يجسد الممثل السوري قيس الشيخ نجيب شخصية النشّال سعد بعفوية لفتت انتباه مشاهد المسلسل الرمضاني «أولاد آدم» الذي يعرض على شاشة «إم تي في» اللبنانية. واستطاع نجيب أن يغير معادلة معروفة وهي تعاطف المشاهد عادة مع الرجل الخيّر. فإجادته تقمص الدور المشبع بخفة ظل وبلغة جسد غير مبالغ فيها وحضور راقٍ، رغم أنّه يمثل دور اللص، قلبت الدفة إلى صالحه وبات متابع العمل ينتظر بحماس المشاهد التي يطل فيها قيس الشيخ نجيب فصار لا شعورياً يناصره في أعماله الخارجة عن القانون.
«عشقت شخصية سعد إلى حدّ جعلني أذوب فيها. والسبب يعود إلى الخلفية الغنية التي تسكن تفاصيلها من نواح عديدة». يقول الممثل السوري في حديث لـ«الشرق الأوسط». ويتابع: «لم يسبق أن عرض علي في مشواري المهني هذا النوع من الشخصيات التي يسودها عوالم داخلية وخارجية غنية. فـسعد صاحب (كراكتر) يخرج عن المألوف في علاقاته الاجتماعية والغرامية. حتى أنّ منطقه يختلف عن غيره، ولديه فلسفة حياة خاصة به. فهو تربى وحيداً يتيماً وكان الشّارع ملاذه. كما أنّ تعرضه لحادث في صغره أدّى إلى تشويه إحدى عينيه، مما فرض عليه وضع عصبة سوداء عليها، وهو ما أعطى شكله الخارجي ميزة خاصة».
والشيخ نجيب المعروف بدماثة أخلاقة ولطافته بين زملائه، يجد في أسلوبه الفظّ الذي يلون شخصية سعد عنصراً أساسياً آخر أغراه ودفعه لحب الدور. فهو سبق ولعب أدواراً رومانسية وشعبية وتاريخية، وأخرى تدخل في نفس إطار شخصية سعد إلى حدّ ما، إلّا أنّه يقدمها لأول مرة في الدراما المشتركة.
وعن كيفية قولبته الشخصية وتحضيره لها يقول في سياق حديثه: إنّ «الإحساس الصحيح عند الممثل ينبع من مدى تحكمّه بخيوط الدور الذي يلعبه. فإضافة إلى الشكل الذي رسم له على الورق، المطلوب منه تطوير الشخصية وتقريبها إلى المشاهد كي تلامسه. ومن هذا المنطلق عدت إلى مراحل من حياتي واسترجعت ذكريات خزنتها في ذهني. فرسخت عندي بعد أن تأثرت بأناس مرّوا في حياتي والتقيتهم في سن المراهقة والشباب. فاستخدمتها لتمكين الشخصية ولتأتي ولادتها من الواقع فيصدقها المشاهد بشكل أفضل».
الشيخ نجيب الذي سبق وتعرف إليه المشاهد اللبناني في أعمال كثيرة مختلطة كـ«الأخوة» و«جوليا»، يصف مسلسل «أولاد آدم» بمرآة تعكس مجتمعاتنا. «إنّه يشمل بنصه المحبوك شرائح اجتماعية متعددة. فنتابع المجتمع الراقي والسياسي والشّعبي كذلك يسلّط الضوء على مشكلات تشوب حياتنا كالفساد والبطالة وتهريب المخدرات وغيرها. ولعل هذه السلاسة المرتبطة بواقعية نافرة تشبه شخصيات نعرفها في الواقع أسهمت بنجاح العمل بشكل عام».
ويلعب بطولة مسلسل «أولاد آدم» الذي كتبه رامي كوسى وأخرجه الليث حجو كل من ماغي بو غصن ومكسيم خليل وداليدا رحمة، إلى جانب قيس الشيخ نجيب. كما تطل فيه باقة من الممثلين اللبنانيين أمثال كارول عبود وندى أبو فرحات وطلال الجردي ورودني حداد. وعمّا إذا صدف وانبهر بأداء ممثل يشاركه نفس العمل يقول: «طبعاً هذا الأمر وارد دائماً في عملنا، لا بل يحفزنا على تقديم الأفضل، إذ يصبح العمل أكثر متعة. وهذا الأمر أواجهه حالياً في (أولاد آدم) عندما أتابع أداء دانييلا رحمة. فهو تلقائي وطبيعي يقدم رحمة في قالب جديد لم يسبق أن شاهدناها فيه. الأمر نفسه ينطبق على طلال الجردي وسوسن أبو عفار اللذين يأخذانا بطبيعة الشخصيتين اللتين يجسدانها إلى عالم التمثيل المحترف».
ويروي الشيخ نجيب مسار تحضيره لشخصية ما ويقول: «أرسمها في خيالي وأنا أقرأها على الورق لأسطر في ذاكرتي خطوطاً عريضة لها وطبيعة علاقتها بالشخصيات الأخرى في العمل. فتجهز في رأسي صورة مبدئية تكون بمثابة خريطة طريق تسكن حالة اللاوعي عندي. وقبل موعد تصوير كل مشهد أحفظ النص، وأُحضّر له نفسياً وجسدياً ليكون حضوري أمام الكاميرا طبيعياً مشبعاً بالأحاسيس الحقيقية. كما أحرص على التمسك بمنحنيات الشّخصية كي لا تفلت مني أي من تفاصيلها قبل وخلال التصوير».
قبل مواعيد التصوير، يعزل قيس نفسه ليستحضر خطوط الدور كاملة. «من الضروري أن أعيش حال سلام مع نفسي قبل الولوج في عملية الأداء. وأعطي لكل حوار قيمته الفنية المطلوبة وأحياناً لا أتوانى عن الارتجال لألون الدور بعبارات مني كي تبدو حقيقية وتشبهني في نقاط معينة».
ويتحدث الشيخ نجيب، عن وضع الدراما العربية اليوم قائلاً: «الزمن الذي نعيشه غريب، ويمكن تسميته بزمن الكوارث. فهو يؤثر على مجتمعاتنا وعلى حياتنا وكذلك على فنوننا. ويبحث جمهور الدراما بشكل عام عن طاقة يهربون عبرها من واقع قاسٍ يعيشونه. فينكبون على مشاهدة أعمال أجنبية تعرضها المنصات الإلكترونية. فهي تنقلهم إلى مستوى فني جيد بعيداً عن الكلاسيكية التي تسود معظم أعمالنا العربية. ولكن المشاهد نفسه لا يملّ عن البحث في دراما عربية تشبهه، وهو ما يدفع بشركات الإنتاج اليوم إلى التنويع ودخول مجالات بوليسية وأخرى من نوع التشويقي المرتكز على فكّ ألغاز محتوى المسلسل وشخصياته». ويتابع الشيخ نجيب: «أحياناً نوفق مع مستوى تقني وتحضيري ملائم، وأحياناً نصطدم بمستوى أقل. والأهم في هذا الموضوع أن نعرف ماذا يريد المشاهد وبماذا يرغب وما طبيعة ذوقه. وهي أمور من الصّعب تحديدها لأنّها تصبّ أحياناً في خانة (غير المتوقع). ولكن المحاولات تجري على قدم وساق. وهو ما يحدث قفزة نوعية في الدراما العربية، حيث تحاول الارتقاء إلى مستوى أعمال أجنبية رائجة».
وعن طبيعة النجومية التي يحققها في لبنان مؤخراً يقول: «إن النجومية في لبنان لها مذاقها الخاص، إذ إنّ اللبناني يعرف بذوقه الرفيع. فهو من الصّعب إرضاؤه، ويستمهل بعض الوقت لإبداء إعجابه بعمل أو ممثل ما. ولعل شركات الإنتاج قربتنا كممثلين سوريين بشكل أكبر من الجمهور اللبناني من خلال الأعمال المختلطة. وأنا سعيد جداً بحصدي اهتمام المشاهد اللبناني ومتابعته لأعمالي». ويتابع: أنّ «لبنان بلد النجومية وهو من وقف وراء إطلالات نجوم كثيرين من خلال برامج حوارية وأخرى ترفيهية وفنية انطلقت من شاشاته التلفزيونية».
