الأثرياء في مرمى اتهامات الاحتكار / الصورة من نيويورك تايمز
بعد ساعاتٍ من استجواب المديرين التنفيذيين لعمالقة شركات التكنولوجيا الأربعة (فيسبوك وأمازون وآبل وجوجل)، في جلسة استماعٍ تاريخية للكونغرس الأمريكي لمكافحة الاحتكار، توقَّع البعض أن حملة غير مسبوقة لسَنّ تشريعات لمكافحة الاحتكار ربما تؤدي لتفكيك تلك الشركات قد تلوح في الأفق، فما احتمالات هذا الطرح، وما الذي أدى لتلك الجلسة من الأساس؟
ماذا حدث؟
أمس الأربعاء 29 يوليو/تموز، خضع الرؤساء التنفيذيون لشركات آبل، وأمازون، وجوجل، وفيسبوك، لجلسة استماع خاصة أمام لجنة مكافحة الاحتكار في مجلس النواب الأمريكي، حضرها تيم كوك المدير التنفيذي لآبل، وجيف بيزوس المدير التنفيذي لأمازون، وساندر بيتشاي المدير التنفيذي لجوجل، ومارك زوكربيرغ المدير التنفيذي لفيسبوك، وهي المرة الأولى على الإطلاق التي يخضع فيها العمالقة الأربعة لهذه المحاكمة البرلمانية.
وبحسب تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية، قال النائب الديمقراطي ديفي سيسيلين في كلمته الختامية بالجلسة، إن “الدليل قد قُدِّمَ في التحقيقات، وأظهرت الشهادة كيف ترسِّخ شركات التكنولوجيا نفسها في الاقتصاد الأمريكي والحياة اليومية”.
وأضاف سيسيلين، رئيس اللجنة الفرعية لمكافحة الاحتكار التابعة للجنة القضائية بمجلس النوَّاب أن “هذه الشركات، في هيئتها الكائنة اليوم، لديها سلطةٌ احتكارية. يحتاج بعضها إلى التفكيك، بينما تحتاج كلها إلى التنظيم الصحيح والمحاسبة. يجب أن ينتهي كلُّ هذا”.
ما الاتهامات الموجهة لفيسبوك؟
من غير الواضح أيُّ خطواتٍ لمكافحة الاحتكار قد تؤدي إليها جلسات الاستماع، التي كانت محمومةً بشدة وتنوَّعَت في مواضيعها من ادِّعاءات الانحياز المناهض للمحافظة في مواقع التواصل الاجتماعي إلى عمليات الاستحواذ غير القانونية وانتشار المعلومات المغلوطة، وأُجرِيَت جلسات الاستماع جزئياً بشكلٍ شخصي في مبنى الكونغرس، وجزئياً أيضاً بالفيديو، عبر تطبيق ماسنجر، في ظلِّ جائحة فيروس كورونا المُستجد.
وركَّزَت أغلب الأسئلة المُوجَّهة إلى مارك زوكربيرغ على تاريخ استحواذ منصة فيسبوك أو نسخها سمات رئيسية من منصات مُنافِسة، وجادَلَ جيري نادلر في استجوابه أن استحواذ فيسبوك على منصة إنستغرام يحمل كلَّ دلالات انتهاك مكافحة الاحتكار.
وقال: “هذا بالضبط هو نوع الاستحواذ المناهض للمنافسة الذي صُمِّمَت قوانين مكافحة الفساد لمنعه، ولم يكن يجب أن يحدث هذا على الإطلاق. لم يكن يجب السماح بهذا. ولا يمكن أن يتكرَّر مرةً أخرى”.
وفي محادثةٍ ساخنة، تساءلت براميلا جايابال، النائبة الديمقراطية من ولاية واشنطن، عمَّا إذا كانت شركة فيسبوك قد “هدَّدَت باستنساخ منتجات شركة أخرى بينما كانت تحاول الاستحواذ على هذه الشركة”.
وعندما أجاب زوكربيرغ أن شركته لم تفعل ذلك قامت جايابال بقراءة شهادة توضح أن كيفن سيستروم، المؤسِّس المشارك لمنصة إنستغرام شَعَرَ بأنه “ما مِن خيارٍ لديه إلا بيع منصته لفيسبوك”، وقالت جايابال: “فيسبوك تمثِّل دراسة حالة، في رأيي، للسلطة الاحتكارية. لأن شركتك تحصد بياناتنا وتستثمر فيها، تستخدم شركتك هذه البيانات للتجسُّس على المنافسين من أجل الاستحواذ على خصومك وقتلهم. إن نموذج فيسبوك نفسه يجعل من المستحيل على أيِّ شركةٍ أن تنتعش بصورةٍ منفصلة، وهذا يضرُّ بديمقراطيتنا، وله أضرارٌ بالأعمال التجارية، علاوة على أضراره على المستهلكين”.
ماذا عن الاتهامات الموجَّهة لأمازون؟
ركَّزَت الانتقادات المُوجَّهة لأمازون بشكلٍ أوَّليّ على البائعين، الطرف الثالث على منصة البيع بالتجزئة على الإنترنت، حيث أدلت لوسي ماكباث، النائبة الديمقراطية من ولاية جورجيا، بشهادةٍ تثير المشاعر عن امرأةٍ قالت إن متجرها للكتب على أمازون اختنق بسبب سلوك الشركة المناهض للمنافسة حين شُطِبَت من الموقع.
