أعلن محافظ بيروت بعد الانفجار الهائل الذي دمر معظم أحياء المدينة أن بيروت مدينة منكوبة، والحال أن المدينة منكوبة قبل الانفجار الذي جاء ليتوج الانهيار الكبير. المدينة منكوبة برؤسائها الثلاثة، ميشال عون ونبيه بري وحسان دياب، وهي أيضاً منكوبة بحكومتها وببرلمانها، وبمصارفها، والأهم أنها منكوبة بحزب مسلح يخوض حروبه في في كل المنطقة من فوق سمائها.
قبل أن تتكشف أسباب هذا الانفجار الغامض، وما أكثر الانفجارات الغامضة التي يشهدها هلال النفوذ الإيراني، فالبدهي أن وراء الانفجار فشل هائل، وفساد هائل، وعصابة حاكمة. الفشل والفساد مردهما إلى وجود هذه الكمية الهائلة من المواد المتفجرة في مرفأ مدني. والسؤال هنا وفي ظل هذه التركيبة الغامضة للسلطة هو هل من شيء مدني؟ وهل من منشأة مدنية في ظل هذه الدولة وهذه السلطة؟ وما المعيار الذي يضع لهذه السلطة حدوداً بين المنشأة المدنية والمنشأة العسكرية؟
بيروت في هذا المساء مدينة منكوبة بالانفجار الهائل، ومنكوبة بالإفلاس وبالفساد، ومنكوبة برؤسائها وبحكومتها. ومنكوبة بالقتلى الذين لم يتسنَّ لنا بعد إحصاؤهم، وبأكثر من ألف جريح. فلنبكِ بيروت.
لا ثقة بأي شيء تقوله هذه السلطة. حجم الدمار الذي شهدته الأحياء مرعب فعلاً. الحروب كلها التي شهدتها المدينة لم تخلف هذا الحجم من الدمار، والعاصفة التي خلفها الانفجار لفحت وجوه أهل الجبل بعدما أطاحت بالعابرين في شوارع المدينة. إنها السلطة الفاسدة عينها، من يقف وراء هذا الفشل الدموي. وجوه الرؤساء وتصريحاتهم الغبية. صوت وزير الداخلية معلناً أنه لا يعرف شيئاً، وظل وزيرة الإعلام هاربة من أسئلة الصحافيين.
إنه الانفجار الذي أطاح بمدينة كاملة، لكنه لم يتمكن من تغيير ملامح الرؤساء، فهؤلاء ظلوا رؤساء وعائلتهم ما زالت ممعنة في طقوس السعادة والفرح بعيداً من الوجوه التي أدماها الانفجار.
لم يسارع أحد للاستقالة. هو على الأقل فشل، خلف عشرات القتلى وأكثر من ألف مصاب. وكل هذه الدماء لم تؤدِ لأن يبذل مسؤول واحد ماء وجهه. هذه الدماء كلها لم تُشعِر رئيساً بالعار، ولم يذرف مسؤول دمعة واحدة ولم يوقّع وزير استقالة.
لماذا هذه المواد المتفجرة كلها في مرفأ بيروت؟ قبل أن نحصل على جواب على هذا السؤال البدهي، كان يُفترض أن تستقيل الحكومة، وأن يستقيل الرئيس. وبعد هذه الاستقالات يجب أن يبدأ البحث في معنى أن نعيش في دولة من الصعب علينا أن يعرف سكان العاصمة ماذا تحوي أهراءات مرفئها. من هي السلطة؟ أين تسكن ومن يوجهها، وهذا البحر الذي يفصل بيننا وبين العالم ماذا يصلنا منه؟ البلد مخيف فعلاً. المدينة التي دُمرت بثوانٍ قليلة لن تقوم بعد اليوم طالما أن الانفجار سيبقى غامضاً. أهل بيروت لن يهنأوا بعيشهم بعد اليوم طالما أن ثمة اهراءات غامضة.
قال رئيس الحكومة في ندائه الأول إن ما أصابنا هو كارثة، هذا اكتشاف جديد للرئيس الأكاديمي. إنها كارثة، لكن الحقيقة أن الكارثة أصابتنا ما أن تشكلت حكومتك يا دولة الرئيس. وهو أي الرئيس، سارع للقول إن المواد المتفجرة موجودة في الأهراءات منذ عام 2014. أي أنه غير مسؤول عن الانفجار. هذه مقدمة للتفلت من الحساب، وهي أيضاً مقدمة للتغطية على احتمالات أخرى.
بيروت في هذا المساء مدينة منكوبة بالانفجار الهائل، ومنكوبة بالإفلاس وبالفساد، ومنكوبة برؤسائها وبحكومتها. ومنكوبة بالقتلى الذين لم يتسنَّ لنا بعد إحصاؤهم، وبأكثر من ألف جريح. فلنبكِ بيروت.