بعد انتهاء إغلاق المدينة/ مقاطعة هوبي بوسط الصين ، 12 أبريل 2020/ رويترز
المواطنون في مدينة ووهان يخرجون من المنزل بعد الحجر الصحي الطويل للاستمتاع بنهاية الأسبوع
من بين جميع الألغاز التي تكتنف فيروس كورونا المستجد، يثير أصل نشأة الفيروس جدالاً محموماً. وفي بداية انتشار الفيروس، طُرِحَت نظريات مؤامرة بأنه مِن صنع الإنسان؛ لكن تركزت التساؤلات مؤخراً حول ما إذا كان فيروساً طبيعياً وانتشر من خلال الأبحاث.
لذا إليكم وجهة نظر متشكِّكة كما نشرتها صحيفة The Washington Post الأمريكية، عن 3 نظريات تتحور سريعاً حول نشأة فيروس كورونا: الأولى زائفة زيفاً واضحاً، والثانية ممكنة لكن لا تدعمها أدلة، والأخيرة أقرب للحقيقة.
1- ظهور الفيروس مرتبط بأبحاث عن الأسلحة البيولوجية
في الوقت الذي أعلنت فيه الصين فرض حالة إغلاق كاملة على مقاطعة هوبي في يناير/كانون الثاني، استشهدت الصحيفة الأمريكية المحافظة The Washington Times ببحث أجراه ضابط الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السابق داني شوهام، لتحتج بأنَّ “فيروس كورونا المستجد ربما يكون قد نشأ في مختبر مرتبط ببرنامج الحرب البيولوجية في الصين” بمدينة ووهان عاصمة هوبي.
وأشار المقال إلى أنَّ مختبر ووهان الوطني للسلامة البيولوجية ومعهد ووهان للفيروسات كانا يعملان على أسلحة حرب بيولوجية. وصحيح أنَّ كلتا المؤسستين حقيقية -وكانتا بالكاد سريتين- لكن لا يوجد دليل على ذلك. وعندما تواصلت صحيفة The Washington Post مع شوهام من أجل مقال 29 يناير/كانون الثاني، رفض الإدلاء بمزيد من التعليقات.
واستند الخبراء الذين يقولون إنَّ الفيروس مِن صنع الإنسان إلى الفهم الرديء للعلم. وقال ريتشارد إبرايت، أستاذ علم الأحياء الكيميائية في جامعة روتجرز، لصحيفة The Washington Post: “بناءً على جينوم الفيروس وخصائصه، لا يوجد أي مؤشر، على الإطلاق، على أنه فيروس مُصنَّع”.
ثم في شهر مارس/آذار، أخبر روبرت غاري، عالم الفيروسات في جامعة تولين بولاية نيو أورلينز، مجلة Science News، بأنَّ الفيروس يختلف جوهرياً عن أي شيء قد يكون مُصمَّماً. وقال إنَّ الفيروس “لديه عديد من السمات المتميزة، بعضها غير بديهي”.
على الرغم من ذلك، أظهر استطلاع أجراه مركز بيو الأسبوع الماضي، أن ما يقرب من 3 من أصل 10 أمريكيين يعتقدون أنَّ الفيروس قد يكون مُصنَّعاً في مختبر. وتضاعف احتمال تصديق الجمهوريين هذه النظرية مقارنة بالديمقراطيين.
2- فيروس كورونا المستجد تسرَّب من مختبر بطريق الخطأ
مع انحسار الضوء عن نظرية الأسلحة البيولوجية في فبراير/شباط، برزت محلها بدائل أكثر منطقية: أن يكون الفيروس من مصدر طبيعي، وتسرَّب عن طريق الخطأ من أحد مختبرات ووهان.
وجذبت هذه الفكرة دعماً سياسياً بارزاً. إذ قال السيناتور الجمهوري توم كوتون، لشبكة Fox News، في منتصف شهر فبراير/شباط، قبل استبعاد المقترح الأوَّليّ بأنَّ الفيروس انتشر في سوق ووهان: “نحن نعلم أيضاً أنه على بُعد أميال قليلة من سوق المأكولات هذا، يقع المختبر الوحيد في الصين للسلامة البيولوجية الفائقة من المستوى 4 والذي يبحث في الأمراض المُعدية البشرية”.
