من مسلسل رامي:
بعد النجاح الباهر الذي تلقاه الجزء الأول من مسلسل Ramy والذي أهلَّ بطله “رامي يوسف” لنيل جائزة غولدن غلوب في يناير/كانون الثاني، سيتم عرض الجزء الثاني من العمل على شبكة Hulu.
يعرض المسلسل ما يشبه سيرة ذاتية لشاب أمريكي من أصول مصرية، وهو يعاني من صراع الهوية والتخبط في مجتمع يتناقض مع قيم أسرته المتدينة. وقد تم تقدير العمل من قبل النقاد؛ لكونه واحداً من الأعمال القليلة التي عكست صورة موضوعية عن مسلمي أمريكا وابتعدت عن الصورة النمطية عن المسلمين والتي حاول التلفزيون الأمريكي ترسيخها لسنوات.
مسلسل Ramy للأميركي ذو الأصول المصرية “رامي يوسف”
المسلسل من إخراج وبطولة الممثل الأمريكي ذي الأصول المصرية “رامي يوسف”، الذي يقدم في هذا العمل الكوميدي ما يشبه سيرة ذاتية عن حياته الشخصية كمسلم أمريكي يعاني من أزمة هوية وصراع ما بين قيم عائلته من ناحية وقيم مجتمعه من ناحية أخرى.
وحسبما ورد في صحيفة New York Times الأمريكية، ينظر عديد من النقاد إلى المسلسل على أنه من الأعمال القليلة التي نجحت في تجسيد التجربة الواقعية لمسلمي أمريكا.
في الوقت الذي عانى فيه المسلمون من تجسيدهم بصورة نمطية في التلفزيون الأمريكي لسنوات عديدة.
الصورة النمطية للمسلمين في التلفزيون الأميركي
لطالما تم تصوير المسلمين في المسلسلات الأمريكية من منظور ضيق، فإما أن يتم تصويرهم على أنهم أشخاص خبثاء وشريرون كما في مسلسل Homeland، وإما أن يتم تصويرهم على أنهم ضحايا يحاولون إيصال رسالة، مفادها “نحن أكثر من مُجرّد إرهابيين”.
وفي الحالتين نادراً ما كانت تلك الأعمال تحظى بشعبية ونجاح باهر على شاشات التلفاز.
فمع مسلسلات مثل الكوميديا القصيرة من شبكة CW الأمريكية Aliens in America، ومسلسل Halal in the Family على الإنترنت، بدت جهود تكوين صورة حقيقية عن المسلمين أشبه بإعلانات الخدمة العامة وليس الأعمال الفنية.
فضلاً عن برنامج تلفزيون الواقع All-American Muslim على شاشة TLC الأمريكية، والذي كان يحمل كثيراً من النوايا الجيدة، لكنّه لم يحظَ بكثير من المشاهدات.
إذ قالت زارينا غريوال، أستاذة الأديان بجامعة ييل: “كان البرنامج سيئاً للغاية، لأنّه خرج عن سياق برامج تلفزيون الواقع الأخرى حين قرّر أن يكون الوحيد الذي يُقدّم المحتوى التعليمي”.
مع العلم أن زارينا قد نشأت بالقرب من ديربورن في ولاية ميشيغان، التي تُعَدُّ موطناً لواحدةٍ من كبرى الجاليات المسلمة في البلاد، فضلاً عن أنّها موقع تصوير All-American Muslim.
وأردفت: “كانوا يشرحون الإسلام كما ورد ذكره في موقع Wikipedia، ولم يُقدّم البرنامج أيّ صراعٍ حقيقي. إذ أخذ نفسه على محمل الجد أكثر من اللازم”.
أعمال أكثر واقعية عن المسلمين في التلفزيون الأمريكي
مع ذلك شهدت السنوات القليلة الماضية وجوداً أكبر لمسلمي أمريكا على شاشات التلفزيون بطريقةٍ جديدة بدت أكثر واقعية وتقبُّلاً من المسلمين الأمريكيين أنفسهم.
ففي 2020، عاد مراسل برنامج Daily Show السابق، حسن منهاج، إلى شبكة نتفلكس لتقديم الموسم السادس من برنامج Patriot Act.
في حين عُرِضَ فيلم السيرة شبه الذاتية Hala، للمخرجة الباكستانية الأمريكية منهال بايج، على خدمة Apple TV Plus للمرة الأولى في الخريف الماضي.
كما كان مسلسل Ramy من الأعمال التي نجحت من وجهة نظر البعض، في الابتعاد عن تنميط المسلمين الذي استمر سنوات عديدة في التلفزيون الأمريكي.
مسلسل Ramy يعكس تجربة رامي الشخصية
لاقى مسلسل Ramy نجاحاً باهراً؛ لكونه عملاً فنياً في المقام الأول، وهو سبب حصول يوسف على جائزة غولدن غلوب عن هذا العمل في يناير/كانون الثاني.
