امواج:بعد ان وصلت قيمة زجاجة المياة الى زجاجة نفط ..وتجاوزتها؟؟ يتعطش العالم الفقير بالموارد المائية حاليا الى كل قطرة ماء ؟؟ فكيف الحال في الدول غير المحظوظة اصلا بمصادر توفر المياه …صحيح ان الفساد والجهل والتخلف وغياب السياسات السكانية والتحطيط وووووو سيؤدي الى تصادم الدول المتخمة بالمشكلات الحياتية والجغرافيه وحسن الجوار والمشاركة بالموارد الطبيعية الدولية والحفاظ على المياه المتوفرة ؟؟لكن ايجاد الحلول عبر توزيعها بشكل عادل وعبر مؤسسات علمية بسياسات عادلة ومشهود لها قد يمنع الصدام المسلح بين الدول .. وزميلنا خالد يقدم نماذج عملية دولية مجربة لتوزيع وتقاسم المياه وغيرها بل ويعتبرها حلا ثقافيا ..يستحق الوقوف معها والاستفادة منها بل وتطويرها الى درجات اعلا من التعاون بل وقد يكون تأسيس فيدراليات إقليمية مائية إطاراً لرسم سياسات جديدة ليس للمياه فقط، بل لشراكات أكبر اقتصادياً وتجارياً، وثقافياً بطبيعة الحال، ذاك ان الأنهار كانت منذ تشكلها وجريانها منبعاً لتداخل الثقافات والأفكار والأديان. وهناك اتفاقيات إقليمية وقارّية بهذا الخصوص مثل مجلس نهر الميكونغ جنوب شرق آسيا بين تايلاند وكمبوديا ولاوس وفيتنام، ومنظمة استثمار نهر السنغال غرب أفريقيا، بين السنغال ومالي وموريتانيا وغينيا، ناهيك بالاتفاقات الأوروبية على أحواض الأنهار الدولية.
سد النهضة العملاق في إثيوبيا، وهو أكبر مشروع كهرومائي في القارة الأفريقية، على وشك الانتهاء ولم يبق سوى بدء ملئه رسمياً، يعني أنه بدأ بشكل غير رسمي، وهناك صور التقطتها الأقمار الصناعية تثبت زيادة مساحة المياه في البحيرة الاصطناعية التي قد تغير ملامح القارة نحو حرب مائية أو اتفاق تمكن الإشادة به عالمياً. في هذه الأثناء حيث موسم الهطول المطري في أعالي الشمال الإثيوبي وتدفق كميات هائلة من المياه في نهر النيل الأزرق، أعلنت هيئة مياه ولاية العاصمة السودانية، خرطوم، عن خروج عدد من محطات مياه الشرب على النيل عن الخدمة جراء انحسار مفاجئ لنهري النيل الأبيض والأزرق ونهر النيل، بحسب ما أوردت وسائل إعلام محلية سودانية. وتشهد مصر في الوقت ذاته قلق غير معهود في انتظار مسار المفاوضات بينها وبين إثيوبيا والسودان والوصول إلى اتفاق شامل يضمن حقوقها المائية.
يعد هطول أمطار غزيرة في مرتفعات الشمال الإثيوبي، منابع النيل الأزرق، وملامح العطش في الأسفل، أي في دول المنبع، لحظة حرجة في تاريخ الصراع الذي تعود جذوره إلى تلك اللحظة التي قررت فيها إثيوبيا بناء سد عملاق، قبل عقد من الزمن. وتهدف الحكومة الاثيوبية عبر سد النهضة الذي تفوق طاقته التخزينية 70 مليار متر مكعب من المياه، إلى إحداث تنمية اقتصادية شاملة، فيها توفير الكهرباء لأكثر من 65 مليون إنسان. وقد عانت البلاد في السنوات الأخيرة من موجات جفاف قاسية نتج عنها الانخفاض في إنتاج الغذاء ونفوق أعداد هائلة من المواشي بسبب العطش والنقص في المراعي، وما زال يفتقد أكثر من 60 في المئة من السكان من خدمات الكهرباء وشبكات توزيع المياه النظيفة والصالحة للشرب.
ولكن المشروع الاثيوبي العملاق هذا، يؤدي الى تعطيش كل من السودان ومصر، وتحديداً هذه الأخيرة حيث تتلقى القسم الأكبر من الأضرار؛ وذلك بسبب وقوعها في مصب نهر النيل المتشكل من النيل الأزرق الآتي من مرتفعات الشمال الإثيوبي والنيل الأبيض الآتي من بحيرة ألبيرت الواقعة بين أوغندا والكونغو مروراً بجنوب السودان. وفي حال تعبئة السد خلال أربع سنوات كما تريد وتخطط لها اثيوبيا، ستواجه مصر أزمة جدية على أربع مستويات يمكن تحديدها على الشكل التالي:
أولاً: سيؤدي انخفاض تدفق المياه في النيل إلى تقليص الطاقة الكهربائية وقد تتوقف محطات لتوليد الطاقة جراء ذلك. وهذه المفارقة الأولى للسد، توفير الكهرباء للسكان في إثيوبيا وحرمان السكان منها في مصر.
ثانياً: سيلحق السد أضراراً هائلة بنظام الري في مصر، ما يؤدي إلى تراجع الاقتصادات الزراعية وإنتاج الغذاء.
ثالثاً: سيجعل السد نهر النيل غير قابل للملاحة بسبب هبوط مستويات المياه فيه، ومن شأن ذلك إحداث شلل كبير في الملاحة المصرية التي تعتبر عموداً مهماً من أعمدة اقتصادها الوطني.
