أعلنت لجنة تحكيم الجائزة العالمية للرواية العربية، يوم أمس، عن فوز رواية «الديوان الإسبرطي»، للكاتب الجزائري عبد الوهاب عيساوي، بالدورة الثالثة عشرة من الجائزة العالمية للرواية العربية 2020. وذلك بعد منافسة واسعة، حيث اختيرت الرواية من قبل لجنة التحكيم بصفتها أفضل عمل روائي نُشر بين يوليو (تموز) 2018 ويونيو (حزيران) 2019. وجرى اختيارها من بين 6 روايات في القائمة القصيرة لكتّاب من الجزائر وسوريا والعراق ولبنان ومصر، وهم: سعيد خطيبي، وخليل الرز، وجبور الدويهي، وعالية ممدوح، ويوسف زيدان. وحصل الكاتب الجزائري المتوج على جائزة نقدية تبلغ قيمتها 50 ألف دولار، بالإضافة إلى ترجمة روايته إلى اللغة الإنجليزية.
وقال محسن الموسوي، رئيس لجنة التحكيم: «تتميز رواية الديوان الإسبرطي بجودة أسلوبية عالية، وتعددية صوتية تتيح للقارئ أن يتمعن في تاريخ احتلال الجزائر روائياً، ومن خلاله تاريخ صراعات منطقة المتوسط كاملة، كل ذلك برؤى متقاطعة ومصالح متباينة تجسدها الشخصيات الروائية. إن الرواية دعوة للقارئ إلى فهم ملابسات الاحتلال، وكيف تتشكل المقاومة بأشكال مختلفة متنامية لمواجهته. هذه الرواية بنظامها السردي التاريخي العميق لا تسكن الماضي، بل تجعل القارئ يطل على الراهن القائم ويسائله».
ومن جهته، قال ياسر سليمان، رئيس مجلس أمناء الجائزة العالمية للرواية العربية: «تسحرك رواية (الديوان الإسبرطي) باستنهاضها للتاريخ بأبعاده السياسية والاجتماعية، لخدمة العمل الروائي الذي يتجاوز هذا التاريخ برمزيته، وبتداخل رؤى القص وأصواتها من وجهات نظر متقاطعة تدعو إلى التأمل والتفكر والمراجعة، وتتابع شخوصها الخمسة بمساراتها المتضاربة، وتسير في شوارع الجزائر المحروسة ومرسيليا وباريس وكأنك تعاينها بنفسك في زمن مضى ولم تنقطع مآلاته».
وأضاف: «تحتك بالتركي والأوروبي والعربي وغيرهم من الأقوام متعاطفاً وساخطاً في آن واحد. كل ذلك في انسياب روائي أخاذ، لا يدعك تترك الرواية حتى تصل إلى نهايتها بشغف يطلب المزيد. لقد أبدع عبد الوهاب عيساوي في هذا كله، ويكفي القارئ أنه التقى السلاوي ودوجة في ثنايا الديوان، ولهث في أثرهما في ثنايا تاريخ ينبض بالمعاني».
وترصد رواية «الديوان الإسبرطي» حيوات خمس شخصيات تتشابك في فضاء زمني ما بين عام 1815 و1833، في مدينة المحروسة، الجزائر. أولها الصحافي ديبون الذي جاء في ركاب الحملة على الجزائر مراسلاً صحافياً، وكافيار الذي كان جندياً في جيش نابليون ليجد نفسه أسيراً في الجزائر، ثم مخططاً للحملة. وثلاث شخصيات جزائرية تتباين مواقفها من الوجود العثماني في الجزائر، وتختلف في طريقة التعامل مع الفرنسيين؛ يميل ابن ميار إلى السياسة بصفتها وسيلة لبناء العلاقات مع بني عثمان، وحتى الفرنسيين، بينما لحمّة السلّاوي وجهة نظر أخرى: الثورة هي الوسيلة الوحيدة للتغيير. أما الشخصية الخامسة فهي دوجة، المعلقة بين كل هؤلاء، تنظر إلى تحولات المحروسة ولكنها لا تستطيع إلا أن تكون جزءاً منها مرغمة، لأنه من يعيش في المحروسة ليس عليه إلا أن يسير وفق شروطها، أو عليه الرحيل.