فضلاً عن أن النقاد وجدوا فيه عملاً “حقيقياً”؛ لعكسه تجربة واقعية بصدق من ناحية، وبمسحة كوميدية لطيفة من ناحية أخرى.
وقد قال رامي يوسف، بطل العمل، في إحدى مقابلاته: “لقد نشأت في أمريكا، وهوية المسلم والعربي ترتبط بنسبةٍ كبيرة بالأوضاع السياسية. وقد أصبح الأمر مُملاً بعض الشيء. لذا فإنّ أفضل ما يمكن فعله هو صناعة مسلسل يتجاهل السياسة تماماً. يُمكنني صناعة مسلسل صادق حول الأمور التي أرغب في مناقشتها حقاً.
كنت طالباً في السنة الثانية من الجامعة بفرجينيا إبان أحداث الـ11 من سبتمبر/أيلول، واتضح أنّ جيلي من المسلمين الأمريكيين سينشأ مغموراً بخطاب (صراع الحضارات)”.
وإبان بحثه في تناقضات وكوميديا رحلته الروحانية الخاصة، قال يوسف إنّه أراد لشخصية رامي في مسلسله أن تُمثّل تصويراً فوضوياً للتصالح مع النفس.
وأضاف عن الشخصية: “المُثير بالنسبة لي أنّه ليس شخصاً يُحاول الانفصال؛ بل هو شخصٌ يُحاول خلق اللحظة التي يعيشها”.
جرأة في تصوير الأحداث عرضت العمل للانتقادات
لم يخلُ العمل من الجرأة التي انتقدها البعض ووجد فيها البعض الآخر نقطة قوة ساهمت إلى حد كبير في رواج المسلسل.
إذ كانت هناك حلقات في الموسم الأول تدور حول الجنس، وإدمان المواد الإباحية، ومعاداة السامية، وحتى الصداقة الخيالية مع أسامة بن لادن.
كل ذلك مع الحفاظ على الطابع المستقل والكوميدي لسير الأحداث.
وقال منهاج في إحدى مقابلاته: “أتذكر مشاهدة الحلقات الأولى وأقول لنفسي بصفتي كاتباً: يا إلهي، لا أُصدّق أنّه فعل ذلك. لم أكُن أُصدّق ما أشاهده”. وانتقل إلى الحديث عن يوسف قائلاً: “أنا أحترمه لهذا السبب: قدرته على تناول التقلّبات بكل جراءة”.
ويُدرك منهاج، المعروف بسخريته الجريئة، جيداً نوعية الضغوطات المزدوجة التي فُرِضَت على الفنانين المسلمين خلال السنوات الأخيرة، خصوصاً بعد تولي ترامب الرئاسة وفرضه قيوداً شديدة على هجرة المسلمين إلى الولايات المتحدة.
لكن مع ذلك، شهدت خدمات البث عبر الإنترنت نهضة حقيقية في هذا الخصوص، فقد أثبتت استعدادها للمخاطرة مع الأصوات الأقل تمثيلاً والنجوم الصاعدين.
وشملت تلك المخاطرات رهان Hulu على عملٍ كوميدي النص، مدته نصف ساعة من يوسف.
وربما لم يكُن رامي في المسلسل هو البطل المحبوب الأكثر بلاغة، إذ حوّل يوسف شخصيته على الشاشة إلى بطلٍ مُتعثّر بحاجةٍ إلى الأمان، لكنّه صار فوراً واحداً من أكثر الشخصيات صدقاً وواقعية.
وأوضح منهاج: “لم نشهد هذا المستوى من الفروق الدقيقة في السابق مُطلقاً. فحين كُنا نعرض أعمالنا للمرة الأولى في كثيرٍ من الأحيان سابقاً، كنا نشعر بالمسؤولية المجتمعية التي تفرض علينا تعريف المشاهدين بأنفسنا سريعاً في البداية، ثم كشف زيف الميول العنصرية السائدة بالبلاد. لكن أكثر ما أعجبني في مسلسل Ramy هو أنّ ذلك التمهيد المطلوب قد تم بالفعل”.
ومنهاج ويوسف هما من بين عديد من كُتاب السيناريو المسلمين الذين رفضوا بشكلٍ قاطع، الموقف الدفاعي الذي شعر رواة القصص المسلمون في السابق بأنّهم مُجبرون على تبنّيه من أجل العلاقات العامة.
وقال منهاج عن ذلك الخط الإبداعي: “إنّه أمرٌ يحسب له صُنّاع الفن المسلمون ألف حساب ويُحاولون حسمه في أعمالهم. يُمكن إثبات وجهتي نظر صحيحتين في الوقت ذاته. ويجب السماح للناس بالتفرُّد داخل مجتمعاتهم”.
وما تزال هناك الكثير من القصص المُعقّدة التي لم تُروى بعد. إذ تحدّث منهاج عن أمله في أنّ العودة الناجحة لمسلسل Ramy “ستفتح الباب أمام أعمالٍ فنية أكثر تعقيداً وتنوّعاً في منظورها في المستقبل”.