على ارتفاعِ خمسةٍ وستين صوتاً عاد سعد الحريري رئيساً مكلفًا خرج من تِشرين ودخل في تشرينَ آخر وعلى بُعدِ سنةٍ واحدة تخلّلها دياب وأديب وسمٌّ ولبَن ومبادرةٌ فرنسية اعتلى زعيمُ تيارِ المستقبل تكليفاً هو الأصعبُ في تاريخِ تشكيلِ الحكومات وقبل بلوغِ الحريري حاجزَ الأصواتِ الخمسةِ والستين كان التكليفُ يُخلّفُ أضرارًا في الممتلكاتِ النيابيةِ من جهة ويُظهِرُ مفاجآتٍ سياسيةً من جهاتٍ غيرِ محسوبة وتسبّب التكليفُ بزيادةِ شرخِ القوميّ وترْكِه قومياتٍ متعددة كما أنه أردى جان طالوزيان نائباً منفردًا.. نال جائزةَ الحريري وخسِر كُتلةَ القوات التي كان يَجلِسُ فيها “عالشوار” مؤهّلاً للخروجِ في أيِّ لحظةٍ منذ انتخابِه قبل عامين ولمّا كانت أصواتُ الكُتلةِ القومية قد عزّزت ميثاقيةَ الحريري مسيحياً فإنّ حزبَ الله لم يكن بعيدًا من توفيرِ هذه الخدمة لرئيسٍ لم يُسمِّه لكنه لم يُسمِّ أحداً غيرَه ومِن العَلاماتِ الفارقةِ في التكليف صوتُ النائب نهاد المشنوق مع الحريري قارئاً في كفِّ الوفاء ومعلنًا أنَّ الخلافَ سياسيّ والاتفاقَ سياسيٌّ أيضاً. صوتٌ فكَ المشنوق سياسيًا ورَفعَ الحاصل للمكلّف ليأتيَ الصوتُ الآخرُ مِن وراءِ الجائحة ويمنحَه النائب عدنان طرابلسي تأييدَه برسالةٍ خطيةٍ أبرق بها الى رئيسِ الجُمهورية معتذرًا عن عدمِ الحضورِ بسببِ إصابتِه بكورونا. لكنّ اللقاَء التشاوري لم يقدِمْ على فصل طرابلسي الذي خالفَهم الرأيَ ديمقراطيًا وذلك على عكسِ حِزبِ القواتِ الذي لم يستمعْ الى طالوزيان بل أبلغه عمليةَ الفصلِ مباشرةً في خلالِ كلمةِ النائب جورج عدوان من القصرِ الجُمهوريّ. وإذا كان طرابلسي منح صوتَه عن قناعةٍ سياسيةٍ ومذهبية فإنّ النائبَ جهاد الصمد اختار مسبَّقًا الخروجَ مِن دائرةِ التشاوري واعتمادَ نقيضِه على أنّ العَلامةَ المضيئةَ كانت للأرمنِ فعوّضتِ الكُتلةُ عن شغَبِ الخميسِ الماضي وطلبِها تأجيلَ الاستشارات وأعطت الحريري أصواتَها من دونِ انفصالٍ عن تكتّلِ لبنانَ القوي وفي أولِ وعودِ التأليفِ بعدَ تكليفِه أعلن الحريري أنه عازمٌ على تأليفِ حكومةٍ سريعًا مكوّناتُها منَ الاختصاصيين غيرِ الحزبيين لتنفيذِ الإصلاحاتِ ومندرجاتِ المبادرةِ الفرنسية والسّرعةُ أولُ ما تجلّى في تقطيعِ تقليدِ زيارةِ رؤساءِ الحكوماتِ السابقين وإمرارِ هذا العُرفِ عَبرَ الهاتف وبذلك يكونُ الحريري قد تجنّبَ زيارةَ الرئيس حسان دياب حاملا ًالعُذرَ معه وهو جائحةُ كورونا ولزومُ التباعدِ الاجتماعيّ أما في التقاربِ السياسيّ فإنّ الرئيسَ نبيه بري نشرَ التفاؤلَ بين تيارَين ورئيسَين لدودينِ مِن دونِ أن نتحقّقَ مِن مصدرِ هذه الإيجابية لاسيما أنّ رئيسَ التيار جبران باسيل خرجَ مِن الاستشارات ليَعيبَ على الرئيسِ المكلّفِ أرقامَه ويتمسّكَ بمواقفِه قائلاً: لا أحدَ يستطيعُ التغاضيَ عن النقص أو العيبِ الذي يشوبُ التكليف ومَن سيفعلُ ذلك يحاولُ إعادتَنا الى مراحلَ سابقة وهذا ما لن يحصُل وبعد فإنّ هذه الأرقامَ سوف تخضعُ لامتحانِ الثقة بعدَ التأليف الذي تواكبُه مجموعةُ الضغطِ الدَّوليةُ حولَ لبنان وليس آخرَ الكلامِ ما أدّلى به ديفيد شنكر هذا المساء رافعاً سيفَ العقوبات بيدٍ وداعيًا إلى حكومةٍ تحاربُ الفسادَ باليدِ الأخرى وفاصلاً بين الترسيمِ والتأليف وكان قد سبقه وزيرُ خارجية فرنسا جان ايف لودريان الى التحذيرِ من أنه كلما تأخّرنا في تشكيلِ الحكومة.. غَرِقَ المركَبُ أكثر ومنعًا للغرق فإنّ الحريري الرجلَ السياسيَّ جداً عن أب.. محكومٌ بإقامةِ مِنطقةِ عزلٍ عن كلِّ رَغَباتِ الأحزابِ والسياسيين مقاطعين وداعمين.. وتظهيرِ حكومةٍ تعالجُ وجعَ الناسِ التي لم تصدّقِ اليومَ أياً من مسرحيةِ العائدين الى السلطةِ متنكّرينَ بثوبٍ مَدَنيّ فالمشهدُ في قصرِ الاستشارات كان يُعطينا “ذاتَ” الوجوه.. عون حريري بري.. ثلاثيةٌ حكمت ولامت غيرَها.. لم تبدّلْ أداءَها ولم تُصلحْ أو تغيّرْ سِوى ثوبِها وربطةِ عُنُقِها مِن عامٍ إلى عام معَ تسجيلِ فَرقٍ وحيدٍ هو اتّباعُ سعد الحريري الحِميةَ الغذائية. واللبنانيونَ يريدونها اليومَ حميةً سياسيةً تقودُه الى عملياتِ شفطِ الدهونِ الحزبية.. الطامحةِ الى التهام ِ حِصصٍ ومواقعَ وزاريةٍ وإدارية. وما خلا ذلك فإنّ الحريري وإن جرى طلاؤُه باللونِ الفرنسي فسيكونُ تحتَ وقْعِ استدراجِ العروضِ السياسية فإما ينجحُ في رفضِها وإما يخضعُ للاتفاقاتِ بالتراضي مع خصومٍ ربما يحولون أنفسَهم إلى أعداء.. يتقدّمُ رئيس الجُمهورية والتيارُ الوطنيُّ من الميمنةِ والقواتُ من الميسرة ولم يُخفِ الرئيس ميشال عون هذا العِداءَ في خِطابِه امس.. وحبذا لو كان تعلّم حكمةَ كامل مروة من دون تعديلِها: قل كلمتك وامشِ.