مِن فوجِ الإطفاءِ في بيروت إلى قرطبا مسيرةُ وَداعٍ لثلاثةِ أبطالٍ تكلّلوا بالنار نهارٌ طويلٌ مِن مراسمِ التشييعِ حيثُ توقّفتِ النعوشُ عندَ مَحطاتٍ وقُرىً أَطفأت حُرقتَها بنظرةٍ أَخيرةٍ على شربل كرم وشربل حتي ونجيب حتي ثلاثةٌ مِن بينِ عَشَرة رَشُّوا أجسادَهم كمياهٍ على انفجارِ المدينة اليومَ رُفعت لهم الأيادي تصفيقاً في انتظارِ أن يتّخذَ التحقيقُ مجراه ويَرفَعَ لهم حقَّهم ويُطفىءَ نارَ ذويهم بوصولِ كبيرٍ واحدٍ الى السِّجنِ مِن بينِ زُمرةٍ مُستبدة العزاءُ لأهالي الشهداء والعزاءُ الموازي لرئيسِ الجُمهورية ميشال عون ورئيسِ التيارِ الوطنيِّ جبران باسيل، ولهما كلُّ المواساةِ على صدورِ أولِ مذكِّرةِ توقيفٍ ضِدَّ بدري ضاهر مذكّرةٌ مِن صوان فتّتت مشاعرَ الرئاسةِ وزعيمِ التيار اللذين خسِرا مرشّحاً كان يُشكّلُ لهما عاملَ ثقة ويَدفعان ِباتجاهِ تحصينِه وتعزيزِ مواقعِه من الجماركِ إلى العنابرِ السياسية وقدِ استمعَ المحقّقُ العدليّ القاضي فادي صوان الى ضاهر اليوم خمسَ ساعاتٍ سعى فيها ضاهر للتنصّلِ منَ المسؤولية، ووضَعَها لدى مديريةِ النقلِ البَريِّ والبحريِّ في وِزارةِ الأشغال والمريبُ في مسارِ المِلفِّ أنّ وزيرةَ العدل ” المصروفة ” ماري كلود نجم أرجأت مؤتمرًا صِحافيًا كانت ستَعقِدُه ظهرَ اليومِ وسافرت في زمنِ كورونا وتركَتِ التحقيقَ في مَهبِّ الريح قبل أن يتصرّفَ المُحقّقُ العدليّ ويَستعينَ بكاتبٍ مِن قلَمِ المحكمةِ العسكرية لكونِ الوزيرةِ المغادرة لم تعيّنْ كاتبًا إلا متأخرة . وسفرُ نجم تزامنَ مِن دونِ ترابطٍ ومغادرةَ وفدِ المستقبلِ إلى لاهاي برئاسةِ سعد الحريري لحضورِ جلسةِ النُّطقِ بالحُكمِ في قضيةِ الرئيس رفيق الحريري يومَ غدٍ الثلاثاء على أن يعودَ زعيمُ تيارِ المستقبل الى بيروت بعد الحُكم وتلاوةِ بيانِه مِن مقرِّ المحكمة وبيانُ الحريري ينتظرُ أن يكونَ مضبوطاً لاسيما إذا كانَ الرجلُ يعتزمُ العودةَ الى الحياةِ السياسيةِ مِن بابِ رئاسةِ الحكومةِ التي لم تُحسَمْ ترشيحاتُها بعد وليس مؤكداً بالتالي ما إذا كان اسمُ الحريري يحظى بتوافقٍ فرنسيٍّ أميركيّ وكلُّ ما يُرمى مِن معلوماتٍ في هذا الاطار يظلُّ في بابِ الاستنتاجاتِ على أن ما هو واضحٌ فقط تلك المُهلةُ التي منحها الرئيسُ الفرنسيُّ ايمانويل ماكرون للسلطاتِ اللبنانيةِ بحكومةٍ قبلَ عودتِه في ايلولَ وإلا فإنّ العهدَ سيصبحُ في مرحلةِ تصريفِ الأعمال. وعلى تدخّلِ ماكرون والأساطيلِ الأجنبيةِ المزروعةِ على الساحلِ اللبنانيّ أطلّت مُذكّرةُ الحِيادِ التي أعلنها البطريركُ المارونيُّ الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي من الديمان مذكّرةٌ قامت على وقائعَ خَلَطَتِ التاريخَ بالجغرافيا ودَوّنت تواريخَ مغلوطاً فيها فقفزت فوق الاحداثِ لتسييرِها شرقًا وغربًا وأبرزُ عيوبِها التاريخية أنّ أحداثَ عامِ ثمانيةٍ وخمسين لم تكن بسببِ رَغبةِ الرئيس جمال عبد الناصر في ضمِّ لبنانَ الى حِلفِ سوريا مِصر بل جاءَت نتجيةَ رَغبةِ الرئيس كميل شمعون في الانجرافِ وراءَ حلف بغداد ومبدأ ايزنهاور والوقائعُ المدونةُ تاريخيًا تقولُ أيضاً إنّ الرئيسينِ فؤاد شهاب وعبد الناصر وداخل خيمةٍ نُصبت على الحدودِ اللبنانية تفاهما على خطوطِ الحِياد وإنّ الزعيمَ المِصريّ قال حينذاك: لبنانُ هو لبنان ولوِ انضمّ إلى الوَحدةِ معَ مِصرَ وسوريا فإنه لن يعودَ كما هو، بل قال مرةً على الطريقةِ المصرية: «لبنان حلاوتها كده» فمَن دوّن للراعي تلك الرواياتِ المغايرة ومَن أقنعه بحقائقَ لم يأتِ على ذكرِها أحد؟ وإذا كانتِ الاحداثُ العربية قد غابت عن ذهنِ الراعي ومساعديه فإنّ اللبنانيينَ يحفظونَ الاجتياحَ الاسرائيليَّ عن ظهرِ حرب فمذكّرةُ الراعي لا تعترفُ باجتياحِ اسرائيلَ أول َعاصمةٍ عربية عام اثنين وثمانين بل ترى فقط ان المنظمات الفلسطينية هي من وصلت الى بيروت أما الخطأ التاريخي الاول وليس الاخير فكان في ذكرِ المقاومةِ التي انطلقت سببًا للاجتياح والاحتلال وليس العكس.