حماس تتغيب عن جولة مفاوضات جديدة في الدوحة اليوم، وتشكك في فرص تحقيق نتائج حقيقية منها
تستضيف العاصمة القطرية الدوحة اليوم، جولة جديدة من المفاوضات في محاولة للتوصل إلى اتفاق بشأن وقف إطلاق النار في قطاع غزة وصفقة تبادل الرهائن والسجناء بين حركة حماس وإسرائيل.
تكتيكات حماس تحت قيادة السنوار: تفاوض دون تنازل وضغط نحو خطة تنفيذية
بعد بيانها الذي دعا لتطبيق مقترح الرئيس الأمريكي، يتضح أن حركة حماس تتبنى حزمة من التكتيكات التفاوضية بهدف الضغط على إسرائيل أثناء التفاوض، وتنتهج أسلوبا يهدف إلى إلزامها والوسطاء معا بعدم إدخال مزيد من التعديلات ومنع التلاعب بالوقت أو العودة للتفاوض من المربع الأول والاستمرار إلى ما لا نهاية.
وبينما تحاول إسرائيل استثمار تفوقها الميداني الواضح في غزة وعمليات الاغتيال المتكررة التي نفذتها بحق بعض من قيادات حماس، في ملف التفاوض، تستخدم الحركة الفلسطينية نهجا تفاوضيا “غير مرن”، بحسب مراقبين، يرتكز على التمسك بمبادئها الأساسية المتمثلة في انسحاب القوات الإسرائيلية من المحاور الرئيسية والمدن وعودة سكان شمال القطاع دون فحص هوياتهم وإطلاق سراح محكومين فلسطينيين تحددهم الحركة.
وتعتقد حماس، التي تضعها الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي ضمن المنظمات الإرهابية، أن رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، ينوي تقديم شروط إضافية تعقد من إبرام أي صفقة محتملة، ومن ثم أصدرت بيانها الأخير ردا على دعوة الوسطاء للحوار المقرر إجراءه منتصف أغسطس/آب “مطالبة الوسطاء بتقديم خطة لتنفيذ ما قاموا بعرضه على الحركة ووافقت عليه في السابق”.
وتقول الحركة في بيانها ردا على دعوة الحوار الثلاثية من مصر وقطر وأمريكا إن مطالبتها تأتي استنادًا لمقترح بايدن لوقف إطلاق النار وقرار مجلس الأمن الذي أقره، نحو “إلزام الاحتلال بذلك، بدلاً من الذهاب إلى مزيد من جولات المفاوضات أو مقترحات جديدة توفر الغطاء لعدوان الاحتلال،” بحسب نص البيان.
ونفى نتنياهو في بيان أصدره مكتبه، الثلاثاء، وضع مطالب جديدة في المحادثات مع حماس، قائلا إنها “إيضاحات ضرورية”.
ووصف مراقبون موقف حماس من جولة التفاوض المرتقبة بـ”الغامض عمدا”، وإن كانت مصادر ووسائل إعلام غربية تؤكد أنها ستحضر جولة التفاوض غير المباشر مع الوسيطين المصري والقطري.
ولا توجد وفود حماس التفاوضية في جلسات الحوار بل توجد في مكان انعقاد اللقاء وتتبادل الرسائل عبر الوسطاء.
وطالبت حماس في بيانها الوسطاء الثلاثة بوضع جدول زمني وخطة واضحة لتنفيذ ما عُرض عليها سابقا ووافقت عليه في الثاني من يوليو الماضي وهو ما طرحه الرئيس الأمريكي وعرف بخطة بايدن وأقره مجلس الأمن الدولي أيضا، بدلا من الدخول في حوارات جديدة.
وكان الرئيس الأمريكي، جو بايدن، قد اقترح في نهاية مايو/ أيار الماضي، خطة تتكون من ثلاث مراحل لإنهاء الحرب الدائرة في غزة، تستمر مرحلتها الأولى ستة أسابيع، وتشمل وقفا شاملا لإطلاق النار، مع انسحاب القوات الإسرائيلية من كافة المناطق المأهولة في قطاع غزة وتبادل إطلاق سراح سجناء ومختطفين ويعود خلالها الفلسطينيون إلى منازلهم في كافة مناطق القطاع.
