هل كان في الحُسبان بعد اعتقال “أكرم إمام أوغلو” انهيار الليرة والشك بنزاهة القضاء؟.. كيف ردّ الحزب الحاكم وهل يملك الحجة أم يصطدم أو يتراجع
عمان- “رأي اليوم”- خالد الجيوسي:
حاول الحزب الحاكم في تركيا، نفي أي علاقة مباشرة في التوقيت، بين اعتقال رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، وبين إعلان ترشّحه للانتخابات الرئاسة التركية حيث كان يتحضّر إمام أوغلو لإعلان المُنافسة ضد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ولكن بالنظر للتوقيت، يبدو أن أردوغان لا يُريد مُنافس قادر على الإطاحة به من منصب الرئيس، حيث استطاع إمام أوغلو فعليًّا الإطاحة بانتخابات البلدية بالمرشحين عن حزب العدالة والتنمية الحاكم في إسطنبول، وهي معقل الحزب الحاكم.
وحذّر وزير العدل يلماز تونج من افتراض صلة بين إردوغان واحتجاز إمام أوغلو أو أي إجراءات قانونية أخرى.
أكرم إمام أوغلو، يتبع للحزب الجمهوري المُعارض، وينظر له الجمهور المُعارض للحكم الحالي، كونه الرئيس القادم والحتمي لتركيا، ولكن اعتقاله سيمنعه من الترشّح للانتخابات، على خلفية اتهامات تتعلّق بالفساد، بل ومُساعدة جماعة إرهابية، والاشتباه “في قيادة منظمة إجرامية”.
عصا الفساد والإرهاب، تبدو هي أوراق أردوغان للإطاحة بمُنافسيه بالحكم، حيث جرى اعتقال أكرم إمام أوغلو، ضمن حملة يشنها الحزب الحاكم شملت العديد من الشخصيات المُعارضة البارزة في جميع أنحاء تركيا بالأشهر الأخيرة.
وقال إمام أوغلو، في مقطع فيديو سجّله بينما كانت الشرطة تداهم منزله: “لا يمكن إسكات إرادة الشعب”، متعهداً بالوقوف بحزم من أجل الشعب التركي، وكل من يتمسك بالديمقراطية والعدالة في جميع أنحاء العالم.
لافتا أن السلطات التركية أرادت خلق استعراض إعلامي يتماشى مع حجم الاتهامات الموجهة لأكرم إمام أوغلو، حيث شارك العشرات من ضباط الشرطة في مداهمة منزل إمام أوغلو في إسطنبول، وكأنه أحد الفارين من العدالة، وعلى رأس قائمة الإرهابيين في البلاد.
ومن المقرر أن يختار حزب الشعب الجمهوري المُعارض مرشحه للرئاسة، يوم الأحد، ويعد إمام أوغلو الشخص الوحيد، الذي سيخوض الانتخابات الرئاسية.
الاستهداف المُباشر لأكرم إمام أوغلو، بدأ قبل اعتقاله بيوم، حيث فجأةً باتت شهادته الجامعية مزورة، حيث يمنع الدستور التركي الترشح لرئاسة البلاد، من لم يُكملوا تعليمهم العالي.
اعتُقل نحو 100 شخص آخرين على صلة بأكرم إمام أوغلو، بمن فيهم رئيسا بلديتي إسطنبول المنتخبان، رسول عمرة شاهان ومراد جاليك، وهذه الاعتقالات تضع الحزب الجمهوري في مأزق تحديد مرشح منافس لأردوغان، وفي هذا التوقيت الحسّاس والضيّق.
كل ذلك يطرح تساؤلات، حول شرعية وقانونية الخطوة، المعارضة التركية اعتبرتها خطوة عدائية ووصفتها بـ”دوافع سياسية”.
وفيما يننقد الرئيس التركي الأنظمة الديكتاتورية، واستئثارها بالحكم، آخرهم نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد الذي ساهم بإسقاطه عبر أدواته “هيئة تحرير الشام”، يتحوّل نظام أردوغان إلى نظام يقوم على حكم الرجل الواحد، وظهر ذلك في اتهام منظمة هيومن رايتس ووتش لأردوغان بعد إقالته العديد من رؤساء البلديات المنتخبين من المُعارضة واستبدالهم بآخرين معينين من قبل الحكومة.
لا يُريد الرئيس أردوغان، تكرار التجربة التي أوصلته إلى حكم تركيا، حين فاز الأخير برئاسة بلدية إسطنبول، وهو ما فعله أكرم إمام أوغلو، حين تمكّن من السيطرة على إسطنبول حيث شهدت فوز إمام أوغلو مجددًا بنسبة 51.14 من الأصوات، متغلبا على مرشح حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه أردوغان وكان قد انتُخب رئيسا لبلدية إسطنبول في 2019.
