ارتدت الكوفية ورفعت صورة جدتها الفلسطينية.. رشيدة طليب تبكي في الكونغرس: نحن بشر مثلكم
استنكرت النائبة الأمريكية من أصول فلسطينية، رشيدة طليب، قرارَ مجلس النواب الأمريكي بتوجيه اللوم لها بسبب تعليقات أدلت بها حول العدوان الإسرائيلي على غزة، مشيرة إلى أن الدفاع عن الأرواح ليس ذنباً.
وظهرت طليب في كلمة لها في الكونغرس مرتديةً الكوفية الفلسطينية، الأربعاء 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، وأوضحت أن رفض الكونغرس والإدارة (الأمريكية) الاعتراف بحياة الفلسطينيين “يؤثر في روحي”.
وأشارت طليب إلى أن “أكثر من 10 آلاف فلسطيني قُتلوا (في غزة)، والغالبية كانت من الأطفال”، لافتة إلى أن انتقادها كان دائماً لحكومة إسرائيل وأفعال رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، وأنه “من المهم فصل الشعوب عن الحكومات”.
“نحن بشر مثل أي شخص آخر”
وخاطبت الكونغرس بأنه “لا توجد حكومة خارج نطاق الانتقاد”، وأضافت وهي تبكي أنها لا يمكن أن تصدق أنها مضطرة لقول إن الشعب الفلسطيني “لا يمكن التخلص منه”.
وأردفت: “نحن بشر مثل أي شخص آخر”، ورفعت صورة جدتها قائلة: “جدتي مثل جميع الفلسطينيين، تريد فقط أن تعيش حياتها بحرية وكرامة إنسانية نستحقها جميعاً”.
وشددت طليب على أن “الدفاع عن الأرواح بغضّ النظر عن الدين أو العرق لا يمكن أن يكون نقطة جدل في هذه القاعة”.
وبينما أكدت أن صرخات الأطفال الفلسطينيين والإسرائيليين لا تبدو مختلفة بالنسبة لها، تساءلت قائلة: “لا أفهم لماذا صرخات الفلسطينيين مختلفة بالنسبة لكم جميعاً؟”.
وأكدت طليب أنها لا تقبل قرار الكونغرس بلومها، وأنها لن تسكت، ولن تسمح “بتشويه” كلامها، مؤكدةً أن الفلسطينيين يستحقون أن يعيشوا حياتهم بحرية وكرامة.
وقالت إن محاولات “إسكاتها والتنمر عليها ومراقبتها لن تُفلح، وإن الملايين من الأمريكيين يريدون وقف إطلاق النار، ويرون في نتنياهو شخصاً متطرفاً، وسئموا من دعم الحكومة الأمريكية للعقاب الجماعي بحق سكان غزة. وإن الملايين أيضاً يعارضون قطع الماء والكهرباء والغذاء عن غزة”.
الكونغرس يوجّه “اللوم” للنائبة الفلسطينية
والثلاثاء 7 نوفمبر/تشرين الثاني، صوّت مجلس النواب الأمريكي لصالح توجيه اللوم إلى الديمقراطية رشيدة طليب، النائبة الوحيدة من أصل فلسطيني في الكونغرس، بسبب تصريحاتها بشأن العدوان الإسرائيلي على غزة، حيث انتقدت الجرائم التي يرتكبها الاحتلال ضد المدنيين ودعم إدارة بايدن له.
حيث صوّت 22 ديمقراطياً، مع النواب الجمهوريين، لتوجيه اللوم إلى رشيدة طليب، لـ”ترويجها سرديات زائفة” بشأن هجوم حركة حماس على إسرائيل، في 7 أكتوبر/تشرين الأول، و”الدعوة إلى تدمير دولة إسرائيل”.
فيما كانت رشيدة طاليب قد انتقدت تركيز زملائها على “إسكات صوتها فيما يخص التطورات في غزة، بدلاً من إنقاذ حياة الفلسطينيين”، وفق ما جاء في بيان أصدرته حول مشروع قرار إدانتها في مجلس النواب الأمريكي.
طليب قالت في بيانها إنه “في الوقت الذي تجاوز فيه عدد القتلى في غزة أكثر من 10 آلاف، أشعر ببالغ الحزن جراء مساعي زملائي لإسكاتي بدلاً من إنقاذ حياة الآخرين”. وأكدت أن الكثير من الأعضاء في مجلس النواب أبلغوها بأن “حياة الفلسطينيين ليست مهمة بالنسبة لهم”.
