بي بي سي:
لا تزال الأزمة السياسية الخانقة في لبنان تسيطر على اهتمامات كثير من الصحف العربية؛ إذ ناقش معلقون الموقف الفرنسي المتوقع عقب إعلان رئيس الحكومة اللبنانية المكلف مصطفى أديب اعتذاره عن تشكيل الحكومة في لبنان.
وكان ماكرون قد حمّل القيادات السياسية اللبنانية المسؤولية، معلنا عن “فرصة أخيرة” أمامهم لتشكيل حكومة جديدة، ومستبعدا فرض عقوبات فرنسية على لبنان في الوقت الراهن.
“حملة إدانة جماعية”
اهتمت صحف لبنانية عدة بردة الفعل الفرنسية على ما وصفه البعض بـ “فشل” مبادرة ماكرون. ويقول نبيل هيثم في صحيفة الجمهورية إن “الفرنسيين لن يتخلّوا عن مبادرتهم، إلى أن تستنزف آخر الفرص”.
ويضيف هيثم: “باريس تنظر إلى المبادرة باعتبارها فرصة فرنسية أكثر منها لبنانية؛ فالتطورات الجارية في شرق المتوسط تجعل لبنان نقطة ارتكاز محتملة للسياسات الفرنسية إقليميا، وهو ما تبدّى بشكل جلي، حين حزم إيمانويل ماكرون أمتعته متوجّهًا إلى لبنان مباشرةً بعد انفجار الرابع من أغسطس/آب، وما رافق الزيارتين الأولى والثانية من “بروباغندا” (دعاية) عكست رغبات جيوسياسية واضحة في هذا السياق”.
كما يشدد الكاتب على أن الأطراف السياسية اللبنانية هي الأخرى تتمسك بالمبادرة الفرنسية “باعتبارها الفرصة المتاحة لإعادة ترميم النظام اللبناني”.
ويقول ناصر قنديل في صحيفة البناء إن “ما دفع الرئيس الفرنسي نحو بيروت ليس الحب ولا الشعر ولا فيروز، بل المصالح، ولذلك لن يتراجع عن قرار التمركز على شاطئ المتوسط المليء بالغاز… ولن يترك تداعيات مخاطر انهيار اقتصادي في لبنان، تنتج ما يصيب الأمن الأوروبي وهو يرى بأم العين قوارب النازحين ونشاط الجماعات الإرهابية، بصورة متصاعدة”.
ويضيف قنديل: “المبادرة الفرنسيّة لا تزال على الطاولة ولن تُسحب وستبقى كما قال ماكرون، وخريطة الطريق الجديدة تقوم على تأجيل المواعيد من اجتماع الدول الداعمة إلى المؤتمر الدولي بانتظار حكومة جديدة تنفذ المهمة التي كانت مرصودة لحكومة مصطفى أديب”.
وتعليقا على خطاب ماكرون بعد فشل أديب في تشكيل الحكومة، تقول صحيفة النهار في افتتاحيتها إن الرئيس الفرنسي “شنَّ أعنف حملة إدانة جماعية للزعماء والمسؤولين السياسيين اللبنانيين”.
وأبرزت النهار تأكيد ماكرون على أن “المبادرة الفرنسية الوحيدة لن تُسحب عن الطاولة ويجب تطبيقها بأسرع وقت”.
المبادرة الفرنسية “تلبننت”
تحت عنوان “ماذا ستفعل فرنسا بعدما اختار لبنان جهنّم؟”، يقول خيرالله خيرالله في صحيفة العرب اللندنية: “فرنسا تبدو مصمّمة على إنقاذ ما يمكن إنقاذه من مبادرة رئيسها إيمانويل ماكرون، الذي بات نجاحه في لبنان بمثابة تحدّ ذي طابع شخصي. ما الذي ستفعله الآن في ضوء فشل مبادرتها اللبنانية؟ هل لديها خيار آخر غير ترك لبنان لمصيره بعدما تبيّن أن البلد تحت الهيمنة الكاملة لـ ‘حزب الله ‘؟”
ويتهم الكاتب الرئيس اللبناني بالمسؤولية عن فشل المبادرة، ويقول: “لا يعي ميشال عون معنى إغراق المبادرة الفرنسية في متاهات السياسات اللبنانية في وقت ليس مسموحا فيه الرهان على الوقت. لم يكن مسموحا سوى الرهان على المبادرة الفرنسية التي سعت أصلا إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه عبر حكومة مصغرة لا تضم سوى اختصاصيين”.