لا يستبعد بعض العلماء هذا المقترح تماماً. وفي يناير/كانون الثاني، لم يرغب ريتشارد إبرايت في التحدث رسمياً عن فكرة التسرب، لأنها كانت مجرد افتراض. لكنه غيَّر رأيه هذا الأسبوع، وأعرب عن اعتقاده، في تصريح لصحيفة The Washington Post، أنَّ هذه الفرضية قد تكون “محتملة على الأقل” بقدر نشوئه نتيجة حادثة خارج المختبر، وهو موقف يختلف معه العلماء الآخرون.
وهناك أدلة ظرفية تؤيد هذه الفرضية. إذ أجرى الباحثون بفرع ووهان من المركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها، أبحاثاً على الفيروسات التاجية في الخفافيش، التي اعتبرها البعض مخاطرة. وأفاد جوش روغين، من صحيفة The Washington Post، هذا الأسبوع، بأنَّ وزارة الخارجية الأمريكية أعربت في برقيتين دبلوماسيتين على الأقل، عن قلقها بشأن معايير السلامة في معامل ووهان.
لكن هذا لا يثبت أنَّ فيروس كورونا المستجد كان يخضع للأبحاث في مختبرات ووهان ولا أنه تسرب منها. وكتب أندرو رامبوت، عالم الأحياء الدقيقة بجامعة إدنبره، في رسالة بريد إلكتروني: “لا يوجد دليل على أنه تسرب من مختبر. فهذا الفيروس يشبه الفيروسات التي نتوقع رؤيتها في مجموعات الخفافيش البرية، وقد انتقلت فيروسات مماثلة من الحيوانات غير البشرية إلى الحيوانات في الماضي؛ لذلك لا أرى أي سبب لاستمرار التكهنات حول هذا الأمر أكثر من ذلك”.
3- الحكومة الصينية ضلَّلت العالم بشأن فيروس كورونا المستجد
في ظل غياب دليل مباشر على انتشار الفيروس نتيجة تسرب من مختبر، لاحظ السيناتور كوتون وآخرون أنَّ الصين منعت نشر المعلومات عن الأيام الأولى من تفشي المرض. وهذا صحيح؛ إذ أفادت صحيفة The Washington Post بتعتيم الصين على المعلومات عن تفشي المرض، في 1 فبراير/شباط.
وتباطأت بكين في مشاركة البيانات مع الآخرين، وضمن ذلك الخبراء من منظمة الصحة العالمية. وكشف تحقيق أجرته وكالة The Associated Press، يوم الأربعاء 15 أبريل/نيسان، أنَّ المسؤولين الصينيين حجبوا المعلومات لمدة ستة أيام مهمة؛ مما سمح للفيروس بالانتشار دون قيود في فترة حاسمة.
إلى جانب ذلك، نشر صحفيون صينيون مقالات تشير إلى أنَّ المسؤولين أفصحوا عن عدد وفيات في ووهان أقل من العدد الحقيقي. وحُذِف كذلك البحث العلمي الذي أشار إلى أنَّ الصين هي مصدر تفشي المرض. وفي المقابل، طرح بعض المسؤولين الصينيين، منهم المتحدث باسم وزارة الخارجية ليجيان تشاو، نظريات لا أساس لها من الصحة تقول إنَّ الفيروس قد يكون نشأ في الولايات المتحدة.
من جانبهم، يقول الأكاديميون، الذين يدرسون الحملة الإعلامية الصينية، إنَّ الإجراءات كانت محاولة لصرف الانتباه عن فشل بكين في التعامل مع الفيروس بالمراحل الأولى لانتشاره. ويمكن اعتبار ذلك -بلا شك- عملية تضليل، على الرغم من أنَّ بكين هي تقريباً الحكومة الوحيدة التي اتُّهِمَت بحجب معلومات متعلقة بالفيروس.
من جانبها، دققت الإدارة الأمريكية في هذه النظريات. فوفقاً لما ذكرته صحيفة The New York Times نهاية هذا الأسبوع، تحرت أجهزة الاستخبارات الأمريكية عن “أي قلق داخل الحكومة الصينية، يفترض المحللون أنه سيصاحب حادث تسرُّب غير مقصود لفيروس قاتل من مختبر حكومي”، لكنها لم ترصد أي شيء من هذا القبيل.
وأكد رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، الجنرال مارك ميلي، في مؤتمر صحفي، الثلاثاء 14 أبريل/نيسان، أنَّ أجهزة الاستخبارات تبحث في منشأ الفيروس. وقال ميلي: “في هذه المرحلة، الأمر غير حاسم، على الرغم من أنَّ حجم الأدلة يشير إلى أنه طبيعي، لكننا لا نعرف على وجه اليقين”.