كما أشارت إلى أن زملاءها “بدلاً من تقبّل أفكار ووجهة نظر الفلسطينية الأمريكية الوحيدة في المجلس، لجأوا إلى تشويه موقفها من خلال الأكاذيب الصارخة”. ولفتت إلى أنها أدانت مراراً وتكراراً استهداف المدنيين من قبل “حماس وإسرائيل”.
فيما شددت رشيدة طليب على أنها ستواصل مساعيها الرامية لـ”سلام عادل ودائم، يركز على التعايش السلمي بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ويضمن عدم معاناة أي شخص أو طفل أو العيش في ظل الخوف من العنف”.
رشيدة طليب نشرت بتاريخ 3 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، عبر منصة “إكس”، صوراً لأطفال فلسطينيين قتلى، وكتبت قائلة “الرئيس بايدن يدعم الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني، الشعب الأمريكي لن ينسى هذا”. وأضافت: “بايدن، إما أن تدعم وقف إطلاق النار الآن، أو لا تثق بنا (لا تعول علينا) في (انتخابات) 2024”.
رجال عصابات صهاينة يتخفون بملابس عربية.. “المستعربون” نشأتهم وأبرز عملياتهم
يتنكرون على هيئة شباب عرب، يرتدون ملابس شرقية، وأحياناً الكوفية، ويتحدثون لغتهم بطلاقة، يخفون أسلحتهم تحت ملابسهم المدنية ويندسون بين الشباب الفلسطينيين في ساحات الاحتجاج لينفذوا أعمالاً تشبه تلك التي تقوم بها قوات الاحتلال الإسرائيلي، إنهم “المستعربون الإسرائيليون”، فما الذي تعرفه عنهم؟
من هم المستعربون الإسرائيليون، وما تاريخ نشأتهم؟
المستعربون الإسرائيليون أو الـ “مستعرفيم” هم رجال عصابات إسرائيليون وأفراد وحدات خاصة يخفون هويتهم بالتنكر بين الفلسطينيين.
المستعربون في الماضي ليسوا مثل بلطجية اليوم الذين ينتحلون صفة عرب لساعة أو ساعتين ويطلقون النار على الأطفال الذين يرمون الحجارة، وإنما كانوا عبارة عن جواسيس يقومون بعمليات أكثر تعقيداً.
بدأت هذه الفكرة في تنفيذ العمليات في ثلاثينيات القرن الماضي حين أنشأت عصابة “الهاجاناه” فريقاً من أعضائها للقيام بمهام استخبارية وتنفيذ عمليات قتل وتصفية ضد الفلسطينيين والمسلمين، وكان “أهارون حاييم كوهين” أول مستعرب في هذا الفريق.
إحدى أبرز الوحدات في هذا السياق أيضاً هي وحدة البالماخ، والتي تُعَد الذراع الأمامية لمنظمة الهاجاناه.
علماً بأن فكرة التسلل إلى المجتمع العربي في فلسطين ظهرت في القرن العشرين، حيث قام أعضاء عصابة هاشومير -أول جمعية صهيونية تأسست في فلسطين عام 1909- بالتعامل مع سكان البادية في المنطقة التي توزعوا فيها.
كانت مهام هذه الوحدات أيضاً تشمل تزويد جهاز الاستخبارات بمعلومات حول شحنات الأسلحة والتدريبات والاستعدادات العسكرية للعرب، واستطلاع المناطق التي كان يعتزم رجال البالماخ تنفيذ عمليات فيها.
مع مرور الوقت تحوّلت فرقة المستعربين إلى أجهزة الاستخبارات العامة، وتقلص استخدام المستعربين خلال الأربعة عقود الأولى بعد تأسيس إسرائيل، ثم عادت واستؤنفت أواخر الثمانينيات من القرن الماضي.
في الفترة بين عامي 1988 و1989، عندما بدأت الانتفاضة الأولى في الضفة الغربية وقطاع غزة، تم تعيين المستعربين تحت إشراف وتوجيه جيش الدفاع الإسرائيلي.
مهام المستعربين الإسرائيليين
وفقاً لما جاء ضمن السلسلة الوثائقية “الصندوق الأسود” الذي بثته قناة الجزيرة في عام 2014، فإن أشد مراحل الاستعراب شراسة كانت في غزة عقب احتلالها عام 1967.
