حرب جديدة يبدو أنها ستقع على أعتاب الشرق الأوسط بين الأرمن والأذربيجانيين، فما هي أسباب العداء بين أذربيجان وأرمينيا، ولماذا تتكرر المواجهات بين البلدين ومن بدأ في العدوان هذه المرة، وما هي موازين القوى بينهما.
وأعلنت أرمينيا الأحكام العرفية والتعبئة العامة في إقليم ناغورنو كاراباخ بعد مواجهات أسفرت عن سقوط قتلى بين الجانبين أمس الأحد، كما وقّع الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، اليوم الإثنين، قرار إعلان التعبئة الجزئية في البلاد.
ووفقاً للقرار، سيتم تجنيد المواطنين القادرين على أداء الخدمة العسكرية في إطار التعبئة، كما ستُتخذ إجراءات تتعلق بالنقل العسكري.
وأوضح مراسل الأناضول أن علييف أحال جميع الإجراءات المتعلقة بالقرار إلى مجلس الوزراء.
أسباب العداء بين أذربيجان وأرمينيا
تعود جذور الصراع إلى أكثر من قرن مضى، حين كانت المنطقة مسرحاً للتنافس على النفوذ بين المسيحيين الأرمن والمسلمين الترك والفرس.
وقد سكن المنطقة لقرون مسيحيون أرمن وأذريون ترك، وأصبحت جزءاً من الإمبراطورية الروسية في القرن التاسع عشر.
وعاش سكانها في سلام نسبي، رغم أن بعض أعمال العنف الوحشية التي ارتكبها عناصر من الجانبين في أوائل القرن العشرين لاتزال عالقة في ذاكرة أبنائها.
فبعد نهاية الحرب العالمية الأولى والثورة البلشفية في روسيا، أسس النظام السوفييتي الجديد وقتها –ضمن سياسة فرق تسد في المنطقة- منطقة حكم ذاتي في ناغورنو كاراباخ تسكنها أغلبية أرمينية داخل حدود جمهورية أذربيجان السوفيتية السابقة في أوائل عشرينيات القرن الماضي.
ومع تراجع القبضة السوفيتية في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، تطورت الخلافات بين الأرمن والأذريين إلى أعمال عنف بعد تصويت برلمان المنطقة لصالح الانضمام لأرمينيا.
بدأ الصراع الحالي في عام 1988، عندما طالب أرمن كاراباخ بنقل كاراباخ من أذربيجان السوفييتية إلى أرمينيا السوفييتية. تصاعد الصراع إلى حرب واسعة النطاق في أوائل التسعينيات.
ومع انهيار الاتحاد السوفيتي أواخر عام 1991، أعلنت كراباخ نفسها جمهورية مستقلة، مما أدى لتصاعد الصراع إلى حرب شاملة. ولم يتم الاعتراف بدولة “الأمر الواقع” من الخارج، حتى من جانب أرمينيا ذاتها.
بعد استقلال البلدين إثر إنهيار الاتحاد السوفيتي اندلع قتال واسع النطاق في أواخر الشتاء عام 1992، وفشلت الوساطة الدولية من قِبل عدة مجموعات، من ضمنها منظمة الأمن والتعاون بأوروبا، في التوصل إلى حل.
في ربيع عام 1993، استولت القوات الأرمنية على أراضٍ خارج الجيب نفسه، مهدِّدة بتحفيز مشاركة دول أخرى في المنطقة. وبحلول نهاية الحرب عام 1994، كان الأرمن يسيطرون بشكل كامل على معظم الجيب، ويسيطرون حالياً على نحو 9% من أراضي أذربيجان خارج الجيب.
وقد نزح ما يصل إلى 230.000 أرمني من أذربيجان و800.000 أذربيجاني من أرمينيا وكاراباخ نتيجة للصراع، وتم التوقيع على وقف لإطلاق النار بوساطة روسية في مايو/أيار 1994، وعُقدت محادثات السلام بوساطة مجموعة مينسك التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، منذ ذلك الحين، بين أرمينيا وأذربيجان.
وتشير التقديرات إلى أن الصراع بين الجانبين أسفر عن مقتل ما بين 20 ألفاً إلى 30 ألف شخص، وانتزعت الأغلبية الأرمينية السيطرة على الإقليم، ثم سعت إلى احتلال منطقة متاخمة ضمن أراضي أذربيجان لعمل منطقة منزوعة السلاح تربط بين كاراباخ وأرمينيا، وفقاً لتقرير “بي بي سي عربي“.
وفَّر وقف إطلاق النار الذي تم توقيعه عام 1994، عقدين من الاستقرار النسبي، الذي تدهور بشكل كبير إلى جانب ازدياد إحباط أذربيجان من الوضع الراهن، وهو ما يتعارض مع جهود أرمينيا لتوطيده.
