إسرائيل تتهم جنوب أفريقيا بإطلاق “مزاعم كاذبة” أمام محكمة العدل الدولية
تقول إسرائيل إن الحرب ضد حماس في قطاع غزة “مأساوية” لكن لا تصنّف “إبادة جماعية” كما تتّهم جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية
الاحتلال الإسرائيلي يدّعي وجود 50 نفقاً بين غزة ومصر.. مندوبه في لاهاي تنصل من ارتكاب “إبادة” بغزة
إسرائيل في قفص اتهام “محكمة العالم”.. فما آليات تنفيذ أي قرار بوقف الحرب على غزة؟
للمرة الرابعة طلبت جنوب أفريقيا من محكمة العدل الدولية إصدار أمر بوقف الحرب على غزة، في إطار اتهام إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية، فهل توجد لآليات لإجبار الاحتلال على التنفيذ حال أصدرت المحكمة قرارات لصالح المدعي في القضية؟
كانت العدل الدولية، المعروفة أيضاً بمحكمة العالم، قد عقدت الجولة الأولى من جلسات الدعوى يوم 11 يناير/كانون الثاني الماضي، وأصدرت قراراً تحت بند الإجراءات الطارئة لإلزام إسرائيل بالسماح بإدخال المساعدات الإنسانية للقطاع وعدم تعريض حياة المدنيين للخطر، وهو ما لم يلتزم به جيش الاحتلال.
إسرائيل في “قفص الاتهام” مجددا
يوم الإثنين 13 مايو/أيار، تقدمت جنوب أفريقيا بطلب جديد لمحكمة العدل الدولية، مطالبة باتخاذ إجراءات طارئة إضافية لمنع إسرائيل من اجتياح رفح في جنوب قطاع غزة التي يلوذ بها أكثر من 1.4 مليون فلسطيني، إضافة إلى حزمة أخرى من الإجراءات الطارئة.
لم تكن هذه هي المرة الثانية التي تعيد فيها جنوب أفريقيا الطلب من المحكمة أن تتخذ قرارات تهدف إلى الوقف الفوري للحرب على غزة بعد صدور قرارات المحكمة الأولية في يناير/كانون الثاني. فقد أمهلت المحكمة وقتها إسرائيل شهراً للالتزام بتنفيذ الإجراءات الطارئة وكانت جميعها تركز على الشق الإنساني من إدخال المساعدات وإجراء تحقيقات بشأن أعمال تندرج تحت توصيف الإبادة الجماعية.
عادت جنوب أفريقيا لتطلب من المحكمة في فبراير/شباط إصدار قرار يلزم إسرائيل بوقف الحرب على غزة، وتكرر الطلب مرة أخرى في أبريل/نيسان، وفي المرتين ردت محكمة العدل على طلبات جنوب أفريقيا دون عقد جلسات استماع كما حدث في المرة الأولى، وأيضاً رفضت المحكمة إصدار قرار بالوقف الفوري للحرب
لكن هذه المرة، وافقت المحكمة على عقد جلسات لمناقشة طلبات جنوب أفريقيا، وقررت عقد تلك الجلسات الخميس 16 مايو/أيار والجمعة 17 مايو/أيار، لمناقشة الموقف واتخاذ القرار، فماذا يعني ذلك؟
لماذا تشعر إسرائيل بـ”قلق بالغ” هذه المرة؟
السرعة التي وافقت بها المحكمة على طلب جنوب أفريقيا أصابت الإسرائيليين بقلق بالغ. وهذا ما عبر عنه جلعاد إردان سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة، حيث قال لإذاعة جيش الاحتلال، الأربعاء 15 مايو/أيار، إن قصر المدة التي أتاحتها المحكمة قبل جلسات الاستماع لم يسمح بالإعداد القانوني الكافي، مضيفاً أن في ذلك “إشارة واضحة”.
يوفال كابلينسكي، الرئيس الأسبق لقسم القانون الدولي في مكتب المدعي العام الإسرائيلي، قال لصحيفة تايمز أوف إسرائيل إنه يرى “من غير المرجح أن ترفض المحكمة طلبات جنوب أفريقيا مباشرة دون أن تصدر أي قرارات جديدة ضد إسرائيل”.
