مما لا شكّ فيه، ان واشنطن تراجعت تكتيكياً في الجولة الأولى من مواجهتها مع “حزب الله” في الداخل اللبناني، بعدما لوح الحزب بسلسلة خطوات منها الخطوات العسكرية، والخطوات المرتبطة بفتح الحدود أحادياً من والى سوريا، عاد الأميركيون عن قراراتهم الراديكالية السابقة، بزيادة المبادرات السياسية من زخمها ولاحت في الأفق إمكانيات دعم مالي من دول مثل الكويت وقطر، وهي التي لم تكن واردة او الأصح لم يكن من الوارد ان تسمح بها واشنطن، والأهم هو ما بدأ يحكى عن إستثناءات ستُمنح للبنان في قانون قيصر.
لم يكن لرئيس الحكومة حسان دياب دور في الكباش الحاصل بين واشنطن و”حزب الله”، اذ ان قدرته على الفعل في ظل هذا الصراع توازي الصفر، لكن التجلي الأفضل للتراجع الأميركي ظهر في السراي بزيارة مطولة قامت بها السفيرة الأميركية دورثي شيا اليها، بعدما كانت اعلنت في اكثر من جلسة ان دياب is over.
لهذه الأسباب ولأسباب اخرى، تراجع سعر صرف الدولار الأميركي من ١٠ الاف ليرة الى حدود الـ٦٠٠٠ ليرة لبنانية، لكن هذا لا يعني ان الأزمة انتهت، كما ان التراجع الأميركي لا يعني ان واشنطن هزمت في معركتها الحالية ضد “حزب الله”.
الانعطافة الاميركية اربكت “حزب الله”، وهي على الرغم من انه كان يتوقعها، غير انها جاءت سريعة جداً، منعته من القيام بأي خطوة من خطوات تخفيف الأزمة على بيئته، اذ ان تخفيض سعر صرف الدولار الى حدود الـ٤٠٠٠ لن يحل الأزمة المعيشية، لكنه بالمقابل لن يعطي حجة كافية لـ”حزب الله” للإنتقال الى الخيارات الجذرية، مثل استقبال سفن ايرانية او فتح الحدود مع سوريا او غيرها، وتالياً لم يعد الحزب نظرياً قادرا على الاستثمار شعبياً في الأزمة ولا حتى استراتيجياً من دون ان تكون الأزمة قد حلّت في الأصل.
غيّر الأميركيون استراتيجيتهم فقط، هم ووفق مصادر شديدة الإطلاع، يحاولون العودة الى المفاوضات في ملف الترسيم البحري للحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، وقد فتحت شيا هذا الحديث مع اكثر من مرجعية لبنانية زارتها في الايام الماضية.
عوامل كثيرة في الإقليم قد تكون دفعت الاميركيين الى تهدئة اللعب في الساحة اللبنانية، منها عودة العمليات العسكرية ضد القوات الأميركية في العراق، والإشارات والتسريبات التي توحي بأن هذه العمليات ستشمل الشرق السوري ايضاً. ربما، كان لا بدّ من ابعاد اي احتمال توتير عند الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة.
منذ اسابيع، يسعى “حزب الله” الى تأخير العمل بخياراته “التي اعلن عنها او ألمح اليها” الى حين انتهاء الانتخابات الرئاسية الأميركية، قد يكون التحرك الأميركي المستجد، وبالرغم من الارباك الذي احدثه داخل الحزب، قد فتح إمكانية جدية للصمود الى الانتخابات الرئاسية. هذا اذا بقيت واشنطن على استراتيجيتها الحالية ولم تعد، لأي سبب من الأسباب الى الضغوط الكبرى.