وعبد الوهاب عيساوي روائي جزائري من مواليد 1985، بالجلفة (الجزائر)، تخرج في جامعة زيّان عاشور، ولاية الجلفة، مهندس دولة إلكتروميكانيك، وهو يعمل مهندس صيانة. وفازت روايته الأولى «سينما جاكوب» بالجائزة الأولى للرواية في مسابقة رئيس البلاد عام 2012، وفي عام 2015، وحصل على جائزة آسيا جبار للرواية التي تعد أكبر جائزة للرواية في الجزائر، عن رواية «سييرا دي مويرتي»، وأبطالها من الشيوعيين الإسبان الذين خسروا الحرب الأهلية، وسيقوا إلى معتقلات في شمال أفريقيا.
وفي عام 2016، شارك في «ندوة» الجائزة العالمية للرواية العربية (ورشة إبداع للكتاب الشباب الموهوبين). وفازت روايته «الدوائر والأبواب» بجائزة سعاد الصباح للرواية 2017. وفاز بجائزة كتارا للرواية غير المنشورة 2017، عن عمله «سفر أعمال المنسيين».
وبعد ترشيحه للقائمة القصيرة، قال عبد الوهاب عيساوي: «الرواية التاريخية بشكل عام لا تعيد بناء الحكاية من أجل الحكاية ذاتها، وإنما هدفها الأساسي هو البحث عن الأسئلة الراهنة التي نعيشها اليوم داخل فضاءاتها الأولى التي ظهرت فيها أولاً».
وجرى اختيار الرواية الفائزة من قبل لجنة تحكيم مكونة من خمسة أعضاء، برئاسة محسن جاسم الموسوي، الناقد العراقي أستاذ الدراسات العربية والمقارنة في جامعة كولومبيا (نيويورك)، وبعضوية كل من: بيار أبي صعب، الناقد الصحافي اللبناني مؤسس صحيفة «الأخبار» اللبنانية، وفيكتوريا زاريتوفسكايا، الأكاديمية الباحثة الروسية.
وتعد الجائزة العالمية للرواية العربية جائزة سنوية تختص بمجال الإبداع الروائي باللغة العربية، وترعى الجائزة «مؤسسة جائزة بوكر» في لندن، وتقوم دائرة الثقافة والسياحة أبوظبي بدعمها مالياً.
” رواية الديوان الاسبرطي للكاتب عبد الوهاب عيساوي
خمس شخصيات تتشابك في فضاء زمني ما بين 1815 إلى 1833، في مدينة المحروسة،
الجزائر. أولها الصحفي ديبون الذي جاء في ركاب الحملة على الجزائر كمراسل صحفي، وكافيار الذي كان جنديا في جيش نابليون ليجد نفسه أسيرا في الجزائر، ثم مخططا للحملة. ثلاث شخصيات جزائرية تتباين مواقفها من الوجود العثماني في الجزائر، وكما تختلف في طريقة التعامل مع الفرنسيين، يميل ابن ميار إلى السياسة كوسيلة لبناء العلاقات مع بني عثمان، وحتى الفرنسيين، بينما لحمّة السلّاوي وجهة نظر أخرى، الثورة هي الوسيلة الوحيدة للتغيير. أما الشخصية الخامسة فهي دوجة، المعلقة بين كل هؤلاء، تنظر إلى تحولات المحروسة ولكنها لا تستطيع إلا أن تكون جزءا منها، مرغمة لأنه من يعيش في المحروسة ليس عليه إلا أن يسير وفق شروطها أو عليه الرحيل.
كتب
مرة أخرى يُطل علينا التاريخ من بين صفحات الرواية، ويبدو أساسًا يعتمد عليه الروائي لصياغة روايته وبناء عالمه، ويسعى من خلاله إلى إلقاء الضوء على عدد من المواقف والأحداث المهمة التي ربما يكون قد طواها النسيان، ولا شك أن لها أثراً بالغاً في أيامنا هذه.
خمسة أبطال
من الجزائر، وقبيل الاستعمار الفرنسي، تحديدًا من عام 1815 وحتى 1833 ينطلق الروائي عبد الوهاب عيساوي ليقدم لنا روايته الجديدة «الديوان الإسبرطي» التي وصلت للقائمة القصيرة في جائزة بوكر العربية هذا العام، ومن خلال تقسيم روايته بين خمسة أبطال مختلفين، يعرض تلك اللحظات الفارقة التي مهدت لدخول الفرنسيين لاحتلال الجزائر، وما سبق ذلك من أثر العثمانيين عليهم وما كانوا يفعلونه هناك.
مرة أخرى يأتي الحديث في رواية من روايات مرشحة لجائزة البوكر عن «العثمانيين» ودورهم وما فعلوه في الدول العربية، فقد سبق أن قدّم طرفًا من هذه الصورة الروائي السعودي مقبول العلوي في روايته «سفر برلك» التي وصلت للقائمة الطويلة، ولكنها لم تصمد كثيرًا، وفيها إطلالة سريعة لما تعرّض له سكان الجزيرة العربية من قهرٍ وإذلال في أيام حكم العثمانيين.