وفي مؤتمر صحفي، يوم الأربعاء 15 أبريل/نيسان، وجَّه جون روبرتس من شبكة Fox News، إلى ترامب سؤالاً محدداً على نحو غير معتاد، حول نظرية التسرب المختبري، لكن الرئيس ترامب رفض الإجابة.
ويمكن أن يرشدنا التعلم من الأخطاء المرتكبة في الصين إلى حقبة جديدة من الانفتاح والتعاون بين واشنطن وبكين. وفي الواقع، أظهرت مذكرات وزارة الخارجية الأمريكية أنَّ واشنطن اعتادت تمويل المختبرات في ووهان، لكن إدارة ترامب أوقفت تمويل برنامج أبحاث أمريكي عن الأوبئة والجوائح كان يتعاون مع المختبرات الصينية في عام 2019.
وفي مواجهة جائحة فيروس كورونا المستجد، من المفهوم أنَّ كثيرين يبحثون عن شخص يلقون باللوم عليه. لكن وقوع سلسلة من الأخطاء الصغيرة أقرب إلى الحقيقة من وجود مؤامرة كبيرة. قد لا يكون التعلم من ذلك مُرضياً، لكنه قد يسهم أكثر في منع حدوث ذلك مرة أخرى.
أصبح واضحاً للعيان أن الولايات المتحدة قررت تحميل الصين مسؤولية كارثة وباء كورونا، وبوجود دونالد ترامب في البيت الأبيض ليس مستغرباً أن يكون التركيز على التعويضات المادية وليس الجانب السياسي أو القانوني، فكم المبلغ الذي يمكن أن تجد بكين نفسها مطالبة بسداده للمتضررين؟ وما السيناريو الأمريكي المتوقع لإجبارها على ذلك؟
التركيز على نشأة الفيروس
مساء أمس الأربعاء 15 أبريل/ نيسان قال ترامب إن إدارته تحاول تحديد ما إذا كان فيروس كورونا قد خرج من معمل في مدينة ووهان الصينية، مردداً ما جاء في تقرير لشبكة فوكس الإخبارية -الشبكة الأكثر دعماً للرئيس والوحيدة التي يستثنيها من هجومه على وسائل الإعلام- بشأن نشأة الفيروس القاتل في المعمل الصيني، ليس كسلاح بيولوجي ولكن بطريق الخطأ.
السيناريو الأمريكي الجديد إذاً يستبعد فكرة تعمد الصين تصنيع سلاح بيولوجي، وهذا السيناريو أكثر قبولاً لدى الرأي العام العالمي، ويمكن من تسويقه عالمياً بصورة أكثر سلاسة وهذه نقطة قد تكون حاسمة في المعركة التي يجري التحضير لها حالياً، على الرغم من كون المعركة ضد الفيروس أبعد ما تكون عن نهايتها.
وكان رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة الجنرال مارك ميلي قد قال أول من أمس إن المخابرات الأمريكية تشير إلى أن الفيروس نشأ على الأرجح بشكل طبيعي ولم يتم تخليقه في معمل بالصين، لكن لا يوجد ما يؤكد أياً من الاحتمالين.
تقرير “فوكس نيوز” وتقارير أخرى كانت قد أشارت إلى أن ضعف معايير السلامة في المعمل الذي تتم فيه التجارب المتعلقة بالفيروسات في ووهان تسبب في إصابة شخص ما بالعدوى وظهورها في سوق حيث بدأ الفيروس الانتشار.
وسُئل ترامب في مؤتمر صحفي في البيت الأبيض عن التقارير عن تسرب الفيروس من معمل ووهان فقال إنه على علم بتلك التقارير، وأضاف: “نحن نجري تحقيقاً شاملاً بشأن الوضع المروع الذي حدث”.
الاتهامات الأمريكية ليست جديدة، وكان معهد ووهان لعلم الفيروسات المدعوم من الدولة قد نفى في فبراير/شباط الماضي الشائعات بشأن كون الفيروس ربما تم تخليقه في أحد معامله أو أنه تسرب من أحد المعامل.
واليوم الخميس 16 أبريل/نيسان أعاد المتحدث باسم الخارجية الصينية تأكيد نفس النفي، مستشهداً بمنظمة الصحة العالمية التي كانت قد أعلنت أنها لم تجد أي دليل على أن فيروس كورونا تم إنتاجه في أحد المعامل، وهذه النقطة بالتحديد -الاستشهاد بمنظمة الصحة العالمية- ربما لا يكون لها وزن في ظل الانتقادات الأمريكية للمنظمة والتي وصلت حد إعلان ترامب تعليق التمويل الأمريكي لها.