وتشمل المرحلة الثانية الإفراج عن كافة المحتجزين الأحياء المتبقين لدى حماس، بمن فيهم الجنود الرجال، وانسحاب القوات الإسرائيلية من غزة، مع تحول وقف إطلاق النار المؤقت إلى “وقف دائم للأعمال العدائية”، في حال أوفى الطرفان بالتزاماتهما، وتشهد المرحلة الثالثة إعادة إعمار قطاع غزة، كذلك يجرى إعادة رفات من تبقى من المحتجزين الإسرائيليين، الذين قتلوا.
وقال بايدن في مقابلة تلفزيونية إن اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة سيكون “ممكنا” قبل نهاية فترة رئاسته.
وأضاف أنه وفريقه يعملون على تنفيذ وقف إطلاق النار.
حماس والمحادثات الجديدة
اختلفت آراء المحللين السياسيين حول مشاركة حركة حماس وأسلوبها التفاوضي في جولة الحوار الجديدة، إذ يرى الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، حسام الدجني، المقيم حاليا في القاهرة، أن ما تريده الحركة هو جدول التنفيذ من الوسطاء لما تم التوافق عليه سابقا بغية البدء في تطبيقه، ومن ثم ربما لا ترى دافعا قويا للمشاركة.
ويوضح الدجني أن توجه حماس نحو عدم المشاركة الفاعلة “ليس على قاعدة التعطيل وإنما على قاعدة تغير آلية التفاوض ورغبتها في الانتقال لمرحلة التنفيذ وليس التفاوض لغرض التفاوض”.
ويضف الدجني في حديث مع بي بي سي أن بيان حماس الأخير ليس الغرض منه إعلان رفضها المشاركة بقدر ما له علاقة بتكتيكات التفاوض بمعنى هم لا يريدون عملية تفاوض مستمرة أو أن “يفرض نتنياهو كل مرة شروط جديدة وخطوط حمراء عليهم”.
بينما يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر بغزة، مخيمر أبو سعدة، المقيم في القاهرة أيضا، إن الهدف من بيان حماس أنها تريد الالتزام بما وافقت عليه في الثاني من يوليو بمعنى تريد التزاما إسرائيليا بما ورد في مقترح بايدن.
واستبعد أبو سعدة أن يكون جزء من رد حماس هو رفض الذهاب إلى جولة مفاوضات جديدة لأن “رفضها هو ما يريده نتنياهو لكي يضع اللوم عليها ويتهرب من أية ضغوط دولية أو من الوسطاء”.
وينص قرار مجلس الأمن على وقف الحرب والانسحاب من غزة وإعادة البناء والإعمار، ويوضح أبوسعدة أن “حماس لا تريد الدخول في متاهات نتنياهو الذي يتمسك بالبقاء في محور فيلادلفيا على الحدود بين غزة ومصر وتفتيش وفحص السكان أثناء عودتهم إلى شمالي القطاع وترحيل الأسرى الذين سيُفرَج عنهم بموجب الصفقة والاعتراض على أسماء الاسرى الأحياء”.
هل بدأت حماس بقتل الرهائن؟
قال الجناح العسكري لحركة حماس، يوم الاثنين، إن مجندين من المكلفين بحراسة الرهائن الإسرائيليين أطلقوا النار وقتلوا رهينة إسرائيلية في غزة، وأصابوا بجروح خطيرة اثنتين من الرهائن النساء. وردّت الجيش الإسرائيلي بالقول إنه “لا يملك أي معلومات استخباراتية تمكنه من دحض أو تأكيد مزاعم حماس”.
وحمل بيان صدر على لسان الناطق باسمها أبو عبيدة إسرائيل المسؤولية الكاملة عما وصفه بـ”المجازر”، في إشارة الى ان ما حدث جاء كرد فردي من عناصرهم انتقاما لمقتل قرابة 100 في قصف إسرائيلي لمدرسة التابعين بمدينة غزة قبل أيام.
وتعد هذه المرة الأولى التي تقول فيها حماس إن حراسها قتلوا رهائن خلال الحرب المستمرة في غزة. وفي السابق، قالت إن الرهائن قتلوا جراء الضربات الجوية الإسرائيلية.