كما يقول زياد علوش في صحيفة رأي اليوم اللندنية: “المؤشرات تذهب نحو متابعة ماكرون لمبادرته والتي يقول الفرنسيون إنها تتعلق بإنقاذ لبنان وليس بأشخاص. وعليه، ربما يعطي الثنائي الشيعي للرئيس المكلف الجديد والمرجح أن يكون سعد الحريري ما حجبه عن الرئيس أديب – وهو القبول بتسمية شيعي للمالية ولمرة واحدة”.
ويضيف علوش: “الترقب مخيف الآن في لبنان لعله سُكون ما قبل انفجار ثورة الجياع التي عليها أن تأكل السياسيين -آلهة التمر- أولاً، وليذهب التطبيع كما الممانعة إلى الجحيم ويبقى لبنان”.
ويقول سام منسي في صحيفة الشرق الأوسط اللندنية: “بات بديهيا القول إن المبادرة الفرنسية تلبننت، وعوض أن تُنقل التقاليد الديمقراطية الأوروبية العريقة إلى عروق السياسة اللبنانية العفنة، أضحت تغطي هرطقات دستورية هي آخر ما يحتاج إليه لبنان في هذه الظروف العصيبة”.
بعد اعتذار أديب عن تشكيل الحكومة: إلى أين تمضي الأزمة في لبنان؟
خطاب ماكرون ضرب مبّرح
كان في وجوهِهم خجل.. لسَلّموا السلطة فورَ سماعِهم محكمةَ إيمانويل ماكرون هو قَلَبَ الطاولة على الجميع.. وَضَعَ الأغلالَ في أيادي المسؤولين اللبنانيين.. عنفّهم لفظياً.. وانهالَ عليهم بالعصا السياسية، وكان ضربُه مبرحاً.. مُسيّلاً للدموع ومَنحَ ماكرون لبنان مُهلةَ “باريس-2.. وحَدّد لزعماءِ لبنان من أربعة إلى ستةِ أسابيعَ أخرى لتأليفِ حكومةٍ في إطارِ المبادرة الفرنسية وقال ماكرون للبنانيين: إنكم رهينةُ طبقةٍ سياسية تلعبُ لُعبةَ الموتِ والفساد والرعب، والمسؤولياتُ واضحة ويجبُ أن تَتِمَّ تسميتُها ووَجدت هذه القوى تفضيلَ مصالحِها السياسية على مصلحةِ البلد وترْكَ لبنان في لُعبةِ الخارج، وأنْ تَمنعَ المساعداتِ الدولية عن لبنان وقال ماكرون إنّ حزبَ الله ليس في استطاعتِه أن يكونَ جيشاً يحاربُ إسرائيل وميليشيا إلى جانبِ سوريا وأن يكونَ حزباً محترماً في لبنان، وقد أظهرَ العكس في الأيام الأخيرة وسمّى أمل وحزبَ الله بالاسم اللذين قرّرا ألاّ يتغيرَ شيءٌ في لبنان.. معتبراً أنّ الفشلَ هو فشلَهما وأَعلن أنه على الحزب أن يَتخذَ خِياراً تاريخياً.. فهل يريدُ الديمقراطية ولبنان، أم يريدُ السيناريو الأسوأ؟ معتبراً أنّ هذا الأمرَ اليوم في يدِ الرئيس نبيه بري وأضاف إنه في الأول من أيلول في قصرِ الصنوبر تعهّدتْ جميعُ القُوى تأليفَ حكومةِ المُهمة في خمسةَ عَشَرَ يوماً وما حَصلَ خلالَ الساعاتِ الأخيرة هو انقلابُ قادةِ المؤسساتِ اللبنانية التي لم ترغبْ بوضوح في احترامِ تعهداتِها وقرّرت أن تخونَ هذا التعهد ودعا ماكرون رئيسَ الجمهورية إلى الاضطلاعِ بمسؤولياتِه السياسية خلالَ الساعاتِ المقبلة لإعادةِ تكليفِ رئيسٍ للحكومة وقال إنّ الرئيس سعد الحريري كان مخطئاً في إضافةِ الشرطِ الطائفي للتشكيل علماً أنّ الحريري قدّم مبادرةً خالية من هذا الشرط فهو دعا إلى إسنادِ حقيبةِ المالية إلى الطائفةِ الشيعية لمرةِ واحدة.. على أن تكونَ التسمية للرئيسِ المكلف لكنّ الرئيس نبيه بري وَضعَ الأسماءَ العَشَرة للاختيار من بينِها، فطارت مبادرةُ الحريري. المبادرةُ الفرنسية لم تَمُتْ,, لكنّ الشعبَ مات وأصبحت عِظامُه “رَميم” سيُعيدُ ماكرون إحياءَ مساعيه.. غيرَ أنه لن يَجِدَ أحياءً لبنانيين كي يتلقّفوا المبادرة.. منهم لايزالُ مؤمناً بالفِرار عبْرَ البحر.. وآخرون حَزَموا قرارَهم بالمغادرة.. ومَن تبقّى هم مجموعاتٌ فَقدتِ الأمل جَهنّم أمامَهم.. وتصريحاتٌ سياسية وراءَهم لاتزالُ تُعيدُ النَغَماتِ نفسَها فالثنائيُ الشيعي يتمسّكُ بالتعطيل.. سعد الحريري يُعلنُ عُزوفَه عن الترشّح.. رئيسُ الجمهورية يَصونُ الدُستور على طريقتِه.. ورؤساءُ الحكوماتِ السابقون أصبحوا عصبةً بين الأمم وإذا كان الحريري غيرَ مرشّح وربما لن يَدعمَ شخصيةً سُنية للتكليف، فقد عُدنا إلى أصلِ المشكلة والمُحاطةِ بصراعٍ أميركيٍ سُعوديٍ إيرانيٍ فرنسي بعدَ الكلامِ الأخير للملك سلمان بن عبد العزيز.. وفيه أعلن خوضَه المعركة ضِدَ إيران وحزبِ الله وأين تُترجَمُ ساحاتُ المعارك سِوى لبنان؟ حيث يرى الثنائي وضِمنَه حزبُ الله أنّ الحربَ واقعةٌ ضِدَهم وأنّ لديهم ورقةَ الحكومةِ اللبنانية.. فلتُستخدَم لتعطيلِ أيِ تشكيلة وربطاً بهذا المَسار، فقد كُشِفَ اليومَ عن اتصالٍ هاتفي جرى بينَ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ووليِّ العهدِ السُعودي محمد بن سلمان.. وخَلَصَ إلى إجماعٍ بين الجانبين على ضرورةِ حلِ الأزمة اللبنانية ونَقلت روسيا اليوم عن مصادرَ مطّلعة أنه جرت إعادةُ طرحِ اسمِ الرئيس سعد الحريري كنُقطةِ توافق وفي المصادر نفسِها أنّ ماكرون بدّلَ فريقَه الفرنسي العامل على الأزمةِ اللبنانية.. لكنّ المشكلة هي في الفريقِ اللبناني فمَن يُبدّلُه؟ وهذا الفريق يبدو أنه لا ينتظرُ الانتخاباتِ الأميركية وحسْب، بل إنه سيتمسّكُ بحكومةِ تصريفِ الأعمال حتى نهايةِ عهدِ الرئيس ميشال عون وتلك مُهمةٌ يقودُها رئيسُ مجلسِ النواب نبيه بري الذي لن يُعبّدَ الطريقَ لأيِ انتخاباتٍ نيابية، لا مبكّرة ولا في مواعيدِها، على زمنِ هذا العهد ومِن “صفر عالشمال” في السياسة..