تعوّل جماعات الهيكل على أن إجراء طقس “ذبح البقرة الحمراء” سيجعل جمهورها الأقرب من أتباع “الصهيونيّة الدينيّة” يستجيب لخطابها، ويشارك بفعالية في اقتحامات المسجد الأقصى، وفي خططها المرحلية المتمثّلة بالتقسيم الزماني والمكاني والبدء بالتأسيس للهيكل.
أدت الحرب الإسرائيليّة على غزة إلى زيادة التوترات الدينية، وأعطت زخماً لمجموعة من اليهود المتطرفين وحلفائهم المسيحيين الإنجيليين، الذين عقدوا العزم على إعادة بناء معبد قديم في القدس!
كان المدافعون عما يُسمى بـ”الهيكل الثالث” يستعدون لليوم الذي يمكن فيه إعادة بناء المعبد، الذي يكتمل بوصول أبقار حمراء تُشحن من تكساس، لاستخدامها في طقوس التطهير القربانية بحسب المعتقد اليهودي.
“إن محاربينا المقدّسين الذين يقاتلون في غزة يقاتلون في الواقع من أجل بناء الهيكل”، هذا ما قاله أحد أئمة الحاخامات أخيراً خلال زيارة مثيرة للجدل إلى الموقع الذي يؤمن اليهود المتشددين بأنه يضمّ معبدين يهوديين سابقين في القدس.
مارينا سوكول، أم إسرائيلية، قُتل ابنها مع الجيش الإسرائيلي في غزة، قالت في تجمع أمام الأقصى: “إن الحرب التي نشنّها هي حرب لا نهاية لها. هي حرب من أجل جبل الهيكل”.
ومع مناسبة عيد الفصح اليهودي، تحاول “جماعات الهيكل” المتطرفة تصعيد هجومها على المسجد الأقصى عبر تنفيذ اقتحامات واسعة، ومحاولة إدخال “قرابين الفصح” إلى باحاته.
وخصصت جماعة “العودة إلى جبل الهيكل” مكافآت مالية تصل إلى 50 ألف شيكل (13 ألف دولار) لمن ينجح في تهريب القرابين وذبحها داخل الأقصى، ومكافآت مالية أخرى لمن يحاول تهريب القربان ويفشل.
تهدف هذه الجماعات إلى تحقيق الطقوس اليهودية كافة داخل المسجد الأقصى، بما يضمن بناء “الهيكل” معنوياً من خلال إقامة جميع عباداته وطقوسه، قبل أن تقدِم على إقامته مادياً، حسب رؤيتها.
كذلك، تسعى في هذا السياق، إلى تغيير “الوضع القائم” في الأقصى، وفرض التقسيم المكاني، إذ تحاول الحكومة الإسرائيلية تعويض المستوطنين عن منعهم من دخول المسجد خلال العشر الأواخر من رمضان وعيد الفطر، عبر التساهل معهم في تحركاتهم المقررة.
تتزامن هذه التطورات مع الحديث عن اقتراب موعد ذبح “البقرة الحمراء” وما يرافقه من جدل وتحذيرات من عواقب هذا الأمر.
ما قصة البقرة الحمراء؟
أستاذ دراسات بيت المقدس عبد الله معروف، يقول في حديث لـ “درج”، إن أساس الحديث عن البقرة الحمراء يرجع إلى “شروح التوراة”، وينص على ضرورة التحرر من نجاسة الموتى، إذ يؤمن اليهود بأن الميت عندما تخرج منه الروح يصبح نجساً، وبالتالي فإن لمس الميت أو الاقتراب منه يصيب الإنسان بما يسمى “نجاسة الموتى”.
يضيف معروف: “هذه النجاسة تمنعهم من دخول الأماكن الطاهرة، وعلى رأسها منطقة “المعبد المقدس”، أي الأقصى. وبحسب معروف، فقد كانت هناك تاريخياً فتاوى من حاخامات تمنع دخول منطقة الأقصى ريثما يتم التطهّر من هذه “النجاسة”.
يوضح معروف أن شريحة واسعة من اليهود المتدينين “الحريديم” يمتنعون عن دخول الأقصى التزاماً بالفتوى الحاخامية التي تحرم دخوله قبل عملية التطهير، وبالتالي يعتبر ظهور البقرة الحمراء سماحاً لهؤلاء بدخول الأقصى.
