توقع مسؤولون غربيون حصول مناوشات على «خطوط التماس» بين «مناطق النفوذ» الثلاث في سوريا، من دون حصول تغيير جوهري في «حدودها»، معربين عن القلق من حصول «انهيارات مفاجئة» في مناطق الحكومة جراء تراكم الأزمات الداخلية والعقوبات الغربية.
ولأول مرة منذ بداية 2011 لم يجر تغيير جوهري في «الحدود» بين المناطق السورية الثلاث. لكن مسؤولين غربيين أشاروا إلى أن «اللاعبين» الخارجين والمحليين، قد يعملون على الإفادة من انشغال أميركا بترتيب بيتها الداخلي والانتخابات، لفرض وقائع على الأرض في إدلب أو شرق الفرات، على أساس الاعتقاد أن المرشح جو بايدن سيكون أصعب في التعامل من الرئيس دونالد ترمب في ساحات عدة؛ بينها سوريا.
وأشار مسؤول غربي إلى وجود رأي أميركي بأن «حملة الضغط الأقصى» على دمشق؛ التي تتضمن أدواتها عقوبات «قانون قيصر» والعزلة السياسية والإهمال الاقتصادي والوجود العسكري الأميركي والغارات الإسرائيلية، ستدفع دمشق إلى تقديم تنازلات سياسية داخلية وجيو – سياسية، وسط قلق أوروبي من أن «الضغوط القصوى» لن تدفع بدمشق إلى تنازلات، بل ربما تؤدي إلى انهيارات في مناطق الحكومة من دون تنازلات. ويشير أحد المعنيين إلى «أمثلة حية لذلك في الفوضى والاغتيالات في جنوب سوريا، والأزمة الاقتصادية والمعيشية في دمشق».
في غضون ذلك، حمّل الرئيس السوري بشار الأسد مصارف لبنان سبب الأزمة الاقتصادية في البلاد. وقال أثناء جولة في معرض تجاري بدمشق إن السبب الجوهري للأزمة يعود إلى حجز ودائع بمليارات الدولارات تعود لسوريين في مصارف لبنانية. وأضاف «بدأت قبل قانون قيصر وبعد الحصار بسنوات، بسبب الأموال التي ذهبت (في مصارف لبنانية)».
الأسد يتهم مصارف لبنان بالتسبب في الأزمة الاقتصادية السورية
بينما تجددت المضاربات على سعر صرف الليرة في الأسواق الموازية، ورفعت تداولات الدولار في لبنان فوق عتبة 7 آلاف ليرة متظللة بالمناخات الضبابية التي ترافق مهمة تأليف الحكومة الجديدة، ضجت المواقع الإخبارية ومنصات التواصل الاجتماعي المحلية أمس، بتسجيل فيديو للرئيس السوري بشار الأسد، قال فيه إن السبب الجوهري لتفاقم الأزمة الاقتصادية في بلاده خلال الأشهر الأخيرة يعود إلى حجز ودائع بمليارات الدولارات تعود لسوريين في البنوك اللبنانية.
وقال الأسد إن ما بين 20 و42 مليار دولار من هذه الودائع ربما فقدت في القطاع المصرفي اللبناني، وأضاف: «هذا الرقم بالنسبة لاقتصاد سوريا رقم مخيف». وأضاف الأسد الذي كان يتحدث أثناء جولة في معرض تجاري: «الأموال اللي أخدوها وحطوها في لبنان ودفعنا الثمن، وهذا هو جوهر المشكلة اللي ما حدا بيحكي فيه».
وقال الأسد إن الأعباء الاقتصادية الحالية ليس سببها «قانون قيصر» الذي فرض عقوبات قاسية على المتعاملين مع النظام السوري، وتابع بأن «الأزمة الحالية بدأت قبل (قانون قيصر) وبدأت بعد الحصار بسنوات، هي المصاري اللي راحت (في البنوك اللبنانية)».
ورغم إقرار المصارف اللبنانية بتلقائية تمدد التداعيات المالية المحلية إلى الأسواق السورية وبالعكس أيضاً، لا سيما أن سريان «قانون قيصر» زاد الاعتماد السوري على السوق اللبنانية كمنفذ «تنفس» حيوي كونها أقرب الأسواق جغرافياً والأكثر ترابطاً اقتصادياً وتجارياً، والمستضيفة لمئات آلاف النازحين السوريين، فقد قللت مصادر مصرفية رفيعة المستوى من تأثير التصريحات المستجدة على الأسواق المحلية، نظير ما تعانيه أساساً من مشكلات نقدية ومالية مستعصية، دفعت المصارف إلى اعتماد ضوابط وإجراءات قسرية تسري على جميع الزبائن، وتطول مجمل عملياتها المعتادة في جانبي الاستثمار والائتمان، فضلاً عن نظام السرية المصرفية الذي يمنع كشف أي حسابات، وحرية المودع في التصرف بأمواله في الأحوال العادية.
لكن المصادر عينها لفتت إلى الفارق الكبير بين تقديرات الحد الأدنى لودائع السوريين في البنوك اللبنانية بنحو 20 مليار دولار، والحد الأعلى بنحو 42 مليار دولار، كما ورد على لسان الرئيس الأسد، وهو ما يؤشر تماماً إلى تعذر تحديد حصص «جنسيات» المودعين ربطاً بالتوزيع المعتمد الذي يفصل حصراً بين المقيمين وغير المقيمين. علماً بأن آلاف السوريين حازوا الجنسية اللبنانية بموجب مرسوم صدر منتصف عام 1994، ومئات أيضاً حصلوا عليها على مدى عقود عبر مراسيم خاصة.
وبموجب التصنيف المعتمد، تدل أحدث البيانات المجمعة على أن إجمالي بند ودائع الزبائن المقيمين في البنوك المحلية يبلغ حالياً نحو 113 مليار دولار، منها نحو 88 مليار دولار محررة بالعملات الصعبة والباقي بالليرة، بينما يبلغ إجمالي ودائع الزبائن غير المقيمين نحو 27.5 مليار دولار، بينها فقط ما يماثل نحو 2.2 مليار دولار، محررة بالليرة. وبذلك يبلغ إجمالي الودائع نحو 140 مليار دولار، علماً بأن 7 مصارف خاصة ذات مساهمات لبنانية تعمل في السوق السورية.
ونقلت وكالة «رويترز» عن رجال أعمال سوريين قولهم، إن الضوابط الصارمة التي تفرضها مصارف لبنان على سحب الودائع حجزت مئات ملايين الدولارات التي كانت تستخدم لاستيراد السلع الأساسية من نفط وبضائع إلى سوريا. كما يقول مصرفيون ورجال أعمال: «إن كثيراً من شركات الواجهة السورية كانت تلتف على العقوبات الغربية، باستخدام النظام المصرفي اللبناني لاستيراد البضائع غير المسموح بها إلى سوريا براً. وأدرجت وزارة الخزانة الأميركية عشرات من هذه الشركات على القائمة السوداء».
وتنحي السلطات السورية باللائمة على العقوبات الغربية في الصعوبات الواسعة النطاق بين المواطنين العاديين؛ حيث أدى انهيار العملة (نحو 2500 ليرة سورية لكل دولار حالياً) منذ بداية العام إلى ارتفاع الأسعار ومعاناة المواطنين من أجل الحصول على الخبز والإمدادات الأساسية. وقد واجهت الحكومة في الشهر الماضي نقصاً حاداً في الوقود، وأُجبرت على رفع أسعار الخبز، مع تقلص مخزون القمح، مما يفاقم حالة السخط بين السكان المرهقين من حرب مستمرة منذ عشر سنوات.