أعلن لبنان موافقته على إطار تنطلق من خلاله مفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، فيما تلقفته بعض وسائل الإعلام الأمريكية على أنه انتصار جديد للسياسة الخارجية للإدارة الحالية، لكنّ كثيراً من المراقبين يرون الأمر بصورة مختلفة، فهل يمكن أن يحدث تطبيع بين الجانبين؟
شبكة Deutsche Welle الألمانية تناولت القصة في تقرير بعنوان: “المحادثات الإسرائيلية اللبنانية لن تسفر على الأرجح عن فوز للسياسة الخارجية الأمريكية”، ألقى الضوء على كواليس ذلك الإعلان وردود الفعل بشأنه والسيناريوهات التي قد تنتج عنه.
مع انزلاق لبنان أكثر وأكثر في أزمة اقتصادية وسياسية، كان إعلان بيروت بأنها وافقت على إطار للمفاوضات مع إسرائيل، بشأن النزاع على الحدود البحرية عقب عقود من الحرب المتقطعة له وقع الصدمة.
وقال رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، الذي أصدرت واشنطن مؤخراً عقوبات على مسؤولين من حركة أمل بزعامته، يوم الخميس 1 أكتوبر/تشرين الأول، إنَّ الولايات المتحدة ستُسهِّل المحادثات غير المباشرة بين البلدين على مسافة 860 كيلومتراً مربعاً في البحر المتوسط.
وعقب النجاحات الأخيرة التي حققتها إدارة ترامب في السياسة الخارجية، والتي أشاد بها الرئيس نفسه باعتبارها “تاريخية” بسبب التوسط لتدشين علاقات أكثر ودية بين إسرائيل ودول المنطقة، سرعان ما أثنى وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو على إعلان لبنان، وقال إنه “يُفسِح المجال لمزيد من الاستقرار والأمن والازدهار للمواطنين في كلا البلدين”.
هل التطبيع مطروح أصلاً؟
لكن الخبراء يتشكَّكون في أنَّ أي تطبيع حقيقي للعلاقات بين البلدين سيكون متاحاً على طاولة المفاوضات، فمن ناحية، يواجه لبنان خطر خسارة عوائد مخزون النفط الموجود في المنطقة المتنازع عليها، والتي هو في أمسّ الحاجة لها تحت أعباء الديون المُرهِقة والاحتياطي الأجنبي المتناقص.
وقد عثرت إسرائيل بالفعل على حقول غاز كبيرة مُثبَّتَة قبالة سواحلها، بينما لم تُثمِر عمليات التنقيب اللبنانية إلا عن القليل، لكن وفقاً لهلال خشان، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية في بيروت الاعتبارات السياسية هي الدافع وراء الخطوة كما هو الحال دائماً.
وقال خشان: “هدَّدت الولايات المتحدة باستحداث المزيد من العقوبات التي قد تطال نبيه بري نفسه، لذا خوفاً من عواقب التصعيد الأمريكي، رضخ بري لاقتراح واشنطن”.
الولايات المتحدة ترغب في نزع سلاح حزب الله
بري متحالف مع جماعة حزب الله الشيعية في لبنان، التي تصور نفسها على أنها المدافع عن البلاد ضد العدوان الإسرائيلي، وتعتبرها الولايات المتحدة منظمة إرهابية مدعومة من إيران، وعائقاً أمام تشكيل حكومة لبنانية جديدة، بعدما حجبت الفصائل المتحالفة مع حزب الله الحكومة المقترحة لرئيس الوزراء المعين مصطفى أديب.
وفي هذا السياق، قال خشان إنَّ أية خطوة نحو تسوية النزاع على الحدود البحرية تسلب من أهمية حزب الله، بالرغم من أنَّ الإطار المتفق عليه للمحادثات يتعلق بصرامةٍ بالقضايا البحرية، وليس الحدود البرية المتنازع عليها، وفقاً لما قاله كبير الدبلوماسيين الأمريكيين لشؤون الشرق الأوسط ديفيد شينكر.
وأوضح خشان: “إذا تُوصّل إلى تسوية سياسية فلن يعُد حزب الله قادراً على الحديث عن مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وأعتقد أنَّ هذا هو الهدف الأمريكي الأكبر: نزع سلاح حزب الله”.
مقاومة لبنانية
تشير ردود الفعل اللبنانية إلى أنَّ المفاوضات قد لا تحصد الفوز السريع الذي يتطلع إليه البيت الأبيض، إذ أعربت وسائل الإعلام اللبنانية التي تُعَد متعاطفة مع حزب الله عن شكوكها في نجاح المحادثات، ونشر موقع Al-Akhbar، يوم الجمعة 2 أكتوبر/تشرين الأول، يقول إنَّ المفاوضات “ستُجرى في حقل ألغام”.
وكتبت ميسم رزق: “المفاوضات ستكون أصعب من تلك التي خيضت للتوصل إلى اتفاق الإطار، وربما ستمتد لسنوات، واشنطن وتل أبيب ستبتزّان لبنان، إلى أقصى الحدود، لانتزاع تنازلات منه. ويُخشى من تعامل البعض في بيروت مع التفاوض كورقة للإفلات من العقوبات، أو لتحسين العلاقة مع واشنطن”.
وإن كان يأمل “سماسرة السلطة” في لبنان أنَّ التحسن الطفيف في العلاقات سيُثمِر عن رفع العقوبات، فسرعان ما ردتهم وزارة الخارجية الأمريكية خائبين، حين صرّح أحد مسؤوليها، يوم الجمعة 2 أكتوبر/تشرين الأول، بأنَّ العقوبات ستستمر. وبالإضافة إلى ذلك يتوقع خشان ألا تقدم إسرائيل سوى تنازلات طفيفة في المفاوضات.
النخبة السياسة تنصب دفاعاتها
يرى خشان أنَّ الانخراط في المحادثات قد يكون محاولة لدرء المزيد من الضغوط الأمريكية إلى ما بعد الانتخابات الأمريكية؛ إذ من المرجح أن تتخذ رئاسة بايدن موقفاً أكثر ليونة مع حلفاء إيران في المنطقة.
من جانبه، يقول هايكو وايمن، من مجموعة الأزمات الدولية، إنه في الوقت الذي تتنافس فيه النخب السياسية في لبنان على تشكيل حكومة جديدة، لا تحمل الموافقة على الدخول في محادثات مكافأة تُذكر.
وأضاف وايمن: “قد تكون محاولة لإظهار المرونة بشأن ملف تهتم به الولايات المتحدة اهتماماً واضحاً، لكنه ليس وجودياً حقاً للبنان، بينما ينشغلون ويتنافسون في مسألة تشكيل الحكومة ليُظهِروا للولايات المتحدة استعدادهم للتعاون حول بعض الأشياء، حتى لو لم يستسلموا في أمور يعتبرونها وجودية”.
بدوره، علَّق خشان: “اللبنانيون ممتازون في المناورات السياسية، سينخرطون في أي شيء، ثم اعتماداً على الموقف بأكمله سيغيّرون موقفهم”.