رابعاً: إضافة إلى ذلك، سيلحق المشروع الإثيوبي أضراراً هائلة بالبيئة والتنوع الأحيائي على طول النهر وفيه، وذلك بسبب شلّ قدرة بيئة النهر على إدارة نفسها عبر نظامها الأيكولوجي الخلاق.
الأسباب الكامنة وراء الأزمة
ان السبب الأول في نشوء هذا النزاع الإقليمي على مصادر المياه هو انفجار سكاني هائل شهدته البلدان في خمسين سنة الأخيرة، الأمر الذي زاد من الطلب على الغذاء والمياه والطاقة. وبحسب إحصاءات كلية العلوم الإنسانية في جامعة شيربروك الكندية، لم يتجاوز سكان إثيوبيا 23 مليوناً عام 1960، فيما تجاوز 109 ملايين عام 2018. وزاد عدد السكان خلال هذه الفترة الزمنية بنسبة 393 في المئة، ويتوقع أن يلامس العدد 171 مليوناً بحلول عام 2050. كان عدد سكان مصر عام 1960 يلامس 27 مليوناً، فيما وصل إلى أكثر من 98 مليوناً عام 2018، أي زيادة بنسبة 270 في المئة، متوقعاً أن يتراوح العدد بين 120 و150 مليوناً بحلول عام 2050.
المشروع الاثيوبي العملاق هذا، يؤدي الى تعطيش كل من السودان ومصر، وتحديداً هذه الأخيرة حيث تتلقى القسم الأكبر من الأضرار.
يعد تصاعد وتيرة التغير المناخي سبب آخر من أسباب الأزمة الأفريقية الحالية بين مصر واثيوبيا والسودان. ففي ظل ارتفاع درجات الحرارة وتقلص نسبة هطول الأمطار، تتجه أعداد كبيرة من سكان القرى والأرياف إلى المدن بحثاً عن العمل والغذاء والمياه، وهرباً من الحر بطبيعة الحال. ومن شأن مثل هذه الهجرات التي أصبحت جزءاً من جغرافيا سكانية جديدة تشهدها مناطق كثيرة في العالم، أن تشكل أعباء إضافية على المصادر الطبيعية، وذلك بسبب التوسع العمراني الذي يقتضي بدوره المزيد من الطاقة والمياه وتوليد الكهرباء. وسوف يكون لهذه الهجرات الداخلية تأثير حتى في الاستقرار الداخلي في البلدان المتشاطئة حول النيل وتسبب نزاعات اجتماعية وقبلية كما هي الحال في جنوب العراق بسبب ندرة المياه.
ما هي الحلول المقترحة؟
يقتضي إيجاد الحلول للأزمات المائية بين البلدان الثلاثة المذكورة تفكيراً جديداً وسياسات مائية جديدة لفتح باب على اتحادات مائية إن صحت التسمية. الانفجار السكاني في البلدان المتشاطئة حول النيل ومنابعه، يعرّض جميع الاتفاقيات الدولية السابقة حول النهر للاختراق ما لم يتم تحديثها بموجب المتغيرات الحاصلة سكانياً واقتصادياً وبيئياً. وقد يكون تأسيس فيدراليات إقليمية مائية إطاراً لرسم سياسات جديدة ليس للمياه فقط، بل لشراكات أكبر اقتصادياً وتجارياً، وثقافياً بطبيعة الحال، ذاك ان الأنهار كانت منذ تشكلها وجريانها منبعاً لتداخل الثقافات والأفكار والأديان. وهناك اتفاقيات إقليمية وقارّية بهذا الخصوص مثل مجلس نهر الميكونغ جنوب شرق آسيا بين تايلاند وكمبوديا ولاوس وفيتنام، ومنظمة استثمار نهر السنغال غرب أفريقيا، بين السنغال ومالي وموريتانيا وغينيا، ناهيك بالاتفاقات الأوروبية على أحواض الأنهار الدولية. لقد استلهمت الاتحادات الأوروبية من تجارة الكونياك بين فرنسا وألمانيا عقب الحرب العالمية الثانية بغية إيجاد الحلول للقضايا الأمنية بين البلدين، وتلتها تجارة الفحم والصلب عام 1951 قبل أن تصبح البذرة الأولى لمشروع الاتحاد الأوروبي بالشكل الحالي. ألا يمكن التفكير في الاستثمار في مياه النيل كبنية تحتية لتأسيس اتحاد إقليمي أفريقي آخر على نهر النيل وعلى غرار التجارب العالمية؟
ولا يكفي الاتفاق على توزيع مياه النهر عبر جدولة تعبئة سد النهضة كحل دائم ومستدام للأزمة، ذاك أن الأسباب التي تم ذكرها، من جهة الانفجار السكاني والمزيد من الطلب على المياه تفرض شروطها أيضاً. تالياً، تقتضي السياسات المائية الجديدة التفكير برفع مستوى رعاية الصحة الإنجابية الطوعية وتعليم شامل عال بين المجتمعات أيضاً. ويعد الاستثمار في الطاقة الكهرو- ضوئية والتوربينات الهوائية حلاً من الحلول المقترحة للحيلولة دون الوقوع في النزاعات حول المياه وحروب التعطيش، إنما يستوجب ذلك دعم المؤسسات الدولية المانحة من أجل استقرار شرق القارة الأوروبية.
أما على مستوى السياسات المحلية والإقليمية، فيتطلب البقاء على نهر النيل، رفع الراية البيضاء من جميع الأطراف عبر الاعتراف بالجغرافيا السكانية الجديدة وحقوق المجتمعات في الحصول على المياه والغذاء، وذلك من أجل سلام أزرق ليس للقاطنين حول النيل ومنابعه فحسب، بل من أجل الأجيال الآتية ومستقبل شرق القارة السمراء.