وفي الماضي، تجاهلت إسرائيل بيانات حماس حول مقتل الرهائن باعتبارها حربًا نفسية.
يعتقد بعض المراقبين الذين تحدثوا إلى بي بي سي أن التصريحات الأخيرة لحماس بشأن قتل رهينة واستجابتها لمحادثات وقف إطلاق النار قد تكون جزءًا من تكتيكاتها لإدارة عملية التفاوض، خاصة بعد تولي يحيى السنوار رئاسة المكتب السياسي للحركة خلفًا لإسماعيل هنية، الذي تم اغتياله في طهران.
يقول الكاتب والمحلل السياسي شربيل الغريب، الذي يعيش في مدينة غزة، إن التوقعات تميل نحو أن تصبح الحركة أكثر “تطرفًا وجذرية في مواقفها التفاوضية”.
ويعتقد الغريب أن التغيير الجديد في سياسة حماس وما وصفه بـ “التكتيك جاء في الوقت المناسب لأنه قد يشكل ورقة ضغط على إسرائيل وربما يشجع الوسطاء على اتباع مسار جديد في عملية التفاوض الحالية.”
ورفض مكتب نتنياهو يوم الثلاثاء الادعاءات بأنه غيّر مواقفه، قائلًا إن موقفه الأخير “لا يقدم شروطًا إضافية ولا يتناقض أو يقوض” مقترحه في مايو. بدلاً من ذلك، اتهم مكتب نتنياهو حماس بإضافة مطالب غير واقعية إلى موقفها
-
الرد الإيراني وعلاقته بمواقف حماس
كثر الحديث في الآونة الأخيرة حول الرد الإيراني المرتقب ضد إسرائيل التي تتهمها الأولى بانها المسؤولة عن عملية اغتيال إسماعيل هنية على أراضيها، ولكن هل لموقف حماس الأخير علاقة بهذا الرد؟ وهل تريد إفساح المجال أمام طهران لكي ترد عسكريا ضد إسرائيل أولا؟
يجيب على تلك الأسئلة الكاتب والمحلل السياسي شرحبيل الغريب بالقول إنه يعتقد ” أن مسار المفاوضات والصفقة منفصل عما يدور من رد مرتقب لإيران وهذا موقف واضح أعلنته طهران إزاء اغتيال هنية”.
ويضيف: “أعتقد أن هناك حالة تنسيق بين حماس وأطراف محور المقاومة (تحالف مدعوم من طهران عبر المنطقة يضم أيضًا حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن والميليشيات في العراق) وإيران تجاه كل ما يجري في المنطقة والحرب مع إسرائيل، وتعزز هذا المسار أكثر بعد اغتيال هنية في طهران والذي شكل إحراجا كبيرا لطهران وصورتها أمام العالم وفرض عليها القيام برد، إلى جانب المواقف التنسيقية مع حزب الله ” .
ولم تعلن إسرائيل مسؤوليتها عن اغتيال هنية في طهران، غير أن حماس وإيران تقولان إنها تقف وراء العملية.
وفي تقييمه لموقف حماس يعتقد الغريب أنه مؤشر واضح من الحركة أنها تريد الذهاب لرؤية عملية واتفاق عملي بعيدا عن سياسة المراوغة أو المماطلة والتسويف ومزيد من جولات المفاوضات المكوكية دون إحراز تقدم في هذا المسار.
ويضيف أن ذلك الموقف يعكس حرص حماس على إنهاء الحرب على غزة ووقف مسلسل “القتل والإبادة الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني”، على حد وصفه.
لا يبدو من تصرف حماس أن لديها تفاؤلا بإمكانية حصول تقدم في مسار التفاوض، وتجلى ذلك، بحسب مراقبين، في إصدار بيانها قبل أيام من موعد التفاوض بقصد أن تمنح هذا الوقت للوسطاء لاتخاذ قرار بشأن ما يطرح على الطاولة في الموعد المقرر.
ويرى الإسرائيليون أن موقف حماس هو محاولة للضغط على الوسطاء وإسرائيل حتى تتخلى عن المطالب الأخيرة التي أدخلت على المقترح، فيما تؤكد حماس رفضها تقديم لأي تنازلات إضافية
اخر الاخبار