يتحرك باسم يوسف إذاً بين سوقين، الأول أميركي، فيظهر كستاند آب كوميديان صاعد، والثاني سعودي- إماراتي، لكن السؤال، بوصفه ماذا؟ كوميديان؟ ناشطاً؟ شخصية علنية؟ مقدم برامج تلفزيونية ساخرة؟
تزامن اختفاء باسم يوسف عن منصة “X” مع إعلان قناة “MBC” السعودية أنه سيكون عضواً في لجنة تحكيم برنامج “Arabs Got Talent” الشهير، وبدأت أصابع الاتهام توجّه إلى تركي آل الشيخ والمال السعودي، الذي سـ”يُسكت” يوسف ذا الصوت الصريح في انتقاد الجيش الإسرائيلي وممارسات إسرائيل الاستيطانية، علماً أن باقي “أرشيف” يوسف ما زال موجوداً ومتوافراً في “كل مكان”…
فُسّر اختفاء يوسف عن “X” أنه محاولة منه لمحي تاريخه الذي ينتقد فيه إسرائيل، كون السعودية تمنع، إلى حدّ ما، رفع علم فلسطين في المناسبات الاحتفالية واعتقال من يقوم بذلك، ناهيك بالحملة التي استهدفته شتماً وتعييراً واتهامات تتحرك بين مستويات الخيانة إلى حد “التصهين”.
اتُّهم يوسف بأنه “باع القضية” مقابل إشاعات عن تقاضيه أجراً هائلاً للمشاركة في البرنامج الشهير، لكنه عاد فجأة للظهور عبر “X”، وبرر اختفاءه بالضغوطات التي يتعرض لها، وظهر في فيديو ساخر يتحدث فيه عن “فوزه بجائزة معادي الساميّة للأسبوع”، في تهكم من منظمة stopantisemitism التي تطلق تهم معاداة السامية على كل من ينتقد إسرائيل، ومنهم باسم يوسف، هذا كله من دون الحديث عن “عمله” الجديد.
يختم باسم يوسف الفيديو بأن عروضه الكوميدية تباع في أنحاء الولايات المتحدة، وأنه سيصور عرضاً في لوس أنجلوس، سيبث لاحقاً على منصة ما لا نعلم ما هي، ربما “نيتفليكس” أو ربما “يوتيوب”، أو ربما على حسابه الشخصي كما يفعل الكوميديان لويس سي كاي. بصورة ما، باسم يوسف يدخل عالم إنتاج المحتوى، صناعة الـReels الكوميديّة التي أتقنها الكوميديان آندرو شولتز وتسببت بشهرته الواسعة.
يتحرك باسم يوسف إذاً بين سوقين، الأول أميركي، فيظهر كستاند آب كوميديان صاعد، والثاني سعودي- إماراتي، لكن السؤال، بوصفه ماذا؟ كوميديان؟ ناشطاً؟ شخصية علنية؟ مقدم برامج تلفزيونية ساخرة؟
نطرح هذه الأسئلة كون المال السعودي يحاول احتواء “الجميع”، شريطة عدم المساس بسياسة ولي العهد محمد بن سلمان! وقد أعلن تركي آل الشيخ أن موسم الرياض بنسخته الخامسة سيُفتتح في 12 تشرين الأول/ أكتوبر 2024، أي بعد 5 أيام من مرور عام على “7 أكتوبر”، فهل سيشارك باسم يوسف في الافتتاح؟ وهل هناك بند في عقده مع “أم بي سي” يجبره على المشاركة؟
باسم يوسف الناجي من “الهزيمة”
اختفى الطبيب/ مقدم البرامج الساخر باسم يوسف عن الساحة الإعلامية المرة الأولى، بعد فراره من مصر إلى الولايات المتحدة الأميركية عام 2014، إثر سلسلة التهم التي وجهها إليه النظام المصري، لتنقطع “أخباره” عن الساحة الإعلامية والفنية، كونه “اكتفى من الحديث عن مصر” لأنه خارجها، وبرأيه ليس بشجاعة الحديث من الخارج.
باسم يوسف، قبل عودته بقوة إلى الساحة الإعلامية بعد “7 أكتوبر”، ظهر ضمن سياقات متباينة، وكشفت اللقاءات الصحفية معه الصعوبات التي واجهها في حياته في الولايات المتحدة، خصوصاً في ما يتعلق بإيجاد عمل أو إتقان اللغة الإنكليزية، لنراه يتحرك بين المنصات وأساليب تقديم مكررة، عله يعود إلى الساحة الفنية، مستغلاً بذكاء (أو انتهازية حسب البعض) فرص العمل التي قد تُطرح أمامه.
يمثل باسم يوسف نموذج الناجي بعد هزيمة الربيع العربي، هو الثوري/ الناقد الذي وجد نفسه منفياً من دون عمل، فلا هو أميركي كلياً، والنظام المصري نفاه خارجاً، يصارع بين جمهور “عربي” وآخر “أجنبي”. وهنا المفارقة، إذ إن باسم يوسف يلعب على الفروقات في حرية التعبير حسب كل بلد، والتبرير دائماً أنه يريد أن يعمل، و”العمل” هنا قائم على مصالحات وحذر واختيار التوقيت المناسب، الاستراتيجية التي يمكن تلخص بأن تعمل من دون أن تثير غضب ربّ العمل!
باسم يوسف “أخضر ذو عضلات”
خرج علينا باسم يوسف بوصفه أنفلونسر “أخضر” يهتم بالأكل الصحي، ويمارس الرياضة، ويستعرِض لياقته البدنية عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وفي مشهد آخر، نراه يروج لـسارة العراقية، واصفاً إياها بـ”فخر العرب”، علماً أن المحتوى الذي تقدمه لا يتجاوز الطبخ وعرض معالم جسدها، فحين نطّلع على حسابها على “أونلي فانز”، نرى أنه لا يحوي سوى صور لها بالثياب الرياضية.
“باسم الأخضر” والنباتي وجد حضناً في الإمارات، حيث شارك هناك في إعلانات للبندورة المزروعة في بيوت بلاستيكية ضمن حملة “الإمارات -لا شيء مستحيل”، كما أقام عدداً من العروض الكوميدية على خشبة المسرح، حيث كان هدفه تجاوز رقابة التلفاز.
يستفيد باسم يوسف من مغامرات الإمارات “المفعمة بالأدرينالين”، ليحقق حضوراً في “السوق الجديد” الذي تمثله دول الخليج، بعد انفتاحها المُفترض، وغياب دور العواصم التقليدية للإنتاج الثقافي والفني والإعلامي في المشرق العربي، ونقصد بيروت ودمشق والقاهرة.
باسم يوسف يظهر في الخليج محايداً، أنفلونسر، لا اتفاقات أبراهام، ولا الحرب على اليمن، ولا التطبيع مع النظام السوري يعنيه، باسم يوسف “الأخضر” لا علاقة له بالسياسة الداخلية، هو يبحث عن المغامرة والعمل ومساحة لشدّ عضلاته أمام الكاميرا.
إقرأوا أيضاً: