تحمل قُفَّة صغيرة جمعت فيها ملابس نظيفة وعُدَّة الاستحمام وبعض المواد الطبيعية، تسير بين الدروب الضيقة تفادياً للقاء غير مستحب مع رجال السلطة، قاصدة بيت شقيقتها الكبرى الذي يبعد عن بيتها بشارعين.
“حمام منزل أختي مُزود بسخان ماء كهربائي، أقصده كل أسبوع من أجل الاستحمام”، تقول لطيفة لـ “عربي بوست”، قبل أن تُبدي تذمرها على إغلاق الحمامات الشعبية بسبب الحجر الصحي المفروض بالمغرب تفادياً لانتشار عدوى فيروس “كورونا”.
لا يبعد حمام “عُود الورد” الشعبي عن بيت لطيفة كثيراً، وهي التي اعتادت أن تقصده كل نهاية أسبوع، مستمتعة بساعتين من الاستحمام والتدليك، “لا ننظف فيه أجسادنا فقط، بل نحظى بصفاء ذهن ونفسية متجددة” تحكي السيدة المغربية.
مرَّ شهران على إقفال الحمامات لأبوابها تنفيذاً لحالة الطوارئ والحجر، ما حرم المغربيات من عادة أصيلة وعريقة تقضي بضرب موعد أسبوعي مع حمامات تقليدية وأخرى عصرية، أما الغاية فواحدة.
تحايُلٌ وخرق للقانون.. من أجل الحمام!
لا تستغني المغربية أبداً عن حمامها الأسبوعي، وعلى الرغم من الحجر والتعليمات الواضحة المتعلقة بحالة الطوارئ، فقد ضبط رجال الأمن 13 سيدة داخل أحد الحمامات الشعبية بمدينة وجدة، في عز انتشار الوباء، منتصف أبريل/نيسان المنصرم.
رجال الأمن بوجدة، شرق المملكة، ضبطوا الحمام الشعبي يشتغل بدوام كامل رغم قرار وزارة الداخلية القاضي بإغلاق الحمامات كإجراء وقائي للحد من انتشار فيروس “كورونا”.
اعتُقلت النسوة الـ13، بعد خروجهن من الحمام، بتهمة خرق إجراءات حالة الطوارئ الصحية، فيما أغلقت السلطات المحلية الحمام الشعبي وسَحَبت رخصة عمله بشكل نهائي.
ومن النظافة ما أصاب بـ “كورونا”
الرغبة الجامحة في نيل قسط من الاسترخاء والنظافة العميقة، عرضت نساء بمدينة مراكش، وسط، إلى خطر الإصابة بفيروس “كورونا” بسبب الاختلاط.
وسائل إعلامية محلية، أكدت إصابة 18 سيدة يقطنَّ بحي واحد، فيما كشفت تحريات الأمن أن العدوى انتقلت إلى مجموعة من العائلات بالمنطقة، بسبب حمام بمنزل إحدى المصابات، حيث كانت مجموعة من النساء يقصدنه من أجل الاستحمام بعد إغلاق الحمامات العمومية.
ابن صاحبة البيت الذي يضم الحمام، قال لـ “عربي بوست” إن إحدى الجارات قصدت فعلاً حمام منزلهم، وأن والدته سمحت لها بالاستحمام، دون أن تستقبل باقي السيدات.
“كانت تلك السيدة مصابة بـ “كورونا” دون أن تظهر عليها أعراض المرض، استحمت في منزلنا وغادرت، وهي من تسببت في نقل العدوى لابنتها وبعض جاراتها”.
طقوس الحمام.. سر جمال المغربيات!
للمغربيات علاقة وطيدة مع الحمام، فعلى الرغم من المشاغل الكثيرة والضغط اليومي لابد من زيارة أسبوعية واحدة على الأقل للحمام الذي لا يعد مكاناً للنظافة فحسب بل فرصة للاسترخاء.
حتى عمارة الحمام الشعبي المغربي تختلف عن باقي البنايات المجاورة له بنوافذ خاصة وفسيفساء مميزة، وثلاث غرف فسيحة وساخنة تؤدي إحداها إلى الأخرى، فيما يُخفِّف البخار من وَهَج الإضاءة.
“للاَّ (سيدتي) زينة وزادها نور الحمام”، مثل شعبي مغربي يؤكد أن الحمام لا يزيد المرأة إلا نوراً وجمالاً، وسر المغربيات يتمثل في المراحل أو “البروتوكول” الذي يتَّبِعنه منذ ولوجهن الغرفة الأولى للحمام (الأقل سخونة) حيث يبدأن بتدليك ناعم لكامل الجسد بالاستعانة بالصابون الأسود المغربي (الصابون البلدي).
“الصابون الأسود” هو أفضل أنواع الصابون، مصنوع من مواد طبيعية ودون مواد حافظة، ويعتمد على خصائص مرطبة ومغذية، وقد يُمزج بزيوت عطرية وببعض الأعشاب التجميلية الطبيعية.
قبل المرور للتقشير، وهي عملية حك الجلد برفق قصد التخلص من الجلد الميت، لابد للمستحمة أن تنعش جسدها بخليط الحناء والقرنفل والريحان ما يجعل النساء يتمتعن ببشرة مشرقة وناعمة ونظيفة.
ولعل آخر خطوة تختم بها المستحمة مُتعَتها، هي تدليك وتمديد الأطراف للتَّخلص من تعب أسبوع كامل، وهي العملية التي يطلق عليها “تْكسال” ومنها اشتقت تسمية العاملات بالحمامات التقليدية بـ”الكسَّالات”.
متى تفتح الحمامات بالمغرب أبوابها؟
لا شك أن الرغبة لا تقتصر فقط على المغربيات الراغبات في العودة مجدداً لممارسة طقوسهن، بل حتى أصحاب الحمامات العمومية في المغرب والتي يبلغ عددها 12 ألف حمام، إلى جانب مئات الحمامات العصرية “السْبَّا”.
“الأمور متوقفة، لم نعمل منذ شهرين، شهد الحمام إقبالاً كثيفاً قبيل الإعلان الرسمي عن حالة الطوارئ والإغلاق الشامل للمحلات” تقول نادية لـ “عربي بوست” وهي صاحبة حمام عصري بمدينة سلا.
“بعد مرور أسابيع على إعلان الحجر بدأت بعض الزبونات في الاتصال هاتفياً سائلات عن إمكانية الاستفادة من جلسة حمام فردية، وهو الأمر الممنوع بقوة القانون، وإلا تعرضتُ للاعتقال” تؤكد صاحبة الحمام.
تريد نادية أن تستأنف العمل رفقة باقي عاملات المرفق الصحي بمواصفات عصرية إلى جانب خدمات تجميلية، إلا أنها ترغب كذلك في حماية نفسها والعاملات معها من أي عدوى محتملة.
بعد مرور 64 يوماً على إقرار الحجر وحالة الطوارئ بالمملكة، لا تزال جميع الحمامات الشعبية والعصرية موصدة الأبواب حتى إشعار آخر.