أحد الحاخامات المؤمنين بقضية “البقرة الحمراء”، ويُدعى تساحي مامو، والذي يستوطن ويعيش في الضفة الغربية، جهّز 5 بقرات حمراء بواسطة الهندسة الجينية، لكنّه ادعى بمساعدة صديق أميركي له في ولاية تكساس، أنه وجد 5 بقرات تنطبق عليها المواصفات، وأُحضرت الى “إسرائيل” قبل عام ونصف العام، واستُقدمت أكثر من واحدة لضمان انطباق الشروط بشكل كامل على واحدة منهن.
أغضب الأمر مرجعيات دينية حريدية يهودية اعتبرت أنّ هذا تلاعب، ولا يجوز أن تظهر البقرة الحمراء عن طريق تدخل بشري، لذلك ينكر تساحي مامو مسألة الهندسة الجينية.
توجد البقرات الخمس الآن في مستوطنة شيلو المقامة شمال رام الله، ويتم تجهيز الطقوس الدينية استعداداً لأداء هذه العملية، والتي أشارت إشاعات الى أنها تمّت في 2 نيسان/ أبريل وفق التقويم العبري الذي تصادف مع عيد الفطر هذا العام، لكن لم يتمكن المتشددون من إقامة الطقوس خوفاً من الأجهزة الأمنية، ومن ضمنها جهاز الشاباك.
ما سبق يضع الأمر أمام احتمالين وفقاً لمعروف: “الأول، أن تكون هذه الجماعات أصدرت لنفسها فتوى خاصة بجواز أداء الطقس في تاريخ آخر غير الثاني من نيسان العبري، أو أنها أجّلته الى العام المقبل في التاريخ ذاته، ولا يوجد أي إشارة واضحة حول ما توصّلت إليه هذه الجماعات”.
مع مناسبة عيد الفصح اليهودي، تحاول “جماعات الهيكل” المتطرفة تصعيد هجومها على المسجد الأقصى عبر تنفيذ اقتحامات واسعة، ومحاولة إدخال “قرابين الفصح” إلى باحاته.
لماذا اكتسبت القضية هذا الزخم هذا العام؟
على رغم أن الحديث عن ذبح البقرة الحمراء ليس جديداً، لكن الضجة التي رافقته هذا العام مختلفة لأسباب عدة وفقاً لد. معروف، الذي أوضح أن الأمر ليس متعلقاً بفكرة البقرة الحمراء بل بالجماعات نفسها.
يضيف معروف، أنه رُصدت مواقف عدة تُعتبر سابقة في هذا الملف، منها طرح الموضوع في احتفال رسمي في الولايات المتحدة في متحف الكتاب المقدس في واشنطن قرب الكونغرس، في حضور رئيس مجلس النواب الأميركي بداية العام الحالي، ما أعطاه زخماً خاصاً واختلافاً في كيفية التعامل معه، بخاصة أنها المرة الأولى التي تسجّل فيها ردود أفعال قوية من اليمين المتطرف الأميركي.
يشير معروف أيضاً، إلى تسريب يفيد بأن هناك أرضاً قرب “قبة النواح” على جبل الزيتون في المكان الذي يفترض أنه الأنسب لتنفيذ هذه الطقوس، بعدما تم تسريب هذه الأرض لجمعية استيطانية يرأسها تساحي مامو نفسه، الذي يعتبر مسؤولاً عن محاولة السيطرة على منازل في حي الشيخ جراح بالقدس.
أما السبب الثالث، فهو الإعلان عن طلب متطوّعين كهنة ضمن شروط معينة هذا العام، وهو حدث يتم للمرة الأولى، وتم تجهيز 9 كهنة لهذه العملية، إضافة الى تنظيم مؤتمر في مستوطنة شيلو نفسها في شهر رمضان الماضي.
الأسباب السابقة تزيد المخاوف من أن يتم تنفيذ العملية بشكل سري أو مفاجئ، يُترجم باقتحامات واسعة غير مسبوقة لباحات المسجد الأقصى.
يشير معروف إلى أن الحكومة الإسرائيليّة تحوي مستويين سياسيين، الأول يمثّله نتانياهو وتيار “الصهيونية الدينية “المناصر له الذي يضم وزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش، ووزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير، وتياراً استراتيجياً يتمثّل بالاستخبارات “الشاباك” والأجهزة الأمنية ووزراء علمانيين، يعتبرون أن هذا الجنون الديني قد يؤدي إلى مخاطر.
