لم يكتملْ مشهدُ السبتِ الابيض حتى عالجته قوىً مسلحةٌ بقدسيةِ السلاح .. فانتهى السبتُ الى شغَبٍ ومطارداتٍ وحالاتِ تكسيرٍ لأملاكٍ عامةٍ وخاصةٍ ووقوعِ جرحى في صفوفِ المتظاهرين والقُوى الأمنيةِ على حدٍّ سواء. وال 6 6 بدأ بروح السابعَ عشَرَ مِن تِشرين وشعاراتِها ومطالبِها العصيّةِ على التنفيذ حيث كان المتظاهرون يعرِضون معاناتَهم معَ سُلطتين : سابقةٍ نهبت .. وحاليةٍ لم تُقلّعْ بعد .. وتسنّى للناس قولُ ما في حَنْجَرتِها مِن حالاتِ غضبٍ وحَنَقٍ على أموالٍ هُدرت.. مصارفُ احتَجزت .. قضاءٌ يَشتبكُ معَ قضاء .. ومرسومُ تشكيلاتٍ يضيعُ عندَ مُنتَصَفِ الطرُقِ الرئاسية لكنْ وقبل استكماِل رفعِ الصوت وصلت اصواتٌ غائرةٌ حائرةٌ تندُبُ حدثًا لم يحدُث.. وتُطلقُ شعاراتِ الحِفاظِ على سلاحٍ محفوظٍ وليس موضعَ نقاش. ومِن قلبِ التظاهر رفعَ ناشطون مطلَبَ تطبيقِ القرارِ ألفٍ وخمسِمئةٍ وتسعةٍ وخمسين غيرَ أنّ هؤلاءِ لم يتعدَّوا ” كرتونتَهم ” المرفوعةَ ولم يكونوا مقرّرينَ وليسوا أكثرَ مِن زوبعةٍ بلا فِنْجان إذ إنّ جميعَ المكوِّناتِ السياسيةَ في لبنانَ هي على يقينٍ أنّ مسألةً بحجمِ نزعِ سلاحِ حِزبِ الله لا تُطرَحُ في ساحةِ تظاهر .. وأنّ القرار رقْم الفٍ وتسعِمئةٍ وتسعةٍ وخمسين ولدى صدورِه قبلَ خمسةَ عَشَرَ عامًا وضعَه لبنانُ على أبعدِ رفوفِه السياسيةِ لأنه صدَرَ مِن دونِ استشارةِ الدولةِ اللبنانيةِ بحسَبِ كلامٍ للرئيس حُسين الحُسيني في أيلولَ عامَ ألفينِ وأربعة واليوم وبعد خروجِ سوريا من لبنان وإحداثِ حزبِ الله معادلةَ توزانِ الرّعبِ في سلاحِه معَ العدوِّ الإسرائيليّ فإنّ كلَّ المطالبِ بتطبيقِ هذا القرارِ أصبحَت على طاولاتٍ أخرى وليس في شوارعِ التظاهرِ التي لها ناسُها ومطالبُها. حتّى إنّ رئيسَي حِزب ِالقواتِ اللبنانية سمير جعجع وحِزبِ الكتائب سامي الجميل أدليا اليومَ بمواقفَ متقدّمةٍ تستحقُّ كلَّ ثناءٍ لإبعادِهما مِلفَّ السلاحِ عن شارعٍ له عناوينُه المحقة . وقال جعجع إنّ الأهدافَ التي تحرّكَ الشعبُ اللبنانيُّ برمتِه مِن أجلِها، مِن شَمالِ لبنان إلى جنوبِه، ومِن بحرِه إلى سهلِه، هي أهدافٌ معيشيةٌ إصلاحية. لذلك، من المُهمِّ جداً التزامُ هذهِ الأهدافِ بغيةَ الوصولِ إلى تحقيقِها وعدمِ تشتيتِ الجهودِ في اتجاهاتٍ مختلفةٍ يمكنُ أن تؤدّيَ إلى إحباطِ الحَراك. فيما رأى الجميل أنّ موقِفَ حِزبِ الكتائبِ مِن حِزبِ الله معروف وبالنسبةِ لنا الساحةُ اليومَ للأمورِ المشتركة ِوليست للأمورِ الاختلافيةِ بين الناسِ وأنَّ مشاركتَنا في التظاهر هي لاستكمالِ كلِّ ما أنجزَ منذُ السابعَ عشَرَ مِن تِشرين، وبانسحابِ القواتِ والكتائبِ مِن مَطلَبِ نَزعِ السلاحِ مرحليًا وانتزاعِ هذا المِلفِّ من قلبِ تظاهراتٍ محقةٍ فإنّ الجبهةَ اقتَصرت على اللواء أشرف ريفي الذي كشف عن تنسيقٍ معَ ” الأخ” بهاء الحريري لكنّ ريفي لا يَلوي على صُندوقةٍ انتخابية وليس صُندوق سلاح .. فيما الحريري الثاني الكبيرُ لا يزالُ في طَورِ النموّ ويبحثُ عن سلاحِ العودةِ الى ساحاتٍ نسِيت سَحنتُه منذُ واقعةِ ” يا قوم ” الشهيرة . وعليه فإن كلَّ هذا الرعبِ اليوم لم يكن له رجال ..وجاءَ على النيات ومن دونِ مسوِّغاتٍ وأسبابٍ موجِبةٍ تدفعُ الى الهلعِ والتخوّف والاستنفار الذي اتّخذ شكلَ العُنفِ مِن ساحةِ الشهداءِ الى الواجهةِ البحريةِ وصولاً لاحقًا إلى أحياءِ محورٍ مِن زمنِ الحرب وهو الشياح عين الرمانة علمًا أنّ على ضفافِ المِنطقين : خطُّ جوعٍ وحِرمانٍ مشترك .
أهم الأخبار
لم تمر تظاهرة الأمس 6 يونيو/حزيران 2020، في وسط، بيروت مرور الكرام، بل أعادت فتح باب الاشتباكات المسلحة والاستفزازات الطائفية والمذهبية التي أعادت لبنان لمرحلة ما قبل انتفاضة 17 تشرين الأول (أكتوبر)، والتي اعتقد اللبنانيون أنها دفنت مرحلة ولت من الصراعات الطائفية، كان آخرها حادثة قبرشمون الصيف الماضي، والتي كادت أن تؤدي لإعادة حرب جبل لبنان بين المسيحيين والدروز، لولا التدخل السياسي حينها لمعالجة ذيول الحادثة.
وكانت المجموعات الثورية في الانتفاضة تحضر لإعادة الزخم للساحات اللبنانية بعد عيد الفطر وانخفاض أعداد الإصابة بفيروس كورونا، كانت الاجتماعات خلال الفترة الماضية بين تلك المجموعات تناقش المرحلة الأولى لانطلاق الثورة، وتعيد تقييمها للاستفادة من ثغرات حراك 17 تشرين الأول (أكتوبر)، واستكمال ما وصلت إليه الانتفاضة كان الجامع الأوحد لتلك المجموعات، ومواقفها الثابتة التي تتفق على رفض أداء الحكومة، وتطالب باستقالتها، وخاصة بُعيد الموقف السلبي لصندوق النقد الدولي من الخطة المالية التي عملت عليها الحكومة خلال المرحلة المنصرمة، والتي بحسب مصادر خاصة لعربي بوست فإن الصندوق سيوجه رسالة تحذيرية للبنان، يقول فيها إنه بحال استمر هذا الأسلوب من المماطلة في العمل فهو مضطر لوقف المفاوضات، زاعماً أن الحكومة لم تُظهر الجدية في هذا الملف حتى الآن.
بالإضافة للمواقف السلبية للمجتمع الدولي من الأزمة اللبنانية، وتحديداً الإدارة الأمريكية التي تصر، وفق مصادر، على فرض بندين اثنين في عمل أية حكومة لبنانية قادمة، الأول إجراء إصلاحات جدية في قطاعات الكهرباء والاتصالات والإدارة العامة، والثاني الحد من سيطرة حزب الله على الحكومة ومفاصل الدولة ووقف تغوله في المؤسسات.
من جهة أخرى، وأمام هذا الواقع الدولي الرافض لأداء حكومة حسان دياب، عملت المجموعات الثورية على التحضير للعودة للميدان اللبناني، في ظل محاولات قوى سياسية استغلال الشارع لتمرير أجندتها واختطاف قرار الحراك وتوجيهه باتجاهات مختلفة.
وأمام حالة التخبط وصراع الشعارات أعلنت مجموعات مشاركة في التظاهرة الانسحاب لرفضهم الحديث في الوقت الحالي عن سلاح حزب الله، معبرين عن سخطهم المتكرر لمحاولة إحباط الثورة وأبرز التيارات المنسحبة هي الحزب الشيوعي والمجموعات اليسارية والعسكريين المتقاعدين، هذا ما أدى إلى تراجع زخم مشاركة السبت الفائت.
شعارات طائفية
وبين مطالب الانتخابات النيابية المبكرة وتطبيق القرار الدولي 1559 بشأن سلاح حزب الله، والعناوين المعيشية الأخرى، انقسمت شعارات الساحة كما كان متوقعاً، فقد سادت حالة من الانقسام والبلبلة بين المتظاهرين بساحة الشهداء وسط بيروت، إلى أن فعلت الشائعات أفاعيلها.
فقد أشيع أنه تم اختطاف أحد الشبان في طلعة بشارة الخوري القريبة من ساحة التظاهرة، فتوجّه مئات المشاركين إلى المنطقة، حيث كان قد خرج العشرات من أنصار الثنائي الشيعي “حزب الله وحركة أمل” لترديد شعاراتهم الطائفية التي تضمنت تطاولاً على أسرة الحريري، وهتف ضد فريق سمير جعجع وأهل بيروت. هتف هؤلاء ضد الثورة و”مع الحسين”، ثم “شيعة شيعة”، وكالعادة في كل تظاهرة فقد تسلّحوا بالعصي واستخدموا خراطيم المياه كهراوات، وتنقّلوا بين مسلكي الطريق في محاولة اختراق الحاجز الأمني الذي شكلته عناصر من الجيش اللبناني، ونجحت في إبعادهم على مراحل.
لكن سرعان ما كانوا يعودون مجموعات، ليجتمعوا تحت جسر الرينغ ويكررون هتافاتهم. واستمرّ الوضع على حاله لساعات، إلى أن تسربت مقاطع مصورة تظهر فيها مجموعات شيعية تتطاول على أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها، ما وتّر الشارع وأدى لاحتقان طائفي سني- شيعي في بيروت، تحوّل إلى اشتباكات بين مناصرين لحزب الله من جهة وتيار المستقبل من جهة أخرى، حتى ساعات الصباح الأولى، حيث عمل الجيش اللبناني على محاصرة الاشتباك والحد من تمدده لباقي المناطق الأخرى.
الحزب وبشار الأسد
ميدانياً، عاد خطاب سلاح حزب الله ودوره في فرض المعادلة اللبنانية لصلب خطاب أحزاب فريق ما سمي 14 آذار، حيث حمل حزبا الكتائب والقوات وشخصيات بقايا هذا الفريق شعار سحب سلاح حزب الله وتنفيذ القرار 1559 الصادر في العام 2004، والذي يطالب الحزب بتسليم سلاحه وسحب سلاح الفصائل الفلسطينية في مخيمات اللجوء اللبنانية، وترسيم الحدود بين سوريا ولبنان لوقف عمليات التهريب المستمرة، وتَرافق هذا الخطاب مع مشروع قانون قيصر الأمريكي الذي يجرّم التعامل مع نظام بشار الأسد، وكانت القوى الثورية تنظر بعين الريبة إلى تسويق خطاب سيؤدي إلى استفزاز شريحة لبنانية تؤمن بسلاح المقاومة وتحديداً البيئة الشيعية المتمسكة بحزب الله ومشروعه في لبنان والمنطقة، حاولت القوى الثورية مراراً نفيها المتكرر لحمل هذا الشعار، ليس في جوهره وإنما لإيمانها بأن المطالب المعيشية والاقتصادية هي أولوية اللبنانيين أكثر من ملف سلاح الحزب وجماعاته بحجة الدفاع عن لبنان.
وهذا ما أكده مصدر من إحدى الفرق الثورية، ، فضّل عدم الكشف عن هويته، ويرى أن سلاح حزب الله يغطي ربما ممارسات الفساد لأحزاب الحكومة، خاصةً حليفه الوزير جبران باسيل المصرّ على خطاب تعبئة المسيحيين ضد أي تحرك مطلبي في الشارع، ومحاولة فرض مشروع معمل كهرباء سلعاتا الذي سيكلف الدولة العاجزة مئات الملايين وهي في حالة إفلاس ممنهج، ليتمكن باسيل من مخاطبة المسيحيين بأنه بنى لهم محطة كهرباء. لكن وبحسب المصدر، فإن شعار سحب السلاح سيكون عامل جلب لخطاب مذهبي في الوقت الحالي، وسيكون أداة فريق الحكومة للانقضاض على تحركات مطلبية شعبية تطالب بالرغيف والاستشفاء والكهرباء.
