سجلت تغريدة على حساب الممثل الراحل تشادويك بوزمان، تعلن وفاته، أكثر من 5.7 مليون علامة إعجاب، وهو أعلى معدل حققته تغريدة في تاريخ الموقع.
وأعلن الحساب الرسمي لموقع «تويتر» قائلاً: «أكثر التغريدات إعجاباً على الإطلاق. تحية تليق بملك»، في إشارة إلى الدور الذي قدمه غوزمان في فيلم «بلاك بانثر». وعبر الحساب الذي حمل صورة بالأبيض والأسود لبوزمان عن الحزن الذي أصاب ملايين المعجبين في أنحاء العالم لوفاة النجم عن 43 عاماً من مرض سرطان القولون، ووصف صراعه مع المراض لأعوام لم يوقفه عن تقديم مجموعة من الأفلام حصدت إعجاب الجمهور.
انتشرت الرسالة بسرعة كبيرة، وهي الآن تقف بمفردها على رأس لوحة مقاييس «تويتر» بأكثر من 5.7 مليون إعجاب، تليها تغريدة للرئيس الأميركي السابق باراك أوباما في عام 2017 تضمنت اقتباساً لنيلسون مانديلا: «لا يولد أحد حاملاً معه الكراهية لغيره بسبب لون بشرته أو خلفيته أو دينه»، وقد سجلت 4.7 مليون علامة إعجاب.
في غياب الفارس تشادويك بوزمَن
نظر تشادويك بوزمَن مباشرة إلى الكاميرا وحذر المشاهدين: «الكلام خلال العرض ممنوع. الهواتف يجب أن تكون مغلقة طوال الوقت. أنا أراقبكم».
مع نهاية العرض وتوالي العناوين، يخرج من عتمة الصالة وجه بوزمَن وهو يقول «ما زلت أراقبكم». حدث ذلك قبل عامين عندما عُرض «بلاك بانثر» في صالة «ألامو درافتهاوس» في مدينة أوستن، في ولاية تكساس. يومها لم يكن اسم تشادويك بوزمَن رناناً كما هو اليوم. كان خرج من تحت عباءة بضعة أفلام مستقلة ودور كبير واحد في «كابتن أميركا: حرب أهلية» (2016) قدم فيه شخصية بلاك بانثر لأول مرة.
هذا قبل أن ينفرد ببطولة الفيلم الحامل لاسم شخصيته لاعباً دور زعيم قبيلة أفريقية اسمه تشالا يتحول إلى محارب بلقب بلاك بانثر مدافعاً عن القيم الإنسانية وعن مملكته القابعة وسط الجزء الأعلى من أفريقيا.
– 14 فيلماً
في هذه الأيام تخال ظهور اسم ممثل أو مخرج أفرو – أميركي مرتبط بالحركة المناهضة للعنصرية التي تجوب الولايات المتحدة. هناك العديد من السينمائيين السود الذين صرحوا، لجانب آخرين بيض، بتأييدهم للاحتجاجات على ممارسة البوليس للعنف المفرط ضد السود والعنصرية التي ما زالت تُمارس ضدهم رغم الشوط الكبير الذي بلغته البلاد على صعيد المساواة بين أبنائها منذ ستينات القرن التاسع عشر عندما وقعت الحرب الأهلية للأسباب ذاتها.
لكن هذه المرة، لم يكن اسم تشادويك بوزمَن مرتبطا بأي موقف سياسي أو اجتماعي، ولا حتى بمشروع فيلم جديد. المفاجئ هو أنه كان مرتبطاً بخبر رحيله متأثراً بمرض السرطان الذي أنهكه منذ سنوات قريبة.
توفي بوزمَن كما سبق وتوفي أبطال أفلام سوبرهيرو من قبله: كيرك ألن (سوبرمان المسلسل الذي ظهر سنة 1948) وجورج ريڤز (لعب الدور في مسلسل تلفزيوني خلال الخمسينات) ولسلي ولسون (بطل نسخة 1943 من «باتمان») وبستر كراب (بطل مسلسل «فلاش غوردون»).