يوفال أشار إلى أن جنوب أفريقيا كانت قد تقدمت، في فبراير/شباط، بطلب للمحكمة كي تصدر قراراً يمنع إسرائيل من “عملية رفح” التي كانت تل أبيب تهدد بالقيام بها. صحيح أن المحكمة رفضت الطلب وقتها، لكنها أيضاً عبرت عن القلق من “التأثير المحتمل” للعملية الإسرائيلية في مدينة تمثل الملاذ الأخير للمدنيين الفلسطينيين.
عادت جنوب أفريقيا إلى المحكمة في مارس/آذار مرة أخرى مطالبة، للمرة الثالثة، “جميع الأطراف” بوقف القتال، لكن المحكمة لم تعقد جلسات وأصدرت “أوامر أكثر حدة” ضد إسرائيل لزيادة إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، في ضوء التحذيرات الحادة من جانب المنظمات الإغاثية العاملة في القطاع من الموقف الإنساني الكارثي هناك.
“لم تعقد محكمة العدل الدولية أي جلسات في مارس/آذار، لكنها أصدرت أوامر مشددة تخص المساعدات الإنسانية. الآن، عقدت المحكمة جلسات على عجل، لذلك قد تكون الأوامر التي ستصدرها أكثر صرامة”، بحسب يوفال.
ماذا تريد جنوب أفريقيا هذه المرة؟
خلال مرافعات فريقها القانوني أمام المحكمة، الخميس، طالبت جنوب أفريقيا بإصدار أمر بوقف الهجوم الإسرائيلي على مدينة رفح، قائلة إنه “لا بد من وقف” الهجوم على رفح لضمان بقاء الشعب الفلسطيني. كما حث فوسيموزي مادونسيلا سفير جنوب أفريقيا لدى هولندا، المحكمة على إصدار أمر “بالانسحاب الفوري التام غير المشروط للجيش الإسرائيلي من قطاع غزة بأكمله”.
جنوب أفريقيا طلبت أيضاً من محكمة العدل الدولية إصدار أمر لإسرائيل بالسماح لمسؤولي الأمم المتحدة والمنظمات التي تقدم المساعدات الإنسانية، فضلاً عن الصحفيين والمحققين بالدخول إلى القطاع دون عوائق.
الفريق القانوني لجنوب أفريقيا رصد أمام المحكمة كيف أن العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 قد تسبب في ارتقاء عشرات الآلاف من الأطفال والنساء وتدمير البنية التحتية المدنية وتجويع السكان في القطاع.
تيمبيكا نجكوكايتوبي، أحد أعضاء الفريق القانوني لجنوب أفريقيا، قال أمام المحكمة: “منذ البداية، كان قصد إسرائيل دائماً تدمير حياة الفلسطينيين ومحوهم من على وجه الأرض. ورفح هي المكان الأخير”.
بينما قالت عديلة هاشم، زميلة نجكوكايتي، إنه “يتعين وقف إسرائيل. جنوب أفريقيا أمامكم مرة أخرى اليوم لتطلب باحترام من المحكمة استدعاء سلطاتها… أن تأمر بوسيلة توقف إسرائيل”.
لكن هذه المطالب تندرج فقط تحت بند “إجراءات الطوارئ” التي تريد جنوب أفريقيا من المحكمة أن تصدرها لمنع إسرائيل من مواصلة “الإبادة الجماعية” بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، وهو جوهر الدعوى المرفوعة ضد دولة الاحتلال وجيشها.
ما هي قضية الإبادة الجماعية؟
محكمة العدل الدولية هي أعلى هيئة قانونية تابعة للأمم المتحدة، وتأسست عام 1945 للبت في النزاعات بين الدول. وتتعامل هيئة محكمة العدل الدولية المؤلفة من 15 قاضياً – أضيف إليها في هذا النزاع قاض اختارته إسرائيل نظراً لوجود قاض من جنوب أفريقيا بالفعل- مع النزاعات الحدودية والقضايا التي ترفعها الدول لاتهام أخرى بانتهاك التزامات معاهدة الأمم المتحدة.
ووقعت كل من جنوب أفريقيا وإسرائيل على اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية المبرمة عام 1948، مما يمنح محكمة العدل الاختصاص القضائي للفصل في النزاعات التي تشملها المعاهدة. وبينما تتمحور القضية حول الأراضي الفلسطينية المحتلة، ليس للفلسطينيين أي دور رسمي في الإجراءات.
