو نجمات أصحاب الأسماء اللامعة في «تيك توك» و«الفاشونيستا». وكنت أعتقد بكل سذاجة أن «تيك توك» سيارة تاكسي تايلندية ثلاثية الأبعاد، إلى أن أوضح لي صديق من الأجيال النضرة، أعزها إليّ، أنها أيضاً تيك وتوك… وهلمّ جراً.
لن تصدق أنني قرأت عن كيم كارداشيان في «ملحق التايمز الأدبي». ومنه تعرّفت إلى فلسفة «الشهرة الجديدة» القائمة على قاعدة واحدة: ليس من الضرورة أن تكون شيئاً. الشقيقة الصغرى للسيدة كارداشيان تجاوزت ثروتها المليار، وهي بعد دون الحادية والعشرين. كيف ولماذا؟ لأنها غيَّرت في حجم شفتيها فأصبحت شيئاً مهماً من «تيك توك». أو توكتيك!
يقول الأستاذ جهاد بزي (المدن) إن هيفاء وهبي أسطع النماذج، يوم نجحت قبل أن تغنّي أو تمثل أو أي شيء آخر. جميلة وكفى. الأداء والغناء لا أهمية لهما. تحولت الكليبات إلى صناعة تدرّ عشرات الملايين من دون أن يبرز فيها صوت واحد. ما إن انتهى أحد المخرجين من كليبه الأول، حتى اكتشف أنه جمع ما يكفيه لخوض المعركة الانتخابية. الكفاءة غير مطلوبة. نحن في عصر الصورة بلا صوت. الرقم المتداول عن ثروة فيروز، بعد 60 عاماً من الغناء، وأشهر اسم في الشرق منذ أم كلثوم، يبدو محزناً بالمقارنة مع سيدات العصر. يشمل رقم فيروز النسبة المئوية التي تحصل عليها من بث أغانيها في الإذاعات كل يوم. في أي حال يقارب 28 مليون دولار.
في حين تتراوح ثروات مطربات الحداثة، أي خليط الصوت والصورة وألحان «تيك توك»، بين 60 و40 مليون دولار. القاسم المشترك هنا هو نفسه في عالم السيدة كارداشيان، أي الشفاه المنفوخة، وعلامات النفخ الأخرى، غير أنْ لا ثروة تقارَن بما تجنيه النجمة الواقعية في أميركا 1.2 مليار دولار، وكذلك شقيقتها وبعض أفراد العائلة.
لكل عصر موجة جديدة تلغي الموجات السابقة. وكان أديب مصر الكبير توفيق الحكيم يغار من لاعبي كرة القدم والرواتب التي يتقاضونها، ولم يستطع أن يتقبل ما تسمى «نظرية السوق». ولو عاش في عصر محمد صلاح لاكتشف أن متابعيه يفوقون قرّاء المواسم الأدبيّة في نصف قرن.