لكن الوقع كان جسيماً أكثر هذه الأيام مما كان عليه سابقاً مع رحيل آخرين قاموا بأداء شخصيات الكوميكس الخارقة. فمعظم الراحلين السابقين ماتوا بعد سنوات بعيدة من تمثيلهم الشخصيات الخارقة بينما يرحل بوزمَن وهو في أوج تألقه.
رحل بوزمن يوم أول من أمس (الجمعة)، قبل أن تُتاح له فرصة أداء العديد من الشخصيات والأدوار، ولكن في غضون الأفلام الأربعة عشر التي مثلها ما بين 2008 و2020 ترك وقعاً إيجابياً لدى الجمهور كما لدى المتابعين والنقاد.
خذ مثلاً دوره في Get on Up لاعباً شخصية جيمس براون، تجد أن بوزمَن جسد شخصية مغني الصول الراحل كما لو كان هو. المسألة عند بوزمَن، في ذلك الفيلم الذي أخرجه تايت تايلور سنة 2014. لم تكن لعب دور رجل آخر، بل إقناع المشاهدين بأن الرجل الآخر ليس سوى بوزمَن نفسه.
وكان لعب شخصية حقيقية أخرى قبل دوره هذا بعام واحد. الفيلم هو «42» الذي دار حول لاعب البايسبول الأسود جاكي روبنسون الذي كان أول أفرو – أميركي يمارس اللعبة الأميركية الشهيرة محققاً فيها نجاحاً أدى به إلى شهرة كاسحة.
عبر هاتين الشخصيتين المتجذرين في الثقافة الشعبية الأميركية كل في صعيد مختلف (الغناء والرياضة) وعبر تمثيله لشخصية بانك بانثر في فيلم بز مستواه بعض أفضل ما حققته هوليوود من أفلام كوميكس، سعى بوزمَن لتأدية شخصيات تترك تأثيرها الوجداني في الذات.
قبل إطلاق «بلاك بانثر» بأسابيع قليلة صرح قائلاً لمجلة «ذا هوليوود ريبورتر»: «آمل أن يرى الناس البطل الذي في داخلهم. أن يفكر بنفسه إنه يستطيع أن يكون بطلاً إذا أراد حتى ولو كان المشاهد أبيض البشرة فإن الالتقاء به سيغير ولو قليلاً ما يقوم عليه مجتمعنا».
– بلاك بانثر
لكن إذا لم يسع بوزمَن لتأدية شخصيات تترك تأثيرها الوجداني كما هو مُعتقد، فإنه حقق هذا السعي تلقائياً.
امتلك بوزمَن ما أهله لذلك: وجهٌ بملامح جذابة. قامة أعلى من متوسطة. جسد نحيف ورياضي. ابتسامة لطيفة وجدية مقبولة وغير مصطنعة. هذا على السطح. أما في الداخل، ولمن رأى ولو بعض أفلامه، فقد عكس حرارة عاطفية وحيوية تلقائية. تسلل بلا جهد إلى تحت جلد شخصياته وأدى الأدوار بتفهم عميق خصوصاً لحقيقة أن كل من روبنسون وبراون هما من لون بشرته وصميم ثقافته.
لعب بوزمَن الرياضة في شبابه الأول واستمع إلى الصول ميوزك معاً. كتب مسرحية عن العنصرية بعنوان «تقاطع طرق» لكنه دلف إلى تعلم التمثيل والإخراج. لاحظته الممثلة فيليسيا رشاد (إحدى الوجوه الدائمة في المسلسل التلفزيوني الكوميدي The Cosby Shaw) التي كانت تدرس مادة التمثيل وهي التي جمعت ما يكفي من المال لإرساله (وبعض رفاقه) إلى لندن لدراسة التمثيل الدرامي هناك. لاحقاً ما علم أن الممثل دنزل واشنطن هو الذي دفع معظم تكاليف الدراسة.