سيكون القضاء التركي أمام اختبار دقيق في طريقة تعامله مع الاتهامات الموجهة لأكرم إمام أوغلو، حيث علامة استفهام كبيرة باتت الآن موضوعة على نزاهة هذا القضاء، ومدى استقلاله، ومدى ارتباطه بأردوغان، وفي السياق دافع حليف أردوغان الزعيم القومي دولت بهتشلي عن ذلك بالقول إن القضاء التركي “مستقل ونزيه”.
ويبدو أن اعتقال إمام أوغلو، قد أغضب الشارع التركي، حيث خرجت مظاهرات حاشدة رافضة لاعتقاله، ومُطالبة بإسقاط أردوغان، وفي بعضها حصل تصادم مع الشرطة، وترافق ذلك مع تقييد الوصول إلى وسائل التواصل الاجتماعي، رئيس حزب الديمقراطية والتقدم، علي باباجان، إن “ما تعيشه تركيا اليوم لا يختلف عما شهدناه سابقًا من محاولات انقلابية، سواء كانت ظاهرة في السياسة أو نفذتها جهات وصاية مختلفة، حتى وإن لم تكن بيد الجيش”، كما احتج زعيم حزب الرفاه من جديد، فاتح أربكان على اعتقال إمام أوغلو بقوله “ليس من العدل، ولا من الصواب، أن تفرضوا على الآخرين الظلم الذي تعرضتم له في الماضي، وبصورة أشد، هذا النهج الذي يسحق السياسة والعدالة معاً، هو خلاصة تصفية دولة القانون والانتقال إلى دولة القضاة والمدعين العامين”.
ومع تصدّر عبارة “انقلاب على الرئيس المُقبل”، حاول وزير العدل التركي يلماز تونش التخفيف من الاحتقان، قائلًا: بأن التحقيقات التي تجريها النيابة العامة في إسطنبول، “تأتي في إطار القانون، ومن الخطير وغير الصحيح محاولة تحريف التحقيقات التي تقوم بها السلطة القضائية المستقلة باستخدام تعبيرات مثل الانقلاب… يجب احترام القرارات التي يصدرها القضاء المستقل”.
ردّت من جهتها دائرة الاتصالات في رئاسة الجمهورية التركية على الاتهامات والتحريض ضد أردوغان قائلة، إن الرئاسة ستُواصل الدفاع عن الرئيس أردوغان ضد ما وصفته بأنها “حملة تشهير غير عقلانية”.
ومن غير المعلوم، إذا كانت حسابات الحزب الحاكم قد انحصرت في التركيز على تقييد أو منع قدرة إمام أوغلو على مُنافسة أردوغان، دون تقييم للتداعيات، فإضافةً إلى غضب الشارع التركي جرّاء اعتقال أوغلو الذي تمثّل بمظاهرات، هبط سعر صرف العملة التركية، صباح الأربعاء، إلى أدنى مستوى على الإطلاق، مسجلاً 41.3 ليرة مقابل الدولار الأميركي، وذلك عقب اعتقال السلطات لرئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، كما ارتفعت تكلفة اقتراض الليرة التركية في السوق الخارجية إلى أعلى مُستوى مُنذ عامين.
هذه أزمة، بدأت بتداعيات اقتصادية، وقد يكون لها عواقب سياسية، فيما إذا نجح أكرم إمام أوغلو بتحريك الشارع التركي وحشده خلفه بما يملك من شعبية، واستمرار هذا الحشد على إيذاء الاقتصاد التركي المعروف عنه التأثّر بالأحداث الداخلية، إلى جانب التضخّم، بما يُجبر الحزب الحاكم على الانحناء أمام العاصفة، والتراجع عن اعتقال أوغلو، أو الاصطدام بالشارع، أو إقناعه بـ”فساد وإرهاب” أكرم إمام أوغلو، حيث تُشير استطلاعات الرأي على قدرته الإطاحة بأردوغان في الانتخابات الرئاسية القادمة.
7 تهم قد تطيح بأكرم إمام أوغلو.. ما تفاصيل اعتقال رئيس بلدية إسطنبول الكبرى في تركيا

أعلنت النيابة العامة في إسطنبول عن إصدار أوامر اعتقال بحق أكثر من 100 شخص، بينهم رئيس بلدية إسطنبول الكبرى أكرم إمام أوغلو، بتهم ارتكاب جرائم مختلفة.
حيث أوقفت الشرطة التركية أكرم إمام أوغلو، بتهم الفساد والإرهاب، من خلال القضية المشار إليها باسم “الاتفاق الحضري”، الذي جرى بين حزبي الشعب الجمهوري و”المساواة وديمقراطية الشعوب” خلال الانتخابات المحلية لعام 2024، و”مشاهد عد الأموال في مقر الحزب”، التي تتعلق بالمناقصات التي أُجريت داخل شركة “Medya A.Ş”.