الزعامة والفوضى
وعلى الصعيد السياسي، تعيش الساحة السنية اللبنانية حالة من الصراع اللامحدود بين مكوناتها، فتيار المستقبل وبحسب متابعين يعيش تراجعاً ملحوظاً وانكفاء عن السياسة بشكل متسارع، وبدا هذا التراجع خلال اشتباكات الأمس، حيث عمل مناصرو “المستقبل” على إحداث الفوضى في طرابلس وصيدا وبيروت دون التفكير في تبعات الأمر ومآلات الأمور، فيما يسعى وزير الداخلية السابق نهاد المشنوق بعد انشقاقه عن تيار المستقبل لتأسيس حالة ضمن صف “المستقبل”، وتأسيس تجمع سياسي يلعب لعبة الانضمام إلى الثورة ولبس ثوبها عبر محاولات متكررة للعمل على استقطاب مجموعات ثورية لتنضم إلى مشروعه السياسي، ويضمه إلى جانب ممتعضين من أداء سعد الحريري خلال فترة التسوية بين الأخير والوزير السابق جبران باسيل رئيس التيار الوطني الحر.
حيث انضم إلى ركب المشنوق المفكر السياسي اللبناني الشهير رضوان السيد، الذي كان أحد أهم مستشاري الرئيس الراحل رفيق الحريري ثم نجله سعد، لينفصل عن الحالة الحريرية عقب اتفاق باسيل-الحريري العام 2016، حيث يتمتع الرجل بعلاقات واسعة عربية اكتسبها في زمن العهد الحريري منذ العام 1944 وحتى اليوم، حيث يدور الرجل في الفلك الإماراتي السعودي. كان المشنوق قد دعا مناصريه إلى المشاركة في تظاهرة السبت تحت عناوين سحب السلاح واستقالة الحكومة، وبموازاة المشنوق ينشئ تيار المنتديات التي يدعمها شقيق سعد الحريري بهاء، الذي يسعى لخلافة الزعامة من شقيقه عبر دعم أنشطة المنتديات السياسية وسحب البساط الشعبي من شقيقه عبر خطاب المظلومية السنية.
وقالت مصادر تتابع حركة بهاء الحريري، ، إن الرجل يمارس لعبة دفع المال مقابل الولاء، ويعمل عبر مسيّري أعماله على استجلاب مفاتيح المناطق الشعبية التي تدور في فلك تيار المستقبل، حيث حشد فريق منتديات بهاء الحريري، للسبت 6 يونيو/حزيران، من مناطق سنية مختلفة تحت شعار سحب السلاح، وشاركوا في المواجهات مع مناصري حزب الله وسط بيروت خلال التظاهرة الحاشدة.
“الكتائب” ليس ضد السلاح
من جهته يرفض رئيس حزب الكتائب، سامي الجميّل، مقارنة حزبه المشارك في الحراك منذ العام 2015، ويؤكد خلال لقاء دردشة مع الصحفيين، رفضه لمحاولة السلطة وأجهزتها التسويق لفكرة الاختلاف بالعناوين والمطالب وتحديداً سلاح حزب الله، معتبراً أن ثمة “شائعات وحملة مخابراتية مبرمجة لتخويف الناس وإيهامهم بافتعال مشاكل حتى لا ينزلوا إلى الشارع”. وأكد عدم صحة رفع أي شعار يخص حزب الله وسلاحه، لافتاً إلى استمرار حزب الكتائب في رفع شعارات 17 تشرين الأول (أكتوبر)، “والاستمرار بالعناوين نفسها التي أُطلقت منذ 8 أشهر، والانتخابات النيابية المبكرة أحدها”. وشدّد الجميّل على أنه “لم نخرج ولن نخرج عن المطالب الأساسية”، معتبراً أن الطريقة الوحيدة لإعادة إنتاج سلطة جديدة هي إما بالانتخابات المبكرة وإما بالثورة العنفية، حيث يجدد الجميّل رفضه للعنف أو الانقلابات العسكرية.
سلاح الحزب خط أحمر
فيما يرفض حزب الله مجرد النقاش في ملف سلاحه، ويجدد مصدر مسؤول بالحزب لـ”عربي بوست”، تشديده على أن مناقشة ملف السلاح غير واردة عند الحزب، ويؤكد أن حزبه يقف مع مطالب الناس ويؤيدها، ويدرك أن الواقع يزداد سوءاً، لكنه وبحسب المصدر يؤكد أن الحزب يسعى عبر الحكومة الحالية إلى تجاوز الأزمة الاقتصادية عبر خطط إصلاحية تعمل الحكومة عليها.
ورفض المصدر الذي رجح عدم ذكر اسمه، اتهام الحكومة بأنها حكومة حزب الله، قائلاً هي حكومة مستقلين واختصاصيين تتلقى دعماً من حزب الله كما بقية الأطراف السياسية، وأن الحديث عن السلاح ليس جديداً، وأن قوى سياسية تسعى لتنفيذ أجندات أمريكية للضغط على المقاومة التي تصر على حماية البلد واستقراره.