وزير الخارجية الأمريكي ظهر على شاشة “فوكس” في أعقاب المؤتمر الصحفي لترامب، وركز على نقطة الشفافية المطلوبة من الجانب الصيني، كما يفترض بممثل الدبلوماسية أن يفعل؛ فقال بومبيو: “نعلم أن هذا الفيروس قد نشأ في ووهان بالصين”، ومعهد علم الفيروسات على بعد بضعة أميال من السوق، وأضاف: “نريد من الحكومة الصينية أن تتحلى بالوضوح، وتساعد في تفسير دقيق لكيفية انتشار الفيروس. ينبغي للحكومة الصينية أن تعترف”.
التركيز على الجانب الاقتصادي
النظرية الأمريكية الجديدة لا تركز على فكرة السلاح البيولوجي التي لن تجد آذاناً صاغية إلا إذا توفر دليل مادي حاسم، وهو أمر يبدو مستحيلاً، أما التركيز على نشأة الفيروس في مدينة ووهان وإخفاء الصين حقيقته في مراحله الأولى، فالشواهد والأدلة عليها كثيرة ومتعددة المصادر والعالم كله يتحدث عنها بالفعل، بحسب تقرير الغارديان البريطانية اليوم، وبالتالي يسهل جمع الأصوات المؤيدة لتحميل الصين المسؤولية عن الكارثة التي حلت بالعالم، بحثاً عن تعويضات مادية للمتضررين.
وقد تم رفع قضية تعويض بالفعل في أكثر من ولاية أمريكية، من جانب مكاتب قانونية تجمع توقيعات وتفويض من مواطنين أصيبوا بالفيروس أو فقدوا أفراداً من أقاربهم ووصل عددهم إلى أكثر من 5000 في ولاية فلوريدا فقط، يطالبون بتعويضات مادية من الحكومة الصينية بسبب أضرار فيروس كورونا، وهذا العدد خلال أقل من شهر فقط، ومنتظر أن يرتفع بصورة أكبر بكثير، بحسب تقرير لموقع VOANEWS. يذكر هنا أن عدد حالات الإصابة بالفيروس حول العالم -وقت كتابة هذا التقرير اليوم الخميس 16 أبريل/نيسان- وصل إلى مليونين و100 ألف حالة والوفيات تخطت 136 ألفاً، نصيب الولايات المتحدة منها نحو 645 ألف إصابة و28500 حالة وفاة.
وهناك دعوات مماثلة تم رفعها بالفعل في ولايتي نيفادا وتكساس، وأرسلت مجموعة بيرمان للمحاماة التي رفعت الدعوى في فلوريدا بياناً لموقع “فويس أوف أمريكا” قالت فيه: “قضيتنا معنية بهؤلاء الذين تعرضوا لأضرار جسمانية جراء التعرض للفيروس.. كما أنها تتناول النشاط التجاري للصين فيما يخص تجارة الأسواق الرطبة”.
والدعوى القضائية هنا تقع تحت قانون حصانات السيادة الأجنبية كأساس قانوني للمطالبة بالتعويض، لكن أستاذة القانون في جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، تشيمين كايتنر، لا تتفق مع الأساس القانوني للدعوى ضد الصين على أساس أن القانون ينطبق على الأضرار الشخصية الناتجة عن أفعال وقرارات المسؤولين الصينيين على الأراضي الأمريكية وهو ما لم يحدث: “لا يمكنك مقاضاة مسؤولين أجانب على قرارات سياسية اتخذوها”.
لكن الجدل القانوني هنا ربما لا يمثل عائقاً مستحيلاً، فالكونغرس الأمريكي يمكنه أن يسن تشريعاً يفتح الباب أمام المواطنين الأمريكيين لمطالبة الصين بتعويضات مادية من جراء أضرار فيروس كورونا، على غرار قانون جاستا الخاص بإمكانية مقاضاة السعودية من جانب أقارب ضحايا أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 الإرهابية في نيويورك.
سيناريو الإفلاس
الواقع أن السيناريو الأمريكي لعقاب الصين يبدو وكأنه يتم إعداده على نار هادئة، عكس طبيعة ترامب تماماً، وكان موقع ناشيونال ريفيو الأمريكي قد نشر تفاصيل هذا السيناريو، الإثنين 6 أبريل/نيسان، تحت عنوان: “كيف يمكن أن نحاسب الصين؟ منظمة الصحة العالمية تحابي بكين، لكننا لسنا مضطرين لذلك”.
