تداول رواد منصات التواصل الاجتماعي الأحد 30 أكتوبر/تشرين الأول 2023 فيديو يُظهر دبابة إسرائيلية قيل إنها بالقرب من مفترق “نتسرايم- شارع صلاح الدين” شرق قطاع غزة؛ حيث يوثق الفيديو جريمة قصف الدبابة سيارة مدنية كانت تحمل عائلة فلسطينية، بحسب الصحفي الذي صور الفيديو يوسف الصيفي.
ويروّج الاحتلال الإسرائيلي أنه نجح بالوصول إلى وسط قطاع غزة تمهيداً لفصل شمال القطاع عن المناطق الوسطى والجنوبية منه؛ حيث قال المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، ظهر الأحد، إن قوات المشاة الإسرائيلية تقاتل حماس وجهاً لوجه شمال ووسط قطاع غزة وتضرب المباني التي يتحصّن بها مقاتلو حماس. لكن ما حقيقة ذلك؟
ما حقيقة التوغل البري الإسرائيلي في وسط غزة؟
بالتحقق من الفيديو الذي نشره الصحفي الفلسطيني يوسف الصيفي للدبابة الإسرائيلية التي قصفت سيارة مدنية فلسطينية، استطعنا تحديد منطقة استهداف السيارة على الخريطة، تقع المنطقة بالقرب من حجر الديك، على شارع صلاح الدين.
تبعد المنطقة عن الحدود الشرقية لقطاع غزة مع الأراضي المحتلة نحو 2.8 كيلومتر، وشرق المنطقة التي وصلتها الدبابة هي أراضٍ مفتوحة مليئة بالأراضي الزراعية، وبعيدة عن أماكن كثافة الأبنية السكانية.
تظهر الدبابة بالقرب منطقة جحر الديك، شرق محور شارع صلاح الدين، التي سبق أن وصلتها دبابات الجيش الإسرائيلي في حروب سابقة؛ مثل 2008-2009 و 2014 لسهولة دخولها باعتبارها مناطق زراعية مفتوحة ومنبسطة وساقطة عسكرياً، وذلك بعد قصف محيط هذه المناطق بشكل كثيف خلال الأيام الماضية.
وتقول وسائل إعلام فلسطينية ومصادر محلية من داخل القطاع، إنه لا يوجد أي تقدم بري داخل الأحياء السكنية في قطاع غزة بشكل قاطع. حيث تحاول بضع دبابات لجيش الاحتلال وجرافة الوصول لمحور شارع صلاح الدين انطلاقاً من الحدود بمنطقة جحر الديك بعمق 3 كيلومترات.
وأكد مراسل الجزيرة وائل الدحدوح أن عناصر المقاومة الفلسطينية يستهدفون دبابات توغلت بشارع صلاح الدين وسط اشتباكات عنيفة في المكان، مما يؤكد على جهوزية المقاومة المسبقة لهذا التقدم المتوقع.
فيما أعلنت حكومة غزة في بيان رسمي انسحاب الآليات العسكرية الإسرائيلية من منطقة التوغل بشارع “صلاح الدين” شرق غزة وعودة حركة المواطنين لطبيعتها، تحت ضربات المقاومة، وأضافت: “الاحتلال يحاول رسم صورة غير حقيقية لتواجد جنوده بمناطق داخل القطاع ولا يستطيع ذلك تحت ضربات المقاومة”.
وشارع صلاح الدين هو منطقة حدودية تبعد 3 كيلومترات تقريباً عن الحدود، ولا توجد فيه بنايات سكنية أو بيوت، بل هو عبارة عن أراضٍ فارغة أو زراعية غير مأهولة، والمكان الذي ظهرت فيه الدبابة الإسرائيلية يعتبر خاصرة ضعيفة جداً بالمفهوم العسكري والأمني.
لذلك فإن ما يجري حتى اللحظة هو محاولة إسرائيلية جديدة لاقتحام قريب من الحدود، وسبق أن وصلت قوات الاحتلال إلى نفس المكان في حرب عام 2014 لكنه فشل بالعملية البرية في ذلك الوقت وتكبد خسائر فادحة على يد المقاومة.
وتعتبر منطقة “نتساريم” المحررة خاصرة رخوة ومكشوفة عسكرياً، حيث شهدت المنطقة محاولات توغل بري في حرب عام 2008-2009، وحرب 2014؛ لذلك يُعد وصول قوات الاحتلال لمفترق شارع صلاح الدين سبق حدوثه وهو متوقع بالنسبة للمقاومة الفلسطينية التي كانت تشن معارك استنزاف للقوات المتوغلة.
الاحتلال يحاول التقدم في الاجتياح من خلال المناطق المفتوحة المعتادة
تعد محاولات قوات الاحتلال العبور للمنطقة الزراعية المفتوحة في جحر الديك بعد قصفها بمئات القنابل طوال الأسابيع الماضية، أمراً معروفاً مسبقاً للمقاومة، وسبق أن توغل فيها الاحتلال خلال الحروب الماضية.
وليس هذه المنطقة فحسب، بل هناك طرق أخرى تسلكها الدبابات بالعادة في مناطق مثل عبسان وبني سهيلا في خانيونس، والبريج والمغازي وجحر الديك في المنطقة الوسطى، والشجاعيّة في غزّة، وبيت حانون وبيت لاهيا شمال غزّة.
وجغرافياً، تعد هذه المناطق محدودة المداخل، وهذا يفيد المقاومة التي لا شك أنها وضعت خطّة مبكرة للتصدّي للتوغّل البريّ، عبر تفخيخ المداخل وزرع العبوات الناسفة ونشر مقاومين يحملون “الآر بي جي” وحصر دبابات الاحتلال داخل مصيدة العبوات الناسفة، كما حدث في حرب 2014، ناهيك عن مفاجآت الأنفاق.
كيف تتصدى المقاومة لمحاولات الاجتياح الإسرائيلية؟
من خلال فهمنا لما حصل في الحروب السابقة، يعتمد صد المقاومة الفلسطينية لمحاولات التوغل البري الإسرائيلي داخل قطاع غزة على نصب الكمائن للجيش، من خلال فتح ثغرات في البيوت الموجودة على مشارف غزّة الحدوديّة، حيث يكمن المقاتلون لجنود الاحتلال داخل الأنفاق والبيوت، كي يفاجئوهم. وهناك طريقة مبتكرة تتمثّل في تفخيخ مواسير وصنابير المياه، حيث يتمّ تفجيرها في حشود قوات الاحتلال.
وخلال الحروب السابقة، اعترف جيش الاحتلال بوجود مقاومة عنيفة من مقاتلي كتائب القسام المتحصّنين في مواقع حدوديّة محددة سلفاً؛ حيث وضعت المقاومة خططاً مبكرة ترمي إلى مباغتة جيش الاحتلال في عمليات دفاعية وهجومية لإنزال الخسائر فيهم، في حرب استنزاف يصعُب على الرأي العام الإسرائيلي تحملها.