على مر السنين، بدأ صبر أذربيجان على الوضع الراهن ينفد.
وبدفع من مكاسب باكو من النفط والغاز، شرعت البلاد في حشد عسكري. في عام 2015 وحده، أنفقت باكو 3 مليارات دولار على جيشها، أكثر من الميزانية الوطنية الأرمنية بأكملها، ووقعت اشتباكات على الحدود عدة مرات، أبرزها في عام 2016.
وقد قتل جنود من كلا الطرفين خلال وقائع خرق متفرقة لخرق الهدنة. وتسبب إغلاق الحدود بين تركيا وأذربيجان في مشكلات اقتصادية حادة لأرمينيا، كونها دولة حبيسة.
ماذا حدث هذه المرة؟
في شهر يوليو/تموز الماضي، قتل أربعة عشر شخصاً في اشتباك حدودي مميت بين الجمهوريتين السوفييتين اللتين تقعان بجنوب القوقاز.
وجه الجانبان أصابع الاتهام إلى بعضهما البعض آنذاك. حدث ذلك بعد أيام من اتهام الرئيس الأذربايجاني إلهام علييف أرمينيا بسحب يدها في مفاوضات سلام “لا معنى لها”.
وكان هذا إيذاناً بدخول التوتر بين البلدين مرحلة خطيرة.
وأمس الأحد اندلعت اشتباكات بين قوات أذربيجان وأرمينيا، وقد أسقطت مروحية تابعة لأذربيجان، ووردت تقارير عن سقوط ضحايا من المدنيين على جانبي الحدود، إثر إطلاق القوات الأرمينية النار على مواقع سكنية مدنية بأذربيجان.
وذكرت وزارة الدفاع الأذربيجانية في بيان لها، أن الجيش الأرميني بدأ عملية استفزاز واسعة النطاق، عبر إطلاق النيران بالأسلحة الخفيفة والثقيلة ضد مواقع أذربيجانية عسكرية ومدنية.
وتقول أذربيجان إن الجيش الأرميني أطلق النار الأحد، على مواقع سكنية مدنية بأذربيجان موقعا خسائر في الأرواح بين المدنيين، بجانب إلحاق دمار كبير في البنية التحتية المدنية في عدد من القرى التي تعرضت للقصف.
في المقابل، اتهم رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشنيان أذربيجان بشن هجمات جوية ومدفعية على قوات بلاده، فيما قالت أذربيجان إنها كانت ترد على قصف مدفعي شنته أرمينيا على امتداد الحدود.
وقال الرئيس الأذربيجاني إن الإدارة الأرمينية عرقلت عمداً عملية التفاوض، وأن تصريح نيكول باشينيان رئيس الوزراء الأرميني بأن “إقليم قره باغ أرميني” يشكل ضربة خطيرة للعملية السياسية.
وناشد سكان قرية “قابانلي” الأذربيجانية، الإثنين، العالم لجم الاعتداءات التي تشنها القوات الأرمينية على القرية الواقعة على خط المواجهات العسكرية بين البلدين.
وقال المواطن إسرائيل حاجييف لوكالة الأناضول، إن سكان القرية يتعرضون بكثافة لاعتداءات القوات الأرمينية.
وأفاد حاجييف أن القوات الأرمينية تستهدف منذ يومين المناطق السكنية بالأسلحة الثقيلة، مشيرًا إلى أن النساء والأطفال والمسنين اضطروا لترك منازلهم.
وتحدثت وزارة الدفاع الأذربيجانية عن إلحاق خسائر في صفوف القوات الأرمنية، وقالت إن القوات الأذربيجانية دمّرت عدداً كبيراً من المرافق والمركبات العسكرية الأرمينية في عمق خط الجبهة، بينها 12 منظومة صواريخ مضادة للطائرات من طراز “OSA”.
التوتر الخطير الحاصل في الإقليم دفع تركيا إلى التعليق رسمياً، وأعربت وزارة الخارجية التركية عن دعمها المطلق لأذربيجان، معربة عن إدانتها بشدة الهجوم الأرميني على أراضيها، فيما دعت روسيا إلى ضبط النفس.
من يتفوق؟
عدد سكان أذربيجان واقتصادها أكبر من أرمينيا عدة مرات.
إذ يبلغ عدد سكان أذربيجان 9 ملايين و713 ألف نسمة، مقابل نحو 3 ملايين لأرمينيا، ومساحة أذربيجان 86 ألف كم مقابل 29.7 كم لأرمينيا.
