في المسرح الكبير بمعرض الكتاب الدولي في الرياض، التقى روائيون وروائيات من الخليج، ممن يحفل سجلهم بالجوائز الأدبية، لكنهم أجمعوا على أن الجوائز ليست معياراً لتقييم جودة العمل، وأن الوصول للعالمية لا يمرّ قسراً بطريق الجوائز، ولا ينبغي للكاتب أن يلهث خلف الجوائز، مثلما لا ينبغي له أن يضيع الوقت في السعي لتحقيق العالمية عبر الترجمة.
جمعت ندوة «الرواية الخليجية وسؤال ما بعد العالمية»، التي أقيمت ضمن البرنامج الثقافي لمعرض الرياض الدولي للكتاب، كلاً من الروائي السعودي عبده خال، والروائي والشاعر العماني زهران القاسمي، والروائية العمانية بشرى خلفان، والباحثة والناقدة العمانية الدكتورة عزيزة بنت عبد الله الطائية، والكاتب والروائي السعودي عبد الواحد الأنصاري، وأدارتها الباحثة العمانية الدكتورة منى بنت حبراس السليمي.
الجوائز والعالمية
تساءل الروائي السعودي عبده خال، الذي حصد جائزة «البوكر العربية» عن روايته «ترمي بشرر»: هل يعتيّن على الكاتب أن يسعى للعالمية عبر حصوله على الجوائز؟ ليجيب: إذا كانت الجوائز معياراً للعالمية، فماذا يعني أن روائياً كبيراً مثل الروائي الكولومبي إكتور آباد فاسيولينسي، والأرجنتيني خورخي بورخيس، لم يحصلا على جائزة «نوبل»، ومع ذلك فهما روائيان عالميان؟
وأضاف: «المبدع الذي يملك مشروعاً روائياً، لا يكتب من أجل الجائزة، فالجائزة تأتي أحياناً تثميناً لما تكتب، لكن ليست هي المستهدفة بحد ذاتها، ولو أن أي كاتب استهدف الحصول على جائزة، فعليه أن يتوقف عن الكتابة».
وزاد قائلاً: «الكتابة مختبر داخلي للبحث عن مشروعات الكاتب الخاصة ولغته الخاصة وإنسانه الخاص، فإذا كان التكريم بالجائزة يوقف هذه المسألة؛ فأتمنى ألا أحصل على أي جائزة.. فأنا أسعى للبحث عما في داخلي من عوالم، هي عالمية بذاتها ولم تأتِ عالميتها من حصولها على جائزة».
وأضاف: «العالمية تأتي حين يعبر الكاتب عن إنسانيته، وعن إنسانية الإنسان مهما كان في أي بقعة من العالم. إن الكاتب في ذاته هو عالمي، ومتى ارتقى بذاته أصبح كاتباً عالمياً، وحين يكتب عن الإنسان في أي بقعة من العالم فقد وصل إلى العالمية».
وأضاف: «في كتاباتي لا أريد جوائز بتاتاً… الذي أريده كيف أستطيع إخراج ما في داخلي من حيوات كثيرة… لي ستُ سنوات منذ شاهدتُ قطاً تمّ دهسه من قبل سيارة مسرعة، ورأيت قطة عادت تحوم حول القط المصاب وتراقبه بألم وحسرة… فقد تملكني المنظر واستولى على جوارحي وطيلة ستِ سنوات أحاول أن أكتب هذه المشاعر التي صدرت من هذه القطة دون أن أتمكن حتى الآن… فأمنياتي كلها إخراج ما في داخلي من شخوص ومن مشاعر إنسانية، وعدا ذلك لا يعنيني الحصول على الجائزة».
بشرى خلفان: نزاهة الجوائز
قالت بشرى خلفان إن «فكرة ربط جودة الكتابة بالجوائز تمثل نظرة سطحية للأدب، فكم من الكتاب الذين نعرفهم ونقدرهم ولكنهم لم يحوزوا على (نوبل)، فهل يعني أن من حاز على تلك الجائزة هم الأفضل في مجال الأدب من الآخرين؟ وهذا ينطبق كذلك على بقية الجوائز».
وأضافت: «الجوائز تنتقي ما قُدم لها في فترة محددة، واختيار الأفضل يكون عادة خاضعاً لذائقة القارئ – المحّكم، بل إن الاختيار في كثير من الأحيان يخضع للاتجاهات الفكرية والسياسية، فهناك شكل من أشكال (الموظة) يحكم اتجاه اختيار الأعمال الفائزة، كالأحداث التي تقود الرأي والأفكار المطروحة في فترة وزمان محددين».
وتساءلت: هل الجوائز تُعلي من شأن الأدب، وهل هناك نزاهة مطلقة للجوائز؟ وفي السياق نفسه قالت: هل يعقل أن أمة عظيمة كالهند يفوز منها كاتب واحد بجائزة نوبل بينما يأتي أغلب الفائزين من فرنسا؟
ورداً على كلام منى السليمي بأن الجوائز هي أنجع الطرق للتعريف بالرواية، قالت بشرى خلفان: يمكننا القول إن الجوائز أنجع الطرق للتسويق وليس للمعرفة.
الترجمة والعالمية
لكنّ ما هو دور الترجمة في الوصول للعالمية؟ وعن أي عالمية يجري الحديث، فثمة من يرى أن الوصول للعالمية يعني الوصول إلى القارئ الغربي تحديداً، وإغفال بقية شعوب الأرض.