تلزم اتفاقية منع الإبادة الجماعية جميع الدول الموقعة ليس فقط بعدم ارتكاب الإبادة الجماعية، بل وبمنعها والمعاقبة عليها. وتعرّف المعاهدة الإبادة الجماعية بأنها “الأفعال المرتكبة بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية”.
الملف الأولي الذي قدمته جنوب أفريقيا بعد مرور ثلاثة أشهر على اندلاع الحرب ويتكون من 84 صفحة، يفصل أن قتل إسرائيل للفلسطينيين في غزة وإلحاق أذى نفسي وجسدي جسيم بهم وخلق ظروف معيشية تهدف إلى “تدميرهم جسدياً” وهو ما يعد إبادة جماعية.
وركزت جنوب أفريقيا في جلسات استماع عُقدت في يناير/كانون الثاني على تقاعس إسرائيل عن توفير الغذاء الأساسي والمياه والأدوية والوقود والمأوى وغيرها من المساعدات الإنسانية لغزة خلال الحرب على غزة.
وخلال الجولة الأولى من جلسات الاستماع المتعلقة بالتدابير الطارئة في يناير/كانون الثاني، ارتأت المحكمة أنه من المعقول أن إسرائيل انتهكت بعض الحقوق المكفولة للفلسطينيين في قطاع غزة بموجب اتفاقية منع الإبادة الجماعية.
وأمر القضاة إسرائيل بالكف عن أي أعمال يمكن أن تندرج تحت اتفاقية منع الإبادة الجماعية وضمان عدم ارتكاب قواتها أعمال إبادة جماعية بحق الفلسطينيين. وتشمل تلك الأعمال بموجب اتفاقية منع الإبادة الجماعية قتل أعضاء جماعة ما وإلحاق أذى جسدي أو نفسي خطير بهم وتعمد الإضرار بالأحوال المعيشية بقصد تدمير الجماعة كلياً أو جزئياً.
وأمر القضاة إسرائيل أيضاً باتخاذ إجراءات لتحسين الوضع الإنساني في قطاع غزة. كما أعلنت المحكمة في مارس/آذار المزيد من التدابير الطارئة حينما أمرت إسرائيل باتخاذ جميع الإجراءات الضرورية والفعالة لضمان وصول الإمدادات الغذائية الأساسية للفلسطينيين في قطاع غزة.
وبينما تركز جلسات الاستماع الجديدة على إصدار إجراءات طوارئ لمنع مواصلة إسرائيل للحرب واجتياح رفح، من المرجح أن يستغرق بت المحكمة في جوهر الدعوى المتعلق بارتكاب إسرائيل إبادة جماعية في غزة سنوات.
هل تأمر المحكمة بوقف الحرب على غزة؟
تقدم إسرائيل دفوعها أمام المحكمة الجمعة 17 مايو/أيار، والتي ترتكز بالأساس على ما تسميه دولة الاحتلال “حق الدفاع عن النفس”، علماً بأن خبراء القانون الدولي يجمعون على أن تل أبيب، بصفتها دولة احتلال، لا تتمتع بهذا الحق من هذا الأساس.
جولييت ماكنتاير، أستاذة القانون في جامعة جنوب أستراليا، كانت قد أوضحت هذه النقطة في تقرير لموقع ميدل إيست آي البريطاني، بقولها إن “المحكمة تقول إنها لا يمكنها الخوض في السؤال الخاص بالمدى الكامل لحجة الدفاع عن النفس، التي تتذرع بها إسرائيل. لذلك لن تقول المحكمة أي شيء يتعلق بإطلاق النار”.
إذ تتلخص وجهة نظر خبراء القانون في مسألة تذرع إسرائيل بالحق في الدفاع عن النفس في أن مصطلح “الدفاع عن النفس” غاب بشكل لافت عن قرار المحكمة الصادر في يناير/كانون الثاني، مع تركيز الإجراءات على التعامل مع الوضع الإنساني المتدهور في قطاع غزة.
“في القلب من قضية جنوب أفريقيا تقع مسألة خلق ظروف مواتية للحفاظ على الحياة (حياة المدنيين) أو خلق الظروف المواتية لحياة آمنة”، بحسب ماكنتاير.