وادَّعى جيف بيزوس مراراً أنه على غير درايةٍ بسياسات أمازون حول تجميع البيانات وغيرها من القضايا التي سأل عنها أعضاء الكونغرس، وكَشَفَ التقاعس عن الإجابة أو تقديم تفاصيل حول ما تفعله شركة أمازون يوم الأربعاء عن أن بيزوس “بدا أنه غير مُدرِكٍ للأضرار شائعة الانتشار التي تسبِّبها أمازون”، بحسب قول دانيا راجيندرا، مديرة مؤسَّسة Athena، وهي جماعة غير ربحية من النشطاء المناهضين للسلطة المركزية لأمازون.
وقالت راجيندرا: “إن انعدام الإجابات من جانب جيف بيزوس يثبت أنه يفتقر إلى الإرادة أو الكفاءة لتغيير أمازون عبر قيادته لها”. وأضافت: “الأمر الآن يعود إلى اللجنة الفرعية للبناء على ما علموه وإصدار مجموعة قوية من التوصيات للتحقُّق على نحوٍ فعَّال من سلطة أمازون الخارجة عن السيطرة. يعتمد مستقبل اقتصادنا وديمقراطيتنا على هذا”.
آبل وجوجل أيضاً في دائرة الاحتكار
واستجوَبَت ماكباث آبل أيضاً عن الادِّعاءات القائلة إن الشركة حذفت تطبيقات المنافسين لها من متجر آبل للتطبيقات (App Store). وقالت إن مُنشِئي تطبيقات إدارة الوقت على شاشات الموبايل زعموا أن آبل حذفت تطبيقاتهم من المتجر مباشرةً بعد إطلاقها تطبيقاً مُشابهاً خاصاً بها. وأنكَرَ تيم كوك، المدير التنفيذي لشركة آبل، هذا الادِّعاء.
وأشارت ماكباث قائلةً: “إن توقيت الحذف يبدو من قبيل الصدفة تماماً. إذا كانت آبل تحاول الإضراب بمُنافِسيها من أجل تحفيز تطبيقاتها الخاصة، لماذا روَّجَ فيل شيلر، الذي يدير متجر التطبيقات، لتطبيق Screen Time للعملاء الذين اشتكوا من حذف تطبيقات التحكُّم الأبوي المُنافِسة؟”.
واستُهدِفَ ساندر بيتشاي، المدير التنفيذي لشركة جوجل، بأسئلةٍ حول الأساليب الإعلانية لدى الشركة، والممارسات الخاصة بالبيانات، واستخدام محتوى شركاتٍ أخرى للصفحات الخاصة بالشركة. سألته جايابال كيف لا تصبح جوجل شركةً احتكارية وهي التي تسيطر على 90% من سوق البحث الإلكتروني في العالم.
واتَّهَمَ سيسيلين جوجل بسرقة المحتوى من شركاتٍ أصغر، واصفاً هذه الممارسة بـ”المناهضة للمنافسة”. ووَصَفَ جوجل بأنها “حديقةٌ مُسوَّرة” توقع المستخدمين في شركها، وردَّ المدير التنفيذي لجوجل قائلاً: “لا أتفق مع هذا التشخيص”، مشيراً إلى أن جوجل “تدعم 1.4 مليون شركة صغيرة”.
هل يمكن فعلاً تفكيك تلك الشركات؟
يرى كثير من المراقبين أن فرصة سن تشريعات جديدة ضد احتكار شركات التكنولوجيا الأربع الكبار أو حتى تعديل قوانين الاحتكار الموجودة حالياً لتشمل الإنترنت تصطدم بعقبتين رئيسيتيين؛ الأولى تتمثل في تيار اليمين المحافظ، والذي يمثله الرئيس دونالد ترامب والحزب الجمهوري، إذ إن هؤلاء غير معنيين بقضية الاحتكار نفس قدر اهتمامهم بالتركيز على ادعاءات كون تلك الشركات “متحيزة ضد المحافظين”.
والعقبة الثانية تتمثل في الثقل الهائل الذي تمثله تلك الشركات العملاقة التي يديرها الأربعة الأكثر ثراء في العالم، بل إن قوة شركة واحدة من الأربع تفوق قوة وثروة أمم بأكملها.
وقد نشر موقع VOX.com الأمريكي مادة شارحة بعنوان “أظهر الجمهوريون لماذا لن ينظم الكونغرس الإنترنت”، رصدت تركيز أعضاء لجنة مكافحة الاحتكار الجمهوريين في استجوابهم للأربع الكبار على ادعاءات “التحيز” من قِبل تلك الشركات، دون وجود أدلة تدعم تلك الاتهامات.
لكن السؤال الأهم والحاسم في قضية الاحتكار يظل بشأن إذا ما كانت ممارسات تلك الشركات تتسبب في ضرر للمستهلكين أو مستخدميها في ظل غياب المنافسة من عدمه، ما يجعل المواطن مُجبراً على استعمالها، حيث لا يوجد أمامه خيار آخر لشراء منتج ما أو للتواصل مع الأصدقاء.
العامل الآخر الذي يصبّ في صالح تلك الشركات هو الاستقطاب الحاد الذي تشهده الساحة السياسية الأمريكية حالياً، والذي لولاه لكانت جلسة الاستماع في الكونغرس أكثر تركيزاً على قضية الاحتكار، خاصة أن الأدلة عليها بدت وفيرة، لكن ذلك لم يحدث بسبب تركيز كل فريق على أمور تخصه في موسم الانتخابات الساخن