إذ يقول مئير داغان، وهو سياسي إسرائيلي ورئيس جهاز الموساد العاشر، إن وحدة مستعربين يطلق عليها “ريمون” وصلت إلى غزة ولديها قائمة تتضمن أسماء 300 مطلوب، وعندما غادرت بعد 3 سنوات كان في القائمة 10 أسماء فقط.
وحدة ريمون هي الوحدة التي أسسها أرييل شارون، رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي الثلاثين، والذي كان في ذلك الوقت قائد المنطقة العسكرية الجنوبية في قطاع غزة.
كما أشار الصحفي موتي كريشنباوم إلى أن سبب إقامة وحدات المستعربين في انتفاضتي 1987 و2000 كان بهدف تجربة كل الوسائل والطرق لإيقاف الانتفاضة وإطفاء نيرانها، حيث تم تجريب آلاف الطرق للقضاء على الانتفاضة.
لافتاً إلى أن السبيل الوحيد للجندي الإسرائيلي للوصول إلى الشارع الفلسطيني دون تمييزه مباشرة كان عن طريق التنكر باعتباره فلسطينياً.
تفجير كُنس وزرع الجواسيس
ووفقاً لما ذكره موقع “الجزيرة نت” فإن المستعربين لعبوا أدواراً خارجية مهمة، حيث قاموا بتنفيذ أعمال إرهابية مثل تفجير كنيس معسودة شخطوف في بغداد في عام 1951، بهدف نشر الخوف بين اليهود العراقيين وتشجيعهم على الهجرة إلى إسرائيل.
كما قاموا بتفجير ميناء طرابلس في لبنان وزرع العميل إيلي كوهين في سوريا، والذي تم اكتشافه وإعدامه في عام 1965.
ومع ذلك، كانت المهام الرئيسية في الأراضي الفلسطينية المحتلة تتركز بشكل رئيسي على هذه الوحدات، سواء داخل فلسطين عام 1948 في المثلث والجليل والنقب، أو في الضفة الغربية وقطاع غزة.
في تقرير مفصل نشرته صحيفة هآرتس، يشير الباحث الإسرائيلي عوفر أدرات إلى أن المستعربين الإسرائيليين قاموا بتهجير العديد من اليهود من العراق إلى فلسطين، وفي عام 1953 قاموا بتهجير عشرات آخرين من دول عربية أخرى للاستيطان في قرى وتجمعات سكانية عربية.
وأوضح وفقاً لما نقلته صحيفة القدس العربي أن عمل المستعربين لا يقتصر على تنفيذ مهمات محددة مثل ما يفعله مستعربو اليوم، بل يستمرون في الإقامة في البلدات العربية بدلاً من العودة إلى قواعدهم العسكرية الإسرائيلية.
أنشأوا عائلات عربية وتعلموا مفاهيم الإسلام وقراءة القرآن!
أكد عوفر أدرات أن الجواسيس الإسرائيليين كانوا ينشئون عائلات عربية من خلال الزواج من نساء فلسطينيات مسلمات وإنجاب الأطفال منهن، بهدف استمرار “عملية التمويه” والاندماج مع العرب دون أن يثيروا أي شكوك، لدرجة أن بعضهم قطع تماماً علاقته مع عائلته الإسرائيلية لفترات طويلة.
أشار التقرير إلى تدريبات متنوعة خاضها هؤلاء المستعربون، تضمنت تعلم مفاهيم الإسلام وقراءة القرآن، بالإضافة إلى إتقان اللهجة الفلسطينية المحلية.
المستعربون الإسرائيليون اليوم
في حين ينقسم المستعربون اليوم إلى 4 وحدات:
- وحدة مستعربين تابعة لحرس الحدود وتنشط في القدس لاعتقال الفلسطينيين ولا سيما الشباب غير المسلحين.
- وحدة تابعة للجيش وهي الأكثر احترافية وتنفذ عمليات مثل اعتقال مقاومين مسلحين أو اغتيالهم.
- وحدة الشاباك مهمتها الاعتقال أو التجسس في المجتمع.
- وحدة متسادا تابعة لمصلحة السجون الإسرائيلية مهمتها قمع اضطرابات الأسرى ومحاولة استدراج الأسرى الفلسطينيين والحصول منهم على معلومات تورطهم في التهم المنسوبة إليهم.
