شئنا أم أبينا تظل الانتخابات الرئاسية الأمريكية حدثاً يتابعه العالم باهتمام كل أربع سنوات، والأمر ليس مختلفاً هذه المرة، ومع بدء العد التنازلي للمواجهة الساخنة بين الرئيس دونالد ترامب ومنافسه الديمقراطي جو بايدن، دخل على الخط عنصران جديدان؛ وباء كورونا وتويتر، فما قصتهما؟
سخرية من ارتداء منافسه الكمامة
أصبح ارتداء الكمامة إجبارياً الآن للحماية من عدوى فيروس كورونا القاتل، وفي الولايات المتحدة تحديداً، حيث أصيب أكثر من مليون و725 ألفاً بالعدوى، وفقد أكثر من 100 ألف أمريكي حياتهم، تحول ارتداء الكمامة لقضية انتخابية حينما أعاد ترامب نشر تغريدة أمس الثلاثاء، 26 مايو/أيار، تسخر من ارتداء منافسه بايدن لقناع الوجه أثناء تجمع انتخابي في اليوم السابق.
ومنذ 4 أبريل/نيسان، قامت إدارة ترامب بتعديل الإرشادات الصحية الفيدرالية لمواجهة الوباء ناصحة المواطنين بارتداء الكمامات، رغم أن الرئيس نفسه قال إنه لن يلتزم بذلك، متذرعاً بأنه يقابل “زعماء وديكتاتوريين في المكتب البيضاوي”، وهو ما أثار عاصفة من الانتقادات، تكررت أيضاً عندما قام نائبه مايك بنس بزيارة أحد المستشفيات الذي يُلزم كل من يدخله بارتداء الكمامة دون أن يفعل بنس ذلك.
ارتداء الكمامة أيضاً تسبَّب في جرائم قتل في بعض الولايات الأمريكية، بسبب اعتبار البعض الأمر حرية شخصية، لذلك من الطبيعي أن يصبح وباء كورونا وما يتعلق به قضية انتخابية رئيسية ربما تكون عاملاً حاسماً لكثير من الناخبين يوم الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني، سواء لمن يعتقدون أنها دليل على الضعف وهؤلاء بالطبع سيصوتون لترامب، أو من يرونها ضرورية لحماية الأرواح وهم سيصوتون لبايدن.
بايدن يصفه “بالأحمق”
ولم يفوّت بايدن الفرصة بالطبع للردِّ على قيام ترامب بإعادة نشر التغريدة التي تسخر من ارتداء المرشح الديمقراطي للكمامة، وقال في مقابلة مع CNN إن ترامب “أحمق تماماً” لأنه لم يضع كمامة خلال سلسلة من المناسبات العامة التي جرت مؤخراً، قائلاً إن افتقار ترامب للقيادة في هذا الأمر “يكلف الناس حياتهم”.
وكان ظهور بايدن بالكمامة في يوم الذكرى في أول مناسبة عامة يحضرها منذ مارس/آذار، قد حظي باهتمام ترامب الذي أعاد نشر تغريدة تتضمن صورة بايدن في اللقاء، مصحوبة بتعليق “قد يساعد هذا في تفسير السبب في أن ترامب لا يحب وضع كمامة في الأماكن العامة”.
ورفض الرئيس وضع كمامات أمام الكاميرات في سلسلة من المناسبات العامة، بما في ذلك يوم الذكرى، وقال بايدن في مقابلة مسجلة مع CNN “إنه أحمق، وأحمق تماماً أن يتحدث على ذلك النحو. كل طبيب كبير في العالم يؤكد على ضرورة وضع الكمامات وسط الحشود”، ووصف بايدن سلوك ترامب بأنه “استعراض للعضلات” وتصرفات ذكورية زائفة تكلف الناس حياتهم.
وتظهر استطلاعات الرأي بشأن ارتداء الكمامة تحديداً أن أكثر من 64% من الناخبين الذين شاركوا الأسبوع الماضي يؤيدون ارتداء الكمامة للوقاية من الفيروس القاتل، مقابل نحو 34% فقط يرونها غير ضرورية ودليلاً على الخوف والضعف، وهو ما يعني أن ترامب يضع نفسه ضمن الأقلية في قضية ربما تكون حاسمة في الانتخابات المقبلة، في تأكيد على رأي بعض المراقبين الذين يرون أن ترامب يخسر كثيراً من رصيده كلما أدلى بتصريحات جدلية منذ تفشي الوباء وتأثيره الكارثي على الاقتصاد.
وفي هذا السياق، كان لافتاً بالطبع ظهور ترامب نفسه مرتدياً الكمامة أثناء زياراته لمصنع فورد قبل أيام، وهي الصورة التي تم التقاطها له من جانب أحد العاملين في المصنع، ونشرها موقع The Hill الخاص بالكونغرس الأمريكي، يوم 22 مايو/أيار، في إشارة سلبية تماماً للرئيس ترامب.
تويتر يدخل على الخط
وكما يقول المثل العربي “المصائب لا تأتي فرادى”، تعرَّض ترامب لضربة أخرى حين قام موقع تويتر أمس الثلاثاء، 26 مايو/أيار، بوضع تنويه هو الأول من نوعه، حث فيه القراء على تقصي الحقائق في تغريدات نشرها الرئيس الأمريكي، محذراً من أن ادعاءاته بشأن الاقتراع بالبريد خاطئة ودحضها مدققون.
ولم يسكت ترامب وردّ على تحرك الشركة، متهماً منصة التواصل الاجتماعي في تغريدة بالتدخل في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2020، وقال “تويتر يخنق حرية التعبير تماماً، وأنا بصفتي رئيساً لن أسمح بحدوث ذلك”.
التنويه، الذي اتّخذ شكل علامة تعجب زرقاء طالب القراء “بتقصي الحقائق حول الاقتراع بالبريد” ووجّههم إلى صفحة تحتوي على مقالات إخبارية ومعلومات حول المزاعم، قام بتجميعها موظفو تويتر، وكان ترامب، الذي لديه أكثر من 80 مليون متابع لحسابه على تويتر، قد زعم في تغريدات في وقت سابق، أمس الثلاثاء، أنَّ الاقتراع بالبريد سينطوي على “احتيال إلى حد بعيد”، وسيؤدي إلى “انتخابات مزورة”، كما خصّ بالذكر حاكم ولاية كاليفورنيا بشأن هذه القضية، على الرغم من أن الولاية ليست الوحيدة التي تستخدم الاقتراع بالبريد.
وجاء في عنوان في أعلى الصفحة، يليه قسم “ما تحتاج إلى معرفته” الذي يصحح ثلاثة ادعاءات كاذبة أو مضللة في التغريدات “ترامب يدلي بادعاء لا أساس له بأن الاقتراع بالبريد سيؤدي إلى التلاعب بأصوات الناخبين”.
وأكد تويتر أن هذه هي المرة الأولى التي يطبق فيها إخطار لتقصي الحقائق على تغريدة من الرئيس الأمريكي، في امتداد لسياسته الجديدة “للمعلومات المضللة” التي بدأ العمل بها هذا الشهر لمكافحة المعلومات المضللة بشأن فيروس كورونا.
موقف ليس جديداً
هذا الموقف الذي اتخذه تويتر ليس جديداً في الواقع، وليس فقط وليداً لمتطلبات جائحة كورونا، بل يرجع إلى نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حين قررت الشركة منع نشر الإعلانات السياسية عبر المنصة، وقال وقتها الرئيس التنفيذي للشركة جاك دورسي: “رغم أن الإعلان عبر الإنترنت يمثل قوة هائلة ومؤثرة جداً بالنسبة للمعلنين التجاريين، فإن هذه القوة تجلب مخاطر كبيرة على السياسة”.
والمقصود بالإعلان السياسي هو المحتوى (مقطع فيديو على الأرجح) الذي يتم إرساله بطريقة آلية من خلال حسابات وهمية مبرمجة سابقاً، يستهدف شرائح محددة من جانب الأحزاب السياسية، ويستخدم تقنيات التزييف العميق للصور ومقاطع الفيديو بغرض التأثير على الناس.
ويستخدم هذه النوعية من الإعلانات المدفوعة كل طرف سياسي لاستهداف ناخبين أو جمهور يريد أن يؤثر في آرائه، وغالباً ما تحتوي تلك المقاطع على معلومات غير صحيحة أو غير مدققة أو كلام خارج سياقه، ولا تخضع تلك الإعلانات للتدقيق من جانب منصات التواصل الاجتماعي التي توصلها للملايين من مستخدميها.
ولكي نتصور مدى أهمية وتأثير تلك الإعلانات، نذكر هنا أن ترامب يدفع مليون دولار أسبوعياً لـ”فيسبوك” لنشر إعلاناته، بحسب الاتهام الذي وجَّهته إليه عضوة مجلس الشيوخ إليزابيث وارن، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وقامت هيئة الإذاعة البريطانية بتدقيق تلك المعلومة واتضح أنها صحيحة، حيث أنفقت حملة ترامب الانتخابية، خلال شهر سبتمبر/أيلول الماضي، مليون دولار أسبوعياً على الإعلانات.
وكلما اقترب موعد الانتخابات أكثر زادت سخونة المواجهة بين ترامب وبايدن، ويرى كثير من المراقبين أنه على المنافس الديمقراطي أن يقلل من ظهوره وتصريحاته ويترك ترامب ليخسر المزيد من رصيده، لكن على الجانب الآخر لا أحد يمكنه التكهن بما قد يحدث في الفترة المتبقية حتى موعد الانتخابات.
دعوة إلى تعميم الكمامات الشفافة
أصبحت صعوبة إدراك ما يقوله الناس، وهم يضعون كمامات الوجه في العمل أو في المحال التجارية، جزءا من الحياة اليومية لكثيرين منا.
لكن الأمر يختلف بالنسبة إلى الصم أو من يعانون من ضعف السمع، لأن الكمامات تحول بينهم وبين فهم أي شيء على الإطلاق.
وتقول فيز إيزاغارين، طبيبة الأطفال البريطانية التي أصيبت بالصمم وهي في سن الثانية: “قد تكون تتكلم لغة أخرى، كالفرنسية مثلا”.
“أستطيع أن أسمع كلمة أو كلمتين، لكن هذا لا معنى له .. إذا كان شخص ما يضع كمامة فإنني أفقد القدرة على قراءة حركة شفاهه، أو تعابير الوجه، وأفقد العناصر الأساسية التي تعين على فهم الكلام”.
وهذه مشكلة يشاركها فيها حوالي 466 مليون شخص في أنحاء العالم، ممن يعانون من إعاقة في السمع، بحسب ما تقوله منظمة الصحة العالمية.
وأخذت كمامات الوجه المعتادة تنتشر مع سعي البلدان إلى وقف انتشار فيروس كورونا، لكنها تجعل الكلام غامضا وتعيق حركة الفم.
غير أن هيئات خيرية ومصانع توصلت إلى حل لهذه المشكلة.ومن بين تلك الهيئات جمعية (مين دان لا مين) الفرنسية التي تدعم الأشخاص الصم أو من يعانون من ضعف السمع في شمال فرنسا، والتي صنعت كمامة بفتحة شفافة.
وعملت مؤسستها كيلي موريون مع أمها سيلفي، على وضع تصميم يغطى فيه الأنف، لكنه يُبقي الفم مرئيا، ويمكن غسل الكمامة في درجة حرارة عالية للحد من العدوى.