وُلد الأخوان فريد الأطرش وآمال الأطرش (أسمهان) بمدينة السويداء في محافظة جبل العرب بسوريا، والدهما هو محمد بن فهد الأطرش أحد أمراء آل الأطرش، العائلة الأعرق بجبل الدروز، حيث كان منهم كثير من الرجال الذين لعبوا دوراً بارزاً في الحياة السياسية بسوريا والمنطقة، أبرزهم سلطان الأطرش قائد الثورة السورية ضد الاحتلال الفرنسي.. أما والدتهما فهي الأميرة علياء المنذر، درزية لبنانية، عُرف عنها صوتها الطربي الجميل وغنَّت في مناسبات عدة بعد مجيئها إلى مصر.
حياة أسمهان وفريد الأطرش
وُلد فريد الأطرش عام 1910، فيما وُلدت أسمهان، شقيقة فريد وتوأم روحه، عام 1917ـ بحسب صحيفة الأهرامـ على متن باخرة يونانية أثناء عودة العائلة من تركيا، حيث عمل والدهما فترة قصيرة، إلى جبل الدروز مرة أخرى. لم تدم إقامة العائلة طويلاً، فبعد عودتهم بعدة سنوات تحدَّت عائلة الأطرش القوات الفرنسية التي كانت تحتل أراضيها، فخافت الأم علياء المنذر على أبنائها الثلاثة فؤاد وفريد وآمال، وقررت أن تنتقل بهم إلى لبنان ثم إلى القاهرة حيث بدأت في مواجهة العقبات والمصاعب، وبدأت أيضاً مسيرتا فريد وآمال الفنية.
بوصول العائلة لميناء “القنطرة” في مصر، لم يُسمح لها بدخول الأراضى المصرية، لأنها لم تكن تحمل جواز سفر، إلا أن الأميرة علياء المنذر استطاعت الوصول إلى الزعيم سعد باشا زغلول تليفونياً، حيث كان على علاقة طيبة بعائلة الأطرش، فتوسط لها وسمح لها بدخول القاهرة، واستقروا فيها بمنطقة الفجالة.
واجهت العائلة في هذه المرحلة الصعبة من رحلتها عدة عقبات، منها ضرورة تغيير لقب الأبناء، ليسهل إلحاقهم بالمدارس الفرنسية دون تربُّص، ونفاد الأموال التي كانت بحوزة والدتهم وانقطاع أخبار الوالد؛ وهو ما دفع السيدة علياء المنذر إلى الغناء في الحفلات الخاصة لدى العائلات والعمل في الأديرة، وافق فريد وفؤاد على هذا الأمر بشرط مرافقتها حيثما تذهب.
بداية التحاق أسمهان وفريد الأطرش بعالم الفن
بهذه الأجواء بدأت تظهر مواهب فريد الصغير الذى كان مولعاً بآلة العود منذ أن كانت والدته تعزف عليه وتغنى على أوتاره، التحق فريد بمعهد الموسيقى الشرقي، وتعرف فيه على أستاذه الأول في تعليم العود الموسيقار رياض السنباطي، ثم عمل في فرقة بديعة مصابني، كما عمل في ملهى بلاتشي.
ثم تصادف وجود الموسيقار مدحت عاصم، الذي كان يشغل منصب المدير الفني للإذاعة بذلك الوقت، تصادف وجوده في معهد الموسيقى العربية واستمع إلى عزف فريد على العود، فأُعجب بعزفه وصوته جداً، وطلب منه أن يأتي للإذاعة، وبالفعل لم يضيِّع فريد هذه الفرصة والتحق بالعمل في الإذاعة المصرية.
والمصادفة كذلك جعلت الموسيقار داود حسني وهو يزور والدة أسمهان في مسكنهم، يسمع أسمهان وهي تدندن لأم كلثوم وكانت لا تزال طالبة في المدرسة، فسألها ما إذا كانت تريد أن تتعلم أصول الغناء، فوافقت وكانت البداية، واختار لها اسم “أسمهان” نسبة لإحدى تلميذاته التي تُوفيت قبل أن تأخذ نصيبها من الشهرة.
وفي عام 1931، شاركت أخاها فريد الأطرش الغناء في صالة ماري منصور بشارع عماد الدين، ثم دخلا الاثنان عالم السينما، وشاركا في أول فيلم لهما “انتصار الشباب”، وأخرج الفيلم المخرج أحمد بدرخان، وقام فريد بوضع ألحان أغاني الفيلم وكذلك وضع الموسيقى التصويرية له، واشترك في التمثيل نخبة من أبرز نجوم السينما المصرية: أنور وجدي وروحية خالد وبشارة واكيم.
رحلة أسمهان وفريد الأطرش الفنية
اشترك فريد الأطرش في 31 فيلماً قام فيها بدور البطولة وغنى ولحن أغانيها جميعاً، كما أسهم بعدد كبير من الأغنيات التي تربع بَّها على عرش الغناء، ولحن لعدد كبير من المطربين وأولهم شقيقته أسمهان التي لحَّن لها 16 أغنية تقريباً، كما لحن لوردة وفايزة أحمد وشادية ووديع الصافي ومحرم فؤاد.