ورغم أنه لا تتوفر إحصائيات دقيقة حول عدد ضحايا وحدات المستعربين، ولكن وفقاً لكتاب “المستعربون فرق الموت الصهيونية” للكاتب غسان دوعر، فإنه تم قتل 422 فلسطينياً من أفراد تلك الوحدات في الفترة من عام 1988 إلى عام 2004.
قد يهمك أيضاً.. واشنطن دعت للأولى والمقاومة تصر على الثانية.. ما الفرق بين الهدنة الإنسانية ووقف إطلاق النار؟
بعد 3 أعوام على “حد السيف”.. كيف قصمت هذه العملية ظهر إسرائيل وأظهرت قدرة المقاومة الفلسطينية؟
تمر علينا هذه الأيام ذكرى مرور 3 أعوام على “حد السيف“، حيث كان الحادي عشر من نوفمبر/تشرين الثاني 2018، تاريخ وضع قادة العدو أَمام تحدٍّ جديد الرابِح فيه المقاومة الفلسطينية، بعد أن استطاعت مرة أخرى أن تكشف هشاشة نخبته وأجهزته الاستخباراتية في عملية أطلقت كتائب القسام عليها اسم “حد السيف”.
عملية حد السيف تركت تأثيرًا كبيرًا في نخبة الجيش الإسرائيلي وقادته العسكرية والأمنية توِّجت بانتكاسة عسكرية واستخبارية في معركة سيف القدس 2021، وهو ما دعا الاحتلال الإسرائيلي إلى أن يعيد الحساب في سياساته العسكرية والأمنية في التعامل مع قطاع غزة والإقرار لاحقاً بأنه عاجز عن التعامل مع قطاع غزة.
الإقرار بالفشل والعجز لم يكن ليتحقق إلا بتوفر المعلومات الدقيقة والآنية عن العدو وبجميع أشكاله، التي تمكن قيادة المقاومة وبكافة مستوياتها من الوصول إلى القرارات السليمة، ووضع الخطط الدقيقة لأي عمل قتالي.
لذا تعد الإحاطة التامة بالمعلومات المفصلة عن حجم قوات الاحتلال والأسلحة التي يمتلكها وأساليب القتال التي يخوضها، ونواياه القريبة أو البعيدة مسائل ضرورية ومهمة لعمل المقاومة.
تتميز المقاومة الفلسطينية بخصوصيتها الفلسطينية الوطنية وإيمانها المطلق بإنجاز الانتصار النهائي بإذن الله، وهذا ما يدعو قيادات المقاومة للمراجعة الدورية وتقييم العمل المقاوم بعد كل عملية إسرائيلية من أجل أخذ الدروس من الأخطاء السابقة وتطوير العمل المقاوم وتوسيع قواعده.
فالغاية الأساسية للعمل الاستخباري للمقاومة الفلسطينية تتضمن الوصول إلى بناء منظومة استخبارية قوية تكون ركائزها ثابتة ومعتمدة على عقيدة وطنية راسخة، مفادها أن هذه المنظومة هي التي تقود المعركة، وسوف تربحها مع الأخذ بنظر الاعتبار المواقف والتبدلات والظروف المتغيرة.
وأن تستطيع هذه المنظومة تقديم نهج مقاوم عملياتي خاص لمواجهة العدو الصهيوني، ضمن البيئة المعقدة، وتحقيق انتصارات متفرقة في أوقات متعددة، تحد من حركة الاحتلال وفعله، وتقود في النهاية إلى تحفيز كل قوى وقواعد شعبنا وتهيئته لاستثمار الموقف وتحقيق المواجهة والمقاومة الشاملة وقطف ثمرة النظر بإذن الله.
نتائج عملية “حدّ السيف” كسر ظهر المؤسسة الأمنية العسكرية الإسرائيلية وكسر هيبتها، فكل التقديرات الأمنية والعسكرية، سواء لدى المقاومة أم الاحتلال، أشارت إلى أن فشل الاحتلال في خانيونس ستكون له امتدادات تؤكد على تخبط وفشل للاحتلال، وهو ما تحقق في معركة سيف القدس التي تسببت بخسائر متعددة الأوجه والجوانب.
كما أجبر الفشل الذريع لوحدة “سيرت متكال” في عملية حد السيف شرق خانيونس وزير الحرب الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان على الاستقالة بعد يومين فقط من العملية، كما أُجبر قائد قسم العمليات الخاصة بشعبة الاستخبارات العسكرية بجيش الاحتلال والقائد السابق لوحدة سيرت متكال على الاستقالة بعد أسابيع.
