دوره في «أولاد آدم» يطبع أحاديث اللبنانيين
تشكل شخصية «غسان» التي يلعبها مكسيم خليل في المسلسل الرمضاني «أولاد آدم» مادة لحديث الناس في لبنان. فهو استطاع بأدائه المتمكّن أن يذكرنا بنجوم عالميين برعوا في إتقان الأدوار السيكولوجية، أمثال أنطوني هوبكينز، إذ ارتكز بأدائه على تفاعله الداخلي مع الدور من دون الاستعانة بما يسمونه «عكازات» التمثيل لشد عصب المشاهد. شخصية «غسان» التي تسكنها المكيافيلية والتلذذ بإيذاء الآخرين لم تمنع الناس من التعلق بها ومتابعتها بانتظام، وعلى مدى 30 حلقة متتالية في موسم رمضان التلفزيوني. وكما سائق التاكسي والخباز وخبيرة التجميل والمهندس والطبيب وغيرهم، تركت شخصية غسان أثرها عند نجوم تمثيل وفنانين أشادوا ببراعة مكسيم خليل. كما اكتسحت التعليقات الإيجابية وسائل التواصل الاجتماعي، لتتصدر «التراندات» على موقع «تويتر» الإلكتروني.
ويعلّق مكسيم خليل، في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «يهمني كثيراً أن تصلني ردود فعل الشارع، وليس فقط تلك التي أقرأها عبر وسائل التواصل الاجتماعي. فالناس على اختلاف شرائحهم الاجتماعية يشكلون الجمهور الذي يحفّز الممثل على الاستمرارية أو العكس».
ويتابع: «مهم جداً أن يحب الجمهور الممثل مؤدي الدور، بغض النظر عن طبيعة ما يقدمه. وأنا بصفتي فناناً لا أقبل أن يتفاعل الناس مع الشخصية فقط، بل أود أن يحبوا الفنان نفسه، وهذا له علاقة مباشرة بعملية الأداء».
ويشير خليل إلى أنه حضّر لهذه الشخصية بشكل كبير، واطّلع على هذا النوع من الحالات المرضية النفسية، إذ يقول: «اكتشفت في علم النفس أن هذا المرض (سايكوبات) يجمع بين المكيافيلية والاهتمام بالشكل الخارجي والنرجسية التي يعرّف عنها بـ(الثالوث المظلم). وهي نتيجة ضمور يصيب منطقتين في الدماغ: واحدة خلفية مسؤولة عن التأثيرات الخارجية عند هذا الشخص، وثانية أمامية ضامرة أيضاً مسؤولة عن تحديد الأخلاقيات عنده. كما أن صاحب هذه الشخصية عادة ما يتمتع بنسبة ذكاء عالية، ويكون متحدثاً لبقاً مقنعاً يهتم بهندامه. كل ذلك جمعته في خلطة (غسان) طبعاً بمواكبة كاميرا مبدعة للمخرج الليث حجو.
وكي لا يمل المشاهد من إيقاع الشر والأذية اللذين يسكنان الشخصية، حاولت أخذها إلى حدّ ما نحو الطرافة. وهو ما طرح علامة استفهام عند المشاهد عما إذا كان (غسان) مجنوناً أم مجرماً، وبالتالي فهناك خط رفيع جداً يفصل بين الاثنين، وقد لعبت على هذه الفكرة».
ويؤكد مكسيم خليل أنه انطلق من المثلث هذا لقولبة أدائه، مما فرض عليه أسلوباً خاصاً في عمليات النطق والشكل والحوار، ووقفته وكيفية جلوسه، مشيراً إلى أنه «لا شك من أصعب الأدوار التي أديتها في مشواري المهني، وعلى أي ممثل يقوم بدور مماثل أن يكون صادقاً فيه إلى أبعد الحدود كي يلامس المشاهد عن قرب. وهنا، لا بد من الإشارة إلى أن (غسان) عكس شخصيتي الحقيقية تماماً، وهو لا يشبهني أبداً، ولكني استمتعت بتقمص شخصيته. وفي المقابل، هناك ممثلون يسعون للعب أدوار تحبب الناس بهم، ويخافون من القيام بأدوار مركبة أو شريرة خوفاً من ردود فعل عكسية يواجهونها، وهذا الأمر لا ينطبق علي».
وعن دور رقص الباليه الذي تعلمه لعشر سنوات ماضية، وتأثيره على لغة جسده كممثل، يقول: «رقص الباليه بالتحديد إيمائي تعبيري يبرز لغة الجسد ومكنوناته إلى الخارج، ولا شك أني تأثرت به وأسهم في أدائي التمثيلي، وأعد أنه يولّد (الكاريزما الجسدية)».
ويشير الممثل السوري إلى أن هناك «غساسنة» كثيرين موجودين في الحياة، وليس هناك من يحاكمهم، ويعلّق: «سعدت بردود فعل الناس الذين راحوا يطالبون في تعليقاتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي بضرورة معاقبة غسان. فباطن المتلقي يولّد عنده نزعة عدم التبرير للمجرم، مهما كانت طبيعة جرمه».
تصرفات تلقائية وأخرى ارتجالية لوّنت أداء خليل في «أولاد آدم»، فأكملت الصورة التي رسمها في ذهنه، وطبعها بعبارات تميز شخصية الإعلامي السوري التي يمثلها، مثل استخدام كلمة «ليترلي» بالإنجليزية و«استنوني» التي ينهي بها حلقاته التلفزيونية، إضافة إلى لعقه مصّاصة «سوسيت» في كل مرة ينجح بها في أذية آخر. وعن ذلك يقول مكسيم خليل: «هي أمور تولد مع الشخصية تلقائياً عندما نغوص فيها. وقد اخترت بعض العبارات والتصرفات لإكمال صورتها، كون غسان شخصية إعلامية مشهورة منفتحة، وتستوعب أي أمر يواجهها. فكلمة (ليترلي) التي تعني (حرفياً) بالعربية لها دلالة على اقتناعه بكل ما يقوم به. و(استنوني) هي بمثابة توقيع خاص يلجأ إلى ما يشبهها إعلاميون كثر لتأكيد هويتهم الخاصة في التقديم. أما قطعة الحلوى فترتبط ارتباطاً مباشراً بطفولته، وهي المرحلة التي عانى فيها، وتركت أثرها السلبي عليه. كما تشير أيضاً إلى الفراغ الذي يعاني منه بعد أن حرمته زوجته الأولى من رؤية طفله أو التعاطي معه».
وعن دور المرآة التي يتحدث معها في مشاهد كثيرة من المسلسل، يقول: «أنا شخصياً لا تربطني علاقة وطيدة مع المرآة، ولكن غسان يستخدمها للبوح بمكنوناته، فيدخل أعماقه ويتعرف معها على نفسه من جديد».
وقد انتقد بعضهم شخصية الإعلامي «غسان» في المسلسل، وعدها موجهة إلى الإعلام اللبناني بشكل خاص، وعن ذلك يقول: «هذا غير صحيح بتاتاً، فغسان إعلامي سوري الجنسية، وشخصيته نصادفها في إطار مهن كثيرة، وليس في مجال الإعلام وحده. ولكن وجوده يشكل الخطورة بحد ذاتها لأن الأضواء تجمل صورته وتزينها. والهدف هو الإضاءة على خطورة هذه الشخصية، خاصة إذا حضرت في عالم الإعلام. فأنا شخصياً لا أبرئ الإعلام بمجمله، إذ هناك الموجه منه والمرتزق والمأجور. والشخصيات الشبيهة بغسان تخبئ الفساد وراء صورتها اللماعة».
ويرى مكسيم خليل أن الشخصية التي لعبها في مسلسل «صانع الأحلام» كانت صعوبتها مرعبة، فذاب بتقمصها إلى حدّ جعل فريق العمل يشعر بتبدل جذري لديه عندما كان يحضر إلى موقع التصوير: «تجربتي في (صانع الأحلام)، بغض النظر عن الهفوات والمشكلات التي أحاطت بتسويق العمل وخسارته لنسب مشاهدة، هي التي أوصلتني إلى النضج الفني الذي يبرز في أدائي لشخصية غسان. وبرأيي، على الممثل أن يبقى متيقظاً ناضجاً، فلا يشعر بالارتياح عندما يصل إلى القمة. فكل قمة يصلها يجب أن تقابلها أخرى جديدة يعمل على بلوغها. فلا يرتاح أو يسكن كلما حقق نجاحاً، وهذا هو التجديد بحد ذاته عند الممثل. فهو ليس مجرد ماكينة، بل عبارة عن مخزون تجارب وتراكمات تساهم في صنع أدائه، وبالتالي نجاحاته».
ويعد خليل نفسه من الممثلين المحظوظين الذين استطاعوا اجتياز زمن «كورونا» بسلام من خلال عمل رمضاني. ويعلق في معرض حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «كنا من بين الممثلين المحظوظين الذين استطاعوا إكمال أعمالهم وإنهائها كما يجب، ضمن 30 حلقة كاملة. وكنت أتمنى لو أن جميع المسلسلات التي كانت تندرج على خريطة الدراما الرمضانية قد استطاعت أن توجد على الشاشة خلال الشهر. فبعضها تأثر بالجائحة، وتعثّرت عمليات التصوير، ليطل العمل بـ15 أو 17 بدلاً من 30 حلقة. ولذلك لا يجب الحكم على هذا النوع من الأعمال التي تأثرت مباشرة بوباء (كورونا) الكارثي الذي ولّد حالات استثنائية».
ولكن يتردد أن نجوم هذه الأعمال هم من اتخذوا القرار بعدم استكمال عمليات التصوير، معتبرين أنهم أكبر من أن تتحكم بهم شركات إنتاج. يرد خليل: «لا يجب على العمل بحد ذاته أن يتحمّل مسؤولية أكبر من الوباء. وهناك جهات إنتاجية ومحطات تلفزة تمسكت بعرض هذه المسلسلات رغم عدم اكتمالها. ولا يمكننا في هذه الحالة أن نرمي انتقادات على لوحة لم تكتمل معالمها. وهنا، ومن منطلق إنساني، أقول إننا، كغيرنا من الناس على الكرة الأرضية، مررنا بظروف استثنائية ولّدت رعباً في حياتنا. فجميعنا كنا خائفين من الإصابة بالعدوى. وأنا شخصياً عندما عدت لاستكمال التصوير تأكدت مسبقاً أن العملية ستكون آمنة لأني كنت خائفاً. وفي ظل ظروف كارثية أبعدت الممثل كغيره من الناس عن أفراد عائلته وأصابته بالخوف والقلق».
ويكن ماكسيم خليل حباً كبيراً للبنان ولجمهوره، ويقول: «تربطني بالجمهور اللبناني علاقة وطيدة، تماماً كلبنان الذي أعرفه منذ صغري. فكنا وعائلتي نصطاف في بلدة رياق البقاعية. كما اشتغلت فيه بأعمال البناء ولصق صور المرشحين للانتخابات النيابية وأنا في سن المراهقة. ولا أنسى دعم الجمهور اللبناني لي في مسلسل (روبي)، وكذلك أعشق بيروت وعلاقتي بها حميمة قديمة».
ومكسيم الذي يستقر حالياً مع أفراد عائلته في فرنسا يحنّ إلى طفولته في سوريا، ويقول: «أحن كثيراً إلى بلدي سوريا، وإلى مرحلة الطفولة بالأخص، وإلى مدرستي، ورسوم وعبارات كنا نكتبها على حيطانها الجانبية».
وعن النهاية التي يحملها «أولاد آدم» يقول: «أمثال شخصية (غسان) لا يعترفون بهزيمتهم، وهو ينتصر لنفسه على طريقته».