وبحسب بيان صادر عن مكتب المدعي العام في إسطنبول، فقد تم اعتقال أكرم إمام أوغلو في إطار تحقيقين منفصلين أجرتهما مكاتب التحقيقات في “جرائم الإرهاب” و”الجرائم المنظمة”. ويواجه المشتبه بهم، ومن بينهم إمام أوغلو، اتهامات بـ”التنظيم الإجرامي، والابتزاز، والرشوة، والاحتيال، والتلاعب بالعطاءات”.
وفي البيان الصادر عن مكتب المدعي العام في إسطنبول، وُصف إمام أوغلو بأنه “مشتبه بتزعمه منظمة إجرامية”.
ومن بين المعتقلين أيضاً المستشار الإعلامي لإمام أوغلو، مراد أونغون، وعدد من المسؤولين من فريقه الإعلامي، ونائب مدير عام بلدية إسطنبول الكبرى، ماهر بولات، ورؤساء بلديات “شيشلي” و”بيلكدوزو”.

وإلى جانب ذلك، فقد تم اعتقال الصحفي المعارض المعروف إسماعيل صايماز، في إطار التحقيقات بقضية “احتجاجات جيزي بارك” عام 2013.
وسبق ذلك إعلان جامعة إسطنبول، أمس الثلاثاء، إبطال الشهادة الجامعية لرئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، بسبب حصوله عليها بطرق “ملتوية وغير قانونية”.
ما التهم الموجهة إلى أكرم إمام أوغلو والمعتقلين الآخرين؟
بحسب صحيفة “صباح” التركية، فإن أكرم إمام أوغلو والمعتقلين الآخرين يواجهون سبع تهم، وهي:
- قيادة منظمة إجرامية.
- عضوية منظمة إجرامية.
- الاحتيال الشديد.
- الرشوة.
- الاستحواذ غير المشروع على البيانات الشخصية.
- تزوير مناقصات.
- المحسوبية واستغلال الوظيفة العامة.
تفاصيل التحقيقات المتعلقة بالفساد
ويندرج تحت بند التحقيقات في القضايا المتعلقة بالفساد تهم القيام بمناقصات غير نظامية في فروع البلدية، والتلاعب بالعطاءات، وعمليات الاحتيال، والاستحواذ غير القانوني على البيانات الشخصية، وأنشطة الرشوة المنظمة.
وبدأ التحقيق في أعقاب الحادثة المعروفة باسم “فيديوهات عد النقود في حزب الشعب الجمهوري”، حيث تم تداول مقطع فيديو لشخص غير معروف يقوم بإخراج الأوراق النقدية من حقيبة سوداء، ويضعها على الطاولة، على منصات التواصل الاجتماعي قبل نحو عام.
وتشير التحقيقات إلى أن إمام أوغلو عيَّن أشخاصاً مقربين منه في مناصب مهمة في بلدية إسطنبول الكبرى، منذ توليه منصب رئيس بلدية “بيلكدوزو”، وشكَّل منظمة إجرامية لتحقيق الأرباح من خلال هذا التشكيل.
ووفقاً للتحقيقات، فإن 14 عقاراً في منطقة “أياغزا” في “ساريير”، تم بيعها من مسؤول شركة في 11 ديسمبر/كانون الأول 2019 لحزب الشعب الجمهوري، وأن الأموال تعود لذل
وينظم قانون الأحزاب السياسية في تركيا امتلاك الأحزاب للعقارات وكيفية توفير الدخل لها، وتتم الرقابة المالية على الأحزاب السياسية من قبل المحكمة الدستورية.
وتشير لائحة الاتهام الصادرة عن النيابة العامة إلى أن إمام أوغلو تزعم “منظمة إجرامية ربحية”، ومن بين المعتقلين في هذه القضية: مراد أونغون، ومدير حملة إمام أوغلو، نجاتي أوزكان، والمغني التركي، إركان ساتجي، ومدير عام شركة إمام أوغلو للإنشاءات، تومجاي يلماز، والمدير العام لبلدية إسطنبول الكبرى، جان أكين شاغلار، ومدير عام الثقافة في بلدية إسطنبول، مراد عباس.
وتذكر اللائحة أن الشبكة التي شكلها إمام أوغلو عقدت مناقصات غير قانونية، وارتكبت عمليات احتيال ورشاوى وغسيل أموال، واستخدمت البيانات الشخصية بشكل غير قانوني، واستغلت موارد البلدية في استثمارات شخصية.