وعلى وقع الهزيمة المدوي اعترف رئيس أركان الاحتلال أفيف كوخافي بفشل العملية، وسيطرة حماس على وثائق عسكرية ومعدات وأجهزة مهمة، ما دفعه للطلب من قائد العمليات الخاصة في شعبة الاستخبارات العسكرية السابق العودة إلى الشعبة لـ”ترميم قدرات الجيش بعد الفشل في تلك العملية”.
إن ما أحدثته عملية حد السيف من إخفاق استخباري وميداني كبير، جعل كل شيء لدى الاحتلال في قطاع غزة مثاراً للشك، كون أن المقاومة بات لديها قدرات استخبارية، وطورت قدراتها بشكل مضاعف بعد هذه العملية.
كما استطاعت المقاومة التشويش على المعلومة التي يحصل عليها الاحتلال من العنصر البشري الذي يعتبر من أثمن المعلومات لدى أمن الاحتلال، مما يجعل القدرة الاستخبارية للاحتلال معقدة.
المقاومة استخلصت الدروس وتعلمت كثيراً وأصبح لديها طرق واضحة في كيفية تعامل الاحتلال مع العملاء واستطاعت تطوير قدرات مضادة للاحتلال، ونتائج معركة سيف القدس الأخيرة تشير إلى فشل استخباري إسرائيلي ذريع، لم يمنحها إمكانية تركيع المقاومة، فمعركة سيف القدس كشفت سلسلة من الإخفاقات الاستخبارية والعسكرية تحدث عن جزء منها التحقيق العسكري الإسرائيلي الذي تحدثت عنه القناة 12 العبرية.
فكشفت أجزاء من تحقيق عسكري إسرائيلي حول الثغرات التي اعترت معركة سيف القدس مع المقاومة الفلسطينية، وقالت إن جيش الاحتلال قدم في وسائل الإعلام “صورة منفصلة عن الواقع العملياتي” وهو ما أضر بعمل الوحدات العسكرية وثقة الجمهور الإسرائيلي في الجيش.
واشار التحقيق الإسرائيلي الذي وجه نقداً حاداً لأداء جيش الاحتلال إلى وجود ثغرات استخبارية كبيرة، حالت دون تلبية الجيش للتوقعات التي حاول تصويرها بشأن الأضرار التي لحقت بالمنظومات المضادة للدبابات والصواريخ لفصائل المقاومة في غزة، وأيضاً بقيادتها العسكرية.
تستخدم كتائب القسام في عملها العسكري وبشكل فائق مع الاحتلال الإسرائيلي مبدأ العقل مقابل القوة المتفوقة، فكانت استخبارات القسام عينها على العدو تسعى لخرقه ومباغتته وكشف مخططاته، وعرقلة ومنع مخططات العدو السرية التي يسعى فيها إلى مباغتة المقاومة.
أظهرت عملية “حد السيف” قدرة المقاومة النوعية على مفاجأة العدو ويقظتها العالية، عبر اكتشاف القوة المتسللة واشتبكوا معها، فأوقعوا قائدها قتيلاً وأصابوا آخرين، قبل أن يفر بقية أفرادها تاركين سلاحهم ومعداتهم في أرض المعركة يجرون ذيول الخيبة والفشل تحت غطاء ناري كثيف جداً من طائرات الاحتلال.
وفي “سيف القدس” نجحت المقاومة في توجيه الضربة الأولى وتنفيذ تهديداتها السابقة، بقصف مدن وأهداف بعيدة المدى حتى 250 كلم. لتتخطى بذلك جميع منظومات القبة الحديدية، وتجبر المناطق الرئيسية في الكيان مثل العاصمة “تل أبيب” و”غوش دان”، على الإغلاق الشامل ونزول المستوطنين إلى الملاجئ.
كما استطاعت التسبب بتعطل المرافق الرئيسية من المطارات والمنشآت النفطية، مثل إغلاق مطار بن غوريون (لأول مرة بسبب تهديد عسكري)، وصورة احتراق خزان النفط في محطة توليد الكهرباء بعسقلان.
كما فشلت منظومات الرصد والاستطلاع، خصوصاً الطائرات بدون طيار الإسرائيلية، في كشف مواقع إطلاق وتخزين الصواريخ، رغم أنها تتواجد بشكل كثيف ودائم في أجواء القطاع، بالتزامن مع إعلان فصائل المقاومة لمواعيد إطلاقهم الصواريخ.