أما أسمهان فقد كان إسهامها الفني غزيراً مقارنة بعمرها الصغير، حيث توفيت عند عمر الـ32 عاماً، ومقارنة أيضاً بقصتها التي اتخذت مساراً مأساوياً مختلفاً عن شقيقها، فحينما بدأت تخطو خطواتها الأولى نحو عالم الطرب، حققت نجاحاً لافتاً بأغنيات شقيقها فريد والموسيقار محمد عبدالوهاب، وهي لم تبلغ بعد الـ18 عاماً، وأصبحت عنصراً منتجاً رئيسياً في عائلة الأطرش، ولهذا السبب رفضت والدتها زواجها بابن عمها الأمير حسن الأطرش، الذي جاء إلى القاهرة ليمنع أسمهان من الغناء، لكنه ما إن رآها حتى وقع أسيراً لحبّها وقرر فوراً أن يتزوجها، ولم يقنع بالاعتذار المهذب الذي قدَّمته زوجة عمه التي وافقت على الزواج فيما بعد، لضغط العائلة عليها ومقابل تعويضها مادياً عن فقدان ابنتها ومصدر دخلها، فسجَّل لها الأمير بيتاً باسمها في دمشق، وأعطاها 500 جنيه مهراً لعروسه. وفي عام 1933، تزوجت آمال بابن عمها الأمير حسن وانتقلت من القاهرة إلى السويداء لتعيش معه، وأنجبت ابنتها الوحيدة كاميليا، ثم تطلقت منه بعد ست سنوات وعادت إلى مصر، لتغني أولى أغانيها التي أطلقتها من إذاعة القاهرة عام 1938 “يا طيور”، من تأليف يوسف بردونس وتلحين محمد القصبجي، وكانت هذه الأغنية نقطة البداية في شهرتها.
بدأت ممارسة الغناء في مجالات متعددة من ضمنها السينما، فكان أول فيلم غنت فيه من دون أن تظهر صورتها هو فيلم “يوم سعيد” مع المطرب محمد عبدالوهاب، عام 1939، حيث أدت أغنية “محلاها عيشة الفلاح”، واحدة من أغانيها في هذا الفيلم، وشاركت في أوبريت مجنون ليلى بفيلم “يوم سعيد” عام 1940.
تزوجت مرة أخرى بالمخرج أحمد بدرخان ثم انفصلا، ثم تزوجت الفنان أحمد سالم، وكان آخر أفلامها الذي لم تتمكن من إكماله هو “غرام وانتقام” الذي أُنتج عام 1944 من بطولة يوسف وهبي، لأيام طويلة توقف تصوير الفيلم؛ حيث كانت أسمهان تمر بظروف نفسية سيئة إثر خلاف حاد مع زوجها آنذاك الفنان أحمد سالم، وحاول يوسف بك وهبي، بطل العمل، إقناعها بالعودة للتصوير واستئناف نشاطها الفني، واقتنعت بالفعل، خاصةً أنها أنهت جميع مشاهدها بالفيلم، ولم يعد هناك سوى مشهد النهاية، لكنها استأذنته في إجازة قصيرة لمدة يومين تعود بعدها إلى الاستوديو، إلا أن أسمهان لم تتمكن من إكمال هذا المشهد؛ لتعرضها لحادث أودى بحياتها أثناء ذهابها لهذه العطلة.
وفاة أسمهان ووصية فريد الأطرش
قبل مغادرة أسمهان منزلها، أجرت محادثة تليفونية قصيرة مع شقيقها فريد الأطرش، قائلةً: “فريد، أنا مسافرة لمدة 48 ساعة بس، عاوزاك تعمل بروفة مع الموسيقيين لغاية ما أرجع”.
وأثناء ذهابها لقضاء هذه الإجازة برأس البر، تعرضت اسمهان ومديرة أعمالها ماري قلادة لحادث أودى بحياتهما، حيث انحرفت سيارتها عن الطريق وسقطت في ترعة الساحل بمدينة طلخا، فيما اختفى قائد السيارة في ظروف غامضة ولَّدت شكوكاً في كون الحادث مدبراً لاغتيالها.
ففي عام 1941، لجأت بريطانيا إلى أسمهان لتستعين بها على دخول سوريا ولبنان وطرد قوات حكومة فيشي التي كانت قد أسلمت زمامها إلى الألمان، وسافرت وقامت بالمهمة الموكلة إليها وعادت إلى زوجها حسن الأطرش، ثم ما لبثت أن عادت إلى مصر وطلبت أن يطلقها.
كما أنها كانت قد ضاقت بحياة الزوجية وبغيرة زوجها أحمد سالم، وشكّه في علاقتها بأحمد حسنين باشا؛ مما دفعه إلى مواجهتها وإطلاق رصاص من مسدسه نحوها، فهربت وأبلغت السلطات التي وجهت إلى أحمد سالم عدة تهم، منها الشروع في قتل زوجته، لذلك تواترت أقاويل عن اغتيال المخابرات البريطانية لها، وأخرى عن رغبة زوجها في الانتقام منها.
عام 1944، رحلت رفيقة الدرب وتوأم روح فريد، شقيقته أسمهان، عن الدنيا. وعام 1974 توفي فريد الأطرش في مستشفى بلبنان، وكان قد أوصى أخاه بأن يُدفن في مصر بجانب جثمان أخته وتوأم روحه أسمهان، وكان له ما أراد.
تقول أسمهان عن علاقتها بعائلتها كما ورد بكتاب “أسمهان تروي قصتها”، للكاتب محمد التابعي:
“كانت تخاف من فؤاد ولم تكن تحبه، عكس شقيقها فريد فإنها كانت تحبه وتحترمه وكانت بينهما صداقة قبل أن تكون هناك أخوة، وكانت أسمهان تلجأ إلى فريد كلما ضاقت بها الدنيا وتبكى على صدره وتشكو له سرها؛ بل تبوح له بما كانت تخشى أن تبوح به لأمها أو لشقيقها فؤاد”. وعن علاقتها بأمها قال إنها كانت بالنسبة لأمها “الدجاجة التي تبيض لهم ذهباً”، ولهذا السبب كانت أمها ترفض زواجها بالمخرج علي بدرخان، وحتى زواجها بابن عمها “الأمير حسن الأطرش” كان تحت الإكراه.