كما تضيف اللائحة أن رجال الأعمال الذين لم يدفعوا رشاوى لهم تعرضوا للتهديد.
القضايا المتعلقة بـ”الإرهاب”
أما التحقيق الثاني الذي تجريه النيابة العامة، فهو يتعلق بما يسمى “الاتفاق الحضري”، في الانتخابات المحلية التي أُجريت في 31 مارس/آذار 2024.
و”الاتفاق الحضري” جرى بين حزبي “الشعب الجمهوري” و”المساواة وديمقراطية الشعوب”، وبموجبه يمتنع الحزب الكردي عن الدفع بمرشحين في بعض الدوائر الانتخابية بالمناطق الغربية لصالح مرشحي حزب الشعب الجمهوري.
لكن النيابة العامة تشير في تحقيقاتها إلى أن الهدف من ذلك هو دعم وزيادة نفوذ حزب العمال الكردستاني في المناطق الحضرية، وقد أشرف على هذه العملية القياديان البارزان في منظمة العمال الكردستاني، جميل بايك ومصطفى كاراسو.

وتذكر النيابة العامة أن بعض أعضاء المجالس البلدية ونواب رؤساء البلديات الذين تم اختيارهم من حزب الشعب الجمهوري، تبيَّن أن لهم صلات بالإرهاب.
وأشارت تحقيقات النيابة العامة إلى أن تلك الشخصيات، وقبل أيام من الانتخابات التي أُجريت في 13 مارس/آذار 2024، قاموا بالانتساب إلى حزب الشعب الجمهوري، رغم صلاتهم بالإرهاب، حيث تم اعتقال 18 شخصاً منهم.
وأكد البيان أن إمام أوغلو، إلى جانب مشتبه بهم آخرين، وافقوا شخصياً على قوائم أعضاء المجلس البلدي في الانتخابات المحلية، وبالتالي تم اتهامهم بارتكاب جريمة مساعدة “منظمة العمال الكردستاني الإرهابية”.
وعلى خلفية هذه القضية، اعتقلت الشرطة التركية، إلى جانب إمام أوغلو، رئيس بلدية شيشلي بإسطنبول، رسول أكرم شاهان، ونائبته، ونائب مدير عام بلدية إسطنبول الكبرى، ماهر بولات.
ما هي الإجراءات التي اتخذتها السلطات بعد اعتقال إمام أوغلو؟
وفي أعقاب اعتقال إمام أوغلو، أعلنت ولاية إسطنبول حظر كافة التجمعات والاحتجاجات أو الإدلاء بمؤتمرات صحفية في المدينة لمدة أربعة أيام.
كما تم إلغاء بعض خطوط المترو، وإغلاق العديد من الطرق أمام حركة المرور، وخاصة تلك القريبة من مقر بلدية إسطنبول الكبرى.

في سياق متصل، قالت منظمة مراقبة الإنترنت “نت بلوكس” إن تركيا قيدت الوصول إلى العديد من منصات التواصل الاجتماعي، ومنها إكس ويوتيوب وإنستغرام وتيك توك.
هل سيتم تعيين “وصي” على بلدية إسطنبول الكبرى؟
وفي أعقاب توقيف إمام أوغلو، برزت مسألة فرض الوصاية على بلدية إسطنبول، وبما أن العملية تقع ضمن نطاق تحقيق في “قضية إرهابية”، فإنه من المرجح أن يتم تعيين وصي على البلدية، بحسب صحيفة “يني شفق“.
وفي حال أصدرت المحكمة مذكرة اعتقال بحق إمام أوغلو، فإن عزله من منصبه وتعيين أوصياء مكانه قد يكون على جدول الأعمال، وفقاً للمادة 127 من الدستور التركي، والمادتين 45 و46 من قانون البلديات.
وبموجب القانون التركي، يتم فرض الوصاية لأسباب أمنية أو بناءً على ادعاءات بوجود مخالفات مالية، وتقع هذه المسؤولية على وزارة الداخلية.
ووفقاً للمادة 45 من قانون البلديات، في حال عزل رئيس البلدية أو نائبه أو عضو بلدي من منصبه، أو اعتقاله، أو منعه من القيام بالخدمة العامة، أو إنهاء عضويته في رئاسة البلدية أو المجلس بسبب جرائم تتعلق بالإرهاب، فإنه يحق لوزير الداخلية تعيين بديل عنه، ولا يشترط في الشخص المعين سوى الأهلية للانتخاب.
كما أنه وفقاً للمادة 47 من قانون البلديات، يجوز لوزير الداخلية إيقاف الهيئات البلدية أو أعضاء هذه الهيئات الذين يتم التحقيق معهم أو مقاضاتهم بسبب جريمة تتعلق بواجباتهم، عن العمل حتى صدور قرار نهائي.