“البرجوازي يحب التكلم عن الحرية، لكن هذه الحرية له، وليست لك، أنت تشعر بها في لحمك كل يوم”، يقول كارل ماركس في فيلمٍ مثير يصوّر حياته الثورية اليافعة، بدءاً من عام 1842 عندما كان كارل صحفياً حتى عام 1848 حين كتب ونشر (بيان الشيوعي).
لكن الفيلم ليس فقط عن حياة الشاب كارل، بل يحاول أيضاً أن يرصد الأسباب التي أدت إلى ظهور فكرة الشيوعية عقب الفترة الذهبية للثورة الصناعية. نرى سوء معاملة العمال والنساء واستغلالهم آنذاك، ونشاهد الفارق بين حياة الطبقات الغنية والفقيرة حينها، ونلاحظ أيضاً الصراع من أجل حرية التعبير ضد الطبقات الحاكمة إبان سلطة الملكية المطلقة في أوروبا.
بعد إسكات صوته في بروسيا (ألمانيا القديمة)، ينتقل ماركس إلى باريس للعمل في صحافة جديدة، ويلتقي في ذلك الفترة فريدريك إنغلز الأرستقراطي الغني الذي سيتحول إلى صديق دائم وداعم فكري ومادي لكارل طوال حياته وسيصبح مؤلفاً مشاركاً في عديد من كتاباته ومقالاته. يلتقط الفيلم التقاءهما في منزل أرنولد روج (الذي وجد صحيفة أنالس الألمانية – الفرنسية، والذي كان كارل كاتباً فيها)، وإعجابهما الشديد بأعمال بعضهما البعض. يجسد الفيلم أيضاً جزءاً من حياة إنغلز ومنازعاته مع والده الثري وحبه لامراة أيرلندية من الطبقة العاملة والفقيرة. إلا أن اللقاء الذي يحاول الفيلم تجسيده لم يكن في الحقيقة في بيت روج، بل كان في كافيه دي لا ريجانز بعد انفصال كارل من الصحيفة بشهر، لكن على ما يبدو أن المخرج اختار عدم تمثيل ذلك المشهد لأغراض درامية، بالرغم من أن الكافيه يظهر في الفيلم بعد ذلك المشهد.
واحدة من الميزات المذهلة لشخصية كارل والتي يمكنك رؤيتها في الفيلم هو تمرده الدائم وانتقاده ومقاتلته لليمينيين واليساريين على حد سواء. نرى مقاتلته لبرودون الشخص الأناركي اليساري الذي صادقه كارل لفترة من الوقت في باريس. ونرى أيضاً محاربته لويلهام ويتلينغ ناشط سياسي يساري الذي كان في رابطة العدل معه، وكذلك مخاصمته لمجموعة من أعضاء الرابطة الآخرين.
لم ينسَ راؤول بيك إظهار دور المرأتين أيضاً في حياة كارل وصديقه إنغلز. يستشهد الفيلم على التضحيات التي قدمتها جيني زوجة كارل عندما تزوجت به، فهي تأتي من عائلة أرستقراطية ثرية ومعروفة، وتزوجها لكارل يعني تخليها عن تلك الحياة ودخولها إلى حياة بائسة وفقيرة ومعرضة للخطر طوال الوقت. ولسوء خط يد كارل في الكتابة، كانت جيني تكتب بالنيابة عنه. كذلك نرى بروز دور ماري بورنز رفيقة إنغلز التي ناضلت معه من أجل التخلص من الظروف السيئة للعمال في المعامل، وساهمت في إرشاد إنغلز وتعريفه على المحلات الفقيرة في مانشستر عندما كان يكتب إنغلز بحثاً عن الظروف المعيشية للطبقة العاملة في إنجلترا.
واحد من الاقتباسات المفضلة عندي من الفيلم هو “الانتقاد يأكل كل ما في الوجود، وعندما لا يبقى الموجود، عندئذ يبدأ بالتهام نفسه” يقول ويليهام ويتلينغ لكارل ماركس عند انتقاد كارل لأعماله. لكني أشك بحقيقة الحوار الذي دار بينه وبين كارل ناهيك عن حقيقة الاقتباس (لم أجد أي نص يدل على ذلك). إلا أن المخرج وضع الجملة في مكانه المناسب وعلى لسان شخص مناسب ونحو الرجل المناسب، فلا أحد يستحق أن يقال له هذه الجملة غير كارل الناقد الشرس.
النصف الأول من الفيلم يقدم حياة كارل وإنغلز، أما النصف الثاني فيجسد رابطة العدل السرية الذي انضم إليه كل من كارل وإنغلز وساهموا في تنظيمه وتحويله إلى حزب سياسي علني، ويلي ذلك إطلاق تسمية الرابطة الشيوعية عليه. ويجسد المشهد الأخير كتابتهم لـ(بيان الشيوعي) للحزب، الكتيب الذي ما زال يُترجم ويُطبع ويُقرأ حتى هذا اليوم.
إنه فيلم تاريخي حقيقي يستحق المشاهدة مهما كان موقفك من كارل والشيوعية، لما فيه من عِبَر ملهمة، ولما فيه من أحداث مؤلمة، ولما فيه من قضايا مُكبتة