وعن تجربته التمثيلية في ظل وباء «كورونا» يقول: «لقد حاولنا قدر المستطاع تجاوز أجواء التوتر التي خلّفها. وأنا كممثل كنت أشغل نفسي بخطوط شخصيتي كي لا تفقدني (كورونا) ما بنيته في مسيرتي. وحالياً تتابعون بعض المشاهد من (أولاد آدم) التي صورناها بعد عملية توقف قسرية، وهي لم تختلف بجودتها عن غيرها كما أن المشاهد لم يلحظ أي اختلاف فيها كما أعتقد».
وكما في «أولاد آدم» يطلّ قيس الشيخ نجيب في مسلسل «الحرملك» الجزء الثاني. ويعلّق: «في هذا العمل ألعب شخصية بعيدة كل البعد عن شخصية سعد في (أولاد آدم). وهناك تطورات مفصلية ستتابعونها حول هذه الشخصية في الحلقات المقبلة إذ يدخل عامر السلطة من بابها العريض ويبدأ في تحقيق طموحاته، كما رسمها في خياله». وعمّا إذا يرى هذا النوع من المسلسلات لا يزال يجذب المشاهد العربي يقول: إنّ «الناس أذواق وهناك بالطبع من يفضلها على غيرها. كنت مقتنعاً بالدور الذي أقدمه في (الحرملك). فقد تحصل أن أتردّد حول تجسيد دور ما، ولكن عندما أوافق على تقديمه فهذا يعني أني مقتنع به ولم أندم يوماً على دور جسدته».
وعن النهاية التي تنتظرنا في مسلسل «أولاد آدم» يقول: «هناك مفاجآت كثيرة سيشهدها سياق العمل. والأبطال الأربعة سيجتمعون مع بعضهم بعضاً في إطار غير تقليدي. وتسارع وتيرة أحداث العمل ستأخذنا إلى نهاية غير متوقعة ستشد انتباه المشاهد حتى اللحظات الأخيرة».
«حب عمري»… رومانسية مصرية تتحدى إغراءات الحياة
يعيدنا المسلسل المصري «حب عمري» إلى زمن رومانسية الفن الجميل، التي كانت تتمتع بالأداء العذب، والمشاهد الخالية من العنف والصراع على الثروة أو التركيز على العشوائيات، فلا صخب فيه، ولا مبالغات في الديكور والملابس، أو حتى في إطلالات الفنانات اللاتي لا ينتمين إلى نجمات الصف الأول، لكنّهن أثبتن جدارتهن بالعمل عبر أداء بسيط سلس، مع إعادة الاعتماد على «بطولة النص». ورغم عرضه في قناة لا يعرض عليها مسلسلات لكبار النجوم المصريين في موسم رمضان الحالي، فإنه نجح في خطف الأضواء بسبب قصته المشوقة.
المسلسل بطولة هيثم شاكر، وسهر الصايغ، ومحمد عادل، ومنة فضالي، وأماني كمال، ومحمد مهران، وأحمد كرارة، وحمادة بركات، وآسيا محمود، وحنان سليمان، وسامح الصريطي، ومن تأليف فداء الشندويلي، وإخراج عبد العزيز حشاد. وتدور أحداثه حول قصة حب تجمع بين شاب وفتاة منذ الطفولة، لكنّها تمر بكثير من التحديات والمصاعب، وتتصاعد الأحداث التي تثير كثيراً من التساؤلات حول أيهما أكثر صدقاً ورومانسية وإخلاصاً في الحب: المرأة أم الرجل؟ ومن يكون الأكثر صموداً أمام مغريات الحياة؟
ففي حين يتوقع المتابع للحلقات الأولى أنّ بطل المسلسل «عيسى» الذي يجسد شخصيته المطرب هيثم شاكر، والذي يقبل العمل في شركة سيدة الأعمال الثرية الأرملة الجميلة «مها»، التي تقدمها أماني كمال، والتي أنقذ حياتها، سوف يترك حب عمره جارته «سارة»، سهر الصايغ، استسلاماً لحب المرأة الثرية له، فإن الأمور لا تسير على هذا المنوال، حيث يثبت لمحبوبته أنّه قبل العمل فقط ليستطيع توفير متطلبات عش الزوجية، إلّا أنّ الغيرة تشتغل رغم ذلك في قلب «سارة»، وتذهب إلى مكتب «عيسى»، وتقتحمه لتجد صاحبة الشركة تجلس معه، فتخرج من الشركة في حالة غضب بعد شجارها مع «عيسى»، إلى حد أنّها لا ترى سيارة كانت في الطريق لتصطدم بها، ويكون سائق السيارة هو الشاب الثري «ياسر الشواربي»، ويجسده محمد عادل الذي سبق أن رفض عيسى العمل لديه، وتتوالى الأحداث التي تكشف عن تعلق «ياسر» بـ«سارة»، بينما تقع أخته سيدة الأعمال «رانيا» منة فضالي في حب «عيسى» الذي يرفض حبها هي الأخرى تمسكاً بحب عمره، إلى أن تحدث المفاجأة، وتضعف «سارة» أمام إغراءات ياسر لها، وتقبل الزواج منه.
