ليلة كارثية عاشها برشلونة الإسباني بعدما سقط بثمانية أهداف مقابل هدفين في ربع نهائي دوري أبطال أوروبا أمام بايرن ميونيخ الألماني في العاصمة البرتغالية لشبونة.
وأعادت نتيجة المباراة للأذهان فوز ألمانيا 7-1 على البرازيل في كأس العالم 2014 حينما كان هانز فليك مدرب بايرن الحالي جالساً على مقاعد البدلاء كمدرب مساعد للمنتخب الوطني.
وشهدت المباراة عدد كبير من الأرقام القياسية التي كان معظمها سلبياً بالنسبة لبرشلونة، بينما على النقيض دخل بايرن ميونيخ تاريخ دوري الأبطال بأرقام مميزة سيكون من الصعب كسر بعضها في المستقبل.
أول مرة
وهذه المرة الأولى التي تهتز فيها شباك برشلونة بثمانية أهداف خلال مباراة واحدة منذ عام 1946، حيما سقط أمام إشبيلية بنتيجة 8-0 في دور الستة عشر لكأس ملك إسبانيا.
وبحسب شبكة “أوبتا” للإحصاءات، فإن هذه المرة الأولى التي يتلقى فيها برشلونة خمسة أهداف أو أكثر في مباراة أوروبية منذ خسارته 5-4 أمام ليفسكي صوفيا البلغاري في مارس/ آذار عام 1976 في كأس الاتحاد الأوروبي.
وأصبح بايرن ميونخ أول فريق في تاريخ دوري أبطال أوروبا يسجل 8 أهداف في مباراة واحدة بمباريات خروج المغلوب، إذ لم يسبق لأي فريق أن سجل هذا العدد من الأهداف في دور اقصائي منذ انطلاق المسابقة عام 1955.
ماكينة أهداف
وبات روبرت ليفاندوفسكي مهاجم بايرن ميونيخ، هو أول لاعب في تاريخ الفريق “البافاري” يسجل في 8 مباريات متتالية في بطولة أوروبية كبرى، متجاوزاً سلسلة يورغن كلينسمان الذي سجل في 7 مباريات.
وبفضل هدفيه في شباك برشلونة، أصبح الدولي الألماني توماس مولر نجم بايرن ميونيخ أكثر لاعب ألماني يهز شباك برشلونة في تاريخ دوري أبطال أوروبا، إذ وصل للهدف السادس، كما أصبح مولر أكثر لاعب ألماني ظهوراً في تاريخ دوري الأبطال بعدما شارك في المباراة رقم 113.
إنجاز ألماني
وللمرة الأولى في تاريخ دوري أبطال أوروبا سيتواجد أربعة مدربين ألمان في نصف نهائي البطولة، حيث يتواجد حالياً كل من هانزي فليك مدرب بايرن ميونيخ وجوليان ناغلسمان مدرب لايبزيغ، وتوماس توخيل مدرب باريس سان جيرمان.
ووصل بايرن ميونيخ للهدف 35 في دوري أبطال أوروبا هذا الموسم، وهو رقم تاريخي في البطولة، إذ جاءت الأهداف ف 9 مباريات، بمعدل 3 أهداف في المباراة الواحدة، بينما استقبلت شباكه 7 أهداف فقط، علماً أن برشلونة ومانشستر سيتي سجلا هذا الموسم في البطولة معاً 34 هدفاً.
ذكرى سيئة
وخاض ميسي أمام بايرن ميونيخ مباراته رقم 23 في الدور ربع نهائي لدوري أبطال أوروبا، ليصبح أكثر من أي لاعب آخر في تاريخ المسابقة سواء بمسماها القديم أو الحالي، لكن ميسي لن ينسى بالطبع هذه الليلة الكارثية.
وخلال المباراة سجل الأوروغوياني لويس سواريز مهاجم برشلونة هدفاً هو الأول له في دوري أبطال أوروبا خارج “كامب نو” منذ سبتمبر/ أيلول عام 2015 ضد روما في ملعب “الأولمبيكو”، لكن الفارق هو أن مباراة بايرن أقيمت على أرض محايدة، ليظل رقمه السلبي في الفشل بهز المنافسين على ملعبهم في دوري الأبطال قائماً.
أخيراً باتت هذه المرة الأولى منذ موسم 2005-2006 التي يغيب فيها ليونيل ميسي أو كريستيانو رونالدو عن الدور نصف النهائي لدوري أبطال أوروبا.
ماذا بعد الهزيمة المذلة أمام بايرن ميونيخ؟
كانت ليلة الإذلال التام لبرشلونة، عندما خرج من دوري أبطال أوروبا بهزيمة ساحقة أمام بايرن ميونيخ.
ووصف النقاد خسارة الفريق، بنتيجة 8-2 في ربع النهائي، بأنها “محرجة ومثيرة للشفقة”، بينما قال كاتب كرة القدم الإسباني “غيليم بالاغ” إن تراث برشلونة الذي يبعث على الفخر “أصبح في سلة المهملات”.
ولم يتردد المدافع المخضرم في صفوف برشلونة، جيرارد بيكيه، بعد المباراة قائلا إن هناك حاجة لإجراء تغييرات، وسط تقارير واسعة النطاق عن إقالته مدربه، كيكي سيتين، الذي تولى مهمته منذ يناير/ كانون الثاني فقط.
ما التالي بالنسبة للفريق الحائز على لقب دوري أبطال أوروبا خمس مرات، والذي كان ذات يوم الفريق الذي يثير الذعر في نفوس أعتى فرق كرة القدم في العالم؟
“لا يقع الخطأ كله على سيتين”
بعد أن أنهى الموسم في المركز الثاني، وصيفا لفريق ريال مدريد في الدوري الإسباني، كان الضغط يتصاعد بالفعل على سيتين، الذي أمضى سبعة أشهر من مدة عقده الذي يمتد لعامين ونصف.
وتضاءلت فرصة بقائه في منصبه بعد انهيار فريقه في المباراة، التي أقيمت أمس في لشبونة، حيث تناقلت بعض التقارير أن برشلونة قرر بالفعل إقالته.
وقال كريس سوتون، الفائز بالدوري الإنجليزي الممتاز مع فريق بلاكبيرن روفرز، لإذاعة بي بي سي : “سوف يُستبعد ولن يستمر”.
“لا يمكنك أن تهان بهذا الشكل كمدرب لبرشلونة. وهذا ما حدث، إذلال مطلق”.
وقال بالاغ إنه ليس من العدل إلقاء اللوم كله على سيتين، مضيفا أن هزيمة الجمعة كان نتيجة “سنوات عديدة من التراجع” في برشلونة. وتابع بالاغ لبي بي سي: “كان (سيتين) الخيار الرابع عندما تم تعيينه”.
“كانت هذه ثالث مباراة له في دوري أبطال أوروبا على الإطلاق. ولكن لم يكن خطؤه أنه تم اختياره، وليس خطؤه بالكامل ما يحدث (في النادي).
“لم يكن أحد ذكيا بما يكفي لمعرفة ما يحدث. برشلونة مرتبط بالسياسة للغاية، ويدير اللاعبون المشهد”.
وقال كاتب كرة القدم الإسباني آندي ويست إن سيتين “سيُقال بالتأكيد”.
وأضاف: “سيتين لم يكوّن صداقات كثيرة في غرفة الملابس، منذ تعيينه في يناير/ كانون الثاني ، مع تردد أعضاء أساسيين في الفريق – بمن فيهم ليونيل ميسي – في الامتثال للتغييرات التكتيكية المهمة، التي كان يأمل في إحداثها”.
من في الصورة ليحل محل سيتين؟
مدرب توتنهام السابق، ماوريسيو بوتشيتينو، ومدرب إيفرتون السابق، رونالد كومان، يرتبط اسمهما ببرشلونة.
أمضى كومان، مدرب هولندا منذ عام 2018، ست سنوات كلاعب في برشلونة بين 1989-1995، بينما لم يحصل بوتشيتينو على وظيفة، منذ إقالته من قبل توتنهام في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2019.
وقال بالاغ: ” بوتشيتينو متاح وهو شخص يفهم الفريق” كما أن “رئيس النادي جوسيب ماريا بارتوميو وبوتشيتينو صديقان”.
“شيء ما تفوح رائحته في برشلونة”
يقول سوتون إن فريق برشلونة مليء باللاعبين كبار السن.
وقال إن سيرجيو بوسكيتس الفائز بالدوري الإسباني ثماني مرات ، 32 عاما، لم يعد يمتلك نفس السيقان، ليكون شخصية قيادية في خط الوسط، في حين أن لويس سواريز مهاجم ليفربول السابق “ليس بالمستوى الذي كان عليه من قبل”.
وأضاف سوتون: “لا أتذكر أبدا تعرض فريق برشلونة للإذلال بهذه الطريقة”.
وتابع: “هذا أمر محرج. لديهم الكثير من اللاعبين كبار السن. برشلونة استسلم وهذا أمر غير مقبول على الإطلاق”.
“أين القيادة على أرض الملعب؟ شيء ما تفوح رائحته الكريهة من وجهة نظر برشلونة”.
“فاسد حتى النخاع”
لم يفز برشلونة بدوري أبطال أوروبا، منذ موسم 2014-2015.ويقول ويست إن على بارتوميو تحمل مسؤولية تراجع النادي.
وأضاف: “ما يجعل الأمور أسوأ – ومرة أخرى تقع مسؤولية هذا على كاهل بارتوميو – أن النادي يعاني من مشاكل مالية حادة، تجعل مهمة تعزيز صفوفه في فترة الانتقالات شبه مستحيلة”.
“في الواقع ، يتطلع برشلونة إلى البيع بدلا من الشراء، وقد يغادر العديد من اللاعبين الكبار – بمن في ذلك إيفان راكيتيتش،أرتورو فيدال، وربما حتى سواريز – خلال الأسابيع المقبلة”.
وتابع ويست: “النادي فاسد حتى النخاع، وهذا منبعه من القمة”.
