بـ صور فقط، قدمت فيروز التي استقبلت الرئيس الفرنسي لمحة وجيزة عن بيتها الذي لا يعرف داخله إلا قلة قليلة. وبينما كان ماكرون يقلدها الوسام الأعلى في فرنسا، توسط لقاءهما المتباعد جسدياً لوحة فيروز الأيقونية. فمن رسم هذه اللوحة، وما سر حب فيروز لها، علماً أنها لم تغير مكانها منذ نحو 3 عقود؟
اسم الفنانة التي رسمت اللوحة هو سيسي سرسق، والتي رسمت لوحة فيروز العام 1980، أي بعد 5 سنوات على اندلاع الحرب الأهلية.
ورغم كل اللوحات ذات الطابع الديني التي زينت الصالون الذي استقلبت فيه فيروز الرئيس على فنجان قهوة قبل أن يتوجه للقاء الرؤساء، إلا أن لوحة فيروز كانت طاغية الحضور
وسيسي فنانة كرواتية الأصل، تنقلت في أكثر من دولة عربية وأجنبية، قبل أن تستقر في لبنان، حيث عاشت الفترة الأطول من حياتها بعد 20 عاماً أمضتها في مصر، وتوفيت العام 2015 عن عمر يناهز 92 عاماً.
من هي سيسي سرسق؟
ولدت جوستينا (سيسي) توماسيو في مدينة سبليت بكرواتيا، لأب يعمل في السلك الدبلوماسي اليوغوسلافي.
تنقلت كثيراً في طفولتها وشبابها، بسبب عمل والدها، إذ أمضت 4 سنوات في إيطاليا، ثم 5 سنوات في النمسا. التحقت بمدرسة الفنون في بلغراد، لكنها تابعت تعليمها في أنقرة لمدة 4 سنوات.
بعد ذلك انتقل والداها إلى إيران لمدة 5 سنوات، قبل أن يستقر بهما الحال إلى مصر العام 1945.
عندما احتاج والداها للسفر مرة أخرى، قررت سيسي البقاء في القاهرة، وحصلت على وظيفة تابعة لوزارة الإعلام، بحسب ما نشر موقع Geni الكرواتي.
في إحدى الحفلات، التقت بالأمير اللبناني حبيب سرسق، الذي تزوجته عام 1947، وانتقلت إلى ما كان يُعرف بقصر الجزيرة الشهير في القاهرة، لتعيش معه ومع عائلته التي كانت تمتلك القصر، حيث كان يقوم بخدمة العائلة نحو 120 عاملاً وعاملة.
وعائلة سرسق أسرة لبنانية أرثوذكسية، وإحدى العائلات الأرستقراطية السبعة التي كانت تحكم لبنان. تمكنت العائلة من تأسيس نفوذها وثروتها في عهد الدولة العثمانية، من خلال التجارة والاستيراد والتصدير وامتلاك العقارات.
تذكر سيسي في مقابلة إعلامية، أن حماتها منعتها من الرسم في الفترة التي عاشت فيها بقصر الجزيرة، خوفاً على سجاد القصر الفاخر، فوصفته سيسي لاحقاً بأنه كان “قفصاً ذهبياً” بكل ما للكلمة من معنى.
ولكن عندما أمم الرئيس المصري السابق جمال عبدالناصر القصر العام 1962، خسرت العائلة ممتلكاتها في القاهرة، وانتقلت إلى لبنان العام 1965.
من قصر الجزيرة، انتقلت سيسي إلى قصر سرسق الذي بُني العام 1860.
ويعد “قصر سرسق” الآن متحفاً يضم مقتنيات لا تُقدر بثمن، من العهد العثماني، وبه أعمال فنية إيطالية وعالمية، جمعتها 3 أجيال من العائلة.
وسرعان ما انخرطت سيسي في الحراك الفني، واستكملت عشقها للرسم والفنون.
أنجبت 3 أولاد، أحدهم رجل أعمال ناجح في مصر، يُدعى نيشا سرسق (يملك ملهى دوبليكس)، ولها ابنة اسمها سميرة تعيش مع عائلتها في لبنان، بحسب موقع Sursockhouse.
سافرت هذه الرسامة الاستثنائية حول العالم، وعرضت أعمالها في نيويورك وبالم بيتش وروما وباريس ولوزان وبلجيكا، كما كانت تعرض أعمالها في القاهرة وبيروت تقريباً كل عام.
لم تُشر سيسي في أي من مقابلاتها الإعلامية إلى العام الذي قررت فيه العودة إلى كرواتيا، لكنها عادت إلى مسقط رأسها أخيراً حيث توفيت العام 2015.
لوحة فيروز وشخصيات عالمية
حتى في تسعينيات عمرها، استمرت سيسي في الرسم بلا كلل، ويتخطى إنتاجها الـ800 صورة شخصية، من بينها العديد من المشاهير -وليس فيروز فقط- إذ كانت تتخصص في رسم الوجوه.
وقالت إنها كانت تحب رسم العيون، فكانت غالباً ما تُبرزها دون غيرها من تفاصيل الوجه.
ومن الشخصيات التي رسمتها: زوجة الشاه الإيراني رضا بهلوي فرح ديبو، وفي نيويورك رسمت أفراداً من عائلة روكفلر الثرية، وبالطبع رسمت صورة لزوجها اللبناني حبيب سرسق، وحفيدتها التي ما زالت تنشر لوحات جدتها على موقع إنستغرام بين الفينة والأخرى.
كانت سيسي تجيد التحدث باللغات الإنجليزية والعربية والفرنسية والإسبانية والتركية والروسية، وطبعاً الكرواتية، ويبدو أن حبها لفيروز تجسّد في تلك اللوحة، التي اكتسبت بفضل “فنجان القهوة” الذي شربه إيمانويل ماكرون في منزل فيروز مكانة تاريخية لا مثيل لها.