جاء في الأثر: “يُعرف الرجال بالحق ولا يُعرف الحق بالرجال”، هذا ما تربينا عليه، فمن التحق بركب الحق عُرف به ونال شرفه وحصّل أجره، ومن ابتعد عن الحق كان مغموراً ولو أنه علمٌ في رأسه نار، وقد رأينا في الأيام الأخيرة مناداة الناس لبعض المشهورين ليناصروا القضية الفلسطينية ظناً منهم أن القضية ستكسب من قربهم وتخسر من بعدهم، والحقيقة أن الذي ينصر القضية ينصر نفسه أولاً، والذي يخذل القضية إنما خذل نفسه، ولقد كنا الفترة الماضية نتعجب من مناداة الناس لصلاح الدين إبان كل كبوة وأثناء كل انتفاضة، أو دعوتهم لخالد وسعد:
أقبل فأنت المرتجى سعد… إن البناء يكاد ينهد
فهم يستدعون رموز الانتصار وقادة العزة رغم تأكدهم من عدم عودتهم، ولِمَ يعود وقد أدى ما عليه وأتم دوره وترك الباقي لنا؟!
إنما اليوم رأينا النداءات تتجه نحو صلاح اللاعب وليس صلاح الناصر، ينادونه ليحرز موقفاً في ساحة المعركة، وليحرز هدفاً في مرمى الخصم؛ لقناعتهم باتساع شعبيته، ولإدراكهم أن المعركة معركة وعي وإعلام وحشد، خاصة أن هناك حشداً يهودياً غير مسبوق، موظفين شعبية لاعبين وفنانين معروفين، ولتذكرهم لموقف أبو تريكة في 2008 حينما أعلم العالم بمناصرته لإخوانه رافعاً شعاراً رفع مكانته في القلوب: “تعاطفاً مع غزة”؛ فوجّه أعين العالم والإعلام والشعوب لقضية غزة وأهلها، نعود إلى اللاعب المنتظر حين تأخر قالوا “ليس العبرة بمن سبق”، فانتظرنا صدق العودة؛ فخرج ممسكاً بعصا الحياد ليثبت أن المواقف إنما تخرج إذا قوي إيمان القلب بها؛ فليست النائحة كالثكلى، وليس من يشعر بالقضية كمن لا يتعايش معها، وليبرهن لهم أن لقب فخر العرب الذي أطلقوه عليه أولى به كثيرون ممن لا يعرفهم الناس؛ فالفخر الحقيقي وبطل العرب الحقيقي هو الذي يقف في ساحة الحرب رأساً لحربة أمة، أو الذي يقف مدافعاً عن مرمى وطنه ويذود عن حماه، الفخر الحقيقي هو الملثم وهو ينثر كلمات العزة من فيه لتنشر عطور الأمل في الأوساط الإسلامية، الفخر الحقيقي هو الذي وقف على أنقاض بيته رافعاً علامة النصر غير قلق على مستقبل غير معلوم ولا حياة غير مضمونة يكفيه أنه يحيا عزيزاً رافعاً شعار العزة:
فإذا سقطت سقطت أحمل عزتي يغلي دمُ الأحرارِ في شرياني
إن فخر العرب الحقيقي هو الطفل الذي قال “أنا لست خائفاً” وهو تحت القصف، فخرنا هو الطفل الذي كان يلقن أخاه الشهادة ويطلب منه أن يرفع بها صوته، الفخر يكمن في موقف المرأة التي وزعت الحلوى بعد شهادة أولادها، فخر العرب هم الثابتون رغم الجراح، المبتسمون رغم تساقط الأسنان، الضاحكون في وجه الآلام، المكبرون تحت الركام.
إن المواقف الأخيرة عدّلت اتجاه بوصلة الشعوب؛ فالاحتفاء والافتخار يكون بأصحاب المواقف والإنجازات الملموسة والمواقف المشرفة لا التفاهات المصنوعة لإلهاء الشعوب.
أنا لا أكتب مقالي لأهاجم لاعباً أو أطلب منه دعماِ لقضية أمة ودين؛ فإن أخذ موقفاً أقوى فقد نصر نفسه قبل أن ينصر فلسطين- وهذا ما أرجوه له- وإنما أكتب ليدرك كلٌ منّا أن مواقفه محسوبة وأيامه معدودة، وأنه لابد أن يربي أولاده على الإيجابية والمواقف البطولية، لابد أن يجعلهم يتعايشون مع قضايا الأمة ويتبنون قضاياها لا يتعاطفون معها فقط، أقول هذا الكلام ليعي كل منا دوره ويدرك أنه مطالب بإيصال صوتهم مهما كان حجم تأثيره؛ فهذه أيام المواقف التي تعلق في الأذهان لسنوات وتُكتب قبل ذلك في سجلات الحسنات؛ فما قيمة الحياة بلا مواقف وتضحيات وثبات؟
قف دون رأيك في الحياة مجاهداً.. إن الحياة عقيدة وجهاد
بقيت لنا كلمة: اعلم يا صديقي أنك ستحاسب وحدك؛ فقدم ما ينفعك أمام ربك، افعل ما تفتخر به يوم القيامة حين تُسأل عن نصرة إخوانك، وسلام عليك وعلى كل صاحب قضية، وسلام على أهل غزة فخر العرب وذروة سنام عزها، سلام على ليلها ونهارها، سلام على كبارها وكبارها؛ فليس في غزة صغار.