لماذا يتكتم النظام عن الأعداد الحقيقية
يشكك سوريون موالون ومعارضون بالإحصاءات الرسمية الصادرة عن النظام لأعداد الإصابات، والتي بلغت حتى اليوم الثلاثاء 4 أغسطس/آب 2020، 847، بينما بلغ عدد الوفيات المُعلن رسمياً عنها 46.
صافي السيد ناشط سياسي وميداني في العاصمة دمشق قال لـ “عربي بوست” إن من مصلحة النظام السوري عدم الإفصاح عن الأرقام الحقيقة لمصابي فيروس كورونا أو أعداد الوفيات الناجمة عن الإصابة للمحافظة على سير العجلة الاقتصادية المحلية التي تحد نوعاً ما من تأثير قانون قيصر أو الأزمة الاقتصادية الراهنة.
وأضاف أنه في حال طبق النظام حظر التجوال وإغلاق الأسواق والمعامل والحد من الاختلاط الجماعي قد يضاعف من الأزمة الاقتصادية التي تمر فيها البلاد من جهة، ومن جهة ثانية قد يضيق الحال على المواطن أكثر مما يدفعه إلى الاحتجاج مجدداً ضد سياسات النظام وفشله في منع انهيار الأحوال المعيشية لدى المواطنين.
وحسب موقع “عرب بوست “تشهد المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري وتحديداً كبرى المدن السورية، العاصمة دمشق ومدينة حلب، حالة تفش واسع لفيروس كورونا بين المواطنين على نحو غير مسبوق.
وتقف المؤسسات الطبية في هذه المناطق عاجزة عن احتوائه والحد من انتشاره، ليتسبب بموت قرابة 30 شخصاً يومياً ودفنهم في مقابر مخصصة وسط تكتم إعلامي ورقابة أمنية مشددة.
المستشفيات عاجزة
نادر الرفاعي هو ممرض يعمل في أحد المشافي في العاصمة دمشق، قال لـ “عربي بوست” إن المشافي والمراكز الطبية في العاصمة دمشق مثل مشفى المواساة والمجتهد ومراكز طبية أخرى، تشهد وصول أعداد كبيرة بشكل يومي من المواطنيين تظهر عليهم أعراض الإصابة بفيروس كورونا بعد تفشيه في عدد كبير من أحياء العاصمة دمشق وريفها.
ويتم عزل هؤلاء في أقسام خاصة ضمن هذه المشافي بعد التأكد من إصابتهم بالفيروس، وسط عجز تام عن تأمين المستلزمات الطبية وخصوصاً أجهزة التنفس الاصطناعية لهذه الأعداد الكبيرة من المصابين.
ولفت الرفاعي إلى أنه بشكل يومي يرد إلى المشافي قرابة 300 مواطن تظهر عليه أعراض الإصابة بفيروس كورونا.
لكن ثمة مشكلة أخرى تواجه المصابين، هي تأخر ظهور النتائج، إذ يضطر المصاب إلى مغادرة المشفى قبل ظهور النتيجة أو التحقق من إصابتهم، وغالباً ما تكون النتيجة هي الإصابة بـ “فيروس كورونا”، ليعود إلى منزله ويختلط مع باقي أفراد الأسرة والمجتمع سواء في الأسواق أو التجمعات، الأمر الذي ساهم أيضاً في ازدياد أعداد المصابين بالفيروس بين المواطنين.
الكوادر الطبية تخشى الإصابة
وأوضح الرفاعي أن تراجع الكوادر الطبية عن القيام بواجبها الطبي السريع ساهم أيضاً بارتفاع أعداد المصابين في العاصمة دمشق.
يأتي ذلك بسبب خشيتهم من انتقال العدوى لهم، لاسيما وأن حوالي 30 ممرضاً أصيبوا في مشفى المواساة توفي منهم 3 ممرضين هم أدهم الكردي وجمعة القاسم وسارة ديوب، لعدم استجابتهم للعلاج، وتم دفنهم بطريقة أمنية بحتة بعد تعهد ذويهم بعدم تسريب أسباب الوفاة لأي جهة إعلامية أو تداولها في أماكن إقامتهم أثناء العزاء.
وأشار الرفاعي إلى أن عدد المصابين بفيروس كورونا في العاصمة دمشق ومحيطها قد يفوق الـ 20 ألف إصابة، وذلك من خلال اطلاعه على نتائج التحليل وأيضاً اتصاله مع أقاربه في أحياء متفرقة في العاصمة دمشق وإبلاغه عن عشرات الحالات تظهر عليها علامات الإصابة بفيروس كورونا.
ويضطر البعض إلى إخفاء إصابته بسبب مخاوف الإهمال الطبي أثناء العزل الذي بات واضحاً لدى المواطنين، الأمر الذي دفع ببعض الممرضين والكوادر الطبية إلى الاتصال بأقاربهم المصابين بالفيروس ومعالجتهم ضمن المنازل وتقديم النصائح والإرشادات لهم.
مقبرة لدفن الوفيات
من جهته، قال المواطن خالد الكسواني، لـ “عربي بوست”، إن مقبرة “نجها” العسكرية القريبة من مدينة الكسوة القريبة من العاصمة دمشق والتي تخضع لرقابة أمنية مشددة، باتت هي المقبرة المخصصة للموتى بسبب الإصابة بفيروس كورونا.
وبحكم قربه من المقبرة يشاهد بشكل يومي دفن ما يقارب 30 إلى 40 متوفياً تقوم مكاتب دفن الموتى بدفنهم برفقة عناصر من الأجهزة الأمنية، لافتاً إلى أن المتوفين غالباً ما يتم لفهم بأكياس نايلون وعمال مكاتب دفن الموتى يرتدون ألبسة واقية وكمامات، مما يؤكد أن معظم الموتى مصابون بالفيروس.
وينشر سوريون على شبكات التواصل صور الكثير من “النعي” التي تُعلق في شوارع العاصمة دمشق، ويقولون إنها لوفيات جراء الإصابة بكورونا، كما أظهر مقطع فيديو نُشر خلال اليومين الماضيين اصطفاف سيارات لدفن الموتى في أحد مشافي دمشق الحكومية.
وكانت طبيبة سورية تعمل في مستشفى المجتهد الحكومي قد نشرت مقطع فيديو تتحدث فيه عن الانتشار الكبير لكورونا بين السوريين، وقالت إن سوريا وصلت إلى ذروة الفيروس منذ الأيام الأولى لانتشاره، مكذبة بذلك رواية حكومة نظام الأسد عن الأعداد القليلة للإصابات.
أشارت الطبيبة إلى المعاناة الكبيرة للمرضى، وإلى قلة الإمكانات الطبية في المستشفيات، قائلة إن “الفيروس فَرَش في سوريا” في إشارة منها إلى تفشي الفيروس على نطاق واسع بين السكان، واصفةً الوضع بأنه “كارثي بالفعل”.
مصدر انتشار الفيروس في العاصمة دمشق
سامر الطرابيشي أحد أبناء العاصمة دمشق، ويعمل في قطاع الصحة، قال إن بداية انتشار فيروس كورونا في العاصمة دمشق انطلق من منطقة السيدة زينب بريف دمشق وأحياء أخرى وسط العاصمة بسبب قدوم الإيرانيين وزيارة المراقد كالسيدة زينب والسيدة رقية واختلاطهم بالسوريين في المطاعم والأسواق.
وأضاف أن هناك سبباً آخر لا يقل أهمية عن السبب الأول هو أختلاط الضباط السوريين وعناصر الأمن بعناصر الميليشيات الإيرانية واعتقال سوريين لديهم وإخلاء سبيلهم عقب اعتقال يدوم لأيام، الأمر الذي ضاعف أعداد المصابين في العاصمة دمشق وساهم بتفشي الفيروس بشكل واسع النطاق ضمن العاصمة.
واضطرت وزارة الصحة ووزارة الداخلية إلى إجراء حجر صحي على كامل مدينة جديدة عرطوز الفضل قبل نحو شهر بعد اكتشاف إصابة قرابة 300 مواطن بفيروس كورونا، وفاة حوالي 18 مواطناً بأعمار مختلفة، بسبب الاختلاط المباشر مع عناصر الميليشيات الإيرانية التي تتخذ من المواقع العسكرية القريبة من المدينة مقرات لها غرب دمشق.
إقفال أحياء في دمشق أمام العامة
وبدون سابق إنذار أقفلت الأجهزة الأمنية السورية الطرق أمام المدنيين في مداخل كل من حي المهاجرين وأبو رمانة ومزة فيلات والمالكي والصالحية، وأخضعت أبناء هذه الأحياء للفحص السريع للتأكد من سلامتهم من الإصابة بفيروس كورونا، كما قال جهاد جبري أحد أبناء حي المهاجرين.
وأضاف جبري أن سبب هذا الإجراء هو لما تشكله هذه الأحياء من أهمية سياسية وأمنية للنظام حيث بيوت ومساكن رأس النظام السوري، وعدد من الشخصيات الوزارية والدبلوماسية في النظام وشخصيات رسمية رفيعة المستوى، لمنع وصول الفيروس لهذه الأحياء.
تفشي كورونا في حلب
أحمد البكري ناشط ميداني في مدينة حلب قال لـ “عرب بوست” يوضح وجود حالة تفش واسعة في مدينة حلب وريفها التي يقطن بها 3 ملايين نسمة حالياً.
وبحسب الأخبار والمعلومات التي يحصل عليها عبر اتصالاته مع أصدقائه هناك، تقدر أعداد المصابين بحوالي 100 ألف إصابة، حتى باتت المشافي في مدينة حلب غير قادرة على استيعاب المصابين.
وأوضح أن أعداد الوفيات اليومية تصل لقرابة 20 مواطناً، بسبب عدم حصولهم على العلاج او جهاز التنفس الذي يمكنهم من مقاومة الفيروس.
وأضاف البكري أن الإصابات بالفيروس وصلت إلى المناطق المجاورة من مدينة حلب كالحاضر والسفيرة وغيرها من المدن التابعة لمحافظة حلب، وأنه يومياً هناك مدنيون يفقدون حياتهم بسبب تردي أوضاعهم الصحية نتيجة الإصابة بفيروس كورونا لعدم توفر المشافي والمراكز الطبية في هذه المناطق، وعدم قدرتهم على الوصول إلى المشافي في مدينة حلب.
لماذا يتكتم النظام عن الأعداد الحقيقية
ويشكك سوريون موالون ومعارضون بالإحصاءات الرسمية الصادرة عن النظام لأعداد الإصابات، والتي بلغت حتى اليوم الثلاثاء 4 أغسطس/آب 2020، 847، بينما بلغ عدد الوفيات المُعلن رسمياً عنها 46.
صافي السيد ناشط سياسي وميداني في العاصمة دمشق قال لـ “عربي بوست” إن من مصلحة النظام السوري عدم الإفصاح عن الأرقام الحقيقة لمصابي فيروس كورونا أو أعداد الوفيات الناجمة عن الإصابة للمحافظة على سير العجلة الاقتصادية المحلية التي تحد نوعاً ما من تأثير قانون قيصر أو الأزمة الاقتصادية الراهنة.
وأضاف أنه في حال طبق النظام حظر التجوال وإغلاق الأسواق والمعامل والحد من الاختلاط الجماعي قد يضاعف من الأزمة الاقتصادية التي تمر فيها البلاد من جهة، ومن جهة ثانية قد يضيق الحال على المواطن أكثر مما يدفعه إلى الاحتجاج مجدداً ضد سياسات النظام وفشله في منع انهيار الأحوال المعيشية لدى المواطنين.
.
بدأت أرقام الاصابات بكورونا في سوريا ترتفع بشكل كبير وسط تعتيم على حقيقة الحالات ووسط ضعف كبير في اجراءات الحماية والوقاية والمعالجة . هذا الحال يهدد بسيناريو سيئ ينتظر السوريين قد يشابه ما تعرضت له ايطاليا.
خلق “كورونا” وما خلقه من حالات وفيات وأعراض صحية وما تبعه من إغلاق للمدارس وحظر التجوال ومنع من مغادرة المنزل، آثاراً لا تُحمد عقباها على الأطفال السوريين، ويحذّر خبير نفسي من أن هذه الآثار قد تكون بعيدة المدى .
طبياً، قد تظهر أعراض عدوى الإصابة بـ”كوفيد 19″ على الأطفال، وقد يعانون من الحمى وارتفاع درجات الحرارة وفق ما خلصت إليه دراسات عالمية، وعلى اعتبار أن الأطفال أقل عرضة للإصابة، إلا أن سوريا تشهد حالياً انتشاراً هائلاً للوباء لا تقديرات واضحة لمداه لكنها لم تشهد تبليغاً عن أي حالات لإصابة أطفال بالفايروس في مختلف المناطق. قد يكون ذلك لهشاشة الوضع الطبي، وعدم توفر أجهزة الفحص والتشخيص دور كبير في عدم تشخيص حالات مصابين.
من جهةٍ أخرى، توضّح مقابلات أجريناها مع عائلات على الجغرافيا السورية، الهوّة الواسعة في نمط حياة الأطفال بين مناطق سوريا المختلفة، فالأطفال في العاصمة دمشق، لا يعيشون نمط الحياة الذي يعيشه أقرانهم في مخيمات الشمال السوري، حيث تختلف الظروف الاقتصادية والاجتماعية، ويختلف شكل المسكن ونمط الحياة والبيئة.
هذا الواقع، يدفع اختصاصي نفسي للانطلاق نحو فكرة هدوء الآباء والأمّهات خلال تعاملهم مع الفايروس وعدم توتّرهم لأن أطفالهم بطبيعة الحال يتقمّصون تصرفاتهم.
تقول الرئيسة التنفيذيّة لـ”أنفذوا الأطفال” إنغر آشينغ: “نحن نعرف أن الأطفال الأكثر فقراً وتهميشاً عانوا الخسارة الأكبر، بسبب عدم توافر فرصة التعليم من بُعد لديهم أو أيّ نوع من التعليم على مدى نصف عام دراسي”.
ولكن في أي حال من الأحوال، فإن ذلك ينطبق على الأطفال في شتّى أنحاء العالم”، إلّا أنّه لا ينطبق على أطفال سوريا خصوصاً، فهؤلاء يعيشون ظروفاً لا تشبه ظروف الأطفال في أي بلدٍ آخر، كونهم مُنيوا بخسائر جمّة خلال النزاع.
وفقاً لتقرير صادر عن “يونيسيف” فإن ثلث الأطفال السوريين حرموا التعليم جراء الحرب، فيما حرم قسم كبير منهم الخدمات الصحية الضرورية.
ووثقت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” مقتل 29 ألفاً و296 طفلاً على يد الأطراف الرئيسية الفاعلة في سوريا، منذ آذار/ مارس 2011 حتى حزيران/ يونيو الماضي.
وبحسب تقرير صادر عن “لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا” بعنوان “لقد محوا أحلام أطفالي” فإن سنوات الحرب خلّفت من انتهاكات صارخة لحقوق الأطفال الأساسية، من بينها القتل والتشويه والجروح والتيتم والحرمان من التعليم وتحمّل وطأة العنف الذي ترتكبه الأطراف المتنازعة، إضافة إلى تشريد أكثر من 5 ملايين طفل داخل سوريا وخارجها.
التقرير أجرى مقابلات مع 5 آلاف طفل وشهود وأقارب ناجين وعاملين بالشأن الطبي بين 2011 وأكتوبر 2019 ووجد أن “قوات موالية للحكومة استخدمت الذخائر العنقودية والقنابل الحرارية والأسلحة الكيماوية التي تسببت بسقوط عشرات الضحايا من الأطفال”.
كما استُخدم الاغتصاب والعنف الجنسي مراراً وتكراراً ضد الرجال والنساء والأولاد والفتيات كوسيلة للعقاب والإذلال وبث الخوف بين المجتمعات، وفوق هذا الواقع المرير الذي يعيشه الأطفال السوريون، جاء الفايروس ليعمّق جراحهم.