ستينات القرن الماضي كان لبنان حديقة الشعر والشعراء. تراهم في كل مكان يقرأون قصائدهم، في المقاهي، والمهرجانات، وبكل تواضع لا يطلبون أكثر من إمارة الشعر. وقد نالها مؤخراً بشارة الخوري المعروف بالأخطل الصغير، فيما ظلَّ يطلبها، بلا جدوى، رفيقهُ وندّهُ أمين نخلة. ويمكنُ تشويه الحال إلى حد بعيد مع الصراع الضمني الذي قام بين عملاقي القصة والرواية، نجيب محفوظ ويوسف إدريس. فقد نال الأول «نوبل الآداب»، فيما راح الثاني يصرخ في أي مكان أنها من حقه وحده.
حملَ أمين نخلة معهُ طوالَ زمن قصيدة قال أحمد شوقي إنه قد كتبها فيه معلناً إياه ولياً لعهده أميناً للشعراء يقول مطلعها: هذا وليٌ لعهدي وأميرُ الشعر بعدي. لكن أحمد شوقي غاب من دون أن يؤكد لأحد أنه صاحب ذلك القول. ودبَّ المشيبُ في الشاعرين الكبيرين من دون أن يحسمَ أحدٌ في مسألة الخلافة إلى أن صار هناك نوع من إجماع على تسمية الأخطل الصغير في مهرجان عربي أقيم في بيروت، وكان أولُ الحاضرين فيه مكتئباً ومكفهرّاً غير قادر على إخفاءِ حزنه الشاعر الأمين.
يومها ألقى الأخطل، المتقدم في السن، قصيدةً مطلعها:
أيومَ أصبحتُ لا شمسي ولا قمري
من ذا الذي يغنّي على عودٍ بلا وتَرِ.
وتدافع النقاد والأدباء يمتدحون صاحب الإمارة، وقدرته على كتابةِ الجميل من القصيد رغم بلوغه من العمرِ عتيّاً. ولم يهن على الأمين أن يهزم مرتين فقرر أن يكتب في وصف الشيخوخة ما لم يبلغه أخطلٌ، ولا جريرٌ، ولا الفرَزْدَق، فكانت هذه التحفة الفريدة التي جعل عنوانها «الصيف المودّع» التي قال فيها:
أحمامة تبكي على صيف/ المودع، لا علينا.
ابكي علينا، يا حمامة/ واحملي دمعاً إلينا!
نحن الذين هوى بهم/ فلك وأسقط في يدينا.
كنا الملوك على الشباب/ وكانت الدنيا لدينا
كنا الغصون الخضر في/ كف الملاحة، والتوينا
كنا الرماح السمهريات/ العوالي، وانحنينا
نمشي ونهرع بالشباب/ إذا مشى الناس الهوينا
إنَّا بنينا للشباب/ ولم يدم ما قد بنينا
يا فائت الأيام تسألك/ المدامع أين، أينا..