والميزانية العسكرية لأذربيجان 2.73 مليار دولار بنسبة 5.4% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، مقابل 0.5 مليار دولار لأرمينيا بنسبة 4.7٪ من الناتج المحلي الأرميني.
وتتمتع بلدان القوقاز بمعدلات منخفضة من الناتج المحلي الإجمالي ولكنها متشابهة، كما أن التنمية الاقتصادية من سنة إلى أخرى لا تختلف بشكل مذهل بين جورجيا وأرمينيا وأذربيجان (الجمهوريات السوفييتية القوقازية الثلاث التي نالت استقلالها من موسكو).
لكن أهم ميزة تمتلكها أذربيجان على جورجيا وأرمينيا هي موارد النفط التي يمكن استخراجها وتصديرها إلى أوروبا وآسيا.
وفي الحرب السابقة انتصرت أرمينيا بفضل الروح القومية الأرمينية المدعومة بالجاليات والأحزاب الأرمينية المنتشرة على مستوى العالم.
ولكن منذ تلك الحرب التي نشبت في التسعينيات، تزايدت الفجوة بين البلدين لصالح أذربيجان بفضل احتياطات النفط الضخمة للبلاد ولكن هذا لا يضمن تفوقاً عسكرياً لباكو، خاصة في ظل اتهامات للنظام الحاكم بالفساد وطبيعة النظام العقائدي الأرميني، ولكن قد يكون أي دعم تركي لباكو فارقاً، حيث أظهرت أنقرة قدرة لافتة على دعم حلفائها كما حدث في سوريا وليبيا، ولكن قد يؤدي ذلك إلى تدخل روسي
حتّى أرمينيا لم تعترف بانفصاله سابقاً.. كل ما تريد معرفته عن إقليم قره باغ الذي أشعل فتيل حرب أرمينيا وأذربيجان
قد يظن البعض أنّ الحرب المندلعة في الوقت الحالي بين أذربيجان وأرمينيا هي حربٌ جديدة العهد أو أن عمرها لا يتجاوز بضعة أعوام، لكنهم سيتفاجأن حتماً عند معرفة أنّ هذه الحرب عمرها يتجاوز 100 عام.
كيف بدأت الحرب بين البلدين رغم أنهما كانا جزءاً من دولة واحدة، وما علاقة إقليم ناغورني قره باغ؟
تاريخ الحرب الأرمنية – الأذربيجانية
تعود جذور الحرب بين أذربيجان وأرمينيا إلى العام 1918 عندما استقل كل من البلدين عن الإمبراطورية الروسية التي انهارت في العام ذاته.
الأمر الذي تسبب بصراع على مناطق الحدودية سيما مرتفعات قره باغ التي أصبحت في الوقت الحالي إقليماً يسمى جمهورية مرتفعات قره باغ ومحافظتي سيونك ونخجوان الواقعة جميعها داخل الأراضي الأذربيجانية.
فيما استمرت الحرب مدة عامين توفي خلالها عشرات آلاف المدنيين بسبب انتهاج جيش الدولتين تكتيك حرب العصابات.
سيطرة الاتحاد السوفييتي على أذربيجان
في أبريل/نيسان 1920 وبعد عامين من حرب ضروسة حصدت أرواح كثيرين، بدأت الجمهورية الأذربيجانية التي لم تهنأ باستقلالها الحديث عن الإمبراطورية الروسية باضطراب سياسي وعسكري كبيرين.
ففي الوقت الذي كانت فيه جمهورية أرمينيا الأولى تسيطر على أجزاء شاسعة من غرب البلاد بدأ تمرد أذري في الشرق ضد الحكومة، في حين كان الجيش الأحمر الروسي شمالاً يتفوق على جيش قوات روسيا البيضاء ويتحرك جنوباً نحو أذربيجان.
خلال تلك الفترة تلقت أذربيجان إخطاراً من قبل الجيش السوفييتي للاستسلام قبل أن يجتاحوا البلاد، وفعلاً بسبب تلك الاضطرابات أعلنت الحكومة الأذربيجانية استسلامها رسمياً.
رغم ذلك فإن العديد من جنرالات أذربيجان وبعض القوات المسلحة المحلية قرروا المقاومة وهو ما أخر إعلان روسيا الاشتراكية تأسيس الجمهورية الأذرية السوفيتية الاشتراكية برئاسة الرائد ناريمان ناريمانوف حتى 28 أبريل/نيسان 1921.
في تلك الأثناء استغلت الحكومة الأرمينية التي كانت حينها مؤلفة من حزب “الطاشناق” تلك الأوضاع المزرية التي تعيشها أذربيجان فدفعت بقواتها لاحتلال معظم غرب البلاد.