في مسلسل “The 100″، الذي يحكي قصة نهاية العالم وما بعدها، مرّت قبيلة وانكرو بفترة سيئة، أطلق عليها اسم العام المظلم، حيث اضطر أفراد القبيلة إلى أكل لحوم البشر، الاقتصاد في الزراعة، وإجبار المجرمين على خوض نزالات مُميتة من أجل عدم توفر الأوكسجين بشكل كافٍ، وذلك لأنهم يعيشون تحت الأرض بسبب انتشار غاز سام على سطح الكرة الأرضية.
تلك القرارات كانت خلفها زعيمة القبيلة، والتي يُطلق عليها اسم “بلوديرينا”، حيث حاولت إنقاذ القبيلة عبر قرارات ظنت أنها صحيحة. وفي خضم تلك القرارات قامت بالتخلي عن الكثير من مساعديها بسبب اختلافهم معها، حتى أجبرت البعض منهم على خوض تلك النزالات المميتة بحجة مخالفة القانون.
ما أكثر بلوديرينا وأمثالها في كرة القدم، حيث يُعتبر بارتوميو رئيس برشلونة هو نسخة طبق الأصل من تلك الشخصية الخيالية، لكن بمعايير مختلفة. يحاول إنقاذ برشلونة عبر قرارات يظن أنها تصب في مصلحة النادي، إلا أن ذلك غير صحيح، تخلَّى عن الكثير من معاونيه من أجل عدم خسارة كرسي الرئاسة، ويوهم مشجعي النادي أنه البطل المنتظر كما أوهمت شيدهيدا أفراد قبيلتها في أنها هي البطلة.
“إما أن تكون فرداً من قبيلة وانكرو أو أن تكون عدو وانكرو”
هذا ما كانت تردده بلوديرينا إلى أفراد قبيلتها، في حال كان هناك من يُعارض قراراتها، إذ كانت تعتبر كل من لا يود طاعة هذه القوانين هو مجرم وعدو لقبيلة وانكرو، حيث كانت تجبره على خوض تلك النزالات المميتة أو تقوم بقتله.
في برشلونة لا يختلف الوضع كثيراً، فإما أن تكون مؤيداً لقرارات بارتوميو أو أنت عدو هذا الرجل، حيث ما تلبث أن تُعارض سياسته وقراراته، تغدو ضحية جديدة من ضحاياه، وتصبح خارج نطاق العمل الإداري في برشلونة.
وإن لم تخالفه، قد تكون ضحية أيضاً، حيث يعتبر بارتوميو البعض من معاونيه أشبه بكبش فداء في الظروف الصعبة التي يمر بها النادي، يضحي بهم في الأوقات الحرجة من أجل إنقاذ رأسه، في محاولة منه لامتصاص غضب الجماهير عندما لا تكون راضية من سياسات الإدارة، وذلك عبر إقالة بعض الإداريين في النادي.
البطل الوهمي
اعتبرت بلوديرينا نفسها بطلة قومية، وذلك لأنها خلقت مجموعة من القوانين، أجبرت الناس على عدم مخالفتها، وكانت عواقب أي فعل خاطئ يقترفه أحد أفراد القبيلة هو الموت. هذا كله قبل أن ينقلب الجميع عليها ويطالبونها أن تنحني عن منصبها كزعيمة للقبيلة، لأنهم غير راضين عنها. وعلى الرغم من كل ذلك، كانت توهم بلوديرينا شعب وانكرو بأنها البطلة المنشودة، لكن هذا بالتأكيد غير صحيح.
سترة نجاة واحدة غير كافية من أجل إنقاذ 5 أشخاص من الغرق، لكن لم تمنحهم سترة نجاة وهم يجيدون السباحة؟
بارتوميو غفل عن الكثير من التفاصيل، ما قاده إلى ارتكاب الكثير من الأخطاء الساذجة، حيث اضطر بعد كل خطأ فادح أن يخرج بتصريح يبرر فعلته، ويحاول أن يوهم جمهور برشلونة بأن كل ما قام به هو صوابٌ ويصبّ في مصلحة النادي.
صفقات غير مدروسة مثل التعاقد مع ديمبيلي، وكوتينيو، وغريزمان، والتخلي عن لاعبين كان من الممكن أن يصنعوا الفارق، والكثير من المشاكل الأخرى التي انكشفت مع مرور الوقت، آخرها صفقة التبادل بين بيانيتش وأرثور ميلو، حيث كان هدفها اقتصادياً، وذلك من أجل سد العجز في ميزانية النادي السنوية.
بارتوميو لا يملك الكثير من الوقت، فإن لم يحدث إصلاح حقيقى داخل المنزل الكتالوني قد نكون فعلاً أمام نسخة جديدة من آي سي ميلان، حيث نشهد سيناريو مشابهاً كذلك الذي جرى مع الروسونيري قبل سقوطه، لكن هناك عبارة يتم توحيدها في كتالونيا اليوم، في أن الإصلاح الحقيقي يبدأ بعد رحيل بارتوميو.