ما بين “حد السيف” و”سيف القدس” القسام لم يكتفِ بالعمل على ضرب مخططات ومحاولات التجنيد والاختراق التي لطالما أجاد الاحتلال الإسرائيلي هندستها وبرع من خلالها في اختراق ساحات عربية وإسلامية عديدة، لعل ذلك غير مسبوق في تاريخ الصراع العربي – الإسرائيلي فقد سُجل للقسام نجاحات باهرة في مجال العمل الاستخباري واختراق الجيش الإسرائيلي من الداخل.
ما بين “حد السيف” و”سيف القدس” هناك دور تكاملي مع الأجهزة الأمنية التابعة للحكومة في غزة، وتتعدد جوانب هذا الدور وأهدافه، ويأتي في مقدمتها تمكين الجبهة الداخلية، والحفاظ على أمن أفراد المقاومة ومقدراتها، وذلك من خلال إحباط خطط أجهزة استخبارات العدو ومؤامراتها، خصوصاً ما يتعلق بالعملاء والأدوات التقنية، هذا على صعيد الدور الدفاعي.
أما على الصعيد الهجومي، فإن المقاومة تعتبر أن كل أراضينا المحتلة عام 1948 وعام 1967 والتي يجثم الاحتلال الغاصب عليها؛ مسرح عمليات أمنية لها، حيث تتعدد مهامها وأهدافها في هذه المنطقة، ومن المؤكد أن العمل الاستخباراتي للمقاومة أسهم كثيراً في تحقيق الانتصارات في الحرب الأخيرة سيف القدس على العدو الإسرائيلي.
عملية “حد السيف” و”سيف القدس” لا يزال صداهما يتردد في أروقة مؤسسات الكيان الأمنية والعسكرية، فقيادة العدو لم تتوقف للحظة عن البحث والتحليل والتعليل، وتارة أخرى البكاء والعويل على من قُتلوا.
عمليتا “حد السيف” و”سيف القدس” كانتا بمثابة فضيحة كبرى لأجهزة الاستخبارات العسكرية، حيث تسبّبت “حد السيف” في كشف العديد من وحدات الموساد والشاباك والمؤسسات التي تتحرك من خلالها الأجهزة الأمنية الإسرائيلية بعديد من المناطق العربية والإسلامية وضد المقاومة بغزة، بالإضافة لكشف العديد من العملاء وفق ضربة أمنية للحكومة وأجهزة المقاومة الأمنية، وفي “سيف القدس” فشل الاستخبارات الإسرائيلية في جمع المعلومات اللازمة حول قدرات وأداء المقاومة وفشل مركز التحليل في فهم المعلومات بشكل صحيح نتج عنه فشل في تقدير موقف المقاومة من استعدادها للعملية العسكرية، كما نجحت المقاومة في تضليل كيان الاحتلال، الذي لم يكن يتوقع أن توجه أولى الضربات الصاروخية الكثيفة باتجاه مدينة القدس المحتلة، وفي أول يوم من أيام العملية أي الإثنين 28 رمضان، ما تسبب في صدمة لدى صناع القرار السياسيين والعسكريين.
ما بين “حد السيف” و”سيف القدس” الاستخبارات العسكرية للمقاومة أخذت أهمية وشمولية كبيرة، وغدت مرتبطة باستراتيجية المقاومة، وشملت مهماتها تفصيلات عن النظريات العسكرية، وعن البناء الحربي للعدو وخططه الحربية، وما يطلق عليه (تنظيم القوات للمعركة) التي بدورها تشمل المعلومات العامة عن أماكن الوحدات البرية والبحرية والجوية والبيانات الفرعية كأسماء الضباط ورتبهم والإشارات المميزة للوحدات.
مما تقدم نستطيع القول إن أعمال وأنشطة الاستخبارات، وفي ظل حالة عدم الاستقرار في المنطقة، تسعى قوى المقاومة جاهدة إلى تحديث وتطوير أجهزة الاستخبارات لديها؛ فالاستخبارات هي عينها التي ترى بها مواطن الضعف والخلل في جسد العدو، كما أن هذا السبق في صراع الأدمغة ما بين المقاومة والاحتلال الإسرائيلي سيتطور مستقبلاً، والصالح فيه للمقاومة وسيساعدها في عملية الصراع المستمرة حتى إيجاد توازن في القوى، ومن ثَم تفوق ولو بشكل جزئي لإحراز النصر على الاحتلال.