وحسب طارق سليم من لبنان :توثّق لنا إسرائيل مشاهد مرعبة عن تدمير جمعي لبيوت القرى الجنوبية، وتترك لنا “مهمة” توثيق صور ضحايانا، وبين التوثيقين لا تهرب إسرائيل من جريمتها، فهي بلغة القانون، الجريمة التي تُرتكب عن سابق تصوّر وتصميم.
كفركلا، ميس الجبل، عيترون، رامية ، مروحين ، أم التوت، الضهيرة، وصولاً إلى عيتا الشعب ومدن كصور والنبطية، أمكنة تحاول إسرائيل، وبركامها المُعمم راهناً، تبديد ما التصق أيضاً بالذاكرة من أشلاء كل القرى الجنوبية منذ 8 تشرين الأول/ أكتوبر من العام 2023، حتى اليوم. هي إسرائيل إذاً تفضح عجز العالم، وعجز دولتنا، وعجزنا بدرس رجيم عن إبادة البشر والحجر.
مع بدء حربها البرية (المحدودة)، باشرت إسرائيل تكثيف جريمتها بمشهديات تفجير أحياء بكاملها في القرى المذكورة. نحن إذاً أمام مجرم أراد إنهاء جريمته بقتل كل مظاهر الحياة، وبادعاء مفرط لجريمة يسوغ لوقائعها بالأمن والسلامة لمستوطنيه.
وأمام عالم متبلّد تفعل إسرائيل ذلك كله. عالم بهيئاته الأممية، ومجالسه واتحاداته، يقف مجدداً عند حدود بلادة سبقنا قطاع غزة إلى تنكّب مآلاتها، وهذه قرانا ومدننا تكتب بركام بيوتها الشطر الآخر لها.
ونحن أولياء الركام، وقد جرّدتنا الاستطاعة من سبلها، نفعل ما يفعله العاجزون في بؤسهم، كأن نقف، ومن بعيد، على أطلالها تأسياً بشعراء العصر الجاهلي. ونحن فعلاً نحاول أن نبدد عجزنا بالشعر والخواطر، مع يقيننا أن بدائع اللغة لا تفعل أكثر من تكثيف المآسي.
المشهديات الأكثر رعباً والأكثر إثارة للانكسار النفسي، هي مشاهد مؤجلة بمضمون معلن. إنها مشاهد الضحايا الذين نوثّق صورهم ، فقط صورهم، بانتظار انتهاء الحرب.
تحت ركام منازلنا جثامين تختصر الجانب الأعمق للمأساة التي يُفترض بالخيال أن يواكبها منذ لحظة انتهاء الحرب، ثم الفصل بين الركام وبين أشلائهم، إلى لحظة مواراتهم في التراب واندماجهم كوجع في الذاكرة. وحسب حسام فران:
في كتاب رؤوفين إرليخ، “المتاهة اللبنانية: سياسة الحركة الصهيونية ودولة إسرائيل تجاه لبنان من 1918 إلى 1959″(صادر بالعبرية في العام 2000 وبترجمة عربية في العام 2017)، يكتب ضابط الاستخبارات الإسرائيلي استناداً إلى وثائق ومحفوظات إسرائيلية، عن خطة كانت تراود دايفد بن غوريون (أول رئيس وزراء لإسرائيل)، لـ”اقتطاع منطقة جنوب لبنان حتى نهر الأولي وضمّها إلى إسرائيل”. أكثر من ذلك، يكشف الكاتب أن الرئيس اللبناني في عهد الانتداب الفرنسي إميل إده، أعرب لإلياهو إيلات(الديبلوماسي الإسرائيلي وأول سفير لإسرائيل في الولايات المتحدة عام 1948)، عن استعداده للسماح بتوطين مئة ألف يهودي بين صيدا وصور، أي جنوب نهر الأولي، وكانت هناك مساعٍ لإلحاق هذه المنطقة بالدولة اليهودية المنوي إقامتها، بعد العمل على إفراغها من سكانها الشيعة ونقلهم إلى العراق.
لكن بن غوريون عاد مع اسحق بن تسفي إلى ترسيم حدود بلادهما المنشودة على نحو “عقلاني ومتّزن” كما يقول المؤرخ الإسرائيلي شلومو ساند في كتابه “اختراع أرض إسرائيل”. فحدود الوعد التوراتي، بحسب الرجلين، كانت واسعة جداً، وغير قابلة للتحقق بشكل واقعي. أما حدود الوصايا التلمودية فكانت في المقابل ضيقة جداً ولا تتناسب مع خصائص البلاد الطبيعية ولا تلبّي احتياجات أمة كبيرة.
لهذا استقرّ بن غوريون وبن تسفي، بحسب ساند، على اعتماد حدود، يكون البحر المتوسط فيها من الغرب، ومن الشمال نهر الليطاني بين صور وصيدا(هنا تراجع بن غوريون عن خطته لضم جنوب لبنان حتى الأولي)، في الجنوب خط العرض المتصل بخط مائل من رفح حتى خليج العقبة، وفي الشرق الصحراء السورية.
طبعاً لم تتحقق أحلام بن غوريون بالدولة التي رسّم حدودها بالتمنّيات، لكن بعض هذه الأحلام لا تزال تراود متطرفين إسرائيليين، يرون في التوسع والاستيطان سبيلاً لتحقيق الحلم القديم، وتعزيز أمن إسرائيل. ولهذا فإن حضور نهر الأولي، بعد نهر الليطاني، في اللغة الإسرائيلية العسكرية الحالية، يجب أن يرنّ في الرؤوس جرس إنذار إلى احتمالات استيقاظ مخططات قديمة يحلم اليمين المتطرف بتطبيقها طالما أن الفرصة مؤاتية وآلة الدمار الإسرائيلية تعمل، بلا رادع، على نسف مدن بكاملها وتهجير مئات الآلاف، فيما تسجّل عائلات إسرائيلية أسماءها في قوائم الاستيطان في غزة التي تطلقها حركات صهيونية متطرفة في إسرائيل!
إسرائيل تقصف أهدافا لـ«حزب الله» في بيروت والجنوب..وتجدد الغارات على بعلبك ، وميقاتي يعتبر استمرار الهجمات الإسرائيلية “رفضاً” لمساعي وقف إطلاق النار
كمااستهدفت غارة جديدة الجمعة مدينة بعلبك شرقي لبنان، “دون إنذار إسرائيلي مسبق” للمنطقة التي تتعرض لغارات عنيفة خلال الأيام الأخيرة بحسب وكالة الأنباء اللبنانية.
وقالت الوكالة إن “الطيران المعادي شن غارة على حي الزهراء في مدينة بعلبك”.
يأتي ذلك بعد أن نفذت إسرائيل أكثر من عشر ضربات جوية على الأقل فجر وصباح الجمعة، استهدفت الضاحية الجنوبية لبيروت، لأول مرة منذ ما يقرب من أسبوع، وفق ما أعلنت وكالة رويترز.