لكن في الوقت نفسه، نتج عن عدم التزام إسرائيل بتنفيذ الإجراءات الطارئة التي صدرت عن المحكمة من قبل تداعيات كارثية على الوضع الإنساني في القطاع. وهذه النقطة تمثل “قلقاً بالغاً” لإسرائيل هذه المرة. يوفال كابلينسكي قال لصحيفة تايمز أوف إسرائيل إن “إسرائيل لم تتعلم الدروس من الجولات السابقة”، مشيراً إلى أن الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا كانت تهدف إلى إثبات “نية إسرائيل ارتكاب إبادة جماعية”، وعدم تنفيذ إسرائيل للقرارات السابقة للمحكمة، إضافة إلى “التصريحات والتعليقات التحريضية” من جانب وزراء الحكومة والمشرعين، يقدم ذخيرة لجنوب أفريقيا أمام المحكمة.
المسؤول القانوني الإسرائيلي الأسبق يتحدث عن الأوامر الصادرة عن محكمة العدل الدولية يوم 26 يناير/كانون الثاني “لمنع ومعاقبة” التحريض على الإبادة الجماعية، وهو بند صريح في معاهدة جنيف لمنع الإبادة الجماعية، لكن المسؤولين الإسرائيليين واصلوا تلك التعليقات.
وفي مرافعات الخميس أمام المحكمة، قدم الفريق القانوني لجنوب أفريقيا تعليقات حديثة أدلى بها مسؤولون إسرائيليون تؤكد على استمرار الإبادة الجماعية. وزير المالية اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش قال أواخر أبريل/نيسان، في تصريحات نقلتها صحيفة هآرتس: “لا توجد أنصاف حلول. رفح ودير البلح والنصيرات.. إبادة كاملة!”
ما آليات محكمة العدل لإجبار إسرائيل على وقف الحرب؟
من الناحية القانونية، الأحكام التي تصدر عن محكمة العدل الدولية تعتبر نهائية وغير قابلة للطعن عليها. لكن المحكمة لا تمتلك آليات سلطات تنفيذية لإجبار الدول على تنفيذ قراراتها وأحكامها.
التنفيذ هنا يخص الأمم المتحدة، وبصفة خاصة مجلس الأمن الدولي، بمعنى أنه يقع على كاهل المنظمة الأممية تنفيذ تلك القرارات. وبما أن إسرائيل تحظى بمظلة حماية أمريكية لا تتزحزح، فمن غير الوارد مثلاً أن يصدر مجلس الأمن الدولي قراراً بتنفيذ أوامر محكمة العدل بوقف فوري للحرب على غزة، حال إصدار المحكمة هذا الأمر، وهو ما يرجحه كثير من المراقبين، وتتوقعه كثير من الدوائر الإسرائيلية.
لكن حتى في عدم وجود آلية لإجبار إسرائيل على تنفيذ أمر تصدره محكمة العالم بالوقف الفوري للحرب وعدم الإقدام على اجتياح رفح، فإن صدور الأمر في حد ذاته سيضر بسمعة إسرائيل الدولية من جهة وسيشكل سابقة قانونية من جهة أخرى، بحسب تقرير لرويترز.
واستباقاً لقرار المحكمة، أرسلت مجموعة من الدول الغربية الجمعة خطاباً إلى الحكومة الإسرائيلية يطالبها بالالتزام ببنود “القانون الدولي”، في إشارة على حجم الضغوط التي تتعرض لها تل أبيب لوقف الحرب على غزة وعدم اجتياح رفح.
إذ أرسلت الدول الأعضاء في مجموعة السبع، باستثناء الولايات المتحدة، إضافة إلى حكومات أستراليا وكوريا الجنوبية ونيوزيلندا وهولندا والدنمارك والسويد، خطاباً من 5 صفحات يقول إن إسرائيل “لابد وأن تلتزم بالقانون الدولي، وضمنه بنود القانون الدولي الإنساني”، في الحرب على غزة.
وعندما أصدرت المحكمة قرارها بقبول دعوى الإبادة الجماعية ووافقت على “إجراءات طارئة” طلبتها جنوب أفريقيا في يناير/كانون الثاني، اعتبر خبراء القانون والسياسة الحكم ضربة مدمرة لمكانة إسرائيل العالمية، حسب وصف تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي.