هذا كله قبل انتقاله، سنة 2008 إلى مدينة لوس أنجليس حيث باشر السعي الدؤوب باحثاً عن الأدوار. تمثيله لفيلم «42» كان نقطة تحول وقعت بعد أربع سنوات من تلك النقلة إلى مدينة الأحلام. زوجة الرياضي روبنسون لاحظته وهو يمعن التفكير في كل صورة فوتوغرافية محفوظة لديها حول الرياضي الراحل. قالت لمحدثها «كان ممعناً بكل صورة دارساً لكل تفاصيلها كما لو كان على تواصل مع روح صاحبها».
في «كابتن أميركا: حرب أهلية» (2016) كان ظهوره الأول كبلاك بانثر. دور كان الممثل وسلي سنايبس يرغب في تجسيده وسعى إلى ذلك طوال التسعينات وكاد أن يحقق حلمه لولا خلاف دب بينه وبين المخرج المقترح لذلك المشروع وهو (الراحل جون سينغلتون).
عرف بوزمَن بأن هوليوود اختارته لدور بلاك بانثر وهو في برلين. طار للتو عائداً إلى هوليوود والتقى بمخرجي «كابتن أميركا: حرب أهلية» أنطوني وجو روسو. واستقبل الفيلم جيداً كذلك تألق شادويك بوزمَن فيه على نحو خاص.
بعد «بلاك بانثر» (2018) ظهر في «أفنجرز: حرب أبدية» (2018) و«أفنجرز: إندغيم» (2019) محافظاً على رونق شخصيته وتألقها. كيف لا وهو كان على موعد لأداء جزء ثان من «بلاك بانثر» في العام المقبل.
الصورة الأخيرة التي ستبقى ماثلة لبوزمَن هي تلك المأخوذة لدوره في Da 5 Bloods الذي حققه سبايك لي وعرضته «نتفلكس» هذا العام. فيه لعب شخصية الكابتن نورمان الذي يترك على محيطه من الجنود الأفرو – أميركيين خلال الحرب الفييتنامية، أثراً كبيراً كونه كان الأعلى ثقافة منهم والأكثر شجاعة أيضاً.
– شرف كبير
صدى رحيل بوزمن بلغ الحجم المتوقع والمناسب.
«كان رحيله ساحقاً بلا ريب». قال كَڤن فيج، رئيس ستديوهات مارڤل التي أنتجت الفيلم مضيفاً: «كان فارسنا تشالا وصديقنا العزيز. كلما دخل مكتبنا أشاع الكاريزما والمرح».
فيلسيا رشاد أشادت به في دورها وتذكرت: «لم يطلب مني أن أساعده في الوصول إلى أي مشروع عمل، أو التوسط مع أي منتج لكي يمنحه فرصة التمثيل. كان عليه أن يحقق ما يريده لنفسه بنفسه».
الممثل مارك روفالو كتب مغرداً: «يا له من شرف كبير أني عملت معك وتعرفت عليك. كنت إنساناً مخلصاً وكريماً. آمنت بالطبيعة الخاصة للعمل».
وعلى غراره كتبت الممثلة كمالا هاريس: «قلبي مكسور. صديقي شادويك كان بديعاً ولطيفاً ومثقفاً ومتواضعاً. رحل باكراً، لكن حياته عنت الكثير خلال وجوده».
على غرار هؤلاء نعاه دنزل واشنطن وهالي بيري وكريس برات ورئيس ستديوهات ديزني (التي شاركت مارڤل تمويل «بلاك بانثر»)، وكارل ويذرز وشارون ستون وكڤن سميث وسواهم.
ولم يكن نقاد السينما بعيدين عن تقدير موهبته بدورهم ولا غاب حضوره عن جمهور الشباب الذين تحلقوا حول «بلاك بانثر» فأنجز عالمياً بليونا و347 مليون دولار. وكان الفيلم الأول الذي دخل العروض السينمائية في المملكة العربية السعودية قبل عامين ونيف.
سُئل ذات مرة عن أصعب ما واجهه خلال تمثيله شخصية «بلاك بانثر» فأجاب: «نقل الثقافة الأفريقية إلى الشخصية ذاتها». مهمة هي أصعب بلوغاً من أي مهمة أخرى يمكن لأي ممثل القيام بها، لكن تشادويك بوزمَن حققها.