ماذا بعد ذبح البقرة؟
يضيف معروف أنه، في حال ذبح البقرة وإجراء طقوس “التطهير” التي ينتظرها الكثيرون ومنهم سموتريتش، سيُفتح الباب لاقتحام الأقصى، وبالتالي نتائج تنفيذ العملية جزء منها فوري وآخر على المستوى المتوسط، بمعنى يمكن قياسه على المدى القريب في أول موسم أعياد يهودية، بحيث نشهد زيادة هائلة بأعداد المستوطنين المقتحمين، ثم بأعداد غير مسبوقة في أوقات الاقتحامات الكبرى مثل عيد الفصح والعرش.
هذا التدريج عندما يتحقق، ستسفر عنه غلبة عددية يتم من خلالها الانتقال الى تنفيذ مطالب المستوطنين بتقسيم الأقصى المبارك أو عمليات اعتداء على المسجد، وتحديداً قبة الصخرة لتثبيت أمر واقع جديد عنوانه بدء إقامة المعبد الثالث، وبالتالي فإن ذبح البقرة الحمراء هو إحدى خطوات إقامة المعبد.
يشار إلى أن هذه الجماعات قطعت بالفعل الحجارة التي سيتم استعمالها في إقامة المعبد، وانتشرت فيديوهات لنقش أسماء مستوطنين قتلوا في قطاع غزة على الحجارة، التي يعتقدون أنها ستُستخدم في إقامة المعبد، وأن جميع مساحة الأقصى يجب أن تكون يهودية خالصة.
ما هو “الوضع القائم” الخاص بمدينة القدس ؟
أوضحت أستاذة الدبلوماسية وحل النزاعات في الجامعة العربية- الأميركية د. دلال عريقات، في حديثها لـ “درج”، أن “الوضع القائم” في القدس يعني النظام القانوني الدولي، الذي يحكم القدس قبل الاعتراف بـ “دولة إسرائيل” وقبل النكبة، وما ينبثق منه من تمثيل دبلوماسي لمجموعة من دول العالم كانت موجودة في القدس قبل النكبة.
أشارت عريقات إلى أن المقدسات في مدينة القدس تخضع للوصاية الأردنية، و”عندما نتكلم عن المقدسات نقصد بها المسيحية والإسلامية. قانونياً، على مستوى الدول، توجد وصاية على المقدسات ويجب حمايتها، وهناك قرارات دولية منها 267 ، 298، 478، 476، و2334.
أكدت عريقات أيضاً الحق الفلسطيني في القدس الشرقية وكل الأراضي التي احتُلت بعد الـ 67، مشيرة إلى أن “الشرعية الدولية واضحة في إعطاء الفلسطينيين حقوقهم في الأرض وفي الجغرافيا والزمان”.
ونوّهت عريقات الى أن عمليات “ذبح القرابين” تعد انتهاكاً ومخالفة قانونية واضحة حسب القانون الدولي، مشيرة كذلك إلى أن “المستوطنين أشخاص غير شرعيين، ودولة الاحتلال تخالف القانون الدولي وتنتهج سياسة الإفلات من العقاب”.
أضافت عريقات، أن “إسرائيل” تستغل ما يحصل في غزة لتنفرد بمدينة القدس في إطار تنفيذ مخطط E1 وE2 بطريقة ممنهجة، لفصل القدس وعزلها عن محيطها وانتهاج سياسات تقود إلى التهجير الطوعي للمقدسيين.
وكانت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية كشفت عن أن وزير الأمن القومي المتطرف بن غفير، وضع تغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى هدفاً رسمياً لوزارته، وأدرجت في خطة عملها السنوية هدفاً يشكل سابقة مثيرة للجدل، وهو تغيير الوضع الراهن في المسجد، بما يشمل السيطرة عليه والسماح للمستوطنين بالصلاة فيه.
تعوّل جماعات الهيكل على أن إجراء طقس “ذبح البقرة الحمراء” سيجعل جمهورها الأقرب من أتباع “الصهيونيّة الدينيّة” يستجيب لخطابها، ويشارك بفعالية في اقتحامات المسجد الأقصى، وفي خططها المرحلية المتمثّلة بالتقسيم الزماني والمكاني والبدء بالتأسيس للهيكل.