وحتى تكون تداعيات الحكم على إسرائيل أكثر وضوحاً، يجب النظر إلى أن تل أبيب عملت بشراسة على مدى العقدين الماضيين، لحماية نفسها دولياً، وتصدت لكل محاولات الاتهامات الموجهة لها، ووجهت اتهامات “معاداة السامية” لكل من ينتقدها أو يسيء إليها، حتى بات هذا الاتهام قانوناً في كثير من الدول الغربية.
ومع قرار محكمة العدل الدولية الذي يؤكد الاشتباه، بشكل معقول، في أن إسرائيل قد تكون متورطة في الإبادة الجماعية، فإن هذا القرار يعتبر الأكثر تدميراً لشرعية إسرائيل الدولية، بحسب ما ذكره الموقع الأمريكي.
لماذا لم تأمر محكمة العدل الدولية إسرائيل بوقف إطلاق النار في غزة فوراً؟
أمرت محكمة العدل الدولية إسرائيل باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية في عدوانها المستمر على قطاع غزة، لكن لماذا لم تأمر بوقف إطلاق النار بشكل فوري؟
كانت المحكمة قد قالت، الجمعة 26 يناير/كانون الثاني، في قرارها في القضية التي تقدمت بها جنوب أفريقيا، إنه يتعين على إسرائيل ضمان عدم ارتكاب قواتها إبادة جماعية، واتخاذ إجراءات لتحسين الوضع الإنساني للمدنيين الفلسطينيين في القطاع.
لماذا لم تأمر المحكمة إسرائيل بوقف إطلاق النار؟
لم تُصدر المحكمة قراراً بالوقف الفوري لإطلاق النار في غزة، وهو واحد من 10 إجراءات عاجلة طالبت جنوب أفريقيا المحكمة باتخاذها، لكن قرار المحكمة وافق على الإجراءات التسع الأخرى التي طالبت بها جنوب أفريقيا، ما يمثل إدانة واضحة لإسرائيل، بحسب تقرير لشبكة CNN الأمريكية.
فلماذا لم تُصدر المحكمة أمراً بوقف إطلاق النار؟ “لم أعتقد أبداً أن المحكمة سوف تأمر بوقف لإطلاق النار”، بحسب ما نقله موقع ميدل إيست آي البريطاني عن جولييت ماكنتاير، أستاذة القانون في جامعة جنوب أستراليا. وأوضحت ماكنتاير وجهة نظرها، قائلة: “المحكمة تقول إنها لا يمكنها الخوض في السؤال الخاص بالمدى الكامل لحجة الدفاع عن النفس، التي تتذرع بها إسرائيل. لذلك لن تقول المحكمة أي شيء يتعلق بإطلاق النار”.
وجهة نظر خبراء القانون تتلخص في مسألة تذرع إسرائيل بالحق في الدفاع عن النفس. فمصطلح “الدفاع عن النفس” غاب بشكل لافت عن قرار المحكمة الصادر الجمعة، مع تركيز الإجراءات على التعامل مع الوضع الإنساني المتدهور في قطاع غزة.
“في القلب من قضية جنوب أفريقيا تقع مسألة خلق ظروف مواتية للحفاظ على الحياة (حياة المدنيين) أو خلق الظروف المواتية لحياة آمنة”، بحسب ماكنتاير.
من ناحية أخرى، فإن التأثير الفوري والمباشر للإجراءات التي أمرت بها المحكمة، إذا ما التزمت بها إسرائيل، سيكون على الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة. ومن هذا المنطلق، شكك كثير من خبراء القانون في أن تصدر المحكمة أمراً بوقف فوري لإطلاق النار، وأحد الأسباب هو أن المحكمة لا يمكنها أن تأمر حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية “حماس”، التي ليست طرفاً في القضية المرفوعة من جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية، بأن تفعل الأمر نفسه، بحسب تقرير لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية.
وبالتالي، فإن كثيراً من الخبراء القانونيين توقعوا أن تصدر المحكمة قراراً بإجراءات احترازية أخرى، مثل تسهيل دخول المساعدات للمدنيين في القطاع أو السماح بدخول محققين مستقلين، وهو ما جاء بالفعل في قرار المحكمة، التي وافقت على 9 إجراءات احترازية، طالبت بها جنوب أفريقيا.