ورغم ذلك ينفي المؤلف فداء الشندويلي انحيازه لرومانسية الرجل على حساب المرأة، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «الخيانة أو فكرة التخلي عن الحب استسلاماً للمغريات ليست صناعة تخص جنس دون آخر، لا أفرق بين الرجل والمرأة، ولا أتعمد إثبات نظرية بعينها، الرجل ليس أيقونة للإخلاص بالضرورة، وكذلك المرأة، لا يوجد قانون ثابت، لأن كل إنسان يختلف عن الآخر، ويجسد حالة إنسانية متفردة».
لذلك لا يقسو الشندويلي على «سارة» التي تؤدي دورها ببراعة، يساعدها في ذلك ملامحها المصرية المميزة، بل لن يظهرها في الحلقات المقبلة خائنة، على الرغم من ضعفها أمام ياسر، وتخليها عن عيسى، قائلاً: «سيتعاطف المشاهد معها طوال أحداث المسلسل، وصولاً إلى المشهد الأخير، لقد تعرضت لضغوط شديدة للغاية كانت أقوى منها، لقد أردت أن أؤكد ماذا يمكن أن يفعل الفقر بالإنسان، وكيف يمكن له أن يقهر مشاعره ويمس إنسانيته، إضافة إلى أن فكرة التخلي عن حب العمر إنما تخضع لعوامل عدة، منها البناء الداخلي والبيئة المحيطة».
لذلك يمكن القول إن الرومانسية التي تميز العمل لم تكن بالنسبة للمؤلف فداء الشندويلي مجرد إطار درامي يطرح من خلاله فكرة ما جاذبة أو علاقة حب دافئة في هذا المسلسل، بقدر ما تمثل معنى أكثر عمقاً وشمولاً، أو على حد تعبيره: «فرصة لطرح عدد من المبادئ الإنسانية»، موضحاً: «ابتعدنا كثيراً في المواسم الدرامية خلال السنوات العشر السابقة عن القضايا الاجتماعية والإنسانية، لصالح تقديم الأكشن والأعمال المثيرة، ولكم لهث صناع الدراما وراء فكرة خطف المشاهد بعيداً عن المشاعر، وأصبح الهدف الأساسي هو نسبة المشاهدة وحدها».
ولا يقتصر المسلسل على قصة حب «سارة» و«عيسى»، إنما يضم أيضاً نحو 7 قصص حب، تختلف كل منها عن الأخرى، وربما أكثرها قوة ودلالة الحب بين «مختار» و«نوال» اللذين ملك كل منهما قلب الآخر في سن متقدم، ورفض أبناؤهما الاعتراف بمشاعرهما، فما كان منهما سوى الزواج في السر «لأن الحب من حق الجميع، ولا يتوقف على سن معين»، وفق المؤلف.
ورغم هذه الرومانسية المفرطة، فإن المسلسل لا يسير على وتيرة واحدة، تجنباً للسقوط في دائرة التشبع العاطفي المبالغ فيه، ولكيلا يثير ملل المشاهد الذي يقضي وقته بالمنزل تنفيذاً للحجر الصحي الذاتي، إذ يقول الشندويلي: «لا يخلو من التشويق والمواقف الكوميدية الخفيفة، وستتضمن الحلقات المقبلة أحداثاً مثيرة للغاية».
يشارك في المسلسل مجموعة من الممثلين الشباب الذين يقدمون أدواراً تخاطب هذه الفئة العمرية، كما الكبار، ما يجعل العمل يندرج أيضاً تحت الأعمال الشبابية. كما أثبت الفنان هيثم شاكر الذي يقدم البطولة المطلقة لأول مرة في مشواره الفني جدارته في لعب الدور.