الدكتورة منى السليمي استشهدت بمقولة للكاتب والروائي والناقد المغربي عبد الفتاح كيليطو، يصف فيها العلاقة بين الكاتب العربي والقارئ الفرنسي بأنها علاقة «حبّ من طرف واحد»: «فإن هذا الكاتب قلق بشأن رضا ذلك القارئ ويبحث عن رضاه، بينما القارئ هناك غير معني بما ينجزه الكاتب العربي، كذلك فإن الكاتب في الغرب لا يهتم إن كان القارئ العربي اهتمّ بأدبه أم لا»، لتتساءل: بناء على ذلك هل هناك جدوى من ترجمة غير غربية ولا يقوم بها الغرب للأدب العربي؟
من جهته، تساءل الروائي زهران القاسمي: هل يترجم أصحاب اللغة أعمالهم إلى لغات أخرى، أم يبادر أصحاب اللغات الأخرى إلى البحث عن هذه الأعمال وترجمتها إلى لغاتهم؟ وقال إنّ الفكرة من الترجمة هي البحث عن الأدب بلسان آخر، أي «المقروئية»، وبالتالي فإن ترجمة الأدب ليست حكراً على اللغتين الفرنسية والإنجليزية، فلدينا عالم مليء باللغات، وفي الفترة الأخيرة كان هناك توجه من دول شرق آسيا كالصين مثلاً لترجمة الكثير من الأعمال العربية إلى الصينية، ولديهم مراكز كثيرة للترجمة وتبحث عن الإنتاج العربي مهما كان موطنه.
وأضاف: نحن حتى الآن أنظارنا مصوبة نحو الغرب ونتجاهل اللغات الأخرى.
المركز والأطراف
وبدا أن الروائيين الخليجيين المشاركين في هذه الندوة يحملون ندوباً في الذاكرة مما يعدونه ثنائية «المركز والأطراف»، التي عبرّ عنها الروائي السعودي عبده خال قائلاً: لو عدنا للخلف قليلاً سنجد أننا في دول الخليج نعاني من عقدة «الدونية» تجاه المثقف العربي، وأضاف: في الستينات والسبعينات وحتى ثمانينات القرن الماضي كنا نُعد أطرافاً، وكانت بعض الشخصيات العربية تعدنا أطرافاً.
وقال خال: «ساهمت الطفرة الاقتصادية في أن تحظى دول الخليج بقفزة اقتصادية عالية، تلا ذلك ما حدث من «تهشيم» لبعض دول المركز في العالم العربي… وحين عادت دول الخليج للصدارة عاد السؤال مجدداً: هل يحصل كتاب الخليج على جوائز لأنهم من دول أصبحت مراكز في العالم العربي، أم لأنهم جديرون بتلك الجوائز؟».
بينما قالت الدكتورة عزيزة الطائية: «هناك من ينظر إلى العمل الأدبي من منظار الآخر، ولا ينظر للعمل مجرداً من إيحاءات الآخرين. فنحن نطلب من الآخر أن يعترف بنا قبل أن يعترف بنا أبناء (جلدتنا)، وهذا يعيدنا مرة أخرى إلى جدلية المركز والهامش، وهذا ما يعاني منه الكتاب في الخليج، خصوصاً عندما يحقق أحدهم الفوز في أي مسابقة أدبية، أو جرى استحسان نصوصه، فإن الملامة توجه إليه فوراً بدعوى كيف يتفوق هذا النصّ على نصّ أديب عربي آخر، لأن الأديب الخليجي يُنظر إليه على أنه خرج من هذه البقعة المهمشة».
منيف والعالمية
أوردت الدكتورة منى السليمي، نقداً كتبه في عام 1988 الروائي الأميركي المعروف جون جون أبدايك في مجلة «نيويوركر»، قال فيه «إنه لأمر يؤسف له أن السيد (عبد الرحمن) منيف لم يكن متشبعاً بما يكفي بالقيم الغربية التي تؤهله لإنتاج سردية روائية تقترب كثيراً مما ندعوه رواية بالرغم من أنه يعيش في فرنسا»، وتساءل السليمي: هذا الحكم الذي أطلقه جون أبدايك على رواية «مدن الملح»، ألا يعطي إجابة على مفهوم العالمية من وجهة نظر الغرب..؟
ليجيب عبد الواحد الأنصاري، بأنه يتفق مع جون أبدايك بأن رواية «مدن الملح»، «ليست ذات فنية عالية رغم أنها عالمية، (..) فهي أصبحت عالمية لأنها تعد مختلفة في فترة ما، ولأجل أنها حملت مسحة هجائية كان اليسار العربي الاشتراكي واليسار الغربي يبحثان عنها في تلك الفترة التي كانت الحرب الباردة تستدعي نوعاً من التنازلات بحيث إن أي شخص يهجو الحكومات الملكية ولا يدعو للشيوعية السوفياتية فإنه يكون مقبولاً ومحتفى به».
ومضى يقول: «أوافق جون أبدايك في ضعف مستوى هذه الرواية على الرغم من أنها اشتهرت وتحظى بجماهير كثيرة، وفي الوقت نفسه أتفق مع رؤية لغازي القصيبي حول رواية (مدن الملح) – رغم أن القصيبي ليس روائياً وليس ناقداً – حيث عدَّ هذه الرواية رواية مترهلة».
وقال: «ربما كان جون أبدايك يقصد بالقيم الغربية في حديثه عن رواية منيف القيم الفنية التي يقوم على أساسها تحرير الرواية وشدها، وهذا لا يمنع أيضاً أن كلامه يحتمل تلك القيم التي جرى عولمتها مع انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، والمأخذ المحتمل إن منيف لم يستوعب الرؤية التي جرى تبنيها في ذلك الوقت».