سيطرة الاتحاد السوفييتي على أرمينيا
في الفترة ذاتها وتحديداً في نوفمبر/تشرين الثاني 1920 بدأت الأوضاع السياسية في أرمينيا تتزعزع بسبب قيام أعمال شغب في العاصمة يريفان، ولم يكد الشهر ينتهي حتى اجتاحت القوات السوفييتية الحدود لتندلع حرب بين البلدين لم تدم أكثر من أسبوع واحد فقط.
إذ استسلمت الحكومة الأرمينية في 4 ديسمبر/كانون الأول 1920 عندما اجتاح الجيش الأحمر مدينة يريفان التي أصبحت عاصمة البلاد بعد إنشاء جمهورية أرمينيا الثانية.
بعد السيطرة على البلاد أعلن ستالين إنشاء الجمهورية الأرمينية السوفيتية المشتركة في 18 فبراير/شباط 1921.
ضم الاتحاد السوفييتي لإقليم ناغورني قره باغ إلى أذربيجان
في العام 1923 قرر جوزيف ستالين ضم إقليم ناغورني قره باغ الذي كان ذا سكان مشتركين بين الأرمن والأذريين، إلى آذربيجان ومنحه حكماً ذاتياً، في الوقت الذي قام بإبقاء إقليم ناختشيفان بأغلبيته الأذرية معزولاً داخل أرمينيا.
والهدف من تلك الخطوة كان زرع بذور الصراع بين البلدين لضمان نفوذ السوفييت الدائم عليهما، فاستمرت المناوشات بين البلدين حتى تفكك الاتحاد السوفييتي.
عودة الحرب بعد الاستقلال عن الاتحاد السوفييتي
قبل 3 سنوات من تفكك الاتحاد السوفييتي شعر الأذربيجانيون والأرمن بأن استقلالهما بات أكثر من أي وقت آخر فأعادوا صراعهما القديم إلى الساحة مجدداً لإثبات كل منهما أحقيته بإقليم ناغورني قره باغ.
بلغ الصراع ذروته في العام 1991 عندما أعلنت الدولتان استقلالهما عن الاتحاد السوفييتي.
فما كان من حكومة الإقليم وبعض المجموعات العرقية الأرمنية هناك إلا أنّ اعلنت نيتها الانفصال عن أذربيجان الذين أرسلوا قواتهم لمنعهم من ذلك.
إلا أنّ حكومة يريفان أرسلت أيضاً قواتها فاندلعت حرب استمرت لغاية 1993 وأودت بحياة أكثر من 30 ألف شخص.
انفصال لم يعترف به أحد!
في 10 ديسمبر/كانون الأول 1991 أعلن الإقليم انفصاله بشكل كامل وتأسيس جمهورية مرتفعات قره باغ، وتم تغيير اسمها إلى جمهورية آرتساخ، لكنه لم يلق أي اعتراف دولي حتى من أرمينيا وبات مجرد جمهورية حبيسة.
في العام 1993 كانت القوات الأرمينية قد سيطرت على الإقليم بشكل كامل إضافة إلى 7 مناطق حدودية آذرية تقدر بنحو 20% من الأراضي الأذربيجانية.
كما تسببت الحرب بتغيير ديموغرافي كبير هناك إذ قدرت أعداد المهجرين في الاتجاهين بنحو مليون شخص غالبيتهم من الآذريين وبفضلهم أصبح الإقليم ذا أغلبية ساحقة من الأرمن.
اتفاقية وقف إطلاق النار بين البلدين
في العام 1993 أصدر مجلس الأمن قراره رقم 822 الذي طالب فيه القوات الأرمينية بالانسحاب من الأقاليم التي احتلتها من أذربيجان ولكنها لم تمتثل للقرار.
وفي العام 1994 انتهى القتال بين البلدين بتوقيع إتفاقية وقف إطلاق النار، ولكنهما استمرا في حالة الحرب كونهما لم يوقعا على أي معاهدة سلام فيما بينهما.
وهو الأمر الذي ترك الإقليم بؤرة نزاع بين الجانبين تتجدد من حين لآخر تخلق قتلى وجرحى بين الطرفين سيما في العام 2016 عندما أدت لمقتل ما يزيد عن 100 شخص.
إقليم ناغورني قره باغ حالياً
يقع إقليم ناغورني قره باغ داخل الأراضي الأذربيجانية وعاصمته خانكندي وكونه لم يلق أي اعتراف دولي باستقلاله فإنه حالياً يتبع لأذربيجان ويعيش فيه حوالي 150 ألف شخص نحو 95% منهم أرمن، والبقية من الآذريين.
ويعد الإقليم فقيراً بموارده كونه يعتمد فقط على الزراعة وتربية المواشي إضافة لتصنيع بعض المنتجات الغذائية.