ولكن الأمر يختلف هنا، فلم يقتصر على عرض تصوير ما عاناه الشعب الجزائري من الاحتلال العثماني، ولكن انتقل إلى تصوير أثر دخول الفرنسيين أيضًا، وكيف كان التعامل معهم والمقارنة بينهم وبين المحتل السابق، ولا يورّط الكاتب نفسه في عرض وجهات النظر المختلفة والمتعارضة، ولكن يوكل هذه المهمة بكل اقتدار وبراعة لشخصيات روايته، التي اعتمد فيها على تقنية تعدد الأصوات»، وإن كان يبقى دوره الكبير والأهم في اختيار هذه الشخصيات التي أراد لها تمثيل كل طبقة أو فئة من فئات المجتمع، فيهم اثنان فرنسيان هما: الصحفي والمراسل الفرنسي «ديبون» و«كافيار» أحد جنود حملة نابليون، والجزائريون الذين يمثلهم كاتب الديوان «ابن ميار » الذي يراوح مكانه بين الفرنسيين والعثمانيين، وبين المواطنين البسطاء الذين يمثلهم «حمة السلاوي» الذي يشترك في المقاومة ضد المستعمر، و«دوجة» الفتاة الجزائرية ضحية الفقر والتشرد.
بين الرضوخ للمحتل ومقاومة المستعمر
استطاع عبد الوهاب عيساوي أن ينقل الصورة كاملةً، ولم ينتقل في أحداث الرواية أبعد من تلك الأيام التي رصدها، قبيل الاستعمار الفرنسي. وفي الوقت نفسه كان التركيز على شخصيات غير تاريخية وغير معروفة، أكسبها هو من خلال وصفه والتعريف بهم صفاتهم وطريقة كلامهم، وجعلهم يعبرون عن منطقهم الخاص وحياتهم، وطريقة تعاملهم وأفكارهم تجاه المحتل العثماني والمستعمر الفرنسي بعد ذلك، وترك للقارئ في النهاية تشكيل الصورة النهائية.
التاريخ على حساب الرواية
ربما يؤخذ على الرواية في النهاية توغلها في السرد التاريخي، بطريقةٍ أفقدت الرواية حيويتها، فعلى الرغم من بناء الشخصيات المحكم فإن حكاية كل شخصية للأحداث التاريخية التي تدور حولهم استغرق الكثير من الرواية، وعمل على إبطاء السرد بشكلٍ كبير، بالإضافة إلى استخدام الكاتب لعدد من المصطلحات العسكرية المستخدمة في أيام العثمانيين والتي قد تكون مجهولة لشريحة كبيرةٍ من القراء مثل «الكراغلة» و«اليولداش» و«الجولق» وغيرها من ألفاظ يصعب فهمها دون أن يتم توضيح معانيهم في هامشِ مستقل، وهو ما نرى أنه كان ضروريًا حتى لا يقطع على القارئ تركيزه في أحداث الرواية وتفاصيلها، لا سيما أن تلك المسميات يأتي ذكرها أكثر من مرة.
في النهاية استطاع عيساوي أن يقدّم رواية تاريخية محكمة البناء، لا تعتمد على عرض سيرة ذاتية لأحد أبطال المقاومة الجزائرية مثلاً – كما جرى العرف بين كتاب الروايات التاريخية- ولا استعراض عدد من المعارك الشهيرة، وإنما توغّل في المجتمع الفرنسي والجزائري والتركي، ليرسم لنا صورة بانورامية لتلك المرحلة التاريخية المهمة في تاريخ بلاده الجزائر المحروسة.
عبد الوهاب عيساوي روائي جزائري شاب من مواليد 1985، حصل على جائزة الشارقة في الإبداع عن مجموعته القصصية «حقول الصفصاف» عام 2013، كما حصل على جائزة آسيا جبار في الرواية عن روايته «سييرا دي مويرتي» 2015 وهي رواية تاريخية أيضًا يعرض فيها طرفًا من محنة الإسبان الجمهوريين بعد هزيمة فرانكو وما تعرضوا له في جبل الموت. كما حصل على جائزة سعاد الصباح عن روايته «الدوائر والأبواب» عام 2017.
روايته «الديوان الإسبرطي» وصلت للقائمة القصيرة في جائزة بوكر العربية لهذا العام 2020. وهي الرواية الجزائرية الثانية في القائمة لأول مرة