وكان واضحاً من التقرير أن مسألة اللجوء للقانون الدولي والمنظمات الدولية لاستصدار حكم دولي بإدانة الصين لن يكون مجدياً، لأسباب جيوسياسية لا تخفى على أحد؛ فالصين تحظى بتعاطف القارة الإفريقية بشكل شبه كامل وأيضاً أوروبا الشرقية وكثير من الدول لسبب بسيط يرجع لاستراتيجية الحزام والطريق التي تبناها الرئيس شي بينغ جين وجعلها محوراً لبسط النفوذ الصيني على الساحة الدولية.
كما أن هيئات دولية مثل منظمة الصحة العالمية مثلاً -حجر الأساس في أي تحرك دولي بشأن كورونا ضد الصين- يراها الأمريكيون واقعة تحت سيطرة بكين بشكل كامل، ومجلس الأمن تمتلك فيه الصين حق الفيتو، وكلها أمور تجعل أي معركة سياسية أو قانونية على المستوى الدولي ليست فقط غير محسومة ولكنها تهدد أيضاً باستقطاب دولي على الأرجح سيعيد أجواء الحرب الباردة، وهذا ما لا يريده ترامب ولا يتفق مع سياساته.
هذه المعطيات ربما تفسّر التحول الواضح في موقف ترامب من الصين والذي استبقه بوقف التمويل عن منظمة الصحة العالمية، إضافة لهدوئه الواضح والحديث عن “تحقيق في مصادر المعلومات حتى الوصول للحقيقة” وكلها أمور غير “ترامبية” بالطبع.
التقرير عدّد الطرق المتاحة قانونياً وسياسياً من خلال النظام الدولي الحالي؛ مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لا يمكنه إدانة الصين، فهي تتمتع بحق الفيتو شأنها شأن روسيا وبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة (الأعضاء الخمسة الدائمين)، وحتى لو نجحت الدول الكبرى في رفع دعوى قانونية أمام المحكمة الجنائية الدولية أو محكمة العدل الدولية وصدر بالفعل حكمٌ بإدانة الصين، فإنها ببساطة ستتجاهله.
وبالعودة لتقرير “العقاب المالي الأمريكي” فنجد أنه أيضاً متسق تماماً مع “الحرب التجارية بين البلدين”، ويتمثل هذا العقاب في إجراءات وبدائل متعددة؛ منها تجميد أصول وأموال الشركات الصينية المملوكة للدولة، لإجبار بكين على دفع تعويضات، وفي حال لجأت الصين لمقاضاة تلك الدول يتم إذاً الاحتكام للقانون الدولي فيما يخص الوباء ومسؤولية الصين عنه.
لكن ربما تكون تلك الخطوة الأخيرة في سيناريو العقاب الأمريكي، لأنها قد تؤدي لوضع الصين في زاوية ضيقة فيبرز الخيار العسكري الذي لا يمكن استبعاده، فالصين دولة نووية، لكن الأوقع هو فتح الباب من خلال الكونغرس، أمام المواطنين لمقاضاة الصين أمام المحاكم الأمريكية، على أساس أن السلطات الصينية أخفت حقيقة الفيروس عن العالم ما أدى لتحوّله لجائحة بدلاً من التصدي له في مهده.
هذا السيناريو سيفتح باب الجحيم على بكين لأننا هنا نتحدث عن تعويضات تريليونية ربما تؤدي بالفعل -حال تحققها لإفلاس الصين- فالدعوى المرفوعة في فلوريدا وحدها تطالب بتعويضات قدرها 1.3 تريليون دولار، وعدد المدعين فيها 5000 مواطن فقط، فماذا عن 650 ألف مواطن إذاً؟ والقصة هنا مستمرة وهناك نحو 20 ألف مصاب يومياً وأكثر من 2000 حالة وفاة في الولايات المتحدة فقط.
لكن هناك دعوى واحدة ربما تتسبب في كارثة اقتصادية مدمرة للصين حال الحكم فيها لصالح المدعين، حيث رفعت مجموعة فريدوم ووتش الأمريكية وشركة باظ فوتوز ومقرها تكساس دعوى تعويض ضد الصين تطالب بـ 20 تريليون دولار -المبلغ أكبر من الناتج المحلي للصين ككل- وشملت لائحة الاتهامات في الدعوى تسهيل القتل والتستر عليه والتآمر لإصابة وقتل مواطنين أمريكيين، والمتهمين في الدعوى هم الحكومة الصينية برئاسة شي، وقائد الجيش الصيني، ومعهد ووهان للفيروسات ومديره شي زينغلي وغيرهم.