بيروت .. المدينةُ التي لا أبوابَ لها تُغلقُها كان عليها أن تواجهَ الحريقَ المكرّرَ من دونِ أن يتمكّنَ ابناؤُها من تسكيرِ نوافذِهم لكونِها في العَراءِ منذ الانفجارِ المدمِّر .
وبيروتُ المحاطةُ بحكومتينِ اثنتين ..مَصروفةٍ وقيدِ الدرس .. دياب وأديب وجدَت أنّها مَسرحٌ متروكٌ ومفتوحٌ على الإهمال ..والمرفأَ متاحٌ لورشِ الأعمالِ وصاروخٍ متطايرِ الشَّرَاراتِ وتلحيمٍ على عملياتِ تنجيمٍ عمّا يحصُل .
نظريًا لبنانُ تحتَ قانونِ الطوارىء لكنّه عملياً يقعُ تحتَ فوضىْ عبثية .. لا حمايةَ لمسرحِ الجريمةِ الأولى .. القضاءُ متداخلٌ معَ الأجهزة .. الطرفانِ لا يعرِفانِ على مَن تقعُ المسؤوليات وزيرةُ العدل تطلُب .. المدَّعي العامُّ التمييزيُّ يُسطّر .. المديرُ العامُّ لإدارةِ مَرفأِ بيروت يَتذكّر متأخرًا أن يُصدِرَ تعميمًا غداً يَطلُبُ فيه منعَ استيرادِ أو تخزينِ الموادِّ القابلةِ للاشتعال ..ومجلسُ الدفاع الاعلى يقرّرُ أن ينعقد ” على برود ” وبعدَ انطفاءِ النيران أما الحكومتانِ المغفورُ لها وتللك التي لا تزالُ على النار فقد تعاملتا معَ اللبنانيين وأهالي بيروت عن بُعد مِن دونِ الإشرافِ المباشَرِ على أعمالِ الإطفاءِ والتدقيقِ في المسؤوليات.
وحدَها فِرَقُ الدفاعِ المدنيّ وفوجِ الإطفاء كانت هي المجلسَ الأعلى للدفاع وهيئةَ الإشراف ..وبآلياتٍ تفتقدُ إلى التجهيزاتِ اللازمة كانوا يندفعون نحوَ الخطَر فيصحبونَ في لحظةٍ ناريةٍ هُم العهدَ الأقوى الذي يتحمّلُ مسؤولياتِه على الرَّغمِ مِن افتقارِه الى قدُراتٍ لوجسيتيةٍ وحِرمانِه حقوقَه المالية. دفاعٌ مدَنيٌّ .. غيابٌ سياسيّ , وتضاربٌ في الروايةِ حولَ نيرانِ السوقِ الحرةِ اليوم لكنّ مصادرَ أمنيةً أشارت للجديد إلى قرارٍ رسميٍّ بالسماحِ لمجموعةِ شرِكاتٍ بدخولِ المستودعاتِ لسحبِ بضائعِها
وفي تَكرارٍ لعمليةِ التلحيمِ المدمِّرة قامَ العمالُ بقصِّ الحديد ما أدّى إلى تطايرِ الشرارةِ الأولى على الزيوت فوقعتِ الكارثة.
وهذا المَحضَرُ صدّقَ عليه وزيرُ الأشغالِ العامةِ ميشال نجار الذي كتَب جملتينِ في بيان ” كمراقبٍ سويديّ ” وهو أعطى اللبنانيين علمًا وخبراً بأنّ الحريقَ في حاجةٍ إلى إجراءِ دراسةٍ شاملةٍ حولَ ما جرى ومدى توافرِ معاييرِ السلامةِ العامة.
وبناءً على هذا البيانِ المحايد فإنّ مَن سيحتاجُ الى صيانةِ هو الوزيرُ نفسُه الذي يفتقدُ الى معاييرِ السلامةِ العامة ..ويُنصَحُ بعدمِ الاستفادةِ مِن تصريفِه للأعمال لا بل بصَرفِه بمفعولٍ رجعيّ من دونِ أسِف .
فوزيرُ الأشغال لديه أشغالٌ أخرى أهمُّ من دمارِ المرفأِ للمرةِ الثانية ..”وبالكاد” يقضي الرجلُ وقتَه في التجديد لصفْقةِ المطار بناءً على إخبارياتٍ كاذبة .. وفي دولٍ تحترمُ ناسَها فإنّ وزيرَ أشغالٍ بهذه المواصفات يُقدمُ استقالتَه طوعاً .. يُحاكَمُ قبلَ صدورِ نتائجِ التحقيق .
.
أما مجلسُ الدفاعِ الاعلى الذي يواكبُ النيرانَ بعدَ إخمادِها فإنّه سيكرّرُ أقوالَه ..وقد يخرجُ بيانه الرسميّ ليعلنَ أنّ الساهرينَ على أمنِ البلد ” لم يعلموا ” ولم تصلْ اليهمُ التقاريرُ أو ان الأجهزة راسلت هيئة القضايا .. والهيئة وضعتِ الاشارة .. .. وأنّ رئيسَ الجُمهورية سيؤكّدُ خلالَ الاجتماعِ علمَه بالحريقِ بعدَ فواتِ الأوان .
وهذا ما حصل بالفعل اذا تحدث الرئيس ميشال عون من زاوية المسؤول الذي لا يعلم .. وهو رجّح ان يكون سبب الحريق : اما عملا تخريبا او نتجية خطأ تقني .
والحقيقة الاصدق ان كل ما يحصل هو نتجة خطأ سياسي اوصلكم جميعا الى سدة الحكم .