وصوّت 14، من أصل 15 قاضياً في هيئة محكمة العدل الدولية، لصالح إجراءات الطوارئ التي تغطي معظم ما طلبته جنوب أفريقيا، مع استثناء ملحوظ، وهو الأمر بوقف العدوان الإسرائيلي على غزة بشكل فوري.
كانت إسرائيل قد شنَّت منذ عملية “طوفان الأقصى” العسكرية، يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، قصفاً جوياً وبحرياً على قطاع غزة، تبعه اجتياح بري، تسبب في ارتقاء أكثر من 26 ألف شهيد، غالبيتهم الساحقة من المدنيين، نساء وأطفال، كما دمرت البنية التحتية للقطاع بشكل كامل.
و”طوفان الأقصى” هو الاسم الذي أطلقته حماس على العملية العسكرية الشاملة، التي بدأت فجر 7 أكتوبر/تشرين الأول، رداً على “الجرائم الإسرائيلية المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني”. ففي تمام الساعة السادسة صباحاً، بالتوقيت المحلي في فلسطين، شنَّت “حماس” اجتياحاً فلسطينياً لمستوطنات الغلاف المحاذية لقطاع غزة المحاصَر، حيث اقتحم مقاتلون من كتائب عز الدين القسام البلدات المتاخمة للقطاع، في ظل غطاء جوي من آلاف الصواريخ التي أُطلقت من غزة باتجاه تل أبيب والقدس ومدن الجنوب.
ووسط حالة الذعر والصدمة التي انتابت الإسرائيليين، وانتشار مقاطع فيديو وصور لدبابات ومدرعات تابعة لجيش الاحتلال، إما محروقة أو تحت سيطرة المقاومين الفلسطينيين، وأسر العشرات من جنود جيش الاحتلال والمستوطنين، وسيطرة فلسطينية كاملة على مستوطنات، أعلنت دولة الاحتلال أنها “في حالة حرب“، للمرة الأولى منذ حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973.
وبعد صدور قرار محكمة العدل الدولية، يصبح السؤال: ما الخطوة التالية الآن؟ يمهل القرار إسرائيل شهراً لتقديم تقرير عن الإجراءات والخطوات التي قامت بها لمنع قواتها من ارتكاب إبادة جماعية في غزة ومعاقبة المسؤولين الذين يحرضون على ارتكاب الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين.
هل يمكن تنفيذ قرارات المحكمة دون وقف إطلاق النار؟
يرى البعض أن قرار المحكمة يعني بشكل ضمني، في حال التزمت به إسرائيل، وقفاً لإطلاق النار. “كيف يمكن توفير المساعدات والمياه لأهل غزة دون وقف إطلاق النار؟ إذا ما قرأنا قرار محكمة العدل الدولية بتمعن، فإنه يعني وقفاً لإطلاق النار”، بحسب ما قالته ناليدي باندور، وزيرة خارجية جنوب أفريقيا بعد صدور القرار.
واتفقت أكبر منظمة حقوقية في إسرائيل، بتسليم، مع تفسير باندور، بحسب موقع ميدل إيست آي. “الطريقة الوحيدة لتنفيذ القرارات الصادرة اليوم من جانب محكمة العدل الدولية في لاهاي هي وقف إطلاق النار فوراً. فمن المستحيل حماية المدنيين ما دامت الحرب مستمرة”، بحسب بيان لبتسليم.
وأضافت المنظمة الحقوقية: “قتل عشرات الآلاف ونزح أكثر من مليون والأسرى الإسرائيليين محتجزين في قطاع غزة، حيث توجد مجاعة وكارثة إنسانية، وكلها أمور تجبر إسرائيل على وقف القتال”.
وترى أونا هاثاواي، البروفيسور في كلية ييل للقانون، أنه على الرغم من تركيز المعلقين على عدم إصدار المحكمة أمراً مباشراً بوقف إطلاق النار، فإن “محكمة العدل الدولية اقتربت من هذه النتيجة بصورة ربما لم تكن متوقعة”.
وجاء في قرار المحكمة أنه “على دولة إسرائيل… أن تتخذ كل ما في وسعها من إجراءات لمنع ارتكاب جميع الأفعال التي تدخل في نطاق المادة الثانية من اتفاقية الإبادة الجماعية”. كما قالت المحكمة إنه يتعين على إسرائيل أن تقدم تقريراً إليها بشأن الخطوات التي تتخذها في غضون شهر.