بعد أيام على تصريح مدير العمليات المصرفية في مصرف سوريا المركزي، فؤاد علي، بأنه تم «ضرب معاقل السوق السوداء، والأشخاص وشركات الحوالة التي تلاعبت بسعر الصرف وخالفت أنظمة القطع». بدأ سعر صرف الدولار الأميركي ينخفض بسرعة توازي تقريباً السرعة التي صعد بها، وبعد أن بلغ ذروته متجاوزاً عتبة الـ3500 ليرة سورية.
ورجحت مصادر في دمشق لـ«الشرق الأوسط»، أن يكون النظام قد لجأ إلى شن حملة مشددة لملاحقة المتعاملين بالدولار، لتخفيف الضغط الروسي الذي يطالبه بلجم الفساد والحدّ من الهدر في مواجهة تداعيات قانون «قيصر». وكان المرصد السوري لحقوق الإنسان، قد كشف عن أن روسيا أعطت أوامرها بسحب جميع حواجز «الفرقة الرابعة» المنتشرة على كامل مناطق سيطرة النظام. غير أن ماهر الأسد شقيق الرئيس وقائد «الفرقة الرابعة» في «الحرس الجمهوري»، رفض الأوامر رفضاً قاطعاً، ولم يتم سحب الحواجز حتى اللحظة.
وتحولت حواجز الفرقة الرابعة، خلال الحرب، إلى مراكز لفرض الإتاوات على شاحنات البضائع القادمة إلى البلاد عبر الموانئ والحدود البرية، الشرعية منها وغير الشرعية. وتسيطر الفرقة الرابعة على عمل الجمارك العامة وتتقاسم معها جباية الأموال من المستوردين وعصابات التهريب. وهي مبالغ تضاف على قيمة البضائع التي تختلف أسعارها بين منطقة وأخرى بحسب عدد الحواجز التي اجتازتها.
وفي سياق لجم التهريب لدعم الاقتصاد المتهاوي، كان رئيس الوزراء السوري عماد خميس، قد أقر قبيل إقالته من منصبه بساعات قليلة، إجراءات جديدة لضبط الحدود تتضمن في المرحلة الأولى «التشدد بضبط المعابر والمناطق الحدودية لمنع دخول المهربات»، والمرحلة الثانية «التشدد بمحاربة التهريب على الطرق الدولية ومداخل المدن الرئيسة». وطالب الوزارات المعنية بتبسيط إجراءات الاستيراد والتصدير ومنح إجازات الاستيراد وتوسيع قائمة المستوردات، بهدف تأمين المستلزمات الأساسية وإعداد قائمة بالمواد الأكثر تهريباً من وإلى سوريا، في دراسة لقائمة المواد الأولية اللازمة للإنتاج التي يتم إدخالها بشكل غير شرعي ليتم اتخاذ القرارات التي تضمن استيرادها بطرق نظامية. كما تضمنت الإجراءات إلغاء حصرية تنظيم بيان التصدير في أمانة جمارك حدودية، وإلغاء حصر التصدير إلى بلد معين عبر معبر واحد. ولا يعلم بعد عما إذا كان رئيس الحكومة الجديد حسين عرنوس سيعمل على تطبيق هذه الإجراءات التي ستصطدم بنشاط الفرقة الرابعة المتحكم بمفاصل اقتصاد الظل في سوريا. كما سبق واصطدمت إجراءات التقشف الحكومية بنشاط رجال أعمال داعمين للنظام، حيث كان لافتاً تصريح وزير الصناعة السوري محمد معن زين العابدين جذبة، الأخير، بأنّ صناعة تجميع السيارات كانت تستنزف من الخزينة مبلغ 80 مليون دولار شهرياً (…)، وإنّ دعم هذه الصناعات لم يقدم أي قيمة مضافة للاقتصاد الوطني.
المعارض السوري أيمن عبد النور في تعقيبه على تصريح وزير الصناعة، قدر حجم الخسائر منذ 2017 لدى صدور الترخيص لثمان شركات بتصنيع السيارات، بنحو 3 مليارات دولار خلال 3 سنوات من العمل، خمسة منها فقط عملت، وتعود لرجال أعمال سوريين معروفين، يضاف إليها بحسب، عبد النور، الخسائر المترتبة على إعفاء قطع السيارات الداخلة في الإنتاج، من الجمارك، وفق مرسوم رئاسي صدر دون العودة إلى مجلس الشعب بداية عام 2017.
مدير العمليات المصرفية فؤاد علي الذي تعهد «بمزيد من التحسن في سعر الصرف خلال الأيام المقبلة»، لم يوضح السياسة أو الطريقة التي سيعتمدها المصرف لتحقيق ذلك. كما لم يوضح رسمياً أسباب الانهيار المخيف الذي طرأ على قيمة الليرة خلال أيام قليلة الأسبوع الماضي، سوى «تحميل المسؤولية للمضاربين والمتلاعبين في سوق الصرف ومن خلفهم القوى العالمية التي تفرض عقوبات اقتصادية على سوريا».
من جانبه، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، بأن النظام استخدم «قبضته الأمنية» في تحسين قيمة الليرة السورية، فقد شن «حملة كبيرة على الصرافين الذين يعملون ضمن السوق السوداء، وصادر كميات ضخمة من العملات الأجنبية، مما أثر إيجابياً على قيمة الليرة السورية.
هذا وقد سجلت الليرة السورية، أمس الأحد، في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام شمال البلاد سعر 2150 للشراء و2250 للبيع أمام الدولار، وفي مناطق سيطرة النظام، سجلت الليرة السورية سعر 2075 للشراء و2150 للبيع أمام الدولار. وكانت تقارير إعلامية قد ربطت بين تراجع سعر صرف الدولار في سوريا وارتفاعه في لبنان، وسط اتهامات بتهريب الدولار من لبنان إلى سوريا، حيث وصل سعر صرف الدولار الأميركي في لبنان ليل الخميس الماضي، إلى نحو 5 آلاف ليرة لبنانية. وأشارت تقارير إلى أن «حزب الله» يسيطر على سوق الصرف في المناطق الحدودية مع سوريا (شتورا وعنجر ورياق وبعلبك)، وأن هناك من قام بشراء كميات من الدولار تفوق حجم السيولة المتوفر لدى الصرافين، ولفتت التقارير إلى أن تهريب الدولار إلى سوريا يتم عبر طرق غير شرعية. ولمح إلى ذلك زعيم (القوات اللبنانية) سمير جعجع، عبر تغريدة له في (تويتر) قال فيها: «لجم تدهور سعر صرف الليرة لا يكون بخسارة مزيد من الدولارات من المصرف المركزي، والتي أغلب الظن ستذهب إلى سوريا».