وفاة الكاتب السوري خالد خليفة عن 59 عاماً
قالت دار ممدوح عدوان للنشر والتوزيع، إن الكاتب والشاعر والسيناريست السوري خالد خليفة، توفي اليوم (السبت) عن عمر ناهز 59 عاماً.
ولد خليفة في حلب عام 1964، وتخرج في كلية الحقوق عام 1988، وكان عضواً في المنتدى الأدبي بالجامعة. كتب الدراما التلفزيونية وبعض الأفلام الوثائقية والأفلام القصيرة والطويلة.
أصدر خليفة ست روايات من أبرزها (مديح الكراهية) التي وصلت للقائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية بالإمارات عام 2008، ورواية (لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة) التي نالت جائزة نجيب محفوظ من الجامعة الأميركية بالقاهرة عام 2013.
ومن المسلسلات التي كتب لها القصة والسيناريو والحوار (قوس قزح) و(سيرة آل الجلالي) و(هدوء نسبي) و(ظل امرأة).
كاتب «لم يصل عليهم أحد» رحل بهدوء مخلفاً صدمة وحزناً كبيرين
*كانت الأجهزة السورية تمنحه إجازة سفر لمرة واحدة غير قابلة للتجديد، على أمل أن تكون مغادرته بلا عودة، إلا أنه كان يعود دائماً
كأن السوري خالد خليفة حين كان يضع عناوين رواياته، كان يخطّ كلمات نعواته التي تدفقت، مساء السبت، إلى حسابات طيف واسع من المثقفين والفنانين السوريين على وسائل التواصل الإجتماعي، لدى تلقّيهم نبأ رحيله المفاجئ. حيث وجده أصدقاؤه المقرَّبون مستلقياً على الأريكة مفارقاً الحياة، على أثر احتشاء في العضلة القلبية، إذن «الموت عمل شاقّ لك ولنا» كتب كثيرون من الأصدقاء مؤكدين أن قلوب كثيرين ستصلّي عليه، استعارة لعنوان رواية «الموت عمل شاق»، ورواية «لم يصل عليهم أحد».
الروائي خالد خليفة، الذي يناديه الأصدقاء بـ«الخال»، كان قد تفرّغ منذ بداية مسيرته الأدبية، لاحتراف الكتابة الإبداعية، وسخَّر لها كل طاقاته ونشاطاته، وتمكّن، بدماثته المشهودة، من نسج علاقات صداقة ودية متينة في الأوساط الثقافية المحلية والعربية، وحتى الأجنبية، بدأب في السنوات الأخيرة، على السفر، رغم تقييد حركته من قِبل الأجهزة الأمنية السورية التي كانت تمنحه إجازة سفر لمرة واحدة غير قابلة للتجديد، على أمل أن تكون مغادرته بلا عودة، إلا أن «خالد» كان يعود إلى دمشق التي اختار الاستقرار فيها، ما دام قادراً على البقاء. صديقه المقرَّب، ابن مدينة حمص، عبد الباسط فهد، أكد ذلك في نعيه لخالد، عبر حسابه في «فيسبوك»: «جمعَنا شعور مشترك وقرار حازم لا رجعة فيه بالبقاء في البلد، رغم خرابها الأخير، ورغم الفرص الكثيرة للرحيل والهجرة».
وبينما تجاهلت الجهات الرسمية السورية نبأ رحيل خليفة، وما خلفه من صدمة وحزن كبيرين في الأوساط الثقافية والفنية، نعاه المحتجّون في محافظة السويداء، ورفعوا عبارات النعي مع صور الراحل في ساحة الاحتجاجات المركزية، يوم أمس الأحد: «عشتَ حرّاً كما سنديان الجبل، وداعاً خالد خليفة». وبدورها نعته «رابطة الكُتاب السوريين»، في بيان قالت فيه إن «خالد» رحل في دمشق التي عاش فيها ولم يغادرها، «تاركاً خلفه الصدمة والحزن لدى كل من عرفه وقرأه في سوريا وفي عموم الوطن العربي والعالم». ولفت البيان إلى أن خليفة هو من أبرز وجوه الروائيين السوريين الذي قدّموا للقراء أعمالاً جماهيرية تلتزم قضايا المجتمع وتحاول أساليب مختلفة في السرد، فكان من خلال ذلك «أنموذجاً للكاتب الذي حمل روح التجدد والشباب». وتابعت الرابطة أن «خالد» لم يتردد لحظة في الوقوف مع مواطنيه في عام 2011، حين نزلوا الشوارع، وتعرَّض لاعتداء جسدي مباشر ومُضايقات متكررة على مدى أعوام طويلة، وتم تقييد حركته لفترة، قبل أن يُسمح له بالمغادرة، بموجب موافقة أمنية لا تجدَّد تلقائياً، الأمر الذي وضعه تحت طائلة حرمانه من حقه في السفر والعودة».
خالد عبد الرزاق، الشهير بخالد خليفة، وُلد في حلب 1963، لعائلة تنحدر من بلدة مريمين، في ريف عفرين (شمال حلب)، درس الحقوق في جامعة حلب، وتخرَّج فيها عام 1988، دخل عالم الأدب بكتابة الشعر، ومع بداية التسعينات برز بوصفه كاتب سيناريو، من خلال مسلسلات تركت أثراً واضحاً في الدراما السورية، منها «قوس قزح»، و«سيرة آل الجلالي»، و«المفتاح»، و«العراب»، و«هدوء نسبي»، و«ظل امرأة»، كما كتب أفلاماً وثائقية وأفلاماً قصيرة، وأفلاماً روائية طويلة؛ منها فيلم «باب المقام».
أولى رواياته كانت «حارس الخديعة» عام 1993، بعدها أصدر رواية «دفاتر القرباط» عام 2000، ليحترف كتابة الرواية، ويَذيع صيته مع صدور رواية «مديح الكراهية» التي تُرجمت إلى اللغات (الفرنسية، والإيطالية، والألمانية، والنرويجية، والإنجليزية، والإسبانية)، كما وصلت إلى القائمة القصيرة في الجائزة العالمية للرواية العربية «بوكر» في دورتها الأولى عام 2008، ليواصل نجاحه، وتتوالى أعماله الأدبية التي كانت تلقى رواجاً واسعاً كرواية «لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة»، التي حازت، عام 2013، جائزة نجيب محفوظ للرواية، ووصلت إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية. و«الموت عمل شاق» الصادرة عام 2016، و«لم يصلّ عليهم أحد» عام 2019.
رحل خليفة وهو في أوج عطائه، مخلّفاً الصدمة، وكثيرون من أصدقائه لم يصدّقوا بدايةً النبأ، وظنّوا أنها مزحة سمجة، لكنْ ومع تأكد الخبر تدفق إلى وسائل التواصل الاجتماعي موجة عالية من نعوات المثقفين والصحافيين والفنانين والناشطين السياسيين داخل سوريا وخارجها، وكتب الشاعر السوري منذر المصري معاتباً: «خالد… عأساس تطبع مخطوط الرواية الجديدة (غرفة بصاق للعمة) على ورق ونشتغل عليها سوا… أي أساس!؟ حياتنا كلها حفر وخراب»، ذاكراً أنه، وخلال مقابلة صحافية، حين سُئل عن خالد قال: «أخاف أن يموت قبلي! صدقاً كنت عارف!».
الفنان التشكيلي بطرس معري نعاه بلوحة رمزية تضمنت «بورتريه» مع كتابة «خالد خليفة أحبَّ بلده فأحبَّه البلد وأهل البلد».
من جانبه أظهر الكاتب والصحافي المصري سيد محمود فيضاً من مشاعر الحزن والأسى، وكتب: «أنعى لكم قطعة من قلبي، مات خالد خليفة وتركني في العراء، لا أحد عندي مثل خالد».
وكذلك نعاه الأديب الكويتي طالب الرفاعي قائلاً: «كأن الموت ينتقي أحبابه، خبر صادم يا صديقي». المخرج السوري هيثم حقي بدا غير مصدّق النبأ: «خالد خليفة، هل حقاً رحلت؟ كيف ترحل وأنا ما زلت بانتظارك للقاء أجّلناه، ولم نتصوّر أن (الموت الشاق) لن يعطينا فرصة كنا نتمناها… أخي وصديقي الحبيب وشريكي في عدد من أعمال تلفزيونية، نجحت بك وببراعة حسّك الروائي العالي… ورغم عدم تصديقي أتلفّظ أصعب جملة: رحل خالد خليفة… الألم والمرارة أصرّا على صفعي بالحقيقة».
صدرت حديثاً عن «محترف أوكسجين للنشر» في أونتاريو، رواية للروائي السوري علي عبد الله سعيد، وهي بعنوان «سكّر الهلوسة»، وذلك بعد 37 سنة من كتابتها.
جاء في كلمة الناشر:
«تتجاوز هذه الرواية زمنَها الحقيقي بين عامي 1983 و1986، لتفرض زمنها الخاصّ، مديداً وآنيّاً، مليئاً بالأحداث والشخصيات، في حبكة تتخطى فيها كل ما هو تقليدي، ليس تناغماً مع موضوعها الشائك وعوالمها المركّبة فحسب؛ إنَّما لقدرةِ علي عبد الله سعيد على إحداث الدهشة منذ السطر الأول: (هارباً من الجحيم اليوميّ). ولتمضي لعبة السرد على مدار تسعة فصولٍ يطارد فيها البطل هروبه إلى ما يتوق إليه وينفلت منه، إلى ما يجعلُه يصارع مصائره بضعفه وهشاشته، بتأمّلاته الفلسفية، بتوْقه المتجدّد للحبّ والامتثال الكامل للجسد، باقتحامات وتصادمات وهلوسات تتجلى في غرفٍ مظلمة، وفي شوارع تتربّص بالعابرين إلى خلواتهم في زمن الحرب، وفي دهاليز المؤسّسة بجدرانها الصمّاء ومكاتبها الضيّقة، وبموظّفيها وطقوسهم المجنونة، في محاولةٍ لدرء تصدّعات الحياة».
لا تأبه هذه الرواية بالمنع والتغييب، ولا بكل ما جُوبهت به لئلا تُطبع، وها هي تخرج إلى النور طازجة، كما لو أن الروائي السوري علي عبد الله سعيد انتهى من تأليفها للتوّ، وليس منذ أكثر من سبعٍ وثلاثين سنة. إنها رواية عصيّة على الزمن، تُوقظ وردة نديّة من حلمها، وتجعل من الشهيق والزفير معركة، أما سُكّرُها فله أن يذوب بحياة راويها ونسائه، وهو يقصّ على سلام الجزائري حيواته مع النازفين المرميّين في العراء، تارة يسرد ويضيء، وأخرى يُهَلوس ويهذي، وفي خضمّ ذلك تتوالى الحكايات والإشراقات والرغبات، والخيانات والخيبات والهزائم، كما لو أنّ النص قفزةٌ في الزمن، ومعبرٌ روائيّ استثنائي إلى واقع يوثّقه سعيد بأن يشكّله ويعيد تشكيله مراراً تحت إملاءات التوق إلى الحب والحرية والحياة.
من أجواء الرواية:
«الحب… يا سلام…
ما الفائدة من الحب؟
ما الفائدة من الحزن؟
ما الفائدة من الوطن؟
ما الفائدة من الفرح؟
أبدو يائساً وشهيّاً…
كان يأسي لذيذاً…
كان الوطن بين القتَلة ضيِّقاً كالحذاء الذي اهترأ. لذا… أتلمَّس مسامير اللحم التي خلّفها الوطن على قفا أصابعي…/ وأنتِ أتقبلين يأسي هكذا؟ أم تريدين